المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

أسباب العقوبات الدولية على زيمبابوي.. وآثارها السياسية على المستوى الإقليمي والدولي

0

يعد الصراع على الأرض في زيمبابوي القضية المحورية في زيمبابوي منذ بدء المستوطنين البيض في إقامة المزارع الكبيرة بها، واحتكارهم لأجود أنواع الأراضي، ثم قيام هذه الأقلية البيضاء بقيادة “إيان سميث” بإعلان استقلالهم بحكم زيمبابوي (روديسيا الجنوبية) بعيدا عن التاج البريطاني عام 1965. وهو ما أدى فيما بعد الى العديد من التداعيات الدولية والإقليمية التي ساعدت في نهاية الامر على حصول زيمبابوي على الاستقلال تحت حكم الأغلبية السوداء في أبريل 1980.

* أسباب العقوبات على زيمبابوي:

لقد كانت التوقعات كبيرة بشأن زيمبابوي بعد الاستقلال، أهم هذه التوقعات هو أن تصبح هذه الدولة من أقوى دول الجنوب الأفريقي وأن تكون سلة الغذاء له. غير أن الأمور اتخذت منحىً سيئاً للغاية حيث تم فرض عقوبات اقتصادية ومالية علي الرئيس موجابي وبعض أفراد نظامه من المقربين نتيجة لقيامه بتأميم الاراضي التي يتملكها البيض في زيمبابوي. كنتيجة لذلك تعرضت زيمبابوي للعقوبات من عدة أطراف دولية ومن ثم كانت تلك بداية مرحلة من الانهيار الاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي استمرت تداعياتها على مستقبل زيمبابوي الحالي.

*آثار العقوبات على زيمبابوي:

رغم الادعاء بأن العقوبات على زيمبابوي هي مجرد عقوبات استهدافية فٌرضت على عدد قليل من الأفراد، تظل الحقيقة الملموسة على ارض الواقع هي أن تلك العقوبات سواء المعلنة منها أو غير المعلنة شعر بها قطاع كبير من المواطنين في زيمبابوي ومازالوا، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي داخل الدولة وخارجها. بل إن هذه الآثار قد تعدت أهدافها لتنال من أطراف أخرى خارج حدود الدولة إقليميا ودوليا. وفي الجزء التالي من البحث سنستعرض الآثار السياسية الناتجة عن العقوبات على زيمبابوي على المستوى الإقليمي والدولي كالتالي:

آثار العقوبات على المستوى الدولي:

1.عزلة دولية

 تلقى مسألة العقوبات على زيمبابوي الكثير من الاهتمام سواء داخل البلاد أو خارجها. فمنذ عام 2000، تعرضت زيمبابوي لمجموعة من العقوبات بشكل أساسي من الولايات المتحدة الأمريكية (USA)، المملكة المتحدة (UK)، والاتحاد الأوروبي (EU)، وأستراليا وكندا. إذ استندت هذه الدول الغربية عند فرضها العقوبات على زيمبابوي بانتهاكات حقوق الإنسان والتعصب السياسي وانتهاك حقوق الملكية، وعدم احترام سيادة القانون كأسباب رئيسية من أجل فرض العقوبات. على العكس من ذلك، فإن حكومة زيمبابوي تتصور عموما أن العقوبات أداة غير قانونية تستخدم ضدها بهدف زعزعة الاستقرار في الشئون السياسية الداخلية ولاسيما مسألة الإصلاح الزراعي ومحاولة شل الاقتصاد. وهو ما حدث بالفعل بغض النظر عن صحة ادعاءات حكومة الرئيس موجابي من عدمه. حيث أن فرض العقوبات من دول كبرى خاصة من المعسكر الغربي كان له من الأثر على الرئيس موجابي شخصيا وأعضاء حكومته، لقدرة هذه الدول الكبرى على تحريك الاتجاه الدولي كما تريد.  حيث تم يتقيد حركته ومنعه من السفر وأعضاء نظامه لمعظم هذه الدول وحلفائها.  على سبيل المثال، عام 2003 منع الاتحاد الأوربي الرئيس موجابي من حضور القمة الفرنسية الأفريقية مما أدي إلى تأجيل انعقاد القمة حتى عام 2007، غير أن رئيس الوزراء البريطاني “براون” امتنع عن الحضور احتجاجا على حضور الرئيس موجابي.[1] وكادت قمة 2007 تلغى مرة اخرى لولا ضغوط الدول الأفريقية على الاتحاد الأوروبي للسماح للرئيس موجابي بالحضور قمة الإتحاد الأفريقي في “أسبن” بالبرتغال عام2007. لم يكن تأثير العزلة الدولية على زيمبابوي سياسي فقط بل تعدى الاثر إلى حياة وصحة المواطنين وخاصة الأطفال. فزيمبابوي لديها رابع أعلى معدل في العالم من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية، ومع حالات النقص الغذائي، وتراجع الأداء الاقتصادي تصبح معدلات وفيات الأطفال الأعلى في التاريخ. حيث أدى تزايد العزلة الدولية الناتجة عن العقوبات إلى تقليص تمويل الجهات المانحة مما كان له الأثر على حياة الأطفال؛ للحد الذي دعا اليونيسيف عام 2003 إلى مناشدة المجتمع الدولي للنظر أبعد من السياسة والتركيز على الأطفال في زيمبابوي.

2. تحول لناحية الشرق:

فرضت الدول الغربية  العقوبات على زيمبابوي بغرض إجبارها على تغير سياساتها التي يراها الغرب لا تلتزم بقواعد الديمقراطية.غير ان ما حدث هو أن كانت العقوبات والعزلة المترتبة عليها دافعا للرئيس موجابي للاتجاه شرقا وتوطيد علاقاته من دول الشرق  وخاصة روسيا والصين كبديل عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.[2] حيث اعتمدت حكومة زمبابوي سياسة “النظر الى الشرق” بهدف زيادة تعاون زيمبابوي مع عدد من دول آسيا والشرق الأقصى لمواجهة التحديات الناشئة عن عزلتها دوليا. بدأت زيمبابوي توسيع العلاقات الثنائية التجارية لجذب المستثمرين من جميع دول الشرق الأقصى كماليزيا وسنغافورة وفيتنام واليابان وكوريا الجنوبية والهند وروسيا، وركزت بشكل أساسي على الصين. لم تهدر الصين الفرصة للاستفادة من موارد زيمبابوي  بالإضافة لكسب سوق جديد لتصريف المنتجات الصينية، كما لم يختلف الوضع أيضا بالنسبة لروسيا فاكتسبت زيمبابوي حلفاء جدد تضمن أصواتهم في الامم المتحدة.[3] هذا بالإضافة للتسليح العسكري ، فرغم فرض الاتحاد الاوروبي حظرا على توريد الاسلحة لزيمبابوي وبالرغم من التزام الدول الاروبية بهذا الحظر لم يتم تفعيلة جيدا  لسهولة الحصول عليه في أفريقيا بالإضافة للتواصل الصيني في ذلك الأمر.[4]

3. توطيد العلاقات مع دول الشرق الأوسط:

حاول الرئيس موجابي كسر عزلة العقوبات بالتوجه إلى دول الشرق الاوسط وبالأخص ليبيا. إذ كانت تعد ليبيا-القذافي- أكثر الدول دعما للرئيس موجابي ونظامه. ذلك ان الرئيس الراحل معمر القذافي كان واحداً من أكثر الحلفاء السياسيين للرئيس موجابي الذين لم يتوانوا عن تقديم الدعم له. وخير مثال هو مساهمة الرئيس القذافي بأكثر من مليون دولار في حملة الرئيس موجابي الانتخابية  عام 2008.[5] حيث كانت المساهمة  في اطار اتفاق تم بعد زيارة الرئيس موجابي للعاصمة الليبية طرابلس  في سبتمبر 2008 قيمته 3 مليون دولار  بين البلدين والذي بموجبه تعهدت ليبيا بتوريد النفط إلى زيمبابوي في مقابل مشاركة ليبيا  بشركة زيمبابوي للنفط الحكومية.[6] جدير بالذكر فتور العلاقات بين ليبيا وزيمبابوي بعد وفاة الرئيس معمر القذافي إثر أحداث الربيع العربي في ليبيا والتي كان من نتيجتها طرد زيمبابوي للسفير الليبي وعدم اعترافها بالنظام الليبي الحالي. وفقا لتصريحات بعض مصادر من الجيش الزيمبابوي كان الرئيس موجابي قد أرسل بعض قوات الدفاع – حوالي 500 جندي- إلى ليبيا لمساندة حليفه الرئيس القذافي في صراعه ضد المتمردين.[7] لم تكتف زيمبابوي بإقامة علاقات ثنائية مع ليبيا بل اتجهت أيضا إلى إيران التي كان التماثل في الأوضاع سببا للتقارب إلى حد ما.[8]

*آثار العقوبات على المستوى الإقليمي:

تأثرت العديد من الدول الأفريقية أيضا بالعقوبات على زيمبابوي خاصة المجاورة منها كبتسوانا وجنوب أفريقيا، فكانت معانة هذه الدول من مشكلات نتجت عن تدهور الأوضاع السياسة والاقتصادية في زيمبابوي والتي ساهم في تفاقمها العقوبات وتظهر آثار العقوبات على تلك الدول كالتالي:

1.  خلافات إقليمية تجاه الموقف من زيمبابوي

ظهرت بعد فرض العقوبات على زيمبابوي بوادر إنقسام غير معلن في الموقف الأفريقي. حيث مثلت العقوبات على زيمبابوي عبئا على عاتق الدول الأفريقية وخاصة خوفا من تداعي أوضاع الدول التي تجاورها؛ حيث أثرت الأزمة على الاستقرار السياسي والاقتصادي لهذه الدول. كما لم تمنع معارضة الدول الأفريقية للعقوبات الأمر أن يعلن بعض رؤساء هذه الدول والمسئولين فيها عن استيائهم من الوضع في زيمبابوي، مع تحميل الرئيس موجابي مسئولية ما يحدث والإدلاء بتصريحات علنية معادية له ولحكومته بل وصل الأمر لمساندة المعارضة الداخلية ضده. أزداد الامر خاصة بعد انتهاكات حقوق الانسان والعنف الذي شابت انتخابات 2008 الرئاسية والبرلمانية ليكون رئيس بتسوانا اول من وجه الانتقادات علنا للرئيس روبرت موجابي بعد الجولة الاولي من انتخابات 2008 الرئاسية.[9] ذلك أن العلاقة بين زيمبابوي وبتسوانا شابها الفتور منذ ان أعترف المنتدى البرلماني لجماعة “السادك” عام 2002 بنزاهة الانتخابات الرئاسية في زيمبابوي.[10] انطلاقا من الخوف من تداعيات عدم الاستقرار السياسي في زيمبابوي على بتسوانا أستدعى وزير خارجية بتسوانا سفير زيمبابوي لديهم في 12 يوليو 2008 معربا عن القلق الشديد لاعتقال واحتجاز قادة المعارضة مما أعتبره تقويضا لنزاهة وحرية العملية الانتحابية في زيمبابوي. حيث لم تعترف بتسوانا بصحة نتائجها داعية فيما بعد الدول الأفريقية الأخرى ان تتخذ موقفا مماثل لموقفها. في ذات الوقت تأثرت جنوب أفريقيا نتيجة للدور السياسي الذي لعبته في الوساطة بين أطراف الازمة السياسة في زيمبابوي ورغم بروز مكانتها إقليميا ودوليا، لم تسلم من الانتقادات الدولية والإقليمية بالإضافة لانتقادات حركات المعارضة الداخلية لديها. ذلك أن حركات المعارضة داخل جنوب أفريقيا كانت رافضة لسياسة الرئيس مبيكي” الدبلوماسية الهادئة” فيما يتعلق بأزمة زيمبابوي خاصة منذ انتخابات 2008 والتي اظهرت معارضة العديد من قادة الجنوب الأفريقي ككل لسياسة الرئيس موجابي الداخلية.[11]

2.  الهجرة للدول المجاورة

تأثرت معظم الدول التي تشترك في الحدود مع زيمبابوي بالهجرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي بها. غير أن بتسوانا وجنوب أفريقيا تعدا أكثر الدول تضررا من مشكلة الهجرة الشرعية وغير الشرعية من زيمبابوي.[12]

وهو ما أدى بالبعض إلى تفسير موقف بتسوانا تجاه زيمبابوي بأنه نتيجة لتأثرها بتدفق المهاجرين من زيمبابوي كتداعيات لتدهور الوضع الاقتصادي والسياسى في زيمبابوي.  ورغم انشاء بتسوانا سياجا حدوديا بينها وبين زيمبابوي عام 2003  بحجة تفادي انتقال الماشية وتفشي وباء الكوليرا ، ظل أعداد كبيرة من المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين من زيمبابوي حيث وصل عدد المهاجرين في عام 2009 الى مايقرب  600.000 الف مهاجر من زيمبابوي وهو مااقلق حكومة بتسوانا حيث ادعت أن هناك علاقة بين ازدياد معدل الجريمة بها وزيادة الهجرة الغير مشروعة والتي معظمها  تجئ من زيمبابوي وهو ما دعا وزير خارجية بتسوانا إلى  التصريح بغلق سفارة بتسوانا في زيمبابوي ودعوة دول الجوار لغلق حدودها مع زيمبابوي  لتضييق الخناق على الرئيس موجابي.[13]

وتعتبر جنوب أفريقيا من أكبر الدول المستقبلة للمهاجرين من زيمبابوي. حيث تصل معدلات الهجرة إليها ثلاث اضعاف الهجرات التي حدثت خلال الحرب الاهلية في موزمبيق حيث يقدر عدد المهاجرين من زيمبابوي إلى جنوب أفريقيا حوالي ثلاثة ملايين مهاجر. [14]يعد اقليم “تشولوتشو “Tsholotsho “بغرب زيمبابوي الموجود بالقرب من حدود جنوب أفريقيا اكثر المناطق التي لها تاريخ كبير في الهجرة لجنوب أفريقيا نتيجة للمصاعب الاقتصادية الناتجة عن الاضطرابات السياسية؛ وهو ما أدي إلى وجود تفاوت كبير بين أعداد الإناث والذكور حيث كانت النسبة الكبرى من المهاجرين من الرجال.

3.  مشكلة اللاجئين

على الرغم من تشابه نظام اللجوء في معظم دول الجنوب الأفريقي وبالأخص في بوتسوانا ومالاوي وموزمبيق وزامبيا، إلا أن استجابات هذه الدول لطلبات اللجوء من راغبين اللجوء من زيمبابوي كانت مختلفة. ففي حين رفضت معظم طلبات اللاجئين لموزمبيق استنادا إلى افتراض أنهم مهاجرين لأسباب اقتصادية طوعية نجد بتسوانا تمنح حق اللجوء لـ 850 حيث تم تسكينهم في مخيم” دوكوي” في شمال بتسوانا فيما كانت نسبة قبول طلبات اللجوء من قبل ملاوي وزامبيا قليلة جدا وكان يتم تسكين المقبول منهم في مخيم “ديزيليكا” Dzaleka في مالاوي ومخيم ماهيبا Maheba   في زامبيا.[15]

وأثارت هذه المسألة أيضا قضايا أخرى من سوء معاملة المهاجرين من الزيمبابويين في الدول المضيفة لهم بالأخص في بتسوانا وجنوب أفريقيا. على سبيل المثال، كانت ردود الافعال المعادية للأجانب سابقة خطيرة في جنوب أفريقيا عندما تعرض بعض الأجانب عام 2008 لهجمات من المحليين مما أدى إلى مقتل اعداد كبيرة منهم. ثم تكررت هذه الهجمات مرة أخرى في مقاطعة “الكيب” الغربية في نوفمبر 2009، عندما أسفرت أعمال العنف المعادية للأجانب الى التهجير القسري لـ 3000 زيمبابوي وتدمير ونهب مساكنهم من قبل جيرانهم في جنوب أفريقيا.[16]

4.  التهريب عبر الحدود

تتنوع عمليات التهريب التي تتم بين الحدود مابين تهريب للبضائع والبشر. وتعد جنوب أفريقيا أكثر دول الجوار تضررا من التهريب الحدودي، نظرا لقرب الحدود بينها وبين زيمبابوي وبالأخص من منطقة “ليمبوبو” Limpopo، حيث يمارس كثير من الزيمبابويين تهريب البضائع نتيجة لتدهور الظروف الاقتصادية. جدير بالذكر أن التهريب يتم من الاتجاهين وهو ما دعى الكثير من المتضررين من هذه المناطق على انتقاد جنوب أفريقيا مطالبين بتكثيف المراقبة على الحدود بين زيمبابوي خاصة بعد تفشي وباء الكوليرا في تلك المناطق في عام 2009[17].

كما تعد الفترة مابين عام 2008-2009 اكثر الفترات التي نشط فيها تهريب البشر والبضائع خلال الحدود بين زيمبابوي وجنوب أفريقيا والدول الأخرى لما اتسمت به هذه الفترة من العنف السياسي والتدهور الاقتصادي. حيث ارتفع معدل التضخم في زيمبابوي إلى أكثر من 231 مليون % لدرجة أنه لم يكن هناك طعام داخل  المناطق القريبة من الحدود حيث أغلقت المتاجر نتيجة لعدم وجود بضائع  وكان على المواطنين عبور الحدود للحصول عليها؛  وبالتالي اضطر  معظم المتضررين الى أن يكونوا عرضة للاتجار في أي أعمال تهريب محتملة[18].

5. تفشي الأوبئة ( الكوليرا– الملاريا)

بحلول أغسطس 2008 شهدت زيمبابوي انتشاراً غير مسبوق لوباء الكوليرا ذلك ان المرض ينتشر من خلال إمدادات المياه الملوثة. ورغم سهولة علاج المرض إلا أن تدهور النظام الصحي في زيمبابوي  أدى الى عدم الاستجابة بفاعلية لهذه الأزمة. حيث عانت المستشفيات من نقص المعدات والأدوية اللازمة بسبب العقوبات التي فاقمت من سوء الوضع الاقتصادي للدولة وأدت لنقص التمويل اللازم لتهيئة البنية التحتية للمياه والصرف الصحي؛ فلم يكن لدى كثير من الناس اختيار سوى استخدام المياه الملوثة مما أدى إلى انتشار المرض بمعدل أسرع.[19] نتيجة لنقص التمويل  خفضت الحكومة أيضا امدادات المياه إلى  العاصمة هراري ففي ديسمبر 2008 لأنها لم تستطيع توفير التمويل اللازم لمعالجة المياه كيميائيا. بحلول فبراير 2009 ، تم الابلاغ عن  أكثر من 70 الف حالة مصابة بوباء الكوليرا في زيمبابوي توفي منهم 3.500 حالة كما أنتشر المرض عبر الحدود مع جنوب أفريقيا وناميبيا وموزمبيق وبوتسوانا حيث اعتبر أسوأ تفشي لوباء الكوليرا في القارة منذ أكثر من خمسة عشر عاما.[20] كذلك انتشر وباء الملاريا خاصة في المناطق الريفية والتي مثلت بيئة مناسبة لانتشارها. عانت بتسوانا من تفشي وباء الملاريا عام 1997 وبلغت حالات الإصابة بالوباء 102.000 الف حالة ، 80% من هذه الحالات ظهرت في المناطق الحدودية بين بتسوانا وزامبيا وزيمبابوي.[21]  كمبادرة لأيجاد حلول؛ بدأت بتسوانا عام 2009 بتنسيق جهودها مع ناميبيا وجنوب أفريقيا وسوازيلاند  كخط مواجه اول ثم وزيمبابوي وزمبيا وموزمبيق كخط مواجهة ثاني مع تعزيز المراقبة على المناطق الحدودية مع الدول الاخيرة لتوطن الوباء فيها.

الخلاصة:

مما سبق يتضح لنا كيف يمكن للعقوبات الدولية أن تؤدي الى آثار مدمرة للدول المفروضة عليها وانها في أغلب الحالات لن تؤدي الى تحقيق الغرض منها، كما حدث في حالة زيمبابوي. حيث ان النظام السياسي فيها والذي كان مقصودا بالاساس بفرض العقوبات لم يتراجع عن سياساته ولم يتم استرجاع الاراضي لصالح البيض، ولم يحدث شىء مما كان مأمولا حدوثه. كما أن العقوبات الدولية على زيمبابوي أدت الى حد ما إلى تقارب اقليمي بين زيمبابوي ودول الإقليم، بالرغم من بعض التداعيات السلبية التي عانت منها دول الجوار بسبب تدهور الوضح سياسيا واقتصاديا في زيمبابوي. وهو مانرى أنه كان دافعا لهذه الدول لمحاولة أيجاد حلول للأزمة في زيمبابوي ومنادتها برفع العقوبات. أما على  المستوى الدولي سنجد أنه في الوقت الذي أدت العقوبات إلى فرض عزلة دولية على زيمبابوي كان هناك تقاربا واتجاها لدول الشرق الأقصى وبعض الدول العربية كوسيلة لكسر حدة هذه العزلة وإيجاد ظهير دولي لزيمبابوي ممثلا في الصين وروسيا بديلا عن الدول الكبرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وهو ما يمكن اعتباره نجاحا بالرغم من استمرار تدهور الوضع الاقتصادي.وعلى ذلك يتضح لنا فشل العقوبات الدولية كأداه ردع تستخدمها انظمة الدول الكبرى لمعاقبة الدول التي تطلق عليها اسماء كالدول المارقة وهي في حقيقة الامر ليست كذلك، وانما هي دول تسعى للخروج من تحت عباءة التبعية لتلك الدول الكبرى وهو مالا يسمح به في دائرة النظام الدولي.

______________________________________

المراجع 

[1].Portela Clara,” Impact Of Sanctions and Isolation Measures With North Korea ,Burma, Myanmar, Iran and Zimbabwe as Case studies”,(Bruxelles: European Parliament, 31 May 2011),p.23

[2].Ronald Chipaike &Lawrence Mhandara,” Evading Punishment: An Analysis of Zimbabwe-China Relations in an age of Sanctions”, In Mulugeta Gebrehiwot Berhe& Liu Hongwu (Eds),China-Africa Relations Governance, peace and Security(Addis Ababa: Institute for Peace and Security Studies (Addis Ababa University) & Institute of African Studies -Zhejiang Normal University,2013),P.147

[3]. قامت الصين وروسيا بالاعتراض على قرار مجلس الامن عام 2008 الذي كانت وراء تحريكه الولايات المتحدة وبريطانيا بغرض التدخل عسكريا في زيمبابوي. غير أن تصويت كل من روسيا والصين وجنوب أفريقيا تم منع اصدار مثل هذا القرار. في ذلك أنظر:

Sahar Okhovat,” The United Nations Security Council: Its Veto Power and Its Reform”, (Sydney: CPACS- University of Sydney Working Paper, No.15/1, December 2011).p12.

[4] . Portela Clara,Op.Cit.,P24.

[5]. Peter Hammond, ‘’Libya’s Gaddafi Allies with Zimbabwe’s Mugabe’’ Frontline Fellowship,at:http://www.frontline.org.za/index.php?&&:libyas-gaddafi-allies-with-zimbabwes-mugabe&:zim-rep&

[6]. Idem

[7].”Zimbabwe and Algeria sending troops to support Gaddafi in Libya war’’,The Zimbabwean, Harae,09 June 2011,Pp.1-2 at:http://www.thezimbabwean.co.uk/index.php?&&%3Azimb..

[8] . ترى الباحثة أن الدافع وراء تكثيف العلاقات بين زيمبابوي وإيران قد يكون أن واقع أن كل من الدوليتين  لديها عداوة مع الدول الغربية خلق نوعا من التفاهم هذا بالإضافة على احتياج ايران لخام اليورانيوم الذي تحتويه أراضي زيمبابوي  بكثافة وتحتاجه إيران من أجل أكمال مشروعها النووي. كما ان معاناة كل منهما من فرض العقوبات الغربية عليها جعل الدولتين تكونان جبهة مقاومة ومؤازرة –حتى معنويا – تجاه العدو الغربي.  فكل من الدولتين تريان أن العقوبات الموقعة عليهما غير قانونية وإنها بغرض عرقلة مشروعات التنمية فيهما لتستمر السيطرة الغربية. حيث كانت جمهورية إيران الإسلامية مثل جمهورية زيمبابوي هدفا لموجة غير مسبوقة من العداء من الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. بسبب التزامها بتطوير الطاقة النووية لديها. كما كانت زيمبابوي هدفا للعقوبات الغربية بسبب أزمة الأرض وأن كان السبب المعلن هو انتهاكات حقوق الإنسان وعدم تفعيل قيم الديمقراطية في زيمبابوي.

[9].Simon Badza, ‘’Zimbabwe’s 2008 Harmonized Elections Regional & International Reaction’’,in  Eldred Masunungure(ed) ,Defying the Wind of Change,( Zimbabwe: Konrad-Adenauer-Stiftung, November 1, 2009 )p.165.

[10].Idem

[11].Nancy Jacobs(others),”Zimbabwe and the International Community”, The Choices21st Century Education  Program,(Providence :Brown University, April 2009),p.5

[12].  ترى الباحثة أن زيادة الهجرة  من زيمبابوي لهاتين الدولتين يرجع الى تمتعهما بالاستقرار الاقتصادي والسياسي  وبالتالي امكانية توافر فرص عمل للمهاجرين. على سبيل المثال فقد تمتعت بتسوانا بواحد من اسرع النمو في نصيب الفرد من الدخل في العالم منذ الاستقلال ، على الرغم من أنه تباطأ إلى حد كبير بسبب الانكماش  الذي اصيب به الاقتصادي العالمي. وبلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي 9 ٪ في السنة  مابين عام 1967 -2006 ، غير انه تباطأ خلال عامي 2007 و 2008 إلى 3٪ فقط قبل أن ينخفض إلى سالب 3.7٪ في عام 2009. في عام 2010، نما الناتج المحلي الإجمالي بنحو 7.5 ٪ مع توقعات من الحكومة أن يصل متوسط النمو 6 ٪ في عام 2011 و 2012. كما أن متوسط معدل التضخم في أسعار المستهلكين انخفض الى 7.0 ٪ في عام 2010 بالمقارنة مع 8.1 ٪ لعام 2009. وقد حافظت  حكومة بتسوانا على سياسة مالية سليمة و مستوى لا يذكر من الديون الخارجية. كما وقدرت احتياطي النقد الأجنبي  ب 8.4  بليون دولار في سبتمبر 2010، وهو ما مثل حوالي 19 شهرا غطاء  من واردات السلع والخدمات. جدير بالذكر أن الناتج المحلي الاجمالي لبتسوانا وصل عام 2013 إلى 34 بليون دولار امريكي. اعتمدت بتسوانا في بناء اقتصادها على  استخدام العائدات الناتجة من استخراج الماس في زيادة التنمية الاقتصادية من خلال سياسات مالية حكيمة و سياسة خارجية حذرة. في ذلك أنظر:

“Botswana Economy – overview:”, The World Fact book, Central Inelegancy Agency, at: https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/bc.html

“Botswana :Economy”, Global Edge, Michigan State University, at:كذلك أنظر…                   http://globaledge.msu.edu/countries/botswana/economy

[13]. Nancy Jacobs,Op.cit.,5

[14].Anne Hammerstad,” Linking South Africa’s Immigration Policy and Zimbabwe Diplomacy “In Policy Briefing, (Johannesburg: South African Institute of International Affairs-SAIIA-, December 2011) ,P.1

[15]. تعد كل من بوتسوانا، ومالاوي وموزمبيق وزامبيا أطراف في اتفاقية الام المتحدة المتعلقة بوضع اللاجئين  لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967 وكذلك اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية لعام 1969 لإدارة مشاكل اللاجئين في أفريقيا..في هذا الشأن أنظر …                                                                                                                          Ibid.,Pp.35,36

[16].Alois Mlambo & Brian Raftopoulos,Op.Cit.,P6.

[17].Tesfalem Araia,’’ Report on Human Smuggling across the South Africa/Zimbabwe Border”, Forced Migration Studies Programme,( Johannesburg: University of the Witwatersrand, March 2009),Pp.9,10

[18].Idem

[19].Nancy Jacobs “The United Nations: Challenges and Change Crisis in Zimbabwe” The Choices21st Century Education  Program,( Providence: Watson Institute for International Studies, April 2009),P.10

[20]. سجلت منظمة الصحة العالمية في الفترة بين أغسطس و 10 ديسمبر تسجيل 16000 حالة مشتبه فيها من حالات الكوليرا في تسع مقاطعات من مقاطعات زيمبابوي البالغ عددها عشر مقاطعات. حيث تم تسجيل نصف الحالات تقريباً في ” بوديريرو” ، وهي إحدى الضواحي الغربية ذات الكثافة السكانية العالية بالعاصمة هراري. ومن المناطق الأخرى التي أُبلغ فيها عن وقوع الحالات بأعداد كبيرة ” بيتريج” ، الواقعة على المنطقة الحدودية مع جنوب أفريقيا ومودزي الواقعة على المنطقة الحدودية مع موزامبيق. لمواجهة الوباء المنتشر أرسلت منظمة الصحة العالمية ما يلزم من إمدادات طبية لعلاج 50000 نسمة من الأمراض الشائعة طيلة ثلاثة أشهر و قامت علاج 3200 حالة من حالات الكوليرا المعتدلة. كما أرسلت المنظمة إلى هراري أخصائيين في مجال الوبائيات وخبيراً في ميدان المياه والإصحاح وأخصائياً في مجال اللوجيستيات من أجل تعزيز جهود التصدي للمرض في الميدان في هذا الصدد أنظر … “زيمبابوي- منظمة الصحة العالمية وهيئاتها الشريكة تسعى إلى مكافحة فاشية الكوليرا منظمة الصحة العالمية ، في:

 http://www.who.int/features/galleries/zimbabwe_cholera_photogallery/ar

[21].Global Health Group, ”Eliminating malaria in Botswana”, country briefing August 2013,P.1

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.