ازدواجية الهوية الثقافية في رواية “الشيخ والربابة” ليرو دورو جالو
ثمَّة أشياء جذبتْ انتباهي بشدَّة، وأنا أطالع هذه القصَّة البديعة، وهي أشياء قد تُثِيرُ انتباهَ قارئٍ غيري، تَتَجسَّدُ – على التَّوَالِي – فِي الدَّافع الكامِنِ وراءَ وضعِهَا و سياقاتِ إنتاجِهَا، في رسَالتِهَا ورموزِهَا، وَفي تعْرِيبِهَا ومُعَرِّبِهَا.
بادئ ذي بدء، يفْصح لنا مُعرِّب الكتاب، ناقلا عن واضِعِهِ باللُّغةِ الفلاَّنيَّةِ (=پولاَرْ) الأستاذ “يِرُو دُورُو جَلُّو” أنَّه إذ ألَّف هذه القصَّة، من نسيج خياله، مستلهما أحداثها ومادَّتها من البيئةِ الفُلاَّنيَّة بالغرب الأفريقيِّ؛ وهُوَ آنَئِذٍ طالبٌ بجامعة الأزهر، بل في “ أواخر أيَّام دراسته بها“، إنَّما فعلها من باب التَّسْلِيَةِ لِنَفْسِهِ عن نَفْسِيَّاتِهِ الْكئيبةِ؛ طرْدًا لنوباتها، ومقاومةً لها.
وفي هذا الَّذي أفْصَحَهُ مُؤَلِّفُ القِصَّةِ لصديقه المُعرِّبِ، نَتَحَسَّسُ مُضْمَرَاتٍ عن تَجْرِبَةِ الغُرْبَةِ في طلبِ العلْمِ الَّتِي كان يُقاسِيهَا الرَّجُلُ في الْقاهرة، وأخريَات عن انتحاءِهِ طريق اسْتِحْيَاءِ مُعَايَشَات بيئته الأصليَّة في مخيِّلته؛ يَتَمَلاَّها، و”يَتَقمَّصُها”، ويَعِيشُهَا بل يعايِشُهَا على حالها؛ ثم يعكف على تدوينها، أو استخدامها في بناءٍ قصصي كهذا؛ وَسَيلةً للتخفِّفِ من معاناته، ومقاساته.
وتجربةُ الاغتراب التي واجَهَهَا الأستاذ “يِرُو” وهو وافد من بلاده (السنغال) يَطْلُبُ العِلْمَ في القاهرة، تجربةٌ كثيرا ما تُصَاحبها آلام وجوديَّةٌ، بل اهتزازات في شخصيَّة صاحبها؛ قد تودي به في بعض الأحيان إلى تمزِّقات، ونزاعات في دخيلة نفسه، بل قد تُحدث في ذاته انشطارات في هُويَّتِهِ، أو هُوِيَّاته، وفي انتماءه أو انتماءاته، وقد ينجح الوافد في تطبيعها، وعقدِ مصالحة معها، أو يتوصَّلُ إلى التكيُّف معها ومعايشتها، وفق ما يكتب له من حظوظ السَّعدِ أو النَّحْسِ.
ذلك أنها تجربةٌ تجعل الوافد من بلاد إفريقيا الغربية- والذي يُبْتَعَثُ أو يَرْتَحِلُ غالبا لطلب معارف الإسلام، ولغة الضاد- يَتَيَقَّظُ لذاته الثقافي والهويَّاتِي- على الرغم من الاشتراك مع “الآخر” الذي أمامه في الانتماء إلى دين واحد (الإسلام)، ولغة ثقافية واحدة (العربية) – وهو يواجه مواقفَ يُوحِيهِ إلى امتيازه عن هذا “الآخر“، أو تَمْيِيزِ “الآخر“ له، وهو وحيٌ قد يعود في بعض الأحايين إلى سُوءِ فهْمِهِ لخُصُوصِيَّاتِ ثقافة “الآخر“، واخْتِزَالاته البريئة وغير البريئة، الواعية وغير الواعية هو الآخَرُ، أو يَرْجِع إلى سوءِ تفسيره لمُخَلَّفاتِ العقل الجمعيِّ لدى “الآخر“، وهي كثيرا ما تمتلئُ بالرُّموزِ الشَّائكة التي تحتاج إلى تأويلٍ خاصٍّ، وإدراك عميق دونهما عوائقَ شَتَّى!…
فإذا انْضَافَ إلى هذا الواقِعِ المريرِ الذي يَتَجَلَّى تَمَظهراته يَوْمِيًّا في حَيَاةِ الوَافِدِ، تَفَكُّكٌ في ممارساتِهِ الدينيةِ، أو تَشَكُّكٌ في ثوابته العَقديَّةِ، أو تَحَلُّلٌ في دعاماته السلوكيةِ، مع ابتلاءٍ في ظروف المعيشةِ، وحظٍّ عاثرٍ في تَقَدُّمِهِ الدِّراسيِّ، ومقاساةٍ للوحدةِ، وحَنِينٍ إلى الأهلِ والوطنِ، ومُكابَدَةٍ لفقْدِ قريبٍ أو والدٍ أو والدةٍ، نُعي إليه، وابتعادٍ عن عَوَائِدِهِ الاجتماعيَّةِ الَّتي ألفها، وَدَرَاهَا، وأضْحَى الآن في مَنْأَى عنها وعن دَوَائِرِهَا؛ فقد توَفَّرَ لديه جميعُ الأسباب الباعثة إلى الكآبةِ التي لا تنفكُّ تَأتِي وتَعُودُ، في نوبات لا تعرف التَّوقُّفَ ولا الانقطاعَ!
لعلَّ ذلكم شَيْءٌ ممَّا خبره الكاتب، وهو يقاسي مخاض قصته.
فاستحياء البيئة الأصلية هنا، ومعايشة أحداثه ولو بالخيال، وسيلةٌ لعلاج الذَّات من انشطاراته، وبَلسَمٌ يساعدُ على تخفيفِ وطأة الكآبة؛ يُحَلِّق بها الأديب الفنَّان بعيدًا إلى آفاق ذاته الثَّقافيِّ؛ عَلَّ ذلك يكفل بتجسيد الأنا-الهُويَّاتي لديه.
فإذا أمْسَكَ القلم، ودَوَّن حكايات بيئته بعد استحْيائها، وأحْكمَهَا في بِنَاءٍ قصصي بديعٍ كهذا، فقد تَحقَّقَ له سَلوة في نفسه. ثم لا ضير بعدها من مشاطرَته إخوانه، تَسْلِيَةً يَنْشُرُهَا لهم؛ يَقْرَأونَهَا بلُغَتِهِمِ الثَّقافيَّة الأولى (الفلاَّنيَّة =پولاَرْ) فيُسْلِيهِمْ مِثْلمَا تَسَلَّى، ويُلْهِيهِمْ كما تَلهَّى. ([1])
ومؤشِّرٌ آخر نراه مُلْفِتًا للنَّظر في آثار هذه التجربة، هو كونها أعاد هؤلاء الإفريقيِّين الغربيِّين إلى هُويَّاتهم الثَّقافية، ولغاتهم الإفريقيَّة؛ وهم في مكان من أعظم مظانِّ التَّعريب الثَّقافيِّ لدى المسلمين!
يبرز هذا بوضوح في اتِّجَاهِ مُثقَّفِينَ منهم من القوميَّةِ الفُلاَّنِيَّةِ، ([2]) (والسُّونِنْكِيَّةِ ([3]) أيضا) إلى لغاتهم؛ يمحُون أمِّيتهم بها؛ يدرسون قواعدها الكتابِيَّة بنهج علميٍّ صحيحٍ، يدوِّنون أساطير شعوبهم، وملاحمهم، وقصص آبائهم الأوَّلين، وما اختزنه تراثهم من حكم، وأمثال، ونوادر، وطرائف، ويضعون المسارد اللغوية المزدوجة، وينقلون أحيانا أصول مسائل الفكر الإسلاميِّ وفروعها إلى لغتهم. وهو اتِّجاه قد تَجَلَّى من ذي قبل (مع اختلاف في الدافع، والمسار) مع الحركة الثَّقافية للسُّود الأفارقة، وذوي الأصل الإفريقيِّ بفرنسا، خلال الرُّبْعِ الثَّانِي من القرن الماضِي. غير أن الاتِّجاه هناك شابَهُ تَفَرْنُسٌ في الشَّكل، مع ادِّعاءِ تَأفْرُقٍ في المضْمُونِ، مع سلوكٍ أقربَ إلى النُّخْبَوِيَّةِ، والصَّفوِيَّة.
أما اتِّجاه هؤلاء المستعربين، فهو – وإن عراه في بعض مراحله تَنَكُّرٌ غير مطَّرِدٍ للخلفيَّةِ الثَّقافِيَّةِ العربيَّةِ الإسلاميَّةِ – فقد كان أميل إلى تمثيل لغة الشَّرائح الاجتماعية العريضة، وتسجيل اهتمامات الشُّعوبِ وهمومهم، وتدوين ماضيهم القريب والبعيد، مع سعيٍ دائب لمحو الأمية باللغات الإفريقية، وتطعيم هذه اللغات باصطلاحات العصر الحديث، وإنتاج المعرفة بها.
وفي ذلكُم كان بُعْده التَّنْمَوِيّ، والتقدُّميّ، والواقعيّ.
أما القصَّةُ، “الشَّيخُ والرَّبَابَةُ”، فيحار المرء: من أين يمسك خيوطها الكثيرة والشائكة، وكيف ينحو لفكِّ رموزها الكثيفة، ورسالتها المفترضة؟!
أمِنْ بُعْدِهَا القصصيِّ المنسوج في كثيرٍ من مقاطعه من التُّراثِ الشَّفاهيِّ القصصيِّ- الغربيِّ الأفريقيِّ؛ تَصَرَّفَ فيه الكاتب، ووجد له سياقها الخاص، وموضعها المناسب في سردياته؟!
أمِنْ طابعها الفُكاهيِّ المسلِّي الذي بدا طاغيا شديد الطُّغْيَان في السِّياقات، والشَّخصيَّات، والمواقف، كاد أن يحوِّل القصَّة برُمَّتِهَا إلى مادة طرفة وسليان؟!
أمِنْ لُغتِهَا وبلاغيَّاتِهَا، وما اكتنفتها من مجازيَّاتٍ واستِعَارَاتٍ وكنَايَاتٍ، تَظهر فيها الفصاحة العجمية مُقاربةً أو مُضارعةً لفصاحة لغة الضاد؟!
أمِنْ رسالتها التي تضمَّنَتْ رسالات القصِّ الشَّفاهي الإفريقيِّ القائم على النَّقد والتَّوجيه، وتَزْجِيَةِ النُّصْحِ، والمُقوْلبِ بتقْدِيمِ نماذِجِ المجتمع([4]) في أسلوبٍ تصويريٍّ مؤثِّرٍ حيٍّ تَعْرِيضِيٍّ ([5]) يَهزّ النَّفس والوجدان؟!
أمِنْ جَوَانِبِهِ النَّقديَّة التي التقى فيها الدينيِّ بالسياسيِّ، بالتربويِّ، بالاجتماعيِّ، بالثَّقافيِّ؟!
أمن أسلُوبِهِ التَّصْوِيرِيِّ السَّاخرِ اللاَّذِعِ، وريشَتِهِ المُبْدِعَةِ الخلاَّقةِ التي ترسم الشخصيَّة، وتحرِّكها، فتدعها حيَّةً شاخِصَةً تَتَمَلاَّهَا العُيُونُ والأنظارُ؟!
أمن تقابلات رموزها وتعامداتها المتعدِّدَة، (الشيخ – الربابة) (الجاهلية – الإسلام)، (حياة الدعة – وحياة الجدية)، (الاستهتار – المسئولية)؟!
عناصر نثيرها، دون لمسها أو حتى الاقتراب منها؛ اعترافًا منا بعجزنا عن معالجتها، وإعطائها حقَّ قدرها! نُوكل أمرهَا إلى النُّقَّادِ والبَاحِثِينَ !.
والآن دعونا نختمُ بكلمةٍ عن هذا التعريب، وعن الشَّخصِ الذي تَجَشَّمَ عناء القيام به، وهو أستاذنا الجليل، وشيخنا الفاضل، العلامة الدكتور/عمر محمد صالح الفُلاَّنيُّ (عمر بَا).
لقد أشار مُعرِّبُنا في مقدِّمَتِهِ إلى كون اللغتين اللَّتينِ تَعَامَل معهما في ترجمته (العربية – الفُلاَّنِيَّة = پُولاَرْ) “غير متكافئتين”، وهي ملاحظة جد صادقة، يعترف بها من له أدنى إلمام بوزن اللُّغَتَيْنِ في دنيا الثقافة والمعرفة.
غير أن الذي ينظر إلى هذه الترجمة – التعريب، يعجب من سرِّ هذا التوفيق في نقل قصة موضوعة بِلُغَةٍ في وَزْنِ الفُّلاَّنيَّةِ (پُولاَرْ)، إلى عربيَّة شيِّقةٍ، جزلةٍ، بديعةٍ كهذه التي اكتسى بها القصَّة حُلَّة الجمال والإبداع الخلاق.!
لقد تعامل المسلمون في غربيِّ القارة مع التُّراث العربيِّ الوافد إليهم، بمُتُونه، وحواشيه، وشروحه، بشرعيَّاته، وآدابه، ولغوياته، تعامُلاً بالغ المدى؛ سَعَوْا إلى تبسيط المعنى، وتقْعِيدِ المصْطَلحِ، وحلِّ المُشْكِلِ، وتَفْكِيكِ الرَّمزِ الثَّقافيِّ والفكريِّ الخاص، رغم كل العوائقِ المتَمثِّلةِ في فارق البيئة الثَّقافيةِ، وانعدامِ القرابَةِ بين العربيَّةِ ولغاتهم[6]؛ تبدَّى كل ذلك في تفاسيرهم للقرآن الكريم باللُّغات المحليَّةِ الإفريقيَّةِ، وتدريسهم لجميع المقررات الدِّراسيَّةِ المعتمدة في المـَحاضِرِ (الكتاتيب) بهذه اللغات. وهو جهدٌ ثقافيّ ولغويٌّ وفكريٌّ جبَّارٌ تراكم مع الزَّمن، مَكَّنَهُمْ من وضع كلمة هنا أمام أخرى هناك، ومَثلٍ هنا أمام مَثِيلِهِ هناك، وحِكْمَةٍ هنا أمام مُقابِلِهَا هناك، وطرفةٍ هنا أمام أخرى هناك، تَجسَّد ذلك أكبر تجسيدٍ في تعامُلِهِمْ مع “مَقامَاتُ الحريريِّ“؛ ذلكم الكنز اللغوي الأدبي الثريِّ الذي وظَّفوه في المَحَاضِرِ، فحلُّوا ألغازه، ورموزه، وفسَّرُوا ألفاظه، وأمثاله، وحِكمَه، وطرائفه، في عملية خارقة تشهد بتمازج ثقافي ولغوي، في غاية الفرادة والخطورة.
هنا يكمن سر هذا التَّمَكُّن الفرِيدِ لِصَاحِبِ التَّعرِيبِ في لغة الضَّاد، واستلهامه النَّادر لثقافتها، ومعرفته الدقيقة بأساليبها وسَنَنِها في الكلام. ولا غرو! فقد كان معرِّبُنَا ابْنًا وفيًّا لهذه المحاضر، ومُمَثِّلاً أمينا لثقافتها. وقد درس العربية وعلومها من أساطين مُتَضَلِّعِينَ في فنونها بالغرب الإفريقي، وبلغ فيها شأوا بعيدا، قبل أن يُيَمِّمَ وجهه نحو الشَّرقِ و نَحْوَ الْغَرْبِ، في رحلته الطَّويلةِ في طلب العلم هنالك.
وما هذا التَّوفيق البادي في تعريبه هذا، إلا أثارة من بركات المحاضر العلمية في غربي أفريقيا، وحَصيلة لتفاعلها القويِّ الفعَّال مع ثقافة وفدتْ إلى القوم، فقعَّدُوهَا، وبسَّطُوها، ونَفَوْا عَنْهَا آثارَ الغُرْبَةِ وَالاغْتِرَابِ حتَّى غدَتْ مِلْكًا ثقافِيًّا خاصًّا بِهِمْ.
وإذا كان الأستاذ “يِرُو” (عليه رحمة الله) قد قصَدَ من وضْعِهِ لهذه القصَّة تسلية نفسه، وقرَّائه من بعده، تسليةً أشبه بملهاة، أوملهاة أشبه بمسلاة، غير فارغة من عناصر التَّوجيهِ الصَّحِيح، والنَّقدِ البناء، فقد قدَّمَ لنا مرَّةً ثانية تُحْفتَهُ عبر تعريب صديقه الوَفيِّ الأمينِ لها، عصارة شَرَابٍ خالصٍ سائغٍ للمُتَعَطِّشِينَ لمياهِ الثَّقافة الإفريقيَّة الصَّافِيَةِ، ذوقونه، ويطلبون المزيد!
وفي سلوك الدكتور (عُمر بَا) في تعريب نِتَاجِ صديقه، وعكوفه على نشرِهِ، دروسٌ للجيل الشباب في الصَّداقةِ الفكريَّة، والثقافيَّة، كيف تكون!
هذه بضعة انطباعات أردْنَا تَسجيلها على هامش القصة…
فلتكن إذن تحيَّة إجلالٍ وتقديرٍ منَّا إلى جَنَابِ أستاذنا الكريم، العلامة الدكتور/عمر محمد صالح الفُلاَّنيِّ (عمر باه)، ودعاء لِــ” يِرُو دُورُو جَلُّو” بالرحمة، والغفران، وسكنى الجنان.
———————————
الهوامش:
([1]). لعل ذلك يكشف عن النظرية القائلة بارتباط ميلاد أو بروز كثير من الفنون بظروف معاناة ما، أوخضوع للاضطهاد!
([2]). تأسَّسَتْ للطلبة المتحدِّثين بالفلاَّنية (=پولاَرْ) جميعة لتَعَلُّمِ اللغة الفلاَّنية (پولاَرْ) [Kawtal Jaŋngooɓe Pulaar] في القاهرة سنة 1955م كانت في بداية أمرها عبارة عن رابطة اجتماعية تضمُّ الطلبة الفلاَّنيِّين الوافدين للدراسة في القاهرة من جميع الجنسيَّات الإفريقيَّة؛ وتهتم بشئون الطالب الوافد، وتوَفِّر له خدمات اجتماعية، وإجرائية،… غير أن الجميعة تطوَّرَتْ من بداية السبعينيَّات من القرن الماضي إلى العناية بالشأن الثَّقافي مع جِيلِ “يِرُو دُورُو جَلُّو”، كاتب هذه القصة، فانصبَّ عنايتهم على تعليم اللغة الفلاَّنية (=پولاَرْ) ومحو الأمية بها، والتأليف بها، واتِّخاذها وعاءًا لتدوين الثقافة الفلاَّنيَّة والإفريقية؛ الأمر الذي كان له أثره في محيطهم الخاص والعام على سواء. والجميعة تقوم إلى الآن بإصدار دورية ثقافية، وتدريس الفلاَّنية (=پولاَرْ)، وتنظيم أنشطة ثقافية، وإصدار كتب تعليمية، ولغوية، و ثقافية ذات صلة باللغة الفلاَّنية…
ومن ثمار جهودهم دخول اللُّغة الفلانيَّة في كل من جامعة الأزهر الشريف [كلية اللغات والترجمة]، وجامعة القاهرة [معهد البحوث والدراسات الإفريقية]…
[3]) ). تأسست للطَّلبة السُّونينكيين بالقاهرة جميعة مماثلة للسابقة، سنة 1971م ، تحت اسم: (SOONINKON MAARIDAANON KAFO EJIPPT) بغرض: ” توطيد العلاقة بين السونينكيين، والقيام بمهام التَّوعية الثقافية والاجتماعية، والدعوة إلى التعاون الإيجابي بين أبناء السونينكى [بإمالة الياء]” اهـ بتصرف من ديباجة الجميعة. والجميعة تقوم منذ تأسيسها بتأليف كتب ثقافية، ومحو الأمية باللغة السونينكية، والترجمة من وإلى اللغة السونينكية. ومن أهم إنجازاتها في مجال التأليف والترجمة:
تفسير القرآن الكريم باللغة السونينكية،
تاريخ وَغَادُو: ((WAGADOU DANBE لعالم المصريات البحَّاثَة الأستاذ /آدم درامي،
تعليم العربية بالسونينكية، وتعليم السونينكية بالعربية، لآدم درامي…
ومن جيل الأستاذ “آدم درامي” (سبعينيات القرن الماضي) إلى جِيلِ “مادي إبراهيم كانْتِي” (طوال العقد الأول من القرن الحالي إلى الآن) تقوم الجمعيَّة بوضع مؤلَّفَات باللُّغة السونينكيَّة في شتَّى المجالات التي لها صلة بمسائل الفكر الإسلامي، والثَّقافة السُّونيكية – الإفريقيَّة، وقواعد اللغة السُّونينكية. وتصدر الجميعة دورية ثقافيَّة باسم (SOOBE). كما تملك موقعًا على الشبكة العنكبوتية بهذا العنوان: .SOOBE. ORG
([4]) . ولو في بيئة الحيوانات في كثير من الأحايين.
([5]) . هروبًا من المباشرة والمواجهة.
([6]). هذا في الأصل، وقبل حدوث هذا الاتِّصال بينهم وبين ثقافة الإسلام؛ ثم إنهم بعد أسْلمتهم التي جاءت تدريجيَّةً، وخضوعهم لشيء أشبه بالتعرُّب الثقافي، أضحتْ لغاتهم مليئة بالمؤثِّرات الثقافية العربية الإسلامية، في مختلف الميادين.