المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

أثر القضية السورية على العلاقات السورية – التركية منذ عام 2011

0

عرض/ آية محمد طارق أحمد دسوقى
قٌدمت هذه الدراسة كأطروحة علمية لاستكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، وتحت إشراف الأستاذ الدكتور/ أحمد يوسف أحمد، الأستاذ المتفرغ بقسم العلوم السياسية بالكلية. ويدور موضوع الدراسة حول تأثير القضية السورية على العلاقات السورية – التركية منذ عام 2011وحتى عام 2019(تاريخ الانتهاء من إعداد الرسالة)، وهي الفترة التي شهدت العلاقات بين البلدين تغيرًا كبيرًا بعد التطور السريع للقضية السورية، وتحول العلاقات الثنائية من مرحلة التعاون والتقارب إلى مرحلة الخلاف والتوتر وصولاً إلى التدخل العسكري التركي المباشر في سوريا. وترجع أهمية هذا الموضوع إلى أن تحليل العلاقات السورية – التركية في هذه الفترة الحساسة من تاريخ العلاقات الثنائية لم يكن موضوعاً لدراسات كثيرة بسبب حداثة فترة الدارسة، فضلاً عن أن الدراسة سعت إلى تحليل الدور التركي الفاعل في القضايا الإقليمية الشرق الأوسطية، حيث تطلعت تركيا بعد التطورات التي شهدها المنطقة العربية في ديسمبر 2010 إلى تأدية دور أكبر في المنطقة من خلال دعم ما يسمي أحزاب “الاسلام السياسي”، وقامت باتباع نهج مؤيد للتغيير في سوريا منذ عام 2011، وتبنت مطالب المعارضة وتدخلت عسكرياً في مناطق الشمال السوري.

وانقسمت الدراسة إلى مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وتضافرت فصول الرسالة كي تجيب عن السؤال الهام الذي يتبدى لكل مهتم برصد التطورات التي شهدتها سوريا والدور التركي تجاهها وهو؛ ما مدي تأثير القضية السورية على العلاقات السورية – التركية منذ عام 2011؟
* المتغيرات المؤثرة على العلاقات السورية – التركية:
يبدأ الفصل الأول من الدراسة بإطلالة عامة على المتغيرات الداخلية والخارجية المؤثرة على العلاقات السورية – التركية، وترى الباحثة أن رغم تفوق تركيا بقدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على القدرات الداخلية السورية من الناحيتين الكمية والنوعية. الا أنه لا يمكن الاستناد على المتغيرات الداخلية فقط لتفسير التغير في العلاقات الثنائية من فترة لأخري، فالنظام السائد والسياسة الخارجية المتبعة في كلا البلدين، تقوم بالأساس على عامل المصلحة الوطنية وهو العنصر الحاكم للعلاقات بين البلدين، والذى يدفعهما في بعض الأوقات لتعزيز نقاط التقارب والاتفاق، وأوقات أخري ينمي من نقاط الخلاف والتناقض حسب ما تفتضيه مصلحة كل منهما، هذا بالإضافة إلي أن الأوضاع في سوريا بعد عام 2011 تداخلت فيها مصالح وأجندات إقليمية ودولية، لعبت دوراً كبيراً في التأثير على طبيعة العلاقات السورية – التركية؛ فمن جهة، أثرت البيئة الإقليمية بشكل كبير في السياسة الخارجية التركية وبشكل خاص في علاقاتها مع سوريا بعد عام 2011، حيث قامت تركيا باستغلال الأوضاع وتدخلت لبناء علاقات أقوى مع المعارضة السورية لإسقاط نظام الأسد، فضلاً عن التقارب مع أطراف إقليمية محددة أبرزها إسرائيل لموازنة النفوذ الإقليمي لإيران الحليف الاستراتيجي للأسد، ومن جهة أخرى حفزت البيئة الدولية تركيا على الدخول في شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة الفاعل الأساسي في منطقة الشرق الأوسط، وهي الشراكة التي ترتب عليها توافق المصالح بين البلدين تجاه القضية السورية في الفترة من 2011 حتى 2016، الأمر الذى انعكس سلباً على علاقات تركيا بسوريا، ونتج عنه في المقابل تعميق بذور التعاون الروسي – السوري – الإيراني، كعامل مهم لتحقيق التوازن في المنطقة. أما الفترة بعد عام 2016 إلى أوائل عام 2019، ومع توتر العلاقات التركية – الأمريكية، نتيجة تباين المصالح حول القضية السورية اتبعت أنقرة سياسة تغيير الأولويات، واتجهت نحو موسكو لإعادة إحياء العلاقات ونسج بعض التفاهمات معها من أجل تمرير المرحلة بأقل الخسائر الممكنة، وهو التحول الذي أملته المصالح الاستراتيجية، ونتج عنه تحولات في الموقف التركي من القضية السورية، إذ بدأت تركيا بالتغاضي عن مسألة رحيل الأسد في مقابل مواجهة الطموحات الكردية الإقليمية الانفصالية في سوريا.
* تقارب المصالح السورية – التركية (2002 – مارس 2011):
حللت الدراسة في الفصل الثاني المصالح المشتركة التي دفعت العلاقات السورية – التركية نحو مزيد من التقارب والتعاون خلال الفترة من 2002 وحتي أوائل عام 2011؛ ففي سوريا كان الرئيس بشار الأسد يعيد قراءة وضع سوريا الإقليمي وعلاقاتها وسط تغيرات وتحولات كبري في أوضاع المشرق العربي، ووجد أن توثيق العلاقات مع تركيا يمثل مجالاً لكسر الحصار الذى حاولت الولايات المتحدة فرضه علي بلاده، وانطلاقاً لحركة إصلاح الاقتصاد السوري وإعادة بنائه، وفى تركيا كان حزب العدالة والتنمية يبدأ مراجعة موقع تركيا ودورها في كل جوارها العثماني القديم، فوجد الحزب الفرصة سانحة للعب دور إقليمي أكثر نشاطاً لتوسيع نطاق مجالها الاقتصادي، كما وجد البلدان نفسيهما أمام تحديات وتهديدات مشتركة لم تكن أغلبها من صنعهما، سواء بفعل الاحتلال الأمريكي للعراق أو ارتفاع درجة التوتر الإقليمي الذى ولدته سياسات إدارة جورج دبليو بوش، أو التنكر الإسرائيلي للحد الأدنى من المطالب الفلسطينية. هذه كانت البداية ولكن الأمور سرعان ما تطورت إلى ما هو أكبر من الاستجابة للطارئ السياسي والاقتصادي، إلى وضع أسس استراتيجية للعلاقات بين البلدين، في إطار مجلس التعاون الاستراتيجي المشترك، الذي تضمن ما يقرب من 134 بنداً للتعاون في جميع المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية.
* سوريا عام 2011 وصراع النفوذ والمصالح:
تناولت الباحثة في الفصل الثالث التفاعلات الداخلية والتدخلات والانقسامات الإقليمية والدولية المرتبطة بالقضية السورية، فعلى المستوي الداخلي ارتبطت القضية بالعديد من الأسباب التي تتعلق بطبيعة النظام السياسي القائم والمعارضة السورية بشقيها السياسي والمسلح، إذ أدى اعتماد النظام السوري على القوة المفرطة واستخدامه الأجهزة الأمنية لمواجهة حركات المعارضة، إلى عسكرة القضية السورية مطلع عام 2012، وتحول مسارها من الطابع السلمي إلى طابع عنيف، مما أسفر عنه تسليح المعارضة وانتشار الجماعات المسلحة لمواجهة قوات النظام، وفى المقابل عانت المعارضة السورية في الداخل والخارج، من التشرذم والانقسام، وقد أخفقت كل المحاولات والمؤتمرات في توحيدها في جسد تنظيمي واحد، ومع تسارع وتيرة الأحداث والتغيرات في سوريا ارتبطت القضية السورية بالعديد من الأسباب والعوامل الجيوستراتيجيه التي ساعدت في خروج القضية عن سياقها العربي وتحويلها إلى قضية إقليمية ودولية أكثر منها سورية، وهى الاعتبارات التي تتعلق بالتحالفات السياسية والتوازنات الأمنية فضلاً عن اعتبارات المصالح والنفوذ، وفي هذا الصدد ساهم الموقف الروسي والإيراني الداعم لنظام الأسد، في زيادة الفجوة بين سوريا وتركيا وزيادة التباعد في العلاقات بين البلدين، إذ توافقت المصالح التركية مع المصالح الغربية ووقفا إلى جانب المعارضة السورية وقدما الدعم لها في سبيل إسقاط النظام.
* تركيا والقضية السورية (2011 – أوائل 2019):
وفى الفصل الرابع حللت الباحثة الموقف التركي من القضية السورية عبر مرحلتين، اختلفت خلال كل مرحلة طريقة التعاطي التركي مع الملف السوري، فخلال السنوات (2011: 2016)، جاء الموقف التركي في سياق الإطاحة بنظام الأسد، وارتبطت المصالح التركية بالمصالح الأمريكية في سوريا، وظهر ذلك من خلال الدعم التركي للمعارضة السياسية وتهيئة الظروف لتأسيس المجلس الوطني السوري، ودعم الجيش الحر عسكرياً واستخباراتياً، والأخذ بزمام المبادأة في الجهود الإقليمية لإسقاط نظام الأسد، وقد أدى الموقف التركي إلى تدهور العلاقات وانعدام الثقة بين البلدين، وارتبطت بهذا الواقع سياسات متبادلة عبرت عن عمق التوتر والخلاف بين الجانبين أبرزها التساهل من قبل النظام السياسي في سوريا مع مقاتلي حزب العمالي الكردستاني وجناحه السوري “حزب الاتحاد الديمقراطي”، والسماح له بالعمل مجدداً داخل الأراضي السورية مما أدى إلي بروز القضية الكردية من جديد، فضلاً عن التصعيد السياسي والاشتباكات على المناطق الحدودية المشتركة وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين البلدين.
أما في الفترة (2016: أوائل 2019)، ومع تعرض بعض السياسات التركية للنقد خاصة فيما يتعلق بالوضع في سوريا، خرجت تركيا خلال عام 2016 بما يمكن تسميته بالعقيدة العسكرية الجديدة لتحقيق مصالحها ونفوذها وطموحها في سوريا والمنطقة، وبالتالي قامت بإعادة الحسابات في الداخل السوري، وبدأت بالتغاضي عن مسألة رحيل الأسد في مقابل مواجهة الطموحات الكردية الإقليمية الانفصالية، وذلك في سياق تفاهمات سياسة ومقايضات جغرافية بين الجانبين التركي والروسي، فضلاً عن توافقاتها مع الجانب الإيراني، في ظل توتر علاقاتها مع الحليف الغربي والجانب الأمريكي، وهى التفاهمات التي أدت إلى التوافق على أدوار تركيا العسكرية في سوريا، ومشاركتها في مسارات التفاوض الثلاثة الخاصة بتسوية القضية السورية، فضلاً عن استضافتها فعاليات القمة الرباعية في اسطنبول لتسوية القضية السورية، والمشاركة في المشاورات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالقضية السورية، وإعادة طرح المطلب التركي بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا، وخلال هذه الفترة ظل الخلاف والتوتر يهيمن على العلاقات السورية – التركية، وكادت أن تدخل الدولتان في حالة المواجهة والحرب، نتيجة التدخل العسكري التركي في مناطق الشمال السوري.
** وبصفة عامة توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج يمكن توضيح أهمها فيما يلي:
1. لم تسر العلاقات السورية – التركية على وتيرة واحدة منذ عام 2002 مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا وحتى عام 2019، مروراً بالقضية السورية وتطوراتها، وذلك من خلال ثلاث محطات:
– المرحلة الأولى: (2002- أوائل 2011): وشهدت العلاقات الثنائية بين البلدين فيها نقلة نوعية كبيرة، حيث تبنت تركيا سياسة خارجية قائمة على نظرية العمق الاستراتيجي لــمؤسسها داود أوغلو، وكانت سياسة تصفير المشكلات مع الجيران هي أحد ركائزها الأساسية والتي سعت من خلالها إلى التحول من دولة طرف (جسر بين الدول الكبرى وأداة للغرب) إلى دولة مركز، استناداً إلى عمقها الاستراتيجي الذي يمتد إلى المنطقة العربية وفى القلب منها سوريا. لذلك اتسمت هذه المرحلة بالتقارب بين البلدين في مختلف المجالات، وصولاً إلى مرحلة التحالف الاستراتيجي عام 2009، فضلاً عن المشاريع المشتركة في البنية التحتية، وإنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين، مما فتح الباب لعملية تكامل اقتصادي.
– المرحلة الثانية: (مارس2011- 2016): مع موجات التغيير التي شهدتها البلدان العربية، وبداية القضية السورية في مارس عام 2011، قامت تركيا بإعادة النظر في نهجها الإقليمي والتخلي عن سياسة تصفير المشكلات لصالح سياسة عدم الوقوف على الحياد، وقامت بالترويج لتجربتها وتصديرها كنموذج للديمقراطية والتحديث، يجب أن يحتذي به في الدول التي طالتها موجات تغيير، وعليه حاولت تركيا منذ بداية القضية السورية الحفاظ على المكاسب التي تحققت مع النظام السوري في السنوات السابقة، فعملت على إقناع دمشق بالوفاء بمطالب الشعب السوري، لكن هذه المساعي باءت بالفشل، ومع تزايد أحداث العنف في سوريا رأت تركيا أن تأييد نظام استبدادي سيؤثر على مكانتها ونموذجها الذى تسعي لتصديره، فغيرت من نهجها بشكل كبير وبدأت تستضيف المعارضة السورية وقطعت العلاقات مع النظام السوري وسعت لإسقاطه، وهو ما أدى إلى تدهور العلاقات بين الطرفين ودخولها مرحلة التوتر والخلاف.
– المرحلة الثالثة: (2016- 2019): منذ عام 2016، ومع فشل المساعي التركية لإسقاط نظام الأسد ونجاح الأخير في استرداد قوته بفضل الدعم الروسي- الإيراني، وتوسع وتمدد الأكراد جغرافياً في الشمال السوري، فضلاً عن التطورات الداخلية في تركيا والمرتبطة بمحاولة الانقلاب في يوليو 2016 واستقالة داود أوغلو واستهداف أراضيها من قبل الجماعات الإرهابية. أدت كل هذه الأمور إلى إعادة الحسابات التركية في الداخل السوري، فبدأت بالتغاضي عن مسألة رحيل الأسد في مقابل مواجهة الطموحات الكردية الإقليمية الانفصالية في سوريا، وذلك في سياق تفاهمات سياسة ومقايضات جغرافية بين الجانبين التركي والروسي، فضلاً عن توافقاتها مع الجانب الإيراني، في ظل توتر علاقاتها مع الحليف الغربي والجانب الأمريكي. وهي التفاهمات التي أدت إلى التوافق على أدوار تركيا العسكرية في سوريا فضلاً عن المشاركة التركية في مسارات التفاوض المعنية بتسوية القضية السورية (أستانا – سوتشي – جنيف)، واستضافتها القمة الرباعية في اسطنبول لبحث مستقبل القضية السورية، وخلال هذه الفترة ظل الخلاف والتوتر يهيمن على العلاقات السورية – التركية، وكادت الدولتان أن تدخلا في حالة الحرب، حيث ساهم التدخل العسكري التركي منذ عام 2016 في تصعيد مستوى المواجهات السورية – التركية في الشمال السوري، نتيجة رفض النظام السوري الوجود العسكري التركي في بلاده.
2. ارتبط الوضع داخل سوريا بصراع النفوذ والمصالح بين مختلف الأطراف والفواعل المنخرطة فيه، وهي القوي التي تدير الصراع بينها بطرق مختلفة، أحياناً بالمواجهات، وأحياناً بالمساومات والمقايضات.
3. تطلعت تركيا بعد التطورات التي شهدها المنطقة العربية في ديسمبر 2010 إلى تأدية دور أكبر في المنطقة، كمحاولة لإعادة إحياء فكر “العثمانية الجديدة” والتي من خلالها تستطيع أن تلعب دوراً قيادياً في الشرق الأوسط، ورأت في هذه التطورات فرصة لها من أجل رفع مستوى سياستها ودورها الإقليمي في المنطقة، فقامت باتباع نهج مؤيد للتحول الديمقراطي تجاه الدول التي شهدت حالات تغيير، وبالأخص بعد نجاح حركات التغيير في إسقاط النظم السياسية الحاكمة فيها، ويلاحظ أن تركيا قد حاولت القيام بهذا الدور من خلال دعم المعارضة في سوريا للإطاحة بنظام الأسد، وهو الأمر الذي أدى إلى تدهور العلاقات الثنائية بعد سنوات من التعاون.
4. أثرت تطورات الأوضاع في سوريا سلباً على تركيا، على عكس التصور والأهداف التركية المرجوة من وراء سياستها المتبعة، حيث أدت هذه التطورات إلى إيقاف حالة التقدم والصعود المتنامي الذي شهدته السياسة الخارجية التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002، وما تحقق من نجاحات داخلياً وخارجياً رفعت مكانة تركيا ودورها الإقليمي على نطاق واسع.
5. يعتبر الملف الكردي هو المحور المركزي لسياسات تركيا في التعامل مع القضية السورية، والناتج من المخاوف التركية المتعلقة باحتمالات انتقال الصراع مع الأكراد إلى داخل تركيا أو اندلاع حرب إقليمية كبري، فضلاً عن التخوف التركي من إمكانية أن يتمتع الأكراد بوضع فيدرالي على غرار أكراد العراق.
6. تعتبر تركيا هي العنصر المبادر والمؤثر في تحديد طبيعة العلاقات مع النظام السوري نتيجة لتغير الرؤي والمصالح السياسية للقيادات السياسية التركية، فالمصلحة الوطنية التركية كانت تقتضي استباق نتائج الأحداث في سوريا في مارس 2011 من أجل توطيد العلاقة مع أي جهة قادمة للحكم، خاصة وأن النظام السوري لم يستجب لدعوات الحكومة التركية لإجراء اصلاحات جدية والاستجابة لمطالب المتظاهرين، وبالتالي فإنه وفقا للرؤية التركية يقتضى عنصر المصلحة وجود نظام سياسي سوري جديد حليف ومتطابق مع النخبة الحاكمة في تركيا، مما يعزز مكانتها ودورها الإقليمي في المنطقة.
7. تعتبر تركيا واحدة من العناصر الفاعلة الرئيسية في الصراع الذى أحدثته القضية السورية منذ بدايتها في مارس 2011، إلا أنها لم تكن الطرف المهيمن، لذلك اضطرت بداية من عام 2016 إلى التراجع عن أهدافها الخاصة بتغيير النظام السوري، وإجراء تحولات في سياستها الخارجية، وهي التحولات التي تتجاوز مستوي العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي (الأدوات الناعمة) إلى التمركز العسكري (الأدوات الخشنة)، وقد ظهر تطبيق ذلك في القضية السورية في إطار التدخل العسكري التركي المباشر في الشمال السوري لمواجهة الطموحات الكردية الإقليمية الانفصالية في سوريا. وهدفت تركيا بهذه التحولات إلى استعادة السيطرة على بعض المناطق التي خضعت منذ عقود سابقة للدولة العثمانية، وهي تلك المناطق التي تري تركيا أنها لاتزال تملك أحقية التدخل فيها، ليس انطلاقا من حسابات المصالح الاستراتيجية فقط، وإنما تأسيساً على الاعتبارات التاريخية، باعتبار هذه المناطق تقع ضمن حدود الميثاق الوطني لتركيا، الذي تبناه برلمان البلاد عام 1920.
8. مثل التدخل التركي العسكري المباشر في سوريا منذ عام 2016 بوابة الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لتركيا، حيث استطاعت استعادة حضورها الميداني الذى كانت تتطلع إليه منذ بداية القضية السورية، وقد حققته بدخولها طرفاً مباشراً في الحرب السورية عبر شن عدة عمليات عسكرية في سوريا في خطة تعتمد على المبادرة قبل ردة الفعل، وجاءت الحلقة الأولي منها تحت مسمي عملية “درع الفرات” في 24 أغسطس عام 2016، والثانية مرتبطة بالتدخل العسكري في شمال إدلب في 9 أكتوبر 2017، والحلقة الثالثة التي أطلق عليها “عملية غصن الزيتون” في 20 يناير 2018، فضلاً عن تحركاتها العسكرية في منطقة شرق نهر الفرات منذ 12 ديسمبر تحت 2018 وانتهت بعملية “نبع السلام” أكتوبر 2019، ولم تكن تركيا لتحقق ذلك لولا التفاهم الذى أبرمه الرئيس التركي مع الرئيس الروسي في سانت بطرسبرغ، وغض النظر الإيراني عن هذا التدخل التركي بسبب تقارب المصالح لمنع تمدد الأكراد وتوسعهم من الحدود العراقية إلى حدود لواء الإسكندرون وربما إلي البحر المتوسط.
9. تعتبر المصلحة الوطنية هي العنصر الحاسم في تحديد شكل العلاقات السورية – التركية وطبيعتها، حيث تتحول تلك العلاقات سلباً وإيجاباً، وفقاً لتغير المصالح والأولويات لتلك الدول، فقد أدى التوافق في المصالح بين النظم السياسية في كل من البلدين في الفترة من بداية عام 2002 وحتى مارس 2011، إلى تجاوز فترات طويلة من العداء والتوتر بين البلدين، والتوجه نحو تنمية العلاقات بينهما في كافة المجالات، وفى المقابل أدى التضارب في المصالح بين البلدين في الفترة منذ عام 2011 مع بداية القضية السورية وحتى أوائل عام 2019، إلى تدهور العلاقات السورية – التركية بشكل كبير، نتيجة الموقف التركي من القضية السورية، والذى أدى إلى قطع العلاقات الثنائية، وتحويلها من درجة التحالف الاستراتيجي إلى درجة الخلاف الاستراتيجي الحاد.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.