أثر التحول الديمقراطي على الاستقرار السياسي في نيجيريا منذ عام 2007
مقدمة:
تشغل ظاهرة التحول الديمقراطي حيزاً متنامياً علي مستوي العالم، خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وبروز موجة التحول من النظم التسلطية إلي النظم الديمقراطية، هنا تثور إشكالية البحث حول إمكانية تطبيق عملية التحول الديمقراطي في المجتمعات ذات الطابع الإثني في القارة الأفريقية، ومدي تأثير ذلك علي تحقيق الاستقرار السياسي وتقليل حدة العنف الإثني والديني، وتحاول الدراسة من خلال دراسة النموذج النيجيري الوقوف علي مدي نجاح نيجيريا ككيان يتسم بالتعددية الإثنية والدينية في التوصل لنموذج ديمقراطي يكون وسيلة لإدارة الصراع وتسويته بين الجماعات الإثنية المختلفة داخل المجتمع النيجيري خلال الفترة محل الدراسة أم أنها فشلت في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال سياسات التحول الديمقراطي التي اتبعتها فأصبحت تلك السياسات وسيلة لتأجيج الصراع لا وسيلة لتسويته وإدارته.
من هنا تأتي أهمية التعرض للنموذج النيجيري المعبر عن الطبيعة الإثنية للقارة الأفريقية؛ إذ أن تعداد سكان نيجيريا يبلغ نحو 90 مليون نسمة موزعون على نحو 250 قبيلة كما أن السكان في نيجيريا منقسمون إلى فئات ومجموعات سلالية ولغوية وثقافية ودينية فهناك 248 لغة يتحدث بها سكان نيجيريا أوسعها انتشارا الهوسا والكوا، والكانورى، والبانتو.
التعدد الإثني المرتبط بأقاليم جغرافية ظلت لسنوات طويلة منغلقة على نفسها كأطر متميزة داخل الدولة، إذ نجد في الإقليم الشمالي الشرقي خمسة جماعات إثنية رئيسية: الهوسا، والفولانى، والكانورى، والنوبى، والتيف وهم يمثلون نحو 60% من إجمالي سكان نيجيريا ويعتنق أبناء الجماعات الأربع الأولى الدين الإسلامي، وتعد جماعات الهوسا (ما يقرب من 11 مليون نسمة) الواجهة الثقافية للشطر الشمالي من نيجيريا، إذ يتحدث نحو 50% من سكان الشمال بلغة الهوسا التي أصبحت لغة الثقافة الإسلامية في غرب أفريقيا بصفة عامة، وفى الإقليم الشرقي توجد جماعات الإيبو وهى ثاني الجماعات الإثنية من حيث العدد (10 ملايين نسمة) بالإضافة إلى جماعات الإيبوبيو، والايفيك. أما جماعات اليوربا فتقطن جنوب غرب نيجيريا، وقد أثرت كل تلك الاختلافات الإثنية والدينية على استقرار نيجيريا منذ استقلالها عن بريطانيا 1960.
بناء على ما سبق ستحاول الدراسة تبيان أثر عملية التحول الديمقراطي على درجات الاستقرار السياسي في نيجيريا؟
المبحث الأول- بيئة التحول الديمقراطي في نيجيريا:
نيجيريا واحدة من أكبر دول القارة جنوب الصحراء، فنيجيريا صورة مصغرة من القارة الأفريقية من حيث التعدد الإثني واللغوي والديني، هذا الي جانب أنها ثاني أكبر اقتصاد علي مستوي القارة، كما أنها تمتلك تجربةً ثرية فيما يتعلق بالتحول من الحكم العسكري للحكم المدني كما هو الحال في معظم دول القارة، وهو ما منحها دوراً هاماً علي المستوىين السياسي والاقتصادي في أفريقيا، ومن ثم يتناول هذا المبحث طبيعة النظام السياسي، الإثني، والاقتصادي لمحاولة إلقاء الضوء علي البيئة والإطار المحيط بعملية التحول الديمقراطي في نيجيريا.
المطلب الأول- طبيعة النظام السياسي النيجيري:
سوف يتم تناول طبيعة النظام السياسي النيجيري من خلال تحليل عناصر مكونات هذا النظام، كالتالي:
أولاً-شكل الدولة:
نيجيريا دولة فيدرالية عاصمتها أبوجا، وترجع جذور الطبيعة الفيدرالية للدولة النيجيرية الي ما قبل الاستعمار البريطاني، فنيجيريا بتكوينها الحالي دولة حديثة النشأة والبعض يذهب الي انها دولة “مصطنعة” تشكلت علي يد الاستعمار البريطاني،بعد أن كانت ثلاث ممالك مستقلة قبل الاستعمار هي; مملكة كانوري في الشمال، مملكة الإيبو في جنوب شرق نيجيريا، وممالك اليوربا في جنوب غرب نيجيريا.بريطانيا عمدت الي فرض سيطرتها وبسط نفوذها علي هذه المناطق منذ تأسيس أول مستعمرة لها في لاجوس عام 1816، وذلك باستخدام القوة العسكرية حتي ظهر ما يعرف بنيجيريا الموحدة عام , 1914، فيما أطلق عليه “ادماج لوجارد”.
الهيكل الفيدرالي النيجيري تم الاتفاق عليه واعتماده من قبل ممثلين منتخبين عن الشعب النيجيري خلال المؤتمرات الدستورية التي عقدت في الفترة من 1954 حتى 1955 في أبادان، و1958 في لندن، حتى حصلت نيجيريا علي استقلالها عام 1960 كدولة فيدرالية من ثلاثة أقاليم هي; الإقليم الشمالي، الإقليم الشرقي، والإقليم الغربي، وحالياً الفيدرالية النيجيرية تتكون من ثلاث مستويات من الحكم هي كالتالي:
المستوى الفيدرالي: ووفقاً لهذا المستوى تنقسم نيجيريا حالياً لنحو 36 ولاية إلى جانب العاصمة الاتحادية أبوجا.
المستوى الإقليمي: وهو خاص بكل ولاية، حيث يوجد حاكم وبرلمان منتخب لكل ولاية.
المستوى المحلي: وهو يشتمل على وحدات محلية أصغر داخل كل ولاية، حيث يوجد نحو 774 حكومة محلية تضم الواحدة منها ما بين 10 إلى 15 قرية أو حي.
هذا ويمكن استبيان عدد من السمات والخصائص المميزة للفيدرالية النيجيرية نوجزها في النقاط التالية:
– إن الاتحاد الفيدرالي النيجيري لم ينشأ ذاتيا من أقاليم أو وحدات موحدة، بل نشأ قسراً من قبل الاستعمار البريطاني وبشكل لم يراعي فيه الطبيعة الإثنية الخاصة لكل وحدة من تلك الوحدات الثلاث التي بدأ بها الاتحاد الفيدرالي النيجيري، معتمداً على سياسة ابراز الفروق وتأجيج الصراعات من خلال التحالف مع جماعة إثنية على حساب جماعة أخري، مثلما حدث عندما تحالف الاستعمار البريطاني مع قبائل اليوربا المسيحية وقام بدعمها في مواجهة الجماعة الإثنية المسلمة كالهوسا-الفولاني وغيرها من الجماعات.
-على عكس السمات العامة للفيدرالية والمتمثلة في اللامركزية في الحكم وتوزيع السلطات، تتسم الفيدرالية النيجيرية بالمركزية الشديدة فيما بين مستويات الحكم المحلي الثلاث، فعلي سبيل المثال الدستور النيجيري الحالي ووفقاً لنص المادة 7(1) يتيح لحكومات الولايات عرقلة الأرصدة المالية للحكومات المحلية التابعة لها والاعتراض عليه حيث أن تلك الأرصدة لا يتم توجيهها بشكل مباشر لحساب الحكومات المحلية بل في حساب مشترك بين الحكومات المحلية وحكومات الولايات، وهو ما يحد من قدرة الأولى على التصرف في مخصصاتها المالية طالما أن الثانية لم توافق على مصادر هذا الإنفاق.
-عدم استقلال الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي النيجيري، فالولايات التي يبلغ عددها نحو 36 ولاية لا تتمتع بأية استقلالية في مواجهة السلطة المركزية في العاصمة الاتحادية أبوجا، حتى فيما يتعلق بإعادة رسم حدود الولايات التي لم تراع الحدود الإثنية في ارض الواقع مما ساهم في بقاء الصراعات واستمرارها.فعلي سبيل المثال أدى التلاعب بحدود الولايات إلى هيمنة الشمال على نصف مقاعد مجلس النواب.
ثانياً-نظام الحكم في نيجيريا:
وفقا للدستور النيجيري الحالي، فنيجيريا جمهورية تعتمد النظام الرئاسي في الحكم، مماثل لنظام الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يتم انتخاب الرئيس كل 4 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، كما يتم انتخاب نائباً للرئيس أيضاً.ومنذ مرحلة الحكم المدني الثانية والتي امتدت من 1979 حتي 1983 نيجيريا تتبع عرفاً أو تقليداً يقضي بتقاسم السلطة وتبادلها فيما بين المناطق والذي يعرف باسم قانون تقسيم المناطق “zoning”، ووفقاً لهذا القانون يتم تبادل منصب رئيس الجمهورية بين المسلمين والمسيحيين كل ثمان سنوات.الرئيس في نيجيريا هو رأس السلطة التنفيذية، ويشغل أيضاً منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويقوم بتعيين أعضاء الحكومة.
ثالثاً-السلطة النيابية:
تتكون السلطة النيابية في نيجيريا من مستويين; الأول المستوى الفيدرالي ويتبع نظام الغرفتين كما هو الحال في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وذلك كالتالي:
مجلس الشيوخ: ويتكون من 104 عضواً بنحو ثلاثة أعضاء ممثلين لكل ولاية يضاف إليهم عضو واحد ممثل للعاصمة الفيدرالية، ويتم انتخاب أعضائه لفترة 4 سنوات، وهذا المجلس غير قابل للحل وفقاً لما نص عليه الدستور النيجيري.
مجلس النواب: ويتكون من 360 عضواً يتم انتخابهم لفترة 4 سنوات من خلال الاقتراع المباشر في دوائر انتخابية ذات مقعد واحد، وهو يتولى وظيفة التشريع في كل المسائل الفيدرالية بالتساوي مع مجلس الشيوخ وفقاً لما نص عليه الدستور النيجيري الذي حدد قائمة تضم 68 مجالاً هي اختصاصات مجلس النواب.
المستوى الثاني يشتمل على برلمانات الولايات, حيث تضم كل ولاية برلماناً منتخباً من بين سكان الولاية لمدة 4 سنوات، ويضطلع بوظائف التشريع والرقابة في العديد من المجالات الخاصة بشئون الولاية والتي منها علي سبيل المثال الأمن الداخلي ورقابة الميزانية.
غير أن أهم وأخطر وظائف برلمانات الولايات تلك التي تتعلق بإقرار التشريعات والقوانين المستمدة من الدين أو اقرار واعتماد دين معين للولاية مثلما حدث عندما أقر نحو 12 برلمان من برلمانات ولايات الشمال إقرار الشريعة الاسلامية كدين رسمي لتلك الولايات، خاصة وأن الدستور النيجيري لا ينص على دين محدد للدولة وهو ما فتح المجال أمام كل ولاية لتقر ما يتوافق مع مرجعيتها الإثنية والدينية.
رابعاً-السلطة القضائية:
السلطة القضائية في نيجيريا تتكون ثلاث مستويات هي:
المستوى الفيدرالي: ويشمل المحكمة الفيدرالية العليا ومقرها العاصمة أبوجا، وتتكون من 21 قاضياً بالإضافة لرئيس المحكمة الذي يقوم بتعيينه رئيس الجمهورية، وقضاة المحكمة يتم تعيينهم بعد موافقة مجلس النواب لمدة 15 عام وسن التقاعد الاجباري لهم هو الخامسة والستين.
محكمة الاستئناف الاتحادية: ويتم تعيين قضاتها من قبل الحكومة الفيدرالية بعد توصية اللجنة الاستشارية القضائية.
محاكم الولايات الفيدرالية.
المطلب الثاني-طبيعة النظام الإثني في نيجيريا:
الإثنية في نيجيريا تشكل ملمحاً رئيسياً من ملامح الدولة في نيجيريا والتي تعد أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان، وتختلف التقديرات حول عدد الجماعات الإثنية في نيجيريا حيث يذهب البعض الي وجود نحو 200 جماعة إثنية داخل نيجيريا.بينما يقدر البعض الأخر الجماعات الإثنية في نيجيريا بنحو 374 جماعة، تمثل ثلاثة منها نسبة 66% من سكان نيجيريا. هذا ويمكن تصنيف وتوزيع الجماعات الإثنية في نيجيريا استناداً على عدد من المعايير هي كالتالي:
المعيار الأول- المعيار الديني: ووفقاً لهذا المعيار يمكن تصنيف وتقسيم الجماعات الإثنية في نيجيريا الي ثلاث مجموعات هي:
الإثنيات المسلمة: حيث يشكل المسلمون في نيجيريا نحو 50% من السكان ويتركز غالبيتهم في الشمال في قبيلتي الهوسا والفولاني، حيث بدأ انتشار الاسلام في شمال نيجيريا في القرن الرابع عشر في بلاد الهوسا.
الإثنيات المسيحية: والمسيحيون في نيجيريا يمثلون نسبة 40% من السكان ويتركز غالبيتهم في الجنوب الشرقي من البلاد حيث بدأت المسيحية في الانتشار منذ بداية القرن الخامس عشر، غير أن الانتشار الفعلي لها بدأ في القرن التاسع عشر، وتمثل قبيلتي اليوربا والإيبو الغالبية المسيحية في نيجيريا.
الإثنيات أصحاب المعتقدات الأفريقية القديمة: وهم يشكلون نسبة 10% من السكان في نيجيريا، ويتوزعون بأعداد قليلة في مختلف انحاء نيجيريان وهي جماعات متفرقة وغير متماسكة كمثيلاتها من الجماعات السابقة المسلمة والمسيحية، ويمثل غالبيتها جماعات الإيدو، الإيبيبيو، والإيجاو.
المعيار الثاني-المعيار اللغوي:
ووقفاً لهذه المعيار فالسكان في نيجيريا يتحدثون أكثر من 248 لغة، أوسعها وأكثرها انتشاراً الهوسا، الكوا، والكانوري، والبانتو.
المعيار الثالث-المعيار الجغرافي: ووفقاً لهذا المعيار يمكن تقسيم نيجيريا إلى منطقتين جغرافيتين كالتالي:
المنطقة الشمالية: ويتمركز فيها خمسة جماعات إثنية كبيرة هي الهوسا، الفولاني، والكانوري، والنوفي، والتيف مشكلين نحو 60% من إجمالي السكان في نيجيريا.
المنطقة الجنوبية: وتتفرع الي جنوب شرق حيث تتمركز جماعة الإيبو وتمثل نحو 17% من السكان الي جانب جماعتي الإيبيبيو والإيفيك. أما الجنوب الغربي فيتمركز فيه جماعة اليوربا وتشكل نحو 20% من السكان إلى جانب جماعة الإيدو.
وفيما يتعلق بالعلاقة بين تلك المجموعات نجد انها تتباين وتختلف ما بين مجموعة وأخرى فكلاً من الهوسا والفولاني يتمتعان بعلاقة قوية دفعت البعض لاعتبارهما جماعة وقبيلة واحدة، حيث تجمعهم روابط المصاهرة والدين الواحد. على العكس التوتر هو السمة الغالبة لعلاقة الهوسا باليوربا حيث تلعب العوامل الدينية والاقتصادية والسياسية دوراً كبيراً في تأجيج الصراع فيما بينهم من آن لأخر.
كذلك يغلب التوتر والصراع على علاقة الهوسا الإيبو منذ سنوات الاستقلال الأولى بعد مقتل الرئيس جونسون أجيلي وهو من قبيلة الإيبو، علي يد ضباط من قبيلة الهوسا بعد مرور ستة أشهر فقط على توليه منصب رئيس الجمهورية.
المطلب الثالث-طبيعة النظام الاقتصادي في نيجيريا:
نيجيريا ثاني أكبر اقتصاد في القارة الأفريقية، والاقتصاد النيجيري يمكن وصفه بالاقتصاد النفطي حيث يساهم قطاع النفط بنسبة 85% من إجمالي العائدات الحكومية، كما أن نيجيريا تعتبر خامس أكبر مصدر للنفط على مستوى العالم إضافة إلى أنها عضو فاعل ومؤثر في منظمة الدول المنتجة للنفط الأوبك.لكن رغم ذلك لا تزال نيجيريا من بين أفقر دول القارة إن لم تكن الأكثر فقراً، وهو ما يعد تناقضاً كبيراً ما بين الموارد المتاحة والواقع الفعلي، ويمكن استبيان الواقع السيئ للاقتصاد النيجيري من خلال المؤشرات التالية:
أولاً-على الرغم من أن نيجيريا تجني نحو 60 مليار دولار سنوياً من عائدات النفط والغاز الطبيعي إلا أنه ما يقرب من 70% من النيجيريين لازالوا يعيشون تحت خط الفقر.
ثانياً-نيجيريا ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الاصابة بفيروس نقص المناعة (الإيدز)، ونحو 17% فقط من الأسر النيجيرية يحصلون على مياه صالحة للشرب وما يقرب من 30% من السكان يفتقرون لخدمات الصرف الصحي، كذلك تحتل نيجيريا المرتبة الثانية على مستوى العالم بعد الهند من حيث عدد وفيات الأطفال المرتبطة بالإسهال.
ثالثاً-على الرغم من كونها من الدول الفاعلة في سوق النفط اعتماداً على إنتاجها الكبير من النفط والغاز الطبيعي لا تزال نيجيريا تعاني بشكل متكرر ومنتظم من نقص حاد في الوقود والكهرباء.
كل هذه المؤشرات المتدنية دفعت نيجيريا لاحتلال مرتبة متأخرة في مؤشر التنمية البشرية لعام 2012 وفقاً لبيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حيث تحتل المرتبة 142 من أصل 169 دولة.
بناء على المؤشرات السابقة يمكن وصف الاقتصاد النيجيري باقتصاد القطاع الواحد لاعتماده بشكل رئيسي على قطاع النفط وهو ما يجعله معرض لعدم الاستقرار صعوداً وهبوطاً وفقاً لحالة القطاع، وهو ما يتجلى بشكل واضح في تباين مشاركة القطاع النفطي ومساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، وخير دليل على ذلك انخفاض إنتاج نيجيريا من النفط نتيجة لعدم الاستقرار في الأقاليم والولايات المنتجة للنفط أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 7% عام 2007 لنحو 6% عام 2008.
ويمكن إيجاز أهم مواطن ضعف الاقتصاد النيجيري في النقاط التالية:
– ضعف البنية التحتية ونقص امدادات الطاقة خاصة الكهرباء والغاز الطبيعي.
– انتشار الفساد الممنهج والمنظم، خاصة فيما يتعلق بالتعاقدات الحكومية وبشكل رئيسي تلك المرتبطة بقطاع النفط، وهو ما فع الرئيس يارادوا لتعيين وتشكيل لجنة لمراجعة تعاقدات نيجيريا مع شركات النفط الأجنبية في عام 2007.
– استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي الناجمة عن الصراعات الإثنية والدينية المستمرة أثر بالسلب على الاقتصاد النيجيري وقطاعاته الرئيسية بشكل عام، وقطاع النفط بشكل خاص، فعلى سبيل المثال نتيجة لعدم الاستقرار والاضطرابات انخفض إنتاج نيجيريا من النفط إلى نحو 1.46 مليون برميل يومياً عام 2009 بعد أن كان الإنتاج يصل لما يقرب من 3 مليون برميل يومياً.
المطلب الرابع-البيئة الدولية للتحول الديمقراطي في نيجيريا:
إلى جانب الدوافع الداخلية الخاصة بالتحول للديمقراطية من أجل تحقيق الاستقرار، لا يمكن بأي حال من الأحوال إغفال البعد الدولي في اتجاه أي دولة من الدول للتحول نحو الديمقراطية، ولعب البعد الدولي دوراً هاماً في دفع عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا بصفة خاصة وأفريقيا بصفة عامة منذ تسعينيات القرن الماضي وذلك عقب التحول الكبير الذي شهده العالم عقب انتهاء فترة الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي وتحول العالم لنظام القطبية الأحادية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.هذا وتتبنى الدول الأوروبية والأمريكية الراغبة في أن تسود عملية التحول الديمقراطي في القارة الأفريقية، وأن يتم الارتقاء بها عدداً من السياسات والأدوات ومنها:
سياسة الترهيب:
وفي ظل تلك السياسة فإنها تستخدم أدوات تخفيض المعونات المقدمة للدول الأفريقية وسياسة العزلة الدبلوماسية والإدانة لأنظمة الحكم وتقييد ومنع التأشيرات لدخول دولها وغيرها.
سياسة الترغيب:
وتتمثل في زيادة المعونات الخارجية، وتعزيز التعاون العسكري، وزيادة حجم التجارة والاستثمارات، بالإضافة إلى أدوات الدبلوماسية التقليدية، والاستمالة (الإقناع) والمشورة والاستعداد للمناصب الجديدة (الريادة الإقليمية). بالإضافة كذلك إلى البرامج التي تهدف إلى دعم الديمقراطية مثل البرامج التي تهدف إلى تحسين بيئة الانتخابات وبرامج التنمية السياسية كأنشطة، كذلك جهود إعادة البناء المؤسسي والتغييرات الدستورية.
وفيما يتعلق بنيجيريا نجد أن العامل الخارجي في عملية التحول الديمقراطي استخدم السياسية الثانية القائمة على الترغيب وذلك للدور الإقليمي والدولي الذي تقوم به نيجيريا والمتمثل في الآتي:
نيجيريا واحدة من 12 عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وعضوا رئيسيا للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(ايكواس)، كما أنها ساعدت في حل الخلافات السياسية في كل من توجو وموريتانيا وليبيريا. نيجيريا ايضا لعبت دورا قياديا في الجهود الرامية لحل الازمة السياسية الأخيرة في كوت ديفوار.
الحكومة النيجيرية توسطت أيضا بين الحكومة السودانية ومتمردي دارفور، القوات النيجيرية لعبت دورا حيويا في عمليات حفظ السلام في سيراليون وليبيريا، الشرطة النيجيرية، المراقبون العسكريون، والخبراء منتشرون أيضا في بعثات الأمم المتحدة في كوت ديفوار جمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتى وليبيريا والسودان وتيمور الشرقية، والصحراء الغربية.
الأهمية الاقتصادية والنفطية الكبيرة لنيجيريا، حيث انها واحدة من 12 عضوا في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بالإضافة إلى احتياطياتها النفطية، نيجيريا لديها واحد من أكبر الاحتياطات من الغاز الطبيعي في العالم، حيث إن احتياطات الغاز التي تقع ايضاً في اقليم الدلتا تقدر بنحو أكثر من 185 تريليون متر مكعب.
هذا ويمكن تتبع تطبيق عملي لأثر العامل الخارجي في عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا عبر سياسة الترغيب من خلال الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة الفاعل الأكبر في السياسة الدولية في نيجيريا، فنجد أنه منذ تحول نيجيريا للحكم المدني عام 1999 بدأت العلاقات بين الولايات المتحدة ونيجيريا تتحسن باطراد في ظل إدارة الرئيس السابق أوبا سانجو، وظلت قوية في ظل حكم كل من الرئيس يارادوا وجوناثان ـ إدارة بوش أشادت بممارسات الحكومة النيجيرية لتحسين الموازنة ، إصلاح القطاع المصرفي ، والجهود المبذولة للقضاء على الديون الخارجية للدولة ،على الرغم من سجل الدولة المحرج في حقوق الإنسان، والتساؤل حول التزامها بضمان انتخابات حرة ونزيهة. الرئيس جورج بوش زار الدولة في عام 2003، والسيدة الأولى لورا بوش زارت نيجيريا في عام 2006.
هذا ويمكن استبيان النهج الأمريكي في التعامل مع الديمقراطية النيجيرية من خلال تصريح وزير الخارجية الأمريكي عقب انتخابات 2007 والتي شابها العديد من المخالفات والتجاوزات والتي طعنت بشكل مباشر في نزاهتها والذي نص على” ضرورة الحاجة للمشاركة بدلا من عزل البلاد وتعزيز الديمقراطية الهشة في نيجيريا “، أيضاً في تصريح مساعد الرئيس باراك أوباما للشئون الخارجية والأفريقية، جونى كارسون والذي أشار فيه إلى أن نيجيريا ” ربما الدولة الأكثر أهمية في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى “.
الأمر لم يقتصر على الدعم السياسي فقط بل تمت ترجمته في شكل مساعدات اقتصادية وفنية، يمكن إيجاز بعضها في التالي:
الولايات المتحدة أكبر المانحين الثنائيين في نيجيريا، حيث قدمت أكثر من 641 مليون دولار من المساعدات الأجنبية إلى البلاد في العام 2010، تركزت في مجالات الحكم الديمقراطي الرشيد، الزراعة والإصلاح الاقتصادي، وتحسين التعليم والخدمات الصحية، والتأهيل المهني وإصلاح الاجهزة، وفيروس نقص المناعة البشرية” الايدز” كانوا عناصر التركيز الرئيسي لبرامج المساعدات الامريكية في السنوات الأخيرة.
في مجال حفظ الأمن البحري ومكافحة الارهاب، الولايات المتحدة تمد نيجيريا بالتدريبات العسكرية مع التركيز على الاحترافية واحترام حقوق الإنسان والسلطة المدنية من خلال مجموعة من برامج المساعدات الأمنية. بما في ذلك تلك التي تركز على تعزيز قدرات حفظ السلام. نيجيريا ايضاً مشاركة في اتفاقية شراكة وزارة الخارجية الامريكية لمكافحة الارهاب عبر الصحراء (TSCTP)، وهي جهد من الوكالات الأمريكية تهدف إلى زيادة حماية الحدود الإقليمية وقدرات مكافحة الإرهاب.
ثقافياً، وزارة الخارجية الأمريكية أنشأت 10″ زوايا أمريكية” لتبادل المعلومات عن الثقافة والقيم الأمريكية مع النيجيريين.
مخصصات المساعدات في العام المالي 2012 قامت بالتركيز على البرامج الرامية لتعزيز الحكم الديمقراطي في نيجيريا من خلال زيادة تلك المخصصات من نحو 9,5 مليون دولار في العام المالي 2008، إلى نحو 16 مليون دولار في العام 2009 و21 مليون دولار في العام المالي 2010 ، لأكثر من 27 مليون دولار في العام المالي 2012، الوكالة الامريكية للتنمية (USAID) وفرت اكثر من 14 مليون دولار لدعم انتخابات 2011، والتي تشمل تمويل المساعدة الفنية المقدمة من المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية (IFES) لزيادة قدرة اللجنة الانتخابية الوطنية المستقلة.
مما سبق يتضح لنا مدي الدور الذي يلعبه البعد الدولي في عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا من خلال برامج المساعدات الموجهة والمشروطة، وإن كان في ظاهره الإصلاح، إلا أن الواقع يشير إلى أن الهدف الأساسي من وراء ذلك، هو إيجاد لغة تخاطب وآلية سياسية واقتصادية واحدة بينها وبين تلك الدول بحيث تتيح لها فرصة وحرية التدخل وإحكام سيطرتها على قدراتها ومواردها.
المبحث الثاني-مراحل عملية التحول الديمقراطي والعلاقة بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي في نيجيريا:
منذ الاستقلال نيجيريا شهدت محاولات عديدة وغير مستقرة للتحول الي الديمقراطية ما بين الحكم المدني والحكم العسكري الذي سيطر على مقاليد الأمور في نيجيريا لمرحلتين; الأولى ما بين عامي 1966 و1979 والمرحلة الثانية من 1984 وحتى عام 1999.
المطلب الأول-انتخابات (1999-2003)، وبداية عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا:
أولاً-انتخابات 1999:
بدأت هذه المرحلة مع انتقال السلطة من الحكم العسكري إلى الحكم المدني عبر انتخابات مباشرة، مستجيباً للضغوط الداخلية الناتجة عن سوء الإدارة العسكرية وما ترتب عليها من ترد في الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد، إضافة إلى الضغوط الخارجية الناتجة عن التطورات التي شهدتها الساحة الدولية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وظهور فاعلين جدد في مجال العلاقات الدولية تمثل في الدول المانحة والوكالات والمؤسسات الدولية التي اشترطت تحول البلاد للديمقراطية للمضي قدماً في برامج المساعدات الاقتصادية والاجتماعية.بناءً على ذلك تم إجراء الانتخابات في يناير 1999 على كل المستويات رئاسية ونيابية، أسفرت عن فوز مرشح حزب الشعب الديمقراطي أولوسيجون أوبا سانجو_الذي عرف بتوجهاته الاصلاحية_ بمنصب رئيس الدولة بعدما حصل علي نحو 18.7 مليون صوت بنسبة 62.8% من اجمالي الأصوات في حين حصل أقرب منافسيه اولو فالاي علي نحو 11.1 مليون صوت بما يمثل نسبة 37.2% من اجمالي الأصوات.وفيما يتعلق بالانتخابات النيابية فقد حصد حزب الشعب الديمقراطي أكثر من الأصوات في كل من انتخابات مجلس النواب ومجلس الشيوخ، والحدث الأبرز في تلك الانتخابات هو فوز مسيحي بمنصب الرئيس لأول في نيجيريا منذ 20 عاماً، والتي توالي علي حكمها من 1979 حتى 1999 (عدا فترة قصيرة عام 1993-حكومة أرنست شويكان) حكام مسلمون عسكريون ومدنيون.
ثانياً-انتخابات 2003:
شكلت انتخابات 2003 الاختبار الأول لعملية التحول الديمقراطي في نيجيريا، وذلك كونها تجري تحت ظل الحكم المدني حيث ذهب النيجيريون للاقتراع للمرة الثانية منذ الاستقلال في ظل حكم رئيس مدني منتخب، وقد أسفرت الانتخابات عن فوز الرئيس أوبا سانجو بفترة ولاية ثانية حيث حصل على نسبة 62% من الأصوات مقابل 32% من الأصوات لأقرب منافسيه الجنرال بوهاري، كذلك أسفرت الانتخابات عن استمرار هيمنة حزب الشعب الديمقراطي على أغلبية مقاعد البرلمان بمجلسيه النواب والشيوخ.
وثمة عدة ملاحظات حول تلك الانتخابات نوردها في النقاط التالية:
– العملية الانتخابية عابها بشكل كبير سوء الإدارة وضعف النواحي التنظيمية واللوجستية.
– نتيجة لما سبق، شهدت تلك الانتخابات العديد من التجاوزات التي شوهت مصداقية العملية الانتخابية وطعنت في نزاهتها بشكل كبير، وأبرز تلك المخالفات تتمثل في التلاعب في عملية قيد وتسجيل الناخبين، التهديد بالعنف وإرهاب الناخبين، التلاعب في النتائج في عدد من الولايات وفقاً لتقارير المراقبين المحليين والدوليين.
– أثارت تلك الانتخابات العديد من علامات الاستفهام حول مدى استقلالية السلطة القضائية، ولجنة الانتخابات الوطنية المستقلة خاصة بعدما أقرت المحكمة الفيدرالية العليا فوز أوبا سانجو مرشح حزب الشعب الديمقراطي الحاكم بعدما طعن منافسه محمدو بوهاري في نتائج الانتخابات بسبب المخالفات العديدة التي شابتها.
نتيجة لما سبق يتفق الباحث مع الآراء التي ذهبت إلى أن الإدارة النيجيرية المدنية فشلت في إدارة الانتخابات في أول اختبار ديمقراطي، وأن تلك الانتخابات مثلت “انتكاسة” لعملية التحول الديمقراطي في نيجيريا.
المطلب الثاني-انتخابات 2007 وتحقيق الرسوخ الديمقراطي:
في عام 2007 شهدت نيجيريا انتخابات عامة على كل المستويات حيث تم إجراء الانتخابات لاختيار رئيس جديد وبرلمان جديد إلى جانب انتخابات حكام ومجالس الولايات، واكتسبت تلك الانتخابات أهمية كبيرة لأنها شهدت انتقال السلطة بشكل سلمي من رئيس مدني منتخب إلى آخر مدني منتخب منذ الاستقلال عام 1960، إلى جانب أنها ثالث انتخابات في تاريخ نيجيريا منذ العودة للحكم المدني.
أولاً-الظروف السابقة للانتخابات:
جاءت انتخابات أبريل 2007 في ظل عدد من الظروف والأحداث نوجزها فيما يلي:
رفض مجلس الشيوخ النيجيري طلب الرئيس أوبا سانجو تعديل الدستور للسماح له بخوض الانتخابات لولاية ثالثة، وهو ما يتعارض مع الدستور النيجيري الذي ينص على تولي الرئيس منصبه لفترتين فقط. نتيجة لذلك الرئيس أوبا سانجو وحزب الشعب الديمقراطي قاموا بدعم عمر يارادوا محافظ ولاية كاتسينا الشمالية للترشيح لمنصب الرئيس، والمسيحي جودلاك جوناثان حاكم ولاية بايلس للترشيح لمنصب نائب الرئيس وذلك في إطار سعي حزب الشعب الديمقراطي لاستمرار هيمنته وسيطرته على مقاليد الحياة السياسية في نيجيريا.انتخابات 2007 جاءت بعد ميراث سيئ من سوء الإدارة الانتخابية خلفته انتخابات 2003.
ثانياً-نتائج الانتخابات:
أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية عن فوز عمر يارادوا مرشح حزب الشعب الديمقراطي بنحو 24.6 مليون صوت بما يمثل نسبة 70% من اجمالي الأصوات، وحل في المرتبة الثانية مرشح حزب كل شعب نيجيريا الجنرال محمدو بوهاري بنحو ستة ملايين صوت، ثم أتيكو أبوبكر مرشح الحزب الديمقراطي التقدمي في المرتبة الثالثة بنحو 2.6 مليون صوت.
وفيما يتعلق بالانتخابات على منصب حكام الولايات، فقد فاز حزب الشعب الديمقراطي بنحو 28 ولاية من أصل 36 ولاية حيث فاز مرشحيه بــــــ 25 مقعداً وقام الحزب بضم ثلاثة فائزين آخرين ممن كانوا ترشحوا على قوائم أحزاب المعارضة، في المقابل حصل حزب عموم شعب نيجيريا المعارض بخمس ولايات، وحزب مؤتمر العمل لم يفز إلا في ولاية واحدة.
ثالثاً-ملاحظات على سير ونتائج الانتخابات:
انتخابات 2007 كانت بمثابة حلقة جديدة من حلقات سلسلة سوء الإدارة الانتخابية بعد التحول للديمقراطية والتي بدأت في انتخابات 2003، حيث شهدت تلك الانتخابات ارتفاع معدل المخالفات الانتخابية وفقاً لما أشارت إليه تقارير المراقبين المحليين والدوليين والمتمثلة في الأتي:
– تأخر فتح العديد من مراكز الاقتراع وإغلاقها قبل المواعيد المقررة.
– بروز وانتشار ظاهرة تصويت القصر ممن هم دون السن القانونية.
– انتشار ظواهر شراء الأصوات، التلاعب في النتائج، وسرقة صناديق الاقتراع على نطاق واسع.
– إرهاب الناخبين وترويعهم.
المخالفات السابقة أشار إليها مجموعات المراقبين المحلية والدولية والتي منها وفد الاتحاد الاوروبي، وفد الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا(الإيكواس)، وفد المعهد الوطني الديمقراطي الأمريكي والمعهد الجمهوري الأمريكي وغيرهم، اتفقوا جميعاً على أن تلك الانتخابات كانت معيبة للدرجة التي ينبغي معها الغاء نتائجها واعادتها، في المقابل النظام النيجيري ممثلاً في الرئيس أوبا سانجو اعترف بالمخالفات لكنه رأى أن مقدارها وآثارها لا تستدعي إلغاء نتائج الانتخابات أو إعادتها.
نتيجة لما سبق الباحث يتفق مع الآراء التي تذهب إلى أن تلك الانتخابات لم ترق لمستوي التطلعات والآمال المحلية والدولية، ليس فقط بسبب المخالفات سابقة الذكر لكن أيضاً فيما يتعلق بمصداقية واستقلال وحيادية القضاء ولجنة الانتخابات الوطنية المستقلة على الرغم من الأحكام القضائية العديدة التي أقرت الغاء نتائج الانتخابات في عدد من الولايات، الأمر الثان هو أن تلك الانتخابات لم تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي المنشود بل علي العكس زادت من التوترات والصراعات حيث ارتفع معدل العنف في انتخابات 2007 عما كان عليه في انتخابات 2003، ووفقاً لتقديرات المراقبين فإن ما يزيد على 350 شخص لقوا حتفهم في أعمال عنف مرتبطة بالانتخابات مقابل 105 شخص في انتخابات 2003.
وهو ما يشير إلى أن تلك الانتخابات عمقت الانقسامات في المجتمع النيجيري، ويمكن اعتبارها بمثابة “ردة” لعملية التحول الديمقراطي في نيجيريا والتي كان من المنتظر أن تكون انتخابات 2007 مؤشراً وملمحاً مهما للمرحلة الثانية من مراحل التحول الديمقراطي ألا وهي تحقيق الرسوخ الديمقراطي.
المطلب الثالث-انتخابات 2011 ومحاولة الوصول لمرحلة النضج الديمقراطي:
أولاً-الظروف السابقة للانتخابات:
جاءت انتخابات 2011 في ظل عدد من الظروف والأحداث نوجزها فيما يلي:
– استمرار الآثار السلبية لانتخابات 2007، والتي مثلت تحدياً كبيراً لإدارة الرئيس يارادوا الذي أقر في خطابه الافتتاحي بأن انتخابات 2007 كانت معيبة.
– نتيجة لذلك شرعت إدارة يارادوا في اتخاذ عدد من الاجراءات في محاولة منها لإصلاح النظام الانتخابي والتي كان من أهمها تشكيل لجنة “الاصلاح الانتخابي” والتي ضمت مسئولين حكوميين وقضاة سابقين وممثلين عن المجتمع المدني، والتي أصدرت في 2008 توصياتها الخاصة بالنظام الانتخابي النيجيري والتي لم يقرها البرلمان إلا في منتصف 2010.
– مرض ثم وفاة الرئيس يارادوا في 5 مايو 2010 شكل تحدياً جديداً للإدارة النيجيرية حيث آثار مرض الرئيس يارادوا وغيابه عن المشهد السياسي في نيجيريا العديد من التساؤلات السياسية والدستورية والقانونية حول مستقبل العملية الديمقراطية بأكملها في نيجيريا، في ظل انتشار المخاوف الخاصة بالعودة للحكم العسكري في حالة استمر غياب الرئيس وبدأت الصراعات، غير أن الضغوط الداخلية من حكام الولايات أصحاب النفوذ دفعت نحو تولي نائب الرئيس جودلاك جوناثان منصب الرئيس بالإنابة، بعد ان تم تعديل الدستور النيجيري لتسهيل اجراءات نقل السلطة لجوناثان.
– يعتبر تولي جوناثان مقاليد الأمور البداية الفعلية لبرنامج الإصلاحات الانتخابية في نيجيريا، والتي بدأها بإقالة رئيس لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة في أبريل 2010، وقام بتعيين أحد نشطاء المجتمع المدني من الأكاديميين البروفسير جيا رئيساً لها، وبدأت اللجنة عملها تحت رئاسة جيا بتأجيل الانتخابات من يناير 2011 لأبريل 2011 حتى يتسنى لها الإعداد الجيد لتلك الانتخابات. الاجراءات الاصلاحية التي شرعت فيها لجنة الانتخابات برئاسة جيا وبدعم قوي من الرئيس جوناثان تركت انطباعاً ايجابياً لدي الناخبين النيجيريين الذين تولد داخلهم شعوراً بالثقة في قدرة اللجنة على إدارة عملية انتخابية جيدة، وهو ما انعكس بالإيجاب في زيادة معدلات تسجيل الناخبين والتي اضطرت معها اللجنة لمد فترة قيد وتسجيل الناخبين لأكثر من أسبوع حيث تم تسجيل نحو 73.5 مليون ناخب.
ثانياً-نتائج الانتخابات:
فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية فقد أسفرت نتائجها عن فوز الرئيس جودلاك جوناثان بالمنصب حيث حصل علي نسبة 59.6 من مجموع أصوات الناخبين محققاً الأغلبية في نحو 23 ولاية، وهو ما أتاح له الفوز بالمقعد وفقاً للدستور النيجيري الذي ينص على ضرورة أن يفوز أي مرشح على الأقل بــــــــــ 25% من الأصوات في ثلثي الولايات والعاصمة الاتحادية لكي يفوز بمنصب الرئيس، في المقابل حصل أقرب منافسيه الجنرال محمدو بوهاري على نسبة 32.2% من مجموع أصوات الناخبين ثم جاء مرشح حزب مؤتمر العمل رينهو ريبارد في المرتبة الثالثة بنسبة 5.5% من مجموع أصوات الناخبين.
وبالنسبة للانتخابات البرلمانية فقد حافظ حزب الشعب الديمقراطي علي وضعه المسيطر في الحياة السياسية النيجيرية، ووفقاً لعينة من النتائج الأولية التي صدرت بحلول 17 مايو 2011 نجد أنه تم الإعلان عن نتائج 72 مقعداً من مقاعد مجلس الشيوخ حصل حزب الشعب الديمقراطي الحاكم على 45 مقعد منها، بينما حصل حزب مؤتمر العمل المعارض على 13 مقعد، وباقي الأحزاب على 13 مقعداً. وبالنسبة للعينة الأولية لنتائج انتخابات مجلس النواب حيث تم الاعلان عن نتائج 234 مقعداً حصل حزب الشعب الديمقراطي الحاكم على 123 مقعدًا منها بنسبة 52%، بينما حصل حزب مؤتمر العمل المعارض على 47 مقعداً بنسبة 20% وباقي الأحزاب حصلت على 64 مقعداً.
وفيما يتعلق بانتخابات حكام ومجالس الولايات فقد حققت أحزاب المعارضة نتائج جيدة وملموسة خاصة حزبي العمل ومؤتمر التغيير التقدمي، حيث هيمن حزب العمل على انتخابات الولايات في الجنوب الغربي، وبشكل عام سيطرت أحزاب المعارضة على 13 منصب حاكم ولاية وحصلت على الأغلبية في 10 مجالس ولايات.
ثالثاً-ملاحظات على سير ونتائج الانتخابات:
وفقاً لتقارير المراقبين المحليين والدوليين، فإن انتخابات 2011 جاءت أفضل من سابقتيها انتخابات 2003 و2007، لكن رغم تلك التقارير الايجابية حول انتخابات 2011 فإنها لم تخلو أيضاً من بعض المخالفات، وفيما يلي عرض موجز لأهم المظاهر الإيجابية والسلبية التي اشتملت عليها انتخابات 2011.
1-المظاهر الإيجابية: وتتمثل أهم تلك المظاهر في الأتي:
– الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها إدارة الرئيس جوناثان ولجنة الانتخابات الوطنية المستقلة تحت رئاسة جيا أكدت على وجود إرادة حقيقيه لدي النظام السياسي الحالي للإصلاح حتى وإن لم يصل هذا الاصلاح لمرحلة الكمال، ذلك أدى إلى زيادة ثقة الناخبين النيجيريين في العملية الانتخابية وفقاً لاستطلاع رأي تم إجراؤه في نهاية عام 2010 حيث أظهرت نتائجه أن نحو 60% من النيجيريين أصبح لديهم ثقة في لجنة الانتخابات تحت رئاسة جيا، وأن نحو 74% يعتقدون أن انتخابات 2011 ستكون أفضل من الانتخابات السابقة.
– إعلان جوناثان الشمالي ترشيح نفسه في الانتخابات شكل اختباراً رئيسياً لمدى الالتزام بالعرف الذي يطلق عليه قانون تقسيم المناطق “”zoning، كما أن العديد من المراقبين اعتقدوا أن هذا القرار من شأنه أن يحدث انقسامات داخل الحزب الحاكم ويزيد من سخط الأقاليم الجنوبية التي كان عليها الدور في تناوب منصب الرئاسة، غير أن مرور ترشيح جوناثان بسلام وتحقيقه نتائج جيدة في الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الديمقراطي يعكس بشكل كبير الثقة التي وجدت في إدارة العملية الانتخابية.
– من الملاحظات الإيجابية أيضاً حول انتخابات 2011 استخدام لجنة الانتخابات الوطنية المستقلة برئاسة جيا للإجراءات الجنائية بحق العشرات من الأفراد الذين تم اتهامهم في جرائم تتعلق بالانتخابات، ومنهم موظفين تابعين للجنة تم اتهامهم بتجاوزات مرتبطة بعملية تسجيل الناخبين، ذلك لم يكن يحدث في أي من الانتخابات السابقة.
2-المظاهر السلبية: وتتمثل أهم تلك المظاهر في الآتي:
– على الرغم من التقارير الإيجابية حول إدارة وتنظيم انتخابات 2011 إلا أنها جاءت أكثر عنفاً من انتخابات 2003 وانتخابات 2007، حيث انتشرت حوادث العنف والتفجيرات حتي من قبل بداية الانتخابات حيث نشطت الجماعات المتشددة وعلى رأسها جماعة بوكو حرام، والتي أعلنت مسئوليتها عن العديد من حوادث الاغتيال والتفجيرات منها التفجيرات التي استهدفت التجمعات الانتخابية في ولاية بايلسا.
– كذلك الاحتجاجات التي اندلعت بعد الانتخابات وتطورت إلى أعمال عنف في ولايات الشمال والتي تزعمها المرشح الخاسر الجنرال بوهاري زاعماً تزوير حزب الشعب الديمقراطي الحاكم للانتخابات لصالح المرشح المسيحي جوناثان، مثيراً النعرات والصراعات الطائفية القديمة والتي لم تخمد، ووصل العنف ذروته في ولايتي كادونا وبوتشي حيث لقي نحو 500 شخص مصرعهم في جنوب ولاية كادونا و 180 في شمال الولاية في اشتباكات ذات صبغة طائفية، أعمال العنف استهدفت أيضاً عشرة من المتطوعين في لجنة الانتخابات في ولاية بوتشي، وهو ما أدى إلى تأجيل الانتخابات على منصب حاكم ومجلس الولاية من 26 أبريل إلى 28 أبريل حتى تحسن الأوضاع الأمنية.
– انتخابات 2011 شهدت أيضا استمرار الخلل الإداري المرتبط بالأمور اللوجستية والمتمثل في تأخير إرسال المواد الانتخابية من صناديق وبطاقات الاقتراع، وهو ما أسفر عن تأجيل الانتخابات البرلمانية لمدة أسبوع من 2 أبريل 2011 حتى 9 أبريل 2011 وهو ما أدى بدوره إلى ترحيل الانتخابات الرئاسية ليوم 16 أبريل وانتخابات حكام ومجالس الولايات ليوم 26 أبريل.
– بعض المراقبين أشاروا إلى أن انتخابات الولايات لم تكن على نفس جودة انتخابات الرئاسة والانتخابات البرلمانية، حيث شابها العديد من المخالفات مثل تصويت القصر ممن هم دون السن القانونية، محاولات توجيه والتأثير على الناخبين، وإرهاب الناخبين.
بناءً على العرض السابق يتفق الباحث مع الآراء التي تري أن انتخابات 2011 أفضل نسبياً من كل من انتخابات 2003 وانتخابات 2007 على الرغم من انها كانت أكثرهم عنفاً، أي أن الانتخابات رغم ما تضمنته من إيجابيات لم تحقق الاستقرار المنشود. لكن رغم ذلك يمكن اعتبار انتخابات 2011 مؤشراً وملمحاً على وصول نيجيريا للمرحلة الثانية من التحول الديمقراطي وهي مرحلة ترسيخ الديمقراطية، لكنها لم تصل بعد للمرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل التحول الديمقراطي وهي مرحلة النضج الديمقراطي، وذلك للأسباب التالية:
إن كل الإجراءات والإصلاحات التي تم إقرارها بالنسبة للانتخابات في نيجيريا هي إجراءات تنظيمية إدارية لم تقترب بشكل أو بآخر من أساس الانتخابات وهو النظام الانتخابي النيجيري القائم على التعددية الحزبية والمقاعد الفردية، ذلك النظام الذي صمم في الأساس بشكل يخدم التوجهات الإثنية ويعمل على تأصيلها في المجتمع، حيث أن معظم الدوائر الانتخابية متطابقة مع الحدود الإثنية لذلك حتى تنتقل نيجيريا لمرحلة النضج الديمقراطي الذي تصبح فيه الانتخابات أداة للاستقرار لا الصراع وجب على الإدارة النيجيرية إعادة النظر فيما يتعلق بالنظام الانتخابي وإعادة توزيع الدوائر الانتخابية بالشكل الذي لا يخدم ويثير المصالح الإثنية ويعليها على المصلحة الوطنية.
عدم استقلالية السلطة القضائية ولجنة الانتخابات الوطنية وسيطرة السلطة التنفيذية عليهما في كثير من الأوقات يتطلب المزيد من الإجراءات القانونية والدستورية لمنحهما المزيد من الاستقلال المالي والإداري.
لازالت النخب الحزبية تعمل على تعبئة واستغلال المشاعر الإثنية والدينية في تحقيق مصالحها الضيقة، وهو ما نتج عنه ضعف الأحزاب السياسية في نيجيريا ومحدودية قدرتها على التعبئة والحشد وأداء وظائفها السياسية والاجتماعية دون الاستناد للقواعد الإثنية، حيث إن غالبية الاحزاب في نيجيريا قامت على أسس إثنية.
المطلب الرابع-العلاقة بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي:
ثمة علاقة جدلية وثيقة الصلة بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي، حيث من المفترض أن تلعب الآليات والممارسات الديمقراطية التي تشتمل عليها عملية التحول الديمقراطي دوراً مهماً في تحقيق الشرعية والاستقرار، وذلك بإتاحة الإمكانية لتمثيل مختلف الآراء عبر حرية التعبير و التعددية السياسية والحزبية خاصة في المجتمعات ذات الطبيعة التعددية ،والتي تعد الديمقراطية بما تنطوي عليه من إقرار للحقوق والحريات الأساسية وتدعيم للمشاركة الشعبية مؤشرا مهماً للاستقرار، بناء على ذلك يحاول هذا المبحث استبيان وتتبع العلاقة ما بين التحول الديمقراطي والاستقرار السياسي في نيجيريا من خلال اختبار المؤشرين التاليين:
أ-كيفية تداول السلطة في نيجيريا.
ب-الإثنية وشرعية النظام السياسي.
أولاً-كيفية تداول السلطة في نيجيريا:
الكيفية التي يتم بها تداول السلطة في الدولة تعد مؤشراً هاماً من مؤشرات الاستقرار السياسي في أي دولة، لأنه يعكس بشكل واضح مدى استقرار أي نظام سياسي.
وترتبط عملية تداول السلطة بعدد من العوامل والعناصر أهمها:
الديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية: حيث يذهب العديد من الباحثين الى الديمقراطية الحقيقية التي تتيح مشاركة كافة فئات المجتمع دون استثناء او تهميش مؤشراً جيداً على حالة الاستقرار السياسي.
قلة أو انعدام الانقلابات العسكرية: وهو النمط السائد لتداول السلطة في العديد من البلدان الأفريقية نتيجة لحالة الفراغ السياسي والمؤسسي وسوء الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، عدم وجود انقلابات عسكرية وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع مؤشراً هاماً على حالة الاستقرار السياسي.
الخلفيات السياسية لفئات المجتمع ومدى تجانسها: ونعنى بذلك مدى تجانس الاتجاهات السياسية للفئات المختلفة داخل المجتمع، وهل يمكن ان يكون هناك احتواء نسبى بها؟ خاصة في المجتمعات المتعددة اثنيا ودينياً وثقافياً، وعلى هذا فكلما كان هناك احتواء لتلك التوجهات المختلفة ووجود آليات للحوار تمنع نشوء الصراعات وبروزها كما كان ذلك مؤشرا على الاستقرار السياسي.
وبتطبيق تلك العوامل سابق الذكر على نيجيريا نجد الآتي:
فيما يتعلق بالفترة الزمنية للدراسة والمحددة منذ عام 2007 وحتى الآن نجد أن نيجيريا شهدت تداولاً للسلطة من رئيس مدنى لآخر، غير أن ذلك ارتبط بحالة من حالات عدم الاستقرار، حيث دائماً ما ارتبطت عمليات نقل السلطة في نيجيريا عبر الانتخابات بمختلف أشكال الصراع السياسي والإثنى والديني، بالإضافة إلى ذلك يتبقى دائما احتمالات الانقلاب العسكري قائمة في أي وقت ونيجيريا تملك تاريخاً قوياً في ذلك، ففي مرحلة الحكم العسكري الأول والتي امتدت من عام 1966 حتى عام 1979 شهدت نيجيريا نحو ثلاثة انقلابات عسكرية قائمة على أسباب اثنية وطائفية.
النسبة للمشاركة السياسية في نيجيريا، يرى العديد من الباحثين أن العملية السياسية في نيجيريا لا تزال محتكرة من قبل نخب بعينها تتلاعب بالتمايزات الاثنية والدينية لخدمة مصالحها المتمثلة في استمرار سيطرتها على مقدرات الامور السياسية والاقتصادية وهو ما يؤثر بالسلب على الاستقرار السياسي في المجتمع نتيجة لما ينتج عن ذلك الاستغلال السياسي من صراعات.
نتيجة لما سبق يتفق الباحث مع الآراء التي تذهب إلى أن عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا لم تصل بعد إلى ما تصبو إليه، والعكس هو ما حدث تماماً حيث ارتبطت مراحل التحول الديمقراطي بدرجات مرتفعة من عدم الاستقرار السياسي، لكن ثمة مظهر إيجابي يتمثل في اصرار النظام النيجيري على مقاومة الحل العسكري واستمرار المسار الديمقراطي في تداول السلطة رغم كل ما ينتج عنه من صراعات تؤدي إلى عدم الاستقرار.
ثانياً-الإثنية وشرعية النظام السياسي:
الشرعية تمثل أساساً هاماً لكل من الاستقرار السياسي والتحول الديمقراطي، والشرعية بمعناها العام يمكن تعريفها على انها القبول والرضاء العام على النظام الحاكم. وتختلف قواعد الشرعية من نظام سياسي لآخر، فالنظم الديمقراطية تعتمد بدرجة كبيرة في شرعيتها على مدي تقبل ورضاء الجماهير لها، بينما تلك الأنظمة التي تصف بالشمولية تعتمد على عوامل أخرى تستمد منها شرعيتها، ومن تلك العوامل على سبيل المثال:
القوة والإجبار.
الإثنية والعصبية القبلية.
وبالتطبيق على الحالة النيجيرية، نجد أنه حتى في فترات الحكم المدني والمستقر فيها على تداول السلطة عبر الانتخابات منذ 2003 لا تزال الأنظمة النيجيرية الحاكمة المتعاقبة تعتمد على العاملين سابقي الذكر في تكوين شرعية النظام السياسي والحفاظ عليها، وهو ما يتجسد من خلال المظاهر التالية:
زيادة الصراعات الإثنية على الموارد والسلطة تمثل تحدياً رئيسياً لشرعية أي نظام سياسي في نيجيريا، خاصة في ظل ارتباط الصراعات الإثنية في نيجيريا بكل من الدين والسياسة فالصراع السياسي في نيجيريا يتم وفقاً لمحددات إثنية حادة وشديدة التباين مجسداً الحالة الصفرية للصراع من نظرية المباريات، وهو ما نتج عنه أن الأنشطة العنيفة لميلشيات ومنظمات الجماعات الإثنية المختلفة في الجمهورية الرابعة أصبحت لا تمثل فقط تحدياً لشرعية النظام السياسي بل وتهدد بقاءه أيضاً.
لجوء الحكومات المدنية لنفس الأساليب القمعية للإدارات العسكرية لاحتواء الصراعات الإثنية والدينية، طعن بشكل كبير في شرعية تلك الإدارات.
وهو جعل أغلب الباحثين يتفقون علي فشل عملية التحول الديمقراطي في خلق شرعية دستورية ديمقراطية حتى وإن نجح في الحفاظ على شكل الحكم المدني للدولة.
المبحث الثالث-معوقات التحول الديمقراطي والآفاق المستقبلية لمسار عملية التحول الديمقراطي ظل حالة عدم الاستقرار السياسي في نيجيريا:
من خلال تتبع مراحل عملية التحول الديمقراطي، يتضح أن طريق تلك العملية لم يكن ممهداً حيث اصطدم وتعثر بالعديد من التحديات والمعوقات، سوف يتم تناولها فيما يلي:
المطلب الأول-الصراعات الإثنية والدينية:
في مجتمع غير متجانس يتسم بالتعددية الشديدة مثل المجتمع النيجيري يلاحظ تطابق الإثنية بعامل الدين، ونيجيريا ظلت وتزال تعاني من متلازمة الإثنية-الدينية، وهو ما يتجلى بشكل واضح في صراع الشمال مسلم مع الجنوب المسيحي، وهو الصراع الذي يتحكم بشكل كبير في مقدرات الأمور في نيجيريا، وحتى عام 1979 لم يكن الدين يشكل ملمحاً رئيسياً في الصراعات الإثنية إلى أن قام ممثلو الولايات الشمالية المسلمة بطرح وإثارة قضية تطبيق الشريعة الاسلامية، وإنشاء محكمة استئناف فيدرالية تستند في قوانينها إلى الشريعة الإسلامية.ومنذ ذلك التاريخ تضافرت العديد من العوامل والأسباب المتداخلة التي ساهمت في إثارة الصراعات الإثنية والدينية والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً-سياسات الاستعمار البريطاني في نيجيريا:والمتمثلة في:
– سياسات الإقصاء والتهميش لجماعات بعينها على حساب جماعات أخرى، ومن أمثلة ذلك الاجراءات والسياسات التي اتبعها الاستعمار لفصل المهاجرين الوافدين من داخل نيجيريا عن بعضهم البعض، ونظام الجنسية الأصلية الذي يفرق ما بين الجنسية الإثنية عن الجنسية المدنية في المناطق الحضرية.
– التقسيمات الادارية التي وضعت بواسطة الاستعمار والتي لم تراع الفوارق والاختلافات القبلية، الاجتماعية، والدينية إلى جانب التوحيد والجمع القسري لتلك الجماعات المختلفة، كل ذلك أدى إلى
– التنافس والصراع الشديد فيما بين الجماعات الإثنية الرئيسية.
ثانياً- الفيدرالية المنحرفة للدولة النيجيرية:
وهو الإرث السيئ من الاستعمار، فإذا كانت بعض أدبيات العلوم السياسية تجد في الفيدرالية حلاً ومخرجاً لأزمات التعايش في المجتمعات المتعددة إثنياً وثقافياً، فالواقع في نيجيريا يشير الي عكس ذلك حيث النظام الفيدرالي ومؤسساته كانا ولا يزالا سبباً رئيسياً من الأسباب المؤدية للصراع كون هذا النظام تطابق مع مواطن الإثنية في نيجيريا، وهو ما جعله أداة من أدوات الصراع لا أداة احتواء تتيح مشاركة الفئات والقطاعات المختلفة في المجتمع.
ثالثاً- التوتر والعنف القائمين على أسباب دينية وطائفية:
على الرغم من أن الدستور النيجيري لم يحدد ويعتمد ديناً معيناً للدولة بمعني آخر أنه دستور علماني، إلا أن الصراعات ذات الخلفية الدينية أصبحت تشكل واقعاً رئيسياً في الحياة في نيجيريا وسبباً من أسباب عدم الاستقرار في كافة المناحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية، خاصة بعد اتجاه عدد من الولايات الشمالية إلى تطبيق الشريعة الاسلامية وهو ما آثار العديد من الصراعات وأعمال العنف التي خلفت العديد من القتلى، ووقفاً للجنة الأمريكية للحريات الدينية فإن ما يزيد على 12000 ألف نيجيري قد تم قتلهم منذ عام 1999 في أحداث عنف طائفية.
ظهور الجماعات المتشددة خاصة في الحزام الأوسط في نيجيريا وولايات الدلتا الغنية بالنفط وعلى رأسها جماعة بوكو حرام زاد أيضاً من وتيرة العنف الطائفي في نيجيريا، فعلي سبيل المثال الصراع ما بين القوات الحكومية في نيجيريا وجماعة بوكو حرام أسفر في يوليو 2009 عن مقتل ما لا يقل عن 700 شخص وتشريد الآلاف في كل من ولايات بوتشي، بورنو، ويوبي.
الصراع الديني في نيجيريا لم يقتصر فقط على الصراع بين المسلمين والمسيحيين، بل شمل أيضا الصراع بين المسلمين وبعضهم البعض مثلما حدث بين أتباع الطرق الصوفية وأتباع الجماعات السنية، وذلك مرجعه الاختلاف في المذاهب والطرق فيما بين تلك الجماعات إلى جانب تباين القواعد الإثنية لتلك الجماعات، وهو ما يتجلى على سبيل المثال في التباين الإثني الجغرافي ما بين مسلمي الهوسا(الشمال) ومسلمي اليوربا(الجنوب).
رابعاً-الاستغلال السياسي للفوارق والاختلافات الإثنية والدينية:
يرجع ذلك بالأساس إلى استغلال النخب السياسية الانتماءات الإثنية للحشد من أجل الحصول على الدعم المطلوب من القواعد الشعبية من أجل تحقيق مصالح النخبة الضيقة دون النظر إلى مدى تأثير نتائج تلك الصراعات القائمة على الإثنية ذو الخلفيات الدينية على مدى تماسك وترابط أجزاء ومكونات الدولة.
الاستغلال السيئ للعوامل الإثنية من قبل النخب السياسية ساهم بشكل كبير في ظهور الأحزاب القائمة على الأسس الإثنية. الآثار السلبية لذلك الاستغلال تتجسد في شكل صراعات تظهر وتثور بشكل كبير في الأوقات والمناسبات الانتخابية حيث تعتبر تلك المناسبات بيئة جيدة وسبباً هاماً لانفجار أعمال العنف نتيجة للتعبئة الإثنية من قبل النخب السياسية من أجل الفوز بالمناصب وتحقيق المكاسب السياسية.
خامساً-فشل السياسات الحكومية في التعامل مع العنف الإثني والديني:
الإدارة في نيجيريا تعتمد بشكل رئيسي على القوة العسكرية لقمع المظاهر العنيفة للصراعات الإثنية والدينية بدلاً من احتواء أسبابها، والفارق كبير ما بين القمع والاحتواء. منهج القمع هذا لم يختلف في فترة الحكم المدني عن الحكم العسكري، هذا الأسلوب القمعي تجلي بشكل واضح في كل من ولايات أودي، زكيبيام، أونيتشا، وجباراموتو في ظل الحكم المدني عام 2004 حيث شكلت الحكومة النيجيرية وحدة مشتركة من الجيش والشرطة أطلق عليها قوة المهام المشتركة (jtf)، تتمركز بشكل رئيسي ودائم في الولايات سابقة الذكر لقمع نشاط الميلشيات الإثنية المتمردة.
هذا الفشل في السياسات والمنهج المتبع إلى جانب عدم قدرة المؤسسات الحكومية الممثلة للسلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية على احتواء المظاهر الإثنية منذ العودة للحكم المدني عام 1999 ساهم في ظهور شكل جديد من أشكال الإثنية القائمة على التنظيمات المسلحة التي تعتمد العنف منهجاً لها، ومن هذه الجماعات الحركة من أجل تحرير دلتا النيجر، الجناح العسكري لمجلس شباب إيجاو، الحركة من أجل استقلال بيافرا، وجماعات الباكاس بويز.
المطلب الثاني-تراجع الأداء الاقتصادي وغياب عدالة التوزيع:
تختلف الدراسات والآراء فيما يتعلق بعلاقة مستوى النمو الاقتصادي بعملية التحول الديمقراطي سلباً أو ايجاباً، فأصحاب الرؤية السلبية لتلك العلاقة يرون أن ارتفاع مستويات النمو الاقتصادي قد يكون سبباً في تقوية سلطات الحكومة وإحكام قبضتها بشكل مخالف للشروط والقواعد الديمقراطية، على العكس من ذلك يذهب أصحاب الرؤية الإيجابية إلى أن نجاح أي نظام سياسي في تحقيق تنمية اقتصادية يؤدي إلى زيادة درجات الاستقرار في المجتمع ومن ثم يسمح في نهاية المطاف بالانتقال للديمقراطية الفعلية، وبالتطبيق على الحالة النيجيرية نجد الآتي:
تراجع الأداء الاقتصادي أدى إلى ارتفاع معدلات الفقر في نيجيريا بالشكل الذي جعل نيجيريا تحتل مرتبة متدنية في تقارير التنمية البشرية التي تصدرها المؤسسات الدولية، والتي تشير إلى أن نحو 70% من النيجيريين يعيشون تحت خط الفقر.
تباين واختلاف مخصصات التنمية من ولاية لأخري، فالشمال النيجيري يفتقر للموارد لكنه يحتكر السلطة السياسية في مقابل جنوب غني بالموارد النفطية لكنه خاضع للسيطرة السياسية الشمالية وهو ما جعل جماعات الجنوب تشعر بالتهميش والاستغلال لصالح الشمال الأمر الذي يثير القلاقل والاضطرابات بشكل شبه مستمر أثر بالسلب على التقدم في البرامج الاقتصادية وخلق حالة من عدم الاستقرار المستمر.
نتيجة لغياب عدالة التوزيع أصبحت ثروة نيجيريا النفطية مصدراً للتوتر والصراع على الرغم من أن النظام الفيدرالي الحالي يوفر للولايات المنتجة للنفط حصة من عائدات ذلك الإنتاج، غير أن الميليشيات الإثنية في تلك الولايات اتخذت من ضعف تلك الحصة مبرراً لاتخاذها مواقف عنيفة بدعوي غياب عدالة التوزيع، وهو ما طالبت بتعديله حركة تحرير دلتا النيجر والتي دعت إلى تخصيص نحو 50% من عائدات إنتاج النفط في دلتا النيجر لصالح ولايات الدلتا في المقابل رأت لجنة فنية شكلها الرئيس يارادوا في ديسمبر 2008 لدراسة أوضاع التنمية في الدلتا، زيادة حصة العائدات النفطية المخصصة للولايات المنتجة للنفط بنحو 25%، غير أن العديد من المحللين ذهبوا إلى أن المشكلة لا تكمن في كون النسبة صغيرة أو كبيرة، لكن في كيفية استخدام تلك المخصصات وكيفية انفاقها بشكل فاعل.
السياسات التي انتهجتها الإدارات المتعاقبة على الحكم في نيجيريا والتي غلبت من الحلول الأمنية على الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية أدت إلى زيادة مخصصات الأمن في الموازنات الفيدرالية المتتالية علي حساب احتياجات التنمية خاصة البنية التحتية، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الفساد التي ساهمت في إهدار الكثير من الموارد، فوفقاً لمؤشر الشفافية ومدركات الفساد فإن نيجيريا احتلت المرتبة 134 عالمياً في عام 2010، كما ذكرت لجنة الجرائم الاقتصادية والمالية( EFCC )، والمنوط بها مكافحة الفساد في نيجريا والتي تم انشاؤها عام 2003 ضمن سلسلة من الإجراءات لإصلاح النظام المالي أن ما تم الاستيلاء عليه من قبل القادة السياسيين والعسكريين بما في ذلك رؤساء سابقين لنيجيريا، منذ بداية مبيعات النفط 1970 ما يقدر بنحو 380 مليار دولار وهو مبلغ كبير كان يمكن أن يتم استخدامه في تحقيق الأهداف التنموية للشعب النيجيري.
بناء على ما سبق يمكن القول بأن الحالة النيجيرية تتفق والفرضية الثانية التي تقوم على أن تحقيق تنمية اقتصادية يؤدي الي زيادة درجات الاستقرار في المجتمع، وبالتالي يجعل المناخ مهيئاً لعملية التحول الديمقراطي. الذي حدث في نيجيريا هو العكس فتراجع الأداء الاقتصادي آثار العديد من الصراعات بسبب التنافس الإثني على الموارد الاقتصادية إلى جانب الصراعات الطائفية، كل ذلك أدى إلى حالة عدم استقرار أعاقت بدورها الدولة النيجيرية من تحقيق ديمقراطية حقيقية.
المطلب الثالث-مستقبل عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا في ظل حالة عدم الاستقرار السياسي:
من خلال تتبع مسار عملية التحول الديمقراطي يتضح لنا مدى تلازم ذلك المسار بدرجات مختلفة من عدم الاستقرار ليس فقط سياسياً، لكن أيضا اجتماعيا واقتصاديا وكل ذلك استند إلى قاعدة عريضة من الأسباب المتداخلة والمتشابكة إثنياً ودينياً واقتصادياً وسياسياً، لذلك يحاول هذا المبحث مناقشة الآفاق والسيناريوهات المستقبلية لمسار عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا، مع تقديم رؤية لما يمكن أن يتم لإعادة عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا إلى مسارها الصحيح.
أولاً-تطبيق الإصلاحات السياسية والدستورية:
نيجيريا عرفت نحو تسعة دساتير منذ عام 1914، اربعة من تلك الدساتير كان في فترة الاستعمار وخمسة منها في فترة ما بعد الاستقلال اي منذ عام 1960 وحتى دستور 1999 الذي يتم العمل به حتى الآن، وبشكل عام فقد اتفقت جميع هذه الدساتير على اعتماد الفيدرالية كشكل للدولة والنظام الرئاسي كنظام للحكم.
غير أنه ثمة تساؤل هام يطرح نفسه بشكل دائم ويتمثل في مدي تعبير تلك الدساتير لطبيعة الدولة النيجيرية؟ فالتجربة أثبتت أن غالبية تلك الدساتير خلقت فيدرالية مشوهه واحتفظت بنفس الإرث الاستعماري السيئ القائم علي تركيز السلطة والموارد في يد جماعات وزعامات بعينها وهو ما خلق الصراعات وعمقها بين الجماعات والقوي المختلفة للدرجة التي أصبحت معها تلك القوي غير قادرة علي الاتفاق علي تصور أو شكل جديد للدستور النيجيري، وهو ما تجلي بشكل واضح في فشل محاولة الرئيس الأسبق أوبا سانجو عام 2005 لوضع تصور لدستور جديد والتي فشلت للتنافس بين الولايات والجماعات المختلفة على الحصص المخصصة لكل ولاية من عائدات النفط.
بناء على ذلك أصبحت الحاجة ملحة لإعادة النظر في الإطار التشريعي النيجيري، وإعادة تصميم كل مكوناته والمتضمنة الأتي:
الدستور:
حيث يحدد الدستور طبيعة نظام الحكم هل هو رئاسي أم برلماني أم هو خليط ما بين الاثنين، دستور 1999 والمستند إلى دستور 1979 اعتمد نظام حكم رئاسي في نيجيريا شبيه بذلك الذي في الولايات المتحدة الأمريكية والقائم على تعزيز السلطات الفيدرالية، غير أن التطبيق الفعلي في نيجيريا شابه العديد من الأخطاء التي ساهمت في تعزيز بيئة عدم اليقين وعدم الاستقرار.
وتختلف الآراء حول طبيعة النظام السياسي المناسب للطبيعة التعددية للدولة النيجيرية، فالبعض يرى في النظام البرلماني الكامل القائم على مسئولية الحكومة أمام البرلمان بديلاً جيداً لاحتواء أسباب وأثار مشكلة التعدد الإثني، ويستند أصحاب هذا الرأي إلى أن النظام البرلماني يتيح فرص أكبر لمشاركة كل الفئات وهو ما يجعل الدولة في ظل ذلك النظام تتفادى الآثار السلبية التي قد تنتج عن نتائج الانتخابات في النظام الرئاسي التي عادة ما تكون صفرية النتائج.
وإن كان يجدر الإشارة إلى أن النظام النيجيري حول معالجة تلك المسألة من خلال; أولاً النص على منصب نائب الرئيس وثانياً اتباع العرف أو التقليد المعروف باسم قانون تقسيم المناطق (zoning) والذي يقضي بتبادل السلطة ما بين الأقاليم، لكن ثمة عامل هام يؤثر في فاعلية هذا الحل في الدول ذو الطبيعة التعددية التي تتبع النظام الرئاسي كما هو الحال في نيجيريا، ويتمثل في نص الدستور صراحة علي صلاحيات واختصاصات حقيقية لنواب ومساعدي الرئيس بالشكل الذي لا تصبح عليه تلك المناصب شرفية.
الديناميات السياسية وطبيعة النظام الانتخابي:
النظام السياسي النيجيري كما سبق الذكر صمم بالشكل الذي يخدم ويعمق المظاهر الإثنية، حيث إن معظم الدوائر الانتخابية صممت متطابقة مع مواطن الإثنية، وهو ما يجعل أوراق اعتماد أي مرشح هو انتماؤه الإثني وليس الحزبي أو البرنامج الانتخابي الذي يطرحه.
وهو ما نتج عنه بالتبعية إنشاء الاحزاب على أسس إثنية يتم استغلالها والسيطرة عليها من قبل النخبة والزعامات الإثنية لخدمة مصالحها وأهدافها الضيقة على حساب المصلحة الوطنية، لذلك يتفق العديد من الباحثين على عدد من المحددات التي يجب توافرها ومراعاتها عند تصميم نظام انتخابي يتسم بالتعددية كما هو الحال في نيجيريا وذلك كالتالي:
– الأخذ بنظام تمثيل يتفق مع طبيعة وظروف المجتمع وهنا تختلف الآراء، فالبعض يرى في نظام التمثيل النسبي حلاً لتحقيق الاستقرار في المجتمعات التي تشهد صراعاً إثنياً على أساس أنه يتيح لأحزاب الأقليات المشاركة في الحياة السياسية عبر الانتخابات من خلال تخصيص نسبة لها في المؤسسات التشريعية، في المقابل يذهب أصحاب الرأي الآخر إلى أن نظام التمثيل النسبي قد لا يتناسب مع طبيعة الحالة النيجيرية.
– منع قيام الأحزاب على أسس إثنية أو دينية والنص على ذلك صراحة في قانون الانتخابات.
– إعادة تصميم الدوائر الانتخابية بالشكل الذي يتجاوز الإطار الإثني الضيق ويعمل علي دفع الأحزاب السياسية نحو الحصول على دعم الجماعات الإثنية المختلفة دون الاقتصار على إثنية واحدة.
– العمل على زيادة الاستقلال القانوني والسياسي والمالي للكيان الانتخابي المنوط به إدارة الانتخابات.
مراجعة هيكل الفيدرالية المنحرف:
أغلب الباحثين يتفقون على أن الفيدرالية تمثل الشكل الأمثل للدولة ذو الطبيعة التعددية، غير أن الفيدرالية في الحالة النيجيرية كما سبق العرض مثلت سبباً رئيسياً من اسباب عدم الاستقرار، لذلك فثمة عدة عناصر يجب مراعاتها في الفيدرالية النيجيرية لتتحول إلى حل ناجح لإدارة التعدد الإثني والديني وذلك كالتالي:
– إعادة التوزيع الدستوري للسلطة والموارد على الوحدات المكونة للفيدرالية بالشكل الذي يتناسب مع واقع التعددية دون تهميش أو إقصاء لجماعة لحساب أخرى.
– وضع التشريعات والقوانين التي تضمن التمثيل العادل لكل فئات المجتمع داخل المؤسسات الفيدرالية.
– تفعيل وزيادة قاعدة مشاركة الوحدات المكونة للاتحاد الفيدرالي في عملية صنع السياسات على المستوى الوطني العام، كذلك العمل على استقلالية الوحدات المكونة للفيدرالية في مواجهة السلطة المركزية.وضع القواعد والآليات الخاصة فيما يتعلق بتسوية الصراعات بين الوحدات المكونة للفيدرالية حول حدود الولايات ومواردها.
المطلب الرابع-المؤسسية كآلية لتدعيم الاستقرار والتحول الديمقراطي في نيجيريا:
ونعني هنا بالمؤسسات السياسية المتمثلة في الجيش والبرلمان والقضاء والجهاز الاداري، هذه المؤسسات تلعب دوراً هاماً في بناء الديمقراطية وتحقيق الاستقرار السياسي في حال ما أتاحت تلك المؤسسات درجات مرتفعة من المشاركة لمختلف القوى والجماعات.
وتختلف آراء الباحثين حول مدى الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسية في تحقيق الاستقرار ودعم عملية التحول الديمقراطي في المجتمعات المتعددة إثنياً، فالبعض يري أن عملية التحول الديمقراطي ينتج عنها تغيير في النظام السياسي ومؤسساته، وذلك يرتبط بحالة من الشك وعدم اليقين من قبل الجماعات الإثنية التي يتولد لديها اعتقاد بأن ناتج هذه العملية يكون مزيدًا من السيطرة للجماعة الإثنية المهيمنة بالأساس، وهو ما يؤدي إلى الصراع وعدم الاستقرار.
في المقابل يري أصحاب الرأي الأخر أن المؤسسات من الممكن أن تكون آلية جيدة لاحتواء الانقسامات الإثنية وتحقيق الاستقرار شريطة أن توفر تلك المؤسسات التمثيل والمشاركة لمختلف الإثنيات والأقليات في المجتمع، وبالشكل الذي يساعد على تغيير سلوك النخب والزعامات الإثنية ونقلهم من مرحلة التعبئة والحشد الإثني إلى مرحلة تجاوز الحدود الإثنية.
بالتطبيق علي الحالة النيجيرية يتجلى لنا الواقع السيئ للمؤسسات في نيجيريا وكيف أنها تعزز التمايزات الإثنية، فالمؤسسة التشريعية ممثلة في كل من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ فشلت في إدارة التعدد الإثني كما أنها غير قادرة على إعادة تصميم قواعد دستورية جديدة تعالج القضايا التي تفجر وتثير الصراعات الإثنية من آن لآخر، القضاء النيجيري أيضاً كان هناك العديد من علامات الاستفهام حول استقلاله ودوره في الصراعات الإثنية والدينية، علي سبيل المثال يكفي أنه لا أحد تمت إدانته من خلال المحاكمات القضائية عن الجرائم وأعمال العنف التي ارتبطت بالصراعات الإثنية والدينية والسياسية.
مؤسسة الجيش في نيجيريا لم تكن أيضاً بمنأى عن معضلة الإثنية، لذلك فالباحث يتفق والآراء التي تذهب إلى أن الآلية المؤسسية قد تشكل حلاً جيداً يساعد في تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي بشرط توافر الضمانات الخاصة بالمشاركة والتمثيل العادل لكل فئات وقوي المجتمع، وذلك يتم من خلال:
– بناء المؤسسات التي تضمن وتكفل الحريات والتي تتضمن; نظام قضائي عادل، صحافة حرة ومستقلة.
– إصلاح اقتصادي حقيقي قائم على عدالة التوزيع والاستخدام الأمثل للموارد.
– الاستقلال النسبي لعملية صنع السياسات والقرارات داخل المؤسسات بالشكل الذي يمكنها من الاستجابة للمطالب المختلفة للجماهير بفاعلية.
– وجود مشاركة فاعلة وتمثيل عادل لكافة إثنيات المجتمع داخل المؤسسات، يكفل تماسكها واستقرارها، وبالتالي تكون قادرة على أداء وظائفها بكفاءة.
– تفعيل ودعم دور منظمات المجتمع المدني التي تمثل أداة جيدة لاحتواء التمايزات الإثنية والدينية داخل المجتمع من جانب، وتمثل أداة رقابة جيدة على المؤسسات الحكومية من جانب اخر.
لذلك بناء على العرض السابق نجد أن الدولة النيجيرية أمام سيناريوهين; الأول هو الاستمرار في التعامل الشكلي مع ظاهرة الديمقراطية دون تحليل فعلي لواقع المجتمع النيجيري وبالتالي استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي المدعوم بقوة من عملية التحول الديمقراطي المشوهة والمنحرفة.
السيناريو الثاني: يتمثل في العمل على معالجة المشاكل سابقة الذكر من خلال آليات دستورية واقتصادية وسياسية لا أمنية فقط، وبالشكل الذي يتواءم مع الواقع التعددي للمجتمع النيجيري بما يحقق الاستقرار.
خاتمة
مما سبق يتضح أن نيجيريا لم تنشأ كاتحاد متفق عليه من دولة مستقلة، بل تم تكوينها من قبل الاستعمار البريطاني بشكل قسري ومن أقاليم مختلفة اثنياً وثقافياً ودينياً واقتصادياً، وهو ما ألقى بظلاله على طبيعة الحياة في نيجيريا في كل جوانبها حتى الآن، واغلب السياسات التي تم إقرارها لم تفلح في استيعاب كل تلك التباينات بل ساعدت على ابرازها وتأصيل جذورها في المجتمع النيجيري.
الباحث من خلال الدراسة حاول إثبات صحة الفرضية القائمة على انه كلما كان التحول الديمقراطي في نيجيريا حقيقياً وقائماً على ديمقراطية المشاركة التي تسمح بالتمثيل العادل لكافة الجماعات والأقليات كلما ساهم ذلك في تحقيق الاستقرار داخل المجتمع ومن خلال دراسة الباحث لعملية التحول الديمقراطي في نيجيريا يمكن استنتاج الآتي:
إن عملية التحول الديمقراطي في نيجيريا لم تصل بعد لمرحلة الرسوخ والاستقرار وبالتي فقد فشلت حتى الآن في إصلاح العلاقات ومد جسور التواصل فيما بين الجماعات الإثنية المختلفة، وهو ما نتج عنه استمرار الصراع والخلاف الحاد يدعم ذلك انخفاض معدلات التنمية السياسية والاقتصادية وضعف بنية المؤسسات السياسية وهو ما يجعله سبباً مباشراً لعدم الاستقرار ويشكل تهديداً للدولة ويجعلها عرضة للحرب الأهلية.
عدم قدرة الأنظمة المتعاقبة في نيجيريا على تأسيس بنية دستورية وقانونية قوية أدى إلى تغلغل الإثنية في كل جوانب الحياة السياسية في نيجيريا وهو ما أدى إلى تلازم عملية التحول الديمقراطي بالانقسامات والصراعات حتى الآن.
من الممكن أن يكون التحول الديمقراطي أداة فاعلة لتحقيق الاستقرار السياسي في نيجيريا من خلال العمل على زيادة الاتصال بين الجماعات الإثنية المختلفة، وهو ما سوف يؤدي إلى خلق مصالح مشتركة تتجاوز الحدود الإثنية ما يدفع تلك الجماعات إلى التعاون والتكامل وليس التنافس والصراع.
————————————————-
قائمة المصادر
أولاً-مصادر باللغة العربية:
الكتب:
مركز الحضارة للدراسات السياسية، كتاب الأمة في قرن “الأقوام والأعراق والملل في عالم متداخل”(الكتاب الخامس، 2000/2001).
الرسائل العلمية:
بشير شايب، مستقبل الدولة الفيدرالية في أفريقيا في ظل صراع الاقليات نيجيريا نموذجاً، رسالة ماجستير (قسم العلوم السياسية، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة قاصدي مرباح_ورقلة، 2010/2011).
الدوريات:
سهام فوزي، “عملية التحول الديمقراطي في المجتمعات المتعددة إثنياً”، في قضايا(القاهرة: المركز الدولي للدراسات المستقبلية والاستراتيجية، العدد 73، يناير 2011).
ثانياً-مصادر باللغة الانجليزية.
report:
Ploch ,Lauren(ed.),”Nigeria Elections and Issues for Congress”, Report for Congress : Prepared for Members and Committees of Congress(congressional research service, no33964,17 may 2011).
Articles:
1- Moses ,Duruji Metumara, “Democracy and the Challenge of Ethno-Nationalism in Nigeria’s Fourth Republic: Interrogating Institutional Mechanics”, in Journal of Peace, Conflict and Development(BRADFORD: Dept of Peace Studies, Pemberton Building, University of Bradford, Issue 15, March 2010).
2- Omodia ,S.M.,” Elections and Democratic Survival in the Fourth Republic of Nigeria” in The Journal of Pan African Studies (Arizona: Amen-Ra Community Assembly of California Inc, vol.3, no.3, September 2009).