المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

الإعلام الإسرائيلي يكشف الأسباب الحقيقية وراء زيارة نتنياهو للقارة الأفريقية

0
لم يكن مرضيا بالدرجة الكافية له ما توصل إليه من نتائج وأهداف معلنة وغير معلنة خلال جولته الأفريقية التي قادته إلى دول في شرق القارة -والتي وصفها مكتبه بـ "التاريخية" - ليعلن من جديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يخطط لزيارة غرب أفريقيا في القريب العاجل.
ووصف نتنياهو لقاءه بقادة شرق أفريقيا بأنها نقطة تحول في قدرة إسرائيل على الوصول إلى عدد كبير من الدول الأفريقية.. مضيفا "هذه القمة تبشر بفتح عصر جديد في العلاقات بين إسرائيل ودول أفريقيا".

 أنهى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، جولته الأفريقية ليعود إلى بلده محققًا أكثر من انتصار، فبعد قطيعة دامت 10 سنوات، لم يسافر فيها رئيس وزراء إسرائيلي إلى القارة السمراء، زار نتنياهو إثيوبيا، ورواندا، وأوغندا، وكينيا، وهي الدول التي وقعت اتفاق «عنتيبى»، لإعادة توزيع حصص مياه نهر النيل، والتي ترتبط مع إسرائيل بعلاقات استخباراتية وأمنية، وتنتشر بها عناصر الموساد التي تدرب القوات الإثيوبية والإريترية والأوغندية.

 وضمّ إلى نتنياهو إلى جولته 80 رجل أعمال من 50 شركة إسرائيلية “بهدف خلق علاقات تجارية مع شركات ودول أفريقية”.

 وبدأ نتنياهو جولته الاثنين الماضي من أوغندا ثم زار كينيا الثلاثاء ورواندا الأربعاء واختتمها يوم الخميس بإثيوبيا، والتقى أثناء وجوده في أوغندا بقادة دول أفريقية أخرى هي جنوب السودان وتنزانيا وزامبيا.

 ورغم أن أهداف زيارة نتنياهو المعلنة إلى الدول الأفريقية الأربع، تركزت بحسب تصريحات المسئولين الإسرائيليين على الجانب الاقتصادي والدبلوماسي، إلا أن الجانب الأمني والاستخباري كان له الأولوية، أي أن الإنجازات الاقتصادية هي الطريق الخفي للأعمال الاستخباراتية. خاصة أن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى أفريقيا تأتي لإعادة العلاقات الديبلوماسية المنهارة مع الدول الأفريقية منذ الحرب مع مصر عام 1937.

القضايا الأمنية على رأس الأولويات الإسرائيلية

 وهو ما كشفته صحيفة «جيروزاليم بوست» من خلال نقل الكواليس والأحاديث الجانبية بين سياسيين إسرائيليين، من بينهم مدير عام وزارة الخارجية، دوري جولد، الذي قال إن التقاء المصالح هو الهدف الحقيقي لزيارة نتنياهو لأفريقيا، وقبولها التعاون مع تل أبيب، مثلما كان سببًا في التعاون مع عدد من الدول العربية.

 وأشار جولد إلى أن المصلحة المشتركة الرئيسية بين إسرائيل وأفريقيا تدور حول القضايا الأمنية، تحديدًا مع أوغندا وكينيا وإثيوبيا، بسبب الخوف في هذه الدول مما حدث في ليبيا ومالي وساحل العاج، من انتشار الجماعات الإرهابية، وخشية أن تنتقل تلك الجماعات إليها، ومن ثم سعت في إقامة علاقات أقوى مع إسرائيل. فمسألة الطاقة والتكنولوجيا الزراعية، ليست كل شيء في الزيارة، لكن المساعدة الإسرائيلية في كيفية مكافحة الإرهاب كانت من أولويات تلك الدول.

 وأوضح جولد أن تفكك ليبيا كان له تأثير على طبيعة علاقة إسرائيل بأفريقيا، فقد زالت أكبر دولة أفريقية كانت تعمل ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكشف أن معمر القذافي ضغط كثيرًا لمنع حصول إسرائيل على صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي، وبعد سقوطه لم يعد هناك حاجز يمنع انضمام إسرائيل للاتحاد.

 وأكد أن أهم الأهداف التي تجذب إسرائيل إلى أفريقيا تطويق إيران وحزب الله، اللذين ينشطان داخل القارة للسيطرة على منفذ على البحر الأحمر، فوجود إسرائيل في القارة يعيد التوازن العبري أمام الفارسي.

فتح الأسواق الأفريقية أمام المنتجات الصهيونية

 وفي السياق نفسه، رصد المحلل الإسرائيلي «بوعاز بيسموت» في صحيفة «إسرائيل اليوم» المكاسب التي ستجنيها إسرائيل جراء توجهها إلى أفريقيا، ورأى أن أفريقيا ستفتح أسواقًا جديدة للمنتجات الإسرائيلية، سواء الزراعية أو التكنولوجية، فضلًا عن كسب أصواتها في مجلس الأمن والمؤسسات الدولية الأخرى، إلا أن صفقات الأسلحة تعد الأهم من بين تلك الصفقات.

 وكشف بيسموت عن أن نتنياهو يسير على خُطى بن غوريون الذي أوصى بفكرة «تحالف المحيط» في الخمسينيات، وهو أن تقوم إسرائيل بإقامة علاقات قوية مع الدول التي تحيط بأعدائها.

إحباط الطلب المصري بإخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للتفتيش

 وأشار بيسموت إلى هدف إسرائيلي آخر من التقارب الأفريقي، هو إحباط مطاردة مصر لإسرائيل في مسألة القدرة النووية لإسرائيل. فمصر تطالب دائمًا بطرحه على جدول الأعمال في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدول الأفريقية تصوت وبشكل دائم ضد المطلب المصري. بل إن رواندا تتبع سياسة نشطة في هذا الأمر، وبزيادة التقارب الإسرائيلي الأفريقي ستنتهي مطاردة مصر لإسرائيل في المسألة النووية إلى الأبد.

 من جانبه، تساءل الكاتب الإسرائيلي بيتر فام، المتخصص في شؤون أفريقيا لدى مجموعة الأبحاث أتلانتيك في مقال له في مجلة فورين بوليسي الأميركية عن الأهداف الكامنة وراء جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أفريقيا التي زار خلالها عددا من الدول الأفريقية والتقى عددا آخر من زعمائها، في محاولة للعودة إلى أفريقيا بعد انقطاع العلاقات مع القارة منذ زمن بعيد.

تعاون مشترك في مواجهة «إرهاب الشباب المجاهدين والقاعدة»

 وقال “فام” إن إسرائيل ستقوم بمساعدة كينيا على بناء جدار بطول 708 كلم تقريبا على طول الحدود مع الصومال، وذلك لمنع حركة “الشباب المجاهدين” والمليشيات المسلحة الأخرى من عبور الحدود.

 وأضاف أن نتنياهو هو القائد الإسرائيلي الثاني الذي يقوم بزيارة تاريخية لأفريقيا بعد تلك التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين للمغرب للقاء الملك المغربي الراحل الحسن الثاني عام 1993.

 وبين فام أنه على الرغم من أن التغطية الإعلامية لجولة نتنياهو الأفريقية ركزت على مراسم استقباله في عنتيبي بأوغندا، فإن القصة الحقيقية تتمثل في العودة المهمة لإسرائيل في الوقت الراهن إلى قارة كانت مغلقة في وجهها بشكل فعلي منذ زمن بعيد.

 وأشار إلى أن إسرائيل كانت واحدة من أوائل الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع 33 دولة أفريقية من تلك التي حققت استقلالها في ستينيات القرن الماضي، وأنها تبادلت السفراء معها وكانت من أكبر مانحي المساعدات لهذه الدول مدة من الزمن.

حشد أصوات أفريقية في الأمم المتحدة

 وأوضح فام  أن رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة غولدا مائير التي أمضت فترة طويلة وزيرة خارجية لبلادها اعترفت في مذكراتها بالقول: هل ذهبنا إلى أفريقيا لأننا بحاجة إلى أصوات في الأمم المتحدة؟ وأجابت: نعم، فهذا كان أحد دوافعنا الشريفة ولن أخفيه مطلقا عن نفسي أو عن الأفارقة.

 وتواصل غولدا مائير: ولكن هذا الدافع لم يكن الأهم برغم أنه لم يكن تافها، ولكن السبب الرئيس “لمغامرتنا” الأفريقية هو أنه كان لدينا شيء وددنا نقله إلى أمم أصغر وأقل خبرة منا.

 ويمضي قائلا إنه في أعقاب انتصار إسرائيل في حرب الأيام الستة في 1967 قامت سبع بلدان أفريقية بقطع علاقاتها معها، وإن أكثر من 23 دولة أفريقية أخرى قطعت علاقاتها بإسرائيل في أعقاب حرب أكتوبر 1973 والاحتلال الإسرائيلي لشبه جزيرة سيناء التابعة لمصر، وهي عضو في منظمة الدول الأفريقية.

 ولم تحتفظ لاحقا أي دولة أفريقية بعلاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل سوى ملاوي وليسوتو وسوازيلاند، وأما في 1975 فوصلت العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية مع الدول الأفريقية إلى الحضيض، وذلك بعد صدور قرار الأمم المتحدة الذي اعتمد في نوفمبر الثاني من ذلك العام.

 وأوضح أن هذا القرار هو الذي يقول إن الصهيونية تعتبر شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وقد صوتت 19 دولة لصالح القرار وإن لم تتمكن الدول الأفريقية من توافق شامل، حيث صوتت خمس دول أفريقية ضده هي ساحل العاج وليبيريا وملاوي وسوازيلاند وأفريقيا الوسطى، وامتنعت 16 دولة أفريقية عن التصويت.

استعادة العلاقات مرة ثانية مع القارة السمراء

 وأضاف الكاتب أن إسرائيل بدأت إعادة علاقاتها ببطء مع بعض الدول الأفريقية في 1978، وذلك بعد أن عقدت إسرائيل اتفاق كامب ديفيد للسلام مع مصر، وأن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود وعددا من وزرائه التقوا حديثا بنتنياهو أثناء زيارة لإسرائيل لم يُكشف عنها إلا هذه الأيام.

 وأشار إلى أن نتنياهو شرع في زيارته الأخيرة لشرق أفريقيا، وأخبر وزراءه بأن إسرائيل تعتزم العودة إلى أفريقيا، وذلك نظرا لأهمية العلاقات الدبلوماسية في بناء التحالفات والعلاقات الدولية في أنحاء العالم.

 وأما أبرز أهداف نتنياهو من وراء زيارته الأخيرة لأفريقيا، فتتمثل في حشد الدعم لاستعادة صفة مراقب في الاتحاد الأفريقي الذي تم إلغاؤه في 2002 بناء على طلب من “الدكتاتور” الليبي معمر القذافي.

 وتابع فام أن طلب نتنياهو لقي قبولا ودعما من جانب عدد من قادة الدول الأفريقية، بمن فيهم الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي وصف الخطوة الإسرائيلية بأنها جيدة ليس فقط لكينيا بل جيدة من أجل أفريقيا “ومن أجل السلام العالمي”، وذكر أن كينياتا أشار إلى المصلحة المشتركة بين بلاده وجيرانها وإسرائيل في محاربة “الإرهاب الإسلامي”.

الإعلام الغربي يرصد 5 أسباب معلنة للزيارة

 وقال إعلام غربي إن هناك ٥ أسباب كانت وراء زيارة نتنياهو إلى أفريقيا، من بينها أسباب تبدو رمزية، لكنها تزيد من عمق العلاقات الإسرائيلية مع دول القارة السمراء، وأول هذه الأسباب وفق جريدة «نيوزويك»، إحياء الذكرى الأربعين لـ«عملية عنتيبى»، في أوغندا، وهى عملية تحرير رهائن إسرائيليين اختطف فلسطينيون طائرتهم عام ١٩٧٦، واقتحمت قوات كوماندوز إسرائيلية مطار عنتيبى وقتلت الخاطفين وحررت ١٠٠ رهينة وقتلت نحو ٤٠ جنديا أوغنديا، فيما قتل من الجانب الإسرائيلى «يوناتان نتنياهو»، شقيق نتنياهو، الذي كان قائد العملية، ودفن هناك.

 ثاني الأسباب، بحسب الجريدة، دعم العلاقة بين الأفارقة وإسرائيل، فالبلدان الأربعة التي زارها رئيس الوزراء الإسرائيلى كانت قطعت العلاقات مع إسرائيل في أعقاب حرب ١٩٧٣، ثم عادت تلك العلاقات في ١٩٩٠، ومن ثم جاءت اللحظة التاريخية لتدعيمها وتقويتها، أما ثالث الأسباب، فيتعلق بالقيام بأعمال تجارية، والحصول على بعض الخدمات، فنتنياهو قاد اثنين، على الأقل، من منتديات الأعمال أثناء رحلته، واحد في كينيا والآخر في إثيوبيا، بخلاف عقد اتفاقيات مع كل رئيس من دول الزيارة. وكشفت «نيوزويك» أن إسرائيل توصلت إلى تسوية غير معلنة مع دولتين لإعادة توطين نحو ٤٠ ألف مهاجر ولاجئ من السودان وإريتريا، الذين دخلوا إسرائيل عن طريق مصر، وبهذا الاتفاق سيتم تهجيرهم عكسيًا إلى أوغندا ورواندا.

 رابع الأسباب، كسب بعض الشركاء الجدد، بعد أن أضرت حالة الجمود في الصراع الإسرائيلى – الفلسطيني بإسرائيل، وتوتر علاقتها مع دول غربية ومؤسسات دولية مثل الأمم المتحدة، التي أدانت قيام إسرائيل ببناء المستوطنات في الضفة الغربية والحصار المفروض على قطاع غزة، لذا ذهب نتنياهو لحشد التأييد لموقف إسرائيل في المنطقة بشأن هذه القضايا. والسبب الأخير هو إظهار التعاطف مع الدول التي تعرضت لظلم سابق، فذهب نتنياهو إلى رواندا، التي حدثت بها إبادة جماعية عام ١٩٩٤ من قبل «الهوتو» المتطرفين الذين قتلوا أكثر من ٨٠٠ ألف من «التوتسى»، وثمة محاولة لإحداث ربط بين تلك الإبادة وبين «الهولوكوست»، التي قتل فيها نحو ٦ ملايين يهودي على يد نظام ألمانيا النازي خلال الحرب العالمية الثانية.

نتنياهو يتجه إلى أفريقيا هربا من أوروبا

 فيما أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن بنيامين نتنياهو يسعى إلى علاقات أعمق مع أفريقيا، بعد تعرضه لضغوط من الدول الأوروبية، خاصة بعد صدور تقرير اللجنة الرباعية لعملية السلام في الشرق الأوسط، التي تضم الأمم المتحدة، الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي، والتي أدانت المشروع الاستيطاني الإسرائيلى في الضفة الغربية ووصفته بالعقبة أمام حل الدولتين، ما يجعلها بحاجة إلى أصوات مؤيدة جديدة لها في الأمم المتحدة، كما أن الأفارقة في حاجة إلى معدات عسكرية متطورة لمواجهة الحركات الإرهابية التابعة للقاعدة التي تنشط على أراضيها، وإسرائيل تحتاج هذه الصفقات بسبب تقلب معدلات الصادرات الإسرائيلية إلى أوروبا.

رئيس كينيا أقنع القادة الأفارقة باحتضان إسرائيل

 أما صحيفة «فاينانشيال تايمز» فنقلت تصريحات مصدر مطلع بنيروبي أكد أن رئيس كينيا نجح في إقناع القادة الأفارقة لاحتضان إسرائيل، التي حاولت الانفتاح والتعامل مع مشاكل أفريقيا ولاقت قبولًا من القارة السمراء. كما كشف موقع «فرانس ٢٤» أن نتنياهو اتفق مع رؤساء الدول الأفريقية التي زارها على تدريب قواتهم العسكرية الفترة المقبلة، بمزاعم محاربة الإرهاب على أراضيهم، فضلا عن حاجة بعض البلدان الأفريقية للحصول على التكنولوجيا الزراعية الإسرائيلية.

 وهكذا يتضح من كل ما سبق وبما لا يدع مجالا للشك أن القارة الأفريقية بأكملها أصبحت الطموح الأكبر لإسرائيل والهدف الذي تسعى من أجل تحقيقه لحماية نفسها من أي خطر وللسيطرة على جميع المنابع عبر خططها المحكمة والتي تنفذها بدقة متناهية.

—————

كتب التقرير- بثينة صلاح

مدير التحرير

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.