المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

التقارب التركي الإثيوبي وتأثيره على سد النهضة

0

    برزت تركيا في منطقة شرق أفريقيا كقوى غربية جديدة على الساحة الأفريقية، ففي ظل التمددات التي سعت لها السياسة الخارجية التركية في أفريقيا، كانت إثيوبيا هي الهدف الأكبر والأسما، حيث الموقع الاستراتيجي المميز، والدولة الأكبر في منطقة القرن الأفريقي، وكثافة سكانية لا يستهان بها رغبات المستثمرين الأتراك، بجانب الطموحات التنموية التي سعت لها السياسة الخارجية الإثيوبية في ظل نظام حاكم جديد لا يهاب دول الجوار في سبيل تطلعات اقتصادية وسياسية، لفرض الأمر الواقع على المنطقة ككل، وتأكيد القوة والاستمرارية دون رجوع مهما كانت الضغوطات الدولية، وهذا ما أظهره “آبي أحمد” (1) في تصريحاته بشأن المضي في بناء سد النهضة الإثيوبي، وتأرجحت السياسات التركية مع توسع دورها، فبالدخول للشؤون الإثيوبية من الباب الإنساني، أصبح يجني الثمار الأن على أرض الواقع، ومن هنا يمكن القول أن السياسات والتوجهات التركية تجاه إثيوبيا ما قبل ثورات الربيع العربي، تحولت من أجل خدمة المصالح في المرتبة الأولى، واستخدام أوراق الضغط في بعض الملفات السياسية.

أولاً : الموقف التركي من الثورة المصرية (مرحلتي التقارب والتباعد) :

انقسم الموقف التركي اتجاه الدولة المصرية إلى مرحلتين ساعدوا في تغيير الاتجاهات في السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة شرق أفريقيا والشرق الأوسط.

1- المرحلة الأولى : أثناء ثورة يناير2011 :

   عقب التغيرات الجذرية التي اندلعت من ثورة يناير 2011، جاء موقف تركي حاسمًا، وقد مر هذا الموقف بالعديد من الخطابات السياسية للمسئولين الأتراك، عقب خطاب الرئيس “أردوغان” أمام حزب العدالة والتنمية .(2)  في (1 فبراير 2011م) حيث أكد على ” ضرورة أن يصغى الرئيس مبارك لمطالب الشعب المصري وأن يتنحى عن السلطة نزولً عن رغبة الشعب المصري “، ولم يقف الحديث عند هذا الحد بل قدمت تركيا خارطة طريق لخروج مصر من المأزق السياسي، وفي هذه الفترة حرص الرئيس التركي على توطيد العلاقات مع مصر، وبوصول الرئيس المصري المعزول “محمد مرسي” للحكم، قدمت تركيا كافة أشكال المساندة والدعم المالي والسياسي والاقتصادي في ظل تواجد نظام ترضا عنه الحكومة التركية. (3)

2- المرحلة الثانية: عقب ثورة 30 يونيو 2013 :

    تحول الموقف التركي تجاه الدولة المصرية بالتزامن مع وصف النخبة الحاكمة التركية لأحداث ثورة 30 يونيو 2013م بأنه انقلاب عسكري، ولم تعترف بالشرعية الثورية للقطاعات الشعبية، وبذلك هي لم تعترف بإجراءات خارطة الطريق السياسية التي جائت عقب تلك الثورة، وظلت تدافع عن شرعية الرئيس المعزول “محمد مرسي”، وقامت بمطالبة الأمم المتحدة ومجلس الأمن بعقد جلسة تشاورية عن الشرق الأوسط والتركيز على الأزمة المصرية، ومع وصول الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” للحكم في 30 يونيو 2014م، لم تعترف تركيا بشرعية هذا النظام، وتناولت التصريحات الرسمية التركية للمطالبة بعودة النظام المعزول، ما دفع مصر لتخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي مع تركيا، حتى وصلت إلى مطالبة مصر السفير التركي بمغادرة البلاد، وسحب السفير المصري من تركيا . (4)

ثانياً : التواجد التركي بإثيوبيا :

1- الاستثمار التركي في إثيوبيا :

   تعتبر إثيوبيا من أهم استراتيجيات تركيا في إفريقيا، حيث الموقع المميز في منطقة القرن الأفريقي، حيث ينظر إلى إثيوبيا على أنها بوابة لدخول السوق الأفريقية، وعلى مدى سنوات عديدة تحولت إثيوبيا الإفريقية غير الساحلية، إلى وجهة رئيسية للمستثمرين الأتراك في القارة، وقد شهد عام 2016 نقلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإثيوبيا .(5) حيث تم توقيع خمس اتفاقيات تعاون ومذكرات تفاهم في قطاعي المعادن والهيدروكربونات، ومذكرات تفاهم بين المؤسسات التجارية المتوسطة والصغيرة، ومذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة الكهربائية .(6) وتعد تركيا ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا، حيث بلغ رأس المال الاستثماري 2.5 مليار دولار بحلول عام 2020، وفقًا لإحصائيات لجنة الاستثمار الإثيوبية، وتتطلع تركيا إلى زيادتها لتصل إلى 10 مليار دولار بنسبة زيادة تبلغ 300 % حسب ما صرح به السفير التركي لدى إثيوبيا . (7)

2- السياسة التركية في إثيوبيا :

تمثل منطقة القرن الأفريقي بالنسبة لتركيا امتداداً حيوياً ضمن حيثيات التحديات السياسية والجيوستراتيجية، وبحسابات الجغرافيا السياسية، فإن إثيوبيا رغم بعدها الجغرافي عن تركيا، إلا أنها تقع في دائرة المجال الحيوي لمشروعها السياسي للتمدد في القارة الإفريقية، ففي العهد الحديث كان لتركيا دور بارز في مساعدة إثيوبيا تجاه كارثة الجفاف التي عانت منها منطقة عفر عام 2014م، حيث تبرعت الحكومة التركية لمساعدة الالاف من الأسر المتضررة بالإقليم . (8)

ثالثاً : التأثير التركي على سد النهضة :

1- فكرة بناء السد :

تعود فكرة بناء السد إلى خمسمائة عام سابقة، نجد أشهر السياسيين البرتغاليين يسمى “دالبو كيرك”، وهو صاحب مخطط قديم يهدف لبناء سدود على النيل، حيث كان الهدف منه هو تحويل مجرى نهر النيل لحرمان مصر من المياه، فتبور أراضيها، وكانت بداية الفكرة عندما  طلب “دالبو” من ملك البرتغال عمال مهرة ليقوموا بفتح ثغرة بين سلسلة التلال الصغيرة التى تجري عند النيل (اثيوبيا) ولكنه توفي عام 1515، ثم احبط  هذا المخطط  من خلال الخلافة العثمانية منذ عام 1517 وهو يحدث الان عبر سد النهضة. (9)

2- منظمة تيكا في إثيوبيا :

   قامت تركيا بافتتاح مكتباً لوكالة التعاون والتنسيق التركية المعروفة بإسم (تيكا)، في إثيوبيا عام 2005، ومنذ ذلك التوقيت استخدمت في كل أشكال مد النفوذ داخل الدولة، حيث إعطاء المنح الدراسية، وإرسال البعثات، وإنشاء مدارس الأطفال، ما ساعد في انتشار ثقافة نمط التعليم التركي .(10) وعقب صعود وتيرة الصراع السياسي بين تركيا ومصر، عملت تركيا على زيادة المساعدات الاقتصادية لإثيوبيا باعتبارها منطقة نفوذ حان وقت استخدامها لإزعاج الآخرين، فقامت بتوزيع الغذاء على النازحين في مخيم “غيلان”، وقامت بتوزيع 17 طناً من المساعدات الغذائية على الأحياء الفقيرة، بالإضافة إلى قامت الوكالة بتطوير منظومة المساعدات من خلال اقتحام القطاع الصحي المتهالك ودعم مستشفيات الاطفال. (11)

   والجدير بالذكر أنه يمكن احترام تلك المساعي والجهود الإنسانية إذا لم ترافقها أجندات سياسية تعمل على تطويع الموقف الإثيوبي لصالح التوجهات التركية، حيث جائت المساعدات الإنسانية كغطاء لاتفاقية عسكرية تم توقيعها بين الطرفين بموجبها يكون الجيش الإثيوبي تحت إدارة الجانب التركي من حيث التدعيم والتطوير الفني لكل منظومته الدفاعية، واحتكار بيع الأسلحة إليه، بالإضافة إلى استخدامه لتأمين مناطق النفوذ، وإزعاج مصر من خلال الإضرار بحصتها من مياه النيل، في ظل التوترات بين الجانب التركي والمصري منذ وصول الحكومة الجديدة إلى الحكم في عام 2014م، ومن هنا يمكن القول أن لغة التحدي التي ألقاها “آبي أحمد” بأن لا يوجد قوة ستمنع البلاد من ملئ سد النهضة، هي كفيلة بإظهار مدى الاستناد على تدعيم تركي قوي.(12)

3- اليد الخفية التركية في سد النهضة :

   لقد كانت لزيارة وزير الخارجية التركي لأديس أبابا في يناير من عام 2014 طابع خاص، حيث وصفها المتحدث بإسم الخارجية الإثيوبية “بالزيارة المهمة والإيجابية”، وأن ما يجري بين البلدين هو تحقيق رغبة تركيا في الدعم والمشاركة في تنمية إثيوبيا، وأكد على أن بلاده ترغب في الاستفادة من الخبرات التركية في مجال الري والسدود . (13) ،وصولاً إلى تدهور العلاقات بين مصر وتركيا بحلول عام 2020 حيث وضع الرئيس التركي يده مع رئيس الوزراء الإثيوبي “أبي أحمد” لحرمان مصر من حقها التاريخي في مياه النيل، وأعلن أردوغان دعم أنقرة لمشروع بناء سد النهضة، حيث تمد الحكومة الإثيوبية بالمعدات والأموال اللازمة لضمان نجاح المشروع من أجل تقليص حصة مصر من مياه النيل، والبالغة 56 مليار متر مكعب مم يؤدي إلى انخفاض المياه في المناطق الزراعية في مصر بنسبة 25٪ . (14)

4- الاستراتيجية التركية للسيطرة :

يستخدم “رجب الطيب أردوغان” الرئيس الحالي لتركيا، القوى الناعمة والمساعدات الإنسانية والعلاقات العثمانية التاريخية . (15)  باحثاً عن حليف في المنطقة من أجل مواجهة مصر والضغط عليها، حيث حرص على تطوير عدة مناطق إثيوبية مرتبطة بالتاريخ الإسلامي مثل قرية “نداش” في منطقة تيغراي، وترميم القنصلية العثمانية، ومع ذلك، فقد حافظ الرئيس التركي على ظهور أقل نسبيًا في الدولة ذات الأغلبية المسيحية الأرثوذكسية، مما يعكس مدى اهتمامه بتلك التفاصيل التي تحول دون الوصول إلى أهدافه السياسية، بالإضافة إلى الدور الاستخباراتي الذي لعبته وكالة الأناضول، التي أنشأت مكتباً في أديس أبابا عام2014 م، لتغطية شرق إفريقيا عبر الصحفي الإسلامي الإريتري محمد طه توكل. (16)

رابعاً : الرأي التركي والإثيوبي والمصري بشأن سد النهضة :

1- تركيا :

ترى تركيا أنها هي وإثيوبيا دولتان مهمتان لبعضهما البعض، ولديهما مشاريع تنموية، فمن الطبيعي أن تجتمع الدولتان ويتناقشان، خاصة في ما يخص قضايا البحرين الأحمر والمتوسط، فكل القضايا مترابطة ببعض، وتؤكد على أنه لا يوجد ما يمنع تركيا من التعاون مع أديس أبابا في كافة المجالات، فدول (كالصين وإسرائيل، ودول الخليج تتعاون مع إثيوبيا).

2- إثيوبيا :

يبرز الجانب الإثيوبي أنه من حقه بناء سدود على نهر النيل، بما يخدم مصالحه التنموية، مع عدم الأعتراف بمعاهدات تمت توقيعها في عصر الاستعمار الغربي لإثيوبيا، حيث يرى أن تلك المعاهدات إنما تعبر عن رغبة المستعمر، ولم تعبر عن الإرادة الحقيقية للشعب الإثيوبي. ولم تشير إثيوبيا بصيغة واضحة لوجود أي تدخلات خارجية من شأنها المضي نحو بناء السد من عدمه.

3- مصر :

تؤكد مصر أن تركيا سعت لتطوير العلاقات مع القارة الأفريقية، وتمثل ذلك في إنشاء سفارات في مختلف دولها، إلا إن العلاقات التركية الإثيوبية لم تتطور بشكل واضح اقتصاديا وسياسيا إلا بعد عام ٢٠١٤، حيث تزايد حجم الاستثمارات التركية المباشرة هناك، وزاد تبادل زيارات الوفود التجارية والسياسية بين البلدين، وكان لهذا ارتباط واضح بطموحات كل تركيا وإثيويا المتعارضة مع التوجهات المصرية.

الهوامش والإحالات :

(1) –آبي أحمد علي: مواليد 15 اغسطس 1976م، وهو رئيس الوزراء في جمهورية إثيوبيا، عين في 27 مارس 2018، وهو أول رئيس وزراء من عرقية أورومو. نال جائزة نوبل للسلام عام 2019 لجهوده في حل النزاع الحدودي مع إريتريا.

(2)-حزب العدالة والتنمية التركي: هو حزب سياسي تركي يصنف نفسه بأنه يتبع مسار معتدل، غير معادٍ للغرب، يتبنى رأسمالية السوق يسعى لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. يقول البعض أنه ذو جذور إسلامية وتوجه إسلامي علماني لكنه ينفي أن يكون “حزباً إسلامياً” ويحرص على ألا يستخدم الشعارات الدينية في خطاباته السياسية ويقول أنه حزب محافظ ويصنفه البعض على إنه يمثل تيار “الإسلام المعتدل، وهو الحزب الحاكم حاليًا في البلاد، يرأس الحزب حاليًا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ 21 مايو 2017. وصل الحزب إلى الحكم في تركيا عام 2002.

(3)-د.محمود زكريا، ” العلاقات السياسية الأفريقية – التركية : المحددات والقضايا” ، ورقة بحثية مقدمة إلى جامعة أفريقيا العالمية (الخرطوم، مركز البحوث والدراسات الأفريقية، 2015) ص 18.

(4)- نفسه، ص 19.

(5)-العربي الجديد، ” تركيا وإثيوبيا توقعان 5 اتفاقيات لتعزيز التعاون الاقتصادي”، لينك:

https://cutt.us/dfzRR.

(6)- A.A, “Ethiopia, Turkey sign 5 cooperation agreements”, Link:

https://cutt.us/ndlqM.

(7)-ترك برس، ” العلاقات الشخصية تعزز الاستثمارات والعلاقات الاقتصادية التركية الإثيوبية”، لينك:

https://cutt.us/iryeY.

(8)-هاشم علي حامد، “العلاقات الإثيوبية_ التركية: الواقع والآفاق”، ورقة بحثية مقدمة إلى المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية (القاهرة: المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2016)، ص3.

(9)-المركز العربي الديموقراطي، “تركيا وازمة سد النهضة”، لينك:https://democraticac.de/?p=51571

(10)-DAILY SABAH, “Turkish aid agency TİKA equips training center in Ethiopia”, Link:https://cutt.us/ccVDf

(11)-حفريات، “سد النهضة: هل تقف تركيا وراء محاولات حصار مصر مائياً؟”، لينك:https://cutt.us/QbUP7.

(12)-نفسه

(13)- نفسه

(14)- THE PORTAL,” Turkey’s suspicious role in supporting Ethiopia’s dam”, Link:https://cutt.us/3spsN

(15) -مركز الإمارات للسياسيات، “الحضور التركي في البحر الأحمر: مظاهِره وأهدافه وآفاقه المستقبلية”، لينك:https://epc.ae/ar/topic/turkeys-presence-in-the-red-sea-forms-objectives-and-prospects

(16)- Idem


شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.