الأزمة الأمنية وأثرها على الأقليات العراقية
التعددية المكوناتية واحدة من الحقائق التي فرضتها عملية بناء الدولة الحديثة، ولعل من النادر أن توجد دولة في العالم يمتاز نسيجها الاجتماعي بالوحدة المكوناتية.
والعراق لا يشكل الحالة الاستثنائية في هذا الواقع، وإنما هو من البلدان التي تتمتع بالخاصية التعددية في المكونات الاجتماعية.
إن اختلاف النسب بين هذه المكونات أيضا هو الآخر فرض عليها أن تمتاز إلى أغلبية وأقلية، ولعل من أبرز الاقليات المكوناتية في المجتمع العراقي وليس على نحو الحصر هي:
المسيحيون يبلغ عددهم مليون و200 ألف قبل الغزو الأمريكي، وفق تقييمات أممية.
الأيزيديون، لا أرقام دقيقة حول أعدادهم، لكن التقديرات تشير إلى أنهم نحو نصف مليون شخص. يعيش أغلبهم في منطقتين أساسيتين، وهما قضاء شيخان شمال شرقي الموصل، وجبل سنجار شمالا قرب الحدود السورية.
طائفة الصابئة المندائين، يقدر عددهم بنحو 200 ألف شخص، يعيشون في بغداد والبصرة والناصرية والكوت وديالى والديوانية، وتقع كنائسهم بالقرب من ضفاف الأنهار كنهر دجلة.
كانت هذه المكونات تأمل في التغيير الذي حصل في العراق عام 2003 الفرصة المناسبة لان تحصل على حقوقها الطبيعية التي يفرضها الواقع المكوناتي للدولة العراقية، وكونهم يشاركون الآخرين في الانتماء الوطني للتراب العراقي، وكذلك يفرضه وجودهم المتأصل والتاريخي في هذا البلد.
إلا أن مشروع الاستهداف للدولة العراقية سواء المحلي منه أو الإقليمي أو العالمي جعل من هذه الأقليات ورقة يحاول من خلالها الوصول إلى تحقيق أهدافه المعلنة وغير المعلنة.
فما جرى في العراق من تداعيات سياسية، واحداث امنية خلال هذه السنوات التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق ــ خاصة بعد احتلال داعش لمدينة الموصل ـــ أربكت الوضع الاجتماعي للمكونات العراقية عموما، والأقليات منها على نحو الخصوص. فقد بدأت اعدادهم بالتنازل تدريجيا، خصوا بعد إعلان بعض الدول الاوربية فتح باب اللجوء لهم لتبدأ حلقة أخرى من حلقات تفريغ العراق من المكونات الاصيلة للتركيبة الاجتماعية لتصل نسبة تواجد هذه الاقليات الى مستويات باتت تهدد بعملية الاستئصال المكوناتي لها عن الجسد العراقي وكما يلي:
المسيحيون: يبلغ عدد المتواجدين منهم في العراق حاليا بحدود 450 ألف أي أن نسبة الهجرة بلغت النصف تقريبا بحسب تقارير أممية.
الأيزيديون: قد لا توجد احصائيات دقيقة عن نسبة المهاجرين منهم إلا أنها بالتأكيد نسبة كبيرة نظرا لما تتناقله وسائل الإعلام، ويطرحه بعض الشخصيات من أبناء هذه الطائفة .
الصابئة المندائيين: أيضا لا توجد نسبة محددة للمهاجرين منهم، إلا أن المتناقل أيضا عبر وسائل الإعلام، وما يذكره بعض الناطقين باسم الصابئة المندائيين يشير إلى أن هناك نسبة لا بأس بها هاجرة البلد والأخرى تفكر بالهجرة.
وعلى أثر هذا الاستهداف، والتلاعب بهذه الورقة المهمة والحساسة فقد ظهرت العديد من المشاريع الحكومية وغير الحكومية والتي كان البعض منها برعاية الأمم المتحدة للنظر في هذه الأزمة.
إلا أن مما يلاحظ على بعض هذه المشاريع أن البعض منها نظر إلى الأزمة على أنها أزمة سياسية تعود إلى عدم التمثيل المناسب لهم في الحكومة العراقية. بينما يرى آخر بأن المشكلة تعود إلى التشدد الذي تتبناه بعض الحركات الدينية وتحديدا الإسلامية منها وبالتالي فان هذا البعض نقل الكرة إلى ساحة الأغلبية، متهما الاسلام بصورة أو بأخرى بالرغم من محاولاته للتفريق بين الاسلام وداعش.
لذا نجد من المناسب أن نلفت نظر المعنيين، والجهات المهتمة بهذه الأزمة، وخصوصا الأقليات العراقية الى بعض النقاط التي لابد من ملاحظاتها سواء في مرحلة تشخيص الأزمة وتوصيفها، أو تحليلها، أو معالجتها، وهذه النقاط هي:
أولا: تحديد نوع الأزمة: سياسية أم دينية .
ثانيا: مشاركة الاقليات في حملة الدفاع عن الاسلام من تهمة الإرهاب.
ثالثا: دعم المواقف والجهود المبذولة من أجل القضاء على هذه الأزمة عموما وداعش على نحو الخصوص (المرجعيات الدينية، الفرقاء السياسيين، الحشد الشعبي).
رابعا: العمل على معالجة الازمة في مراحل الذروة من خلال الهجرة الداخلية ومنع الهجرة الخارجية.