المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

التوأمة الاقتصادية مع الجنوب.. مطلوبات التحقيق والمنافع

0
تمهيد 

تتشكل هذه الورقة من جزءين، الجزء الأول ورقة كتبت قبل اتفاقيات سبتمبر 2012 بين السودان وجنوب السودان قدمت للمؤتمر الاقتصادي الذي عقده حزب الأمة بداره بأم درمان في نوفمبر 2011 والجزء الثاني عرض لأهم الاتفاقيات التي وقعت بين السودان وجنوب السودان في سبتمبر 2012.وقد رأيت أن أقدم الورقة الأولى دون تغيير، لتعبر عن موقفي الأساسي، ويقدم عرض الاتفاقيات إلى أي حد تحقق، على الورق، ذلك الموقف.إن حقيقة أن الاتفاقيات الموقعة في سبتمبر لم تنفذ، رغم من أنها تحقق مصالح اقتصادية جمة للسودان ولجنوب السودان، يعبر عن عمق الأزمة التي يواجهها السودان، والتي تضع قضية التغيير في قمة الأجندة.

 

مقدمة

لعل من أهم نواقص بروتكول مشاكوس واتفاقية نيفاشا، أنها صمتت عما يحدث بعد نهاية الفترة الانتقالية التي تنتهي بالاستفتاء، فلم تجاوب على سؤال: مادا لو أختار الجنوبيون الانفصال، كيف تكون العلاقة بين الدولتين الناشئتين عن الانفصال؟ ولعل المتفاوضين أهملوا ذلك السؤال بحسن نية افتراضهم أنهم قد قررا معا العمل من أجل الوحدة الجاذبة، وذلك ما لم يحدث من كليهما. ولا نريد بطرحنا هذا أن ننكأ جراحا، ولكننا نريد أن نشير أن السؤال الافتراضي كان مهما طرحه لأنه كان من الممكن حينها طرح أسسا للعلاقة بين الدولتين الناشئتين عن الانفصال بتوفر كثير من حسن النية حينها وبموضوعية أكثر من الظرف الحالي، الذي تحكمه متغيرات كثيرة ولربما كان أحدها صدمة الانفصال في الشمال والشعور الزائد بالزهو الوطني في الجنوب بالاستقلال مما يبعد الجانبان من حوار موضوعي حول قضايا طبيعتها موضوعية ومعظمها ليست جديدة، كنا جميعا في الجنوب والشمال نعرف أنها ستطرح نفسها حال الانفصال. وما يهمني التعرض له هنا هو العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، وهل يمكن أن تحدث علاقة اقتصادية مثمرة للجانبين ترقى للتعاون والتكامل وما هي الأسس الموضوعية التي تقوم عليها تلك العلاقات وما هي الشروط السياسية الضرورية لمثل تلك العلاقات.

العلاقات الاقتصادية

تنشأ علاقات اقتصادية بين دول ذات اقتصاديات متماثلة ودول ذات اقتصاديات مختلفة، وتتمثل هذه العلاقات من علاقات التنافس والتعاون والتكتل والتكامل، من اتحادات المنتجين أو المصدرين لسلعة واحدة حتى السوق المشتركة، ومن اتفاقيات التبادل السلعي والخدمي حتى التكامل الاقتصادي.

فما هو نوع التعاون الاقتصادي الممكن بين جمهورية  جنوب السودان وجمهورية السودان؟

أولا: هناك اختلاف في الجغرافيا يجعل هناك إمكانيات لميزات نسبية ومطلقة لكل اقتصاد مثلا مناخ السافنا الغنية والمناخ شبه الاستوائي في الجنوب، وتعدد مناخات السافانا وشبه الصحراوي وبحر الأبيض المتوسط (جبل مرة) في الشمال، مما يجعل امتيازات مطلقة ونسبية في إنتاج بعض السلع الزراعية هنا وهناك

ثانيا:الاقتصادان مختلفان في مستوى التطور فرغم أنهما معا بالنسبة للعالم في قائمة الدول الأقل نموا، ولكن جمهورية السودان أكثر تطورا في مجالات التعليم والصحة والتدريب المهني والزراعة والصناعة والخدمة المدنية والقضاء والنقل، خاصة السكك الحديدية والنقل البحري والجوي والمواصلات وكثير من أوجه الحياة، نتيجة لسياسات التنمية غير المتوازنة التاريخية التي شملت السودان الموحد قبل الانفصال.

ثالثا:جمهورية جنوب السودان جمهورية لا منفذ لها للبحر، بينما جمهورية السودان تتمتع بمواني بحرية قديمة وخبرة في هذا المجال

رابعا: جمهورية جنوب السودان منتجة للبترول بشكل تجاري بينما إنتاج جمهورية السودان من البترول لا يكفيها وإمكان تطور إنتاجها ما زال في طور الاستكشاف. وجمهورية السودان تملك البنى التحتية لتصدير البترول بينما جمهورية جنوب السودان لا تملك ذلك، بل الميزات النسبية لاستعمال البنى التحتية السودانية أكثر جدوى اقتصادية من إقامة بنى تحتية جديدة عبر شرق أفريقيا.

خامسا: هناك تاريخ مشترك وثقافة مشتركة بما في ذلك لغة تخاطب بين المواطنين.

إن هذا التمايز والتماثل بين الجمهوريتين، يؤسس لتعاون اقتصادي في كل المجالات:

1-  التبادل السلعي: من الجنوب البترول، الأخشاب التبغ، الفواكه الاستوائية، العاج، الريش، الجلود وفي المستقبل الشاي والبن ولربما السكر والأرز، من الشمال ملح الطعام، زيت الطعام، التوابل، البصل، الخضروات، الفواكه والذرة، لربما السكر ودقيق القمح المطحون في الشمال

2- التبادل الخدمي، ويشمل خدمات وكوادر التعليم العام والعالي والصحة من الشمال والجنوب،

3- واستعمال البنى التحتية من خطوط أنابيب وموانئ وسكك حديدية وخدمات نقل البترول والسلع الجنوبية المستوردة

4- وتبادل الخبرات في مجالات فنية وإدارية متعددة

5-  العمالة الماهرة من الشمال والعمالة غير الماهرة من الجنوب

6-  استعمال المراعي الجنوبية.

7- إمكانية تطوير الكهرباء المائية والحرارية المشتركة

نماذج السودان في التعاون الاقتصادي

إن العلاقة الاقتصادية بين الدول التي تتضمن تبادل حر أو بشروط للعمالة والسلع والخدمات ورؤوس الأموال، تتطلب تنظيم شروط الانتقال والإقامة والاستثمار وامتلاك الأصول الثابتة والمنقولة.

لقد اختار السودان ومصر مثلا نموذجا يتمتع فيه مواطني الدولتين المصرية والسودانية بحرية التنقل والإقامة والتملك والعمل، مما يعني حرية انتقال العمالة ورؤوس الأموال بغير شروط وانتقال السلع والخدمات وفق شروط. ولتنظيم وإدارة هذا النموذج تتكون اللجنة الوزارية المشتركة بين السودان ومصر التي يرأسها النائب الأول السوداني ورئيس الوزراء المصري. وأوجه الشبه بين العلاقة بين مصر والسودان من جهة وبين جمهورية الجنوب وجمهورية السودان من جهة أخرى، أن مصر وجنوب السودان لهما علاقة تاريخية راسخة مع السودان، بل أن جنوب السودان تتميز بأنها كانت حتى يوليو 2011 جزءا من السودان، وبينما تمثل مصر الشريك الأكبر والمستفيد من العلاقة مع السودان (ميزان تجاري لمصلحتها فالواردات  من مصر تصل إلى 500 مليون دولار، بينما صادرا السودان لمصر لا تتعدى ال 40 مليون دولار، ومصر وفقا لأرقامها المصرية لها استثمارات في السودان تبلغ 5.5 مليار دولار وتحتل المرتبة الثانية من المستثمرين العرب في السودان والثالث عشر من المستثمرين الدوليين)، وإذا ما سعينا استنساخ العلاقة بين جنوب السودان والسودان على أساس النموذج المصري السوداني فالسودان سيكون الدولة المستفيدة لأنها الأكثر تقدما في الوقت الحاضر.

ويقيم السودان علاقات تعاون مع دول أخرى في المنطقة الأفريقية والعربية، ولكن أقربها لمثال جنوب السودان، هي أثيوبيا، فأثيوبيا بعد حربها مع أريتريا والصومال أصبحت دولة مقفولة لا منفذ بحري لها، تماما مثل جنوب السودان، وتستخدم الموانئ السودانية، ويمدها السودان بالمنتجات البترولية، وتتطور تجارة الحدود والزراعة في الحدود المشتركة وتسعى الدولتان للتعاون في مجال الكهرباء والمياه، وتدار وتنظم العلاقة بينهما بلجنة وزارية مشتركة وتوجد عمالة أثيوبية في السودان وتوجد استثمارات سودانية في أثيوبيا.

إن العلاقة بين جنوب السودان والسودان لا بد أن تستهدف الوصول لخير ما في النموذجين للعلاقات مع مصر وأثيوبيا، بل هناك إمكانية لتجاوز النموذجين نحو تكامل اقتصادي حقيقي بين الدولتين لتحقيق المنافع لكليهما، وهذا يتطلب طرح القضايا الخلافية للحوار.

القضايا المطروحة للحوار:

1-قضية الحدود وما يتعلق بوجود حوالي 8 مليون من الرعاة ممن تقوم حياتهم على الرحيل الموسمي بين أراضي جمهورية جنوب السودان وجمهورية السودان من حفرة النحاس الغرب وحتى حدود أثيوبيا في الشرق، إن هذه القضية غير مرتبطة بتقسيم الحدود وحسب، ولكنها مرتبطة بمسألة علاقات حسن الجوار وفق القوانين الدولية وتمتع مواطني الدولتين بحقوق كانوا يتمتعون بها قبل التقسيم لدولتين. إن هذه مسألة هامة تتعلق بحياة الإنسان والحيوان في تلك المناطق وهي إلى جانب أهميتها الاقتصادية ذات طابع إنساني واضح.

2-قضية مواطني الدولتين الذين كانوا يعيشوا قبل الانفصال في أراضي الدولة الأخرى، وقد بادرت حكومة السودان بطردهم ومنعهم الجنسية السودانية وفصلهم من أعمالهم وغادر الشماليون منهم الجنوب خوفا على حياتهم أو بتشجيع من حكومة الشمال أو مضايقات رسمية وغير رسمية في الجنوب، ونتيجة لكل دلك أصبحت جمهورية السودان تعتمد أكثر على العمالة الإرتيرية والأثيوبية وجمهورية جنوب السودان تعتمد على العمالة اليوغندية والكينية والأوربية. وهذه قضية يكمن حلها في اتخاذ النموذج المصري السوداني في العلاقات بالاتفاق على حرية التنقل والإقامة والتملك والاستثمار والعمل وتبادل السلع والخدمات، حتى لو وضعت شروط لتنظيم ذلك تزول تدريجيا مع تطور العلاقات.

3- قضية التعامل في الاستثمارات البترولية وتشمل قضية ملكية الأصول الثابتة والمنقولة وقضية العمالة وقضية نقل المواد البترولية من جنوب السودان عبر أراضي جمهورية السودان وموانيه للتصدير واستعمال مصفاته للتكرير. وقد استبقت حكومة جنوب السودان التفاوض حول هذه المسائل بتأميمه لسودابت، الشركة السودانية البترولية السودانية، مما جعل التفاوض أكثر صعوبة. ولا سبيل لحل هذه القضية إلا بالمفاوضات التي تسترشد بالتجارب الإقليمية والدولية مثل نقل البترول التشادي عبر الكاميرون، ونقل البترول العراقي عبر تركيا وسوريا والغاز الروسي عبر أوكرانيا، ولا بد أن يبدأ كل ذلك بإجراءات حسن نية مثل استمرار ضخ البترول وتصديره مع حجز نسبة مئوية بضمان جهة محايدة لتصفية الاستحقاقات مستقبلا

4- قضية استعمال أراضي وموانئ والبنى التحتية لجمهورية السودان من قبل جمهورية جنوب السودان في الاستيراد والتصدير. وقد استبقت حكومة جمهورية السودان التفاوض حول هذه القضية، بمنعها عبور سلع لجمهورية جنوب السودان مما يهدد مستقبل التفاوض والتعاون في هذه الجبهة ويدفع جمهورية جنوب السودان أكثر نحو استعمال الموانئ الكينية وتنشيط التجارة مع دول شرق أفريقيا كأوغندا وكينيا. ولكن في مبادرة لولاية النيل الأبيض فقد بدأت التجارة بين البلدين في العودة في حدود 5 مليون دولار، مما ينبئ بإمكانيات عالية في هذا المجال، وهذا يتطلب اتفاقيات حول عبور السلع واتفاقيات حول الجمارك والضرائب واتفاقيات حول تعريفات النقل واستعمال الموانئ البحرية والنيلية والطرق والسكك الحديدية.

5- قضية التجارة وتبادل السلع والخدمات بين الدولتين الجديدتين، بما في ذلك سلعة البترول وسلع زيت الطعام والذرة والسكر والملح وسلع الأخشاب والتبغ والجلود والعاج والعسل والريش والسلع العابرة من دولة ثالثة إلى الجنوب والشمال مثل البن والشاي والعربات وأسبيراتها ومختلف الآليات وأسبيراتها والأقمشة وغيرها من السلع الاستهلاكية.

6- قضية ديون السودان القديم وكيفية معالجتها، وقد بادرت حكومة السودان من قبل باستعدادها لتحمل الديون دون تبيين شروط واضحة لذلك، كما بادر كبير مفاوضي الجنوب بطرح حوالي 5 مليار دولار كتعويض للسودان لم يتضح من التصريحات تعويضات حول ماذا وهل هي دفع لبعض الديون، أم لتعويض خسارة البترول أو جزء من أصول استثماراته أم ثمن للتنازل عن منطقة أبيي.

7- قضية التعاون المستقبلي في قضايا مياه النيل وتطوير الطاقة الكهربائية والنقل النهري بين البلدين

إن جميع هذه القضايا يمكن حلها عن طريق التفاوض لو وضعت الحكومتان مصالح البلدين وشعبيهما في المقدمة.

 

ملحق 

اتفاقيات السودان وجنوب السودان:

تقديم

بعد تقديمي للورقة السابقة جرت مياه كثيرة تحت الجسر، وعقدت جلسات مفاوضات متعددة، كان أهم نتائجها توقيع اتفاقيات سبتمبر

خاتمة2012 بين السودان وجنوب السودان والبلغ عددها 9 اتفاقيات وتتكون:

1- اتفاقية عامة للتعاون

2- الاتفاقيات المتعلقة بالنفط والمسائل الاقتصادية ذات العلاقة؛

3- الاتفاقية الإطارية عن موقف مواطني الدولة الأخرى؛

4-  اتفاقية عن قضايا الحدود (بما في ترسيم الحدود) ؛

5- اتفاقية عن إطار للتعاون في مسائل البنك المركزي؛

6- اتفاقية عن التجارة والمسائل المتعلقة بالتجارة؛

7-اتفاقية عن مسائل اقتصادية معينة: تقسيم الأصول والديون، و المتأخرات والمطالبات والمنهج المشترك للمجتمع الدولي.

8- الاتفاقية الإطارية لتسهيل دفع فوائد ما بعد الخدمة (وتشمل المعاشات)

9-اتفاقية عن الترتيبات الأمنية.

الحريات الأربعة المفتاح:

وكما يمكن الملاحظة من الوهلة الأولى فإن كل الاتفاقيات عدا ثلاثة اتفاقيات لها علاقة مباشرة مع التوأمة الاقتصادية وحل المشاكل الاقتصادية العالقة بين البلدين، غير أن الاتفاقيات الثلاثة الأخرى ذات علاقة بالاقتصاد خاصة الاتفاقية الإطارية عن موقف مواطني الدولة الأخرى وبالأحرى فهي اتفاقية بالدرجة الأولى لأنها تتعلق ما عرف في الأدب السياسي بالحريات الأربعة التي تشمل حقوق الانتقال والإقامة والعمل والتملك والاستثمار (باعتبار أن التملك والاستثمار يتداخلان). وقد جاءت المادة الثالثة في الجزء الثاني من الاتفاقية

“وفقاً للقوانين واللوائح في كل دولة ، يتمتع مواطنو كل دولة بالحريات التالية في الدولة الأخرى:

أ‌) حرية الإقامة

ب‌)  حرية التنقل

ج) حرية ممارسة النشاطات الاقتصادية

د) حرية الامتلاك والتخلص من الممتلكات “

ورغم اختلاف المسميات يصبح الجوهر هو الحريات الأربعة، ولكن الاتفاقية قيدت بمزيد من الإجراءات التي يتفق عليها الطرفان من خلال لجنة يترأسها وزيرا الداخلية بالبلدين، وكان يمكن أن يكون هذا إجراء عادي للتنظيم ولكن في الظروف السياسية المتوترة بين الدولتين، يكون ذلك طريقة لعرقلة وتنفيذ الاتفاقية. أن أي برنامج مستقبلي للتغيير في السودان يجب أن يبدأ بتفعيل هذه الاتفاقية لأنها المفتاح لا للتوأمة الاقتصادية فحسب بل لأي تطور إيجابي في علاقات البلدين الشقيقين.

ولعل أهمية الاتفاقية بالنسبة لجمهورية السودان واضحة في ثلاثة محاور، مختصرين الحديث في مجال الاقتصاد، على الأقل:

الأول: وهو أكثر المحاور أهمية على الإطلاق هو محور القبائل الرعوية على الحدود بين البلدين والتي تعني حرية حركتهم إلى المراعي ومصادر المياه بالجنوب. والمحور الثاني هو وجود السودانيين الشماليين بالجنوب لأغراض التجارة والعمل وخاصة لسد احتياجات الجنوب في توظيف مهنيين وعمال مهرة، والمحور الثالث هو احتياج الشمال للقوى العاملة من الجنوب خاصة في قطاعات الزراعة والبناء والصناعة..

اتفاقية الحدود وأهميتها لممارسة الحريات بالنسبة  للرعاة

إن اتفاقية ترسيم الحدود اتفاقية هامة وذات ابعاد اقتصادية أيضا خاصة بالنسبة للرعاة ولتجارة الحدود ووفقا للاتفاقية ” يحافظ الطرفان على حدود مسالمة وآمنة ينتعش على طولها النشاط الاقتصادي والاجتماعي ويمكن أن يتحرك الناس عبرها ويمكن انسياب السلع والخدمات عبرها بسهولة.” (الباب الثاني المادة 2(1) (وكان من المحدد أن يبدأ ترسيم الحدود خلال 60 يوما من توقيع الاتفاقية وينتهي في فترة أقصاها 3 شهور من بدء الترسيم. وبالطبع شيئا من ذلك لم يتحقق.

إن عدم تنفيذ اتفاقية الحدود لا يعطل حركة الرعاة وتجارة الحدود فحسب، بل أنه يعطل أي استثمارات خاصة في مجال استكشاف البترول وفي الزراعة والزراعة الآلية تحديدا يمكن تطويرها في المناطق المتنازع عليها.

اتفاقية البترول

توصلت اتفاقية البترول المسماة ” الاتفاقيات المتعلقة بالنفط والمسائل الاقتصادية ذات العلاقة” وهي اتفاقية شاملة لنقل النفط من الجنوب عبر أنابيب الشمال ومعالجته في معامل المعالجة الشمالية وتصديره عبر الموانئ السودانية وفقا لرسوم محددة وتسري الاتفاقية لثلاثة سنوات و6 شهور من تاريخ تصدير أول شحنة. والاتفاقية تقدم تفصيلا لكل الاجراءات والالتزامات وتنظم القياس والمراقبة والجودة والالتزامات المالية وكيفية ومواعيد السداد وتعالج قضايا عالقة حول الحقوق المشتركة.

وما يهم الاقتصاد السوداني فعلا ان السودان يكسب 11 دولارا عن كل برميل ينقل عبر خطوط النيل الكبرى ويعالج عبر معاملها على النحو التالي:

1 دولار رسوم عبور

 8.40 دولار رسوم نقل

1.60 دولار رسوم معالجة

كما يتلقى السودان ما يعادل 9.10 دولار عن كل برميل بترول ينقل عن طريق خطوط بترودار ويعالج في معاملها وتفاصيلها كالآتي

1 دولار رسوم عبور

6.50 دولار رسوم نقل

1.60 دولار رسوم معالجة

كما تدفع حكومة جنوب السودان رسوم تعويضية لمدة 3 سنوات تحسب على اساس 15 دولار للبرميل بما يعادل 3 مليار و40 مليون دولا خلال فترة الاتفاق.

لقد كان، وما زال، بوسع هذه الاتفاقية أن تساهم في حل مشاكل مالية لحكومة السودان فهي ترفد الميزانية وميزان المدفوعات بنقد أجنبي يصل إلى حوالي 3 مليار دولار في السنة معتمدا على كمية البترول التي ستضخ من الجنوب.

إن خطورة عدم تنفيذ هذه الاتفاقية إنها تضعف العلاقة والثقة بين البلدين وتدفع الجنوب دفعا للبحث عن طرق أخرى لتصدير بتروله. والإشكال الحقيقي أن أي حل آخر سيعني أنه سيكون دائما ولن تكون الخسارة للسودان مؤقتة، وحتى لو تغير نظام الحكم في السودان بعد ذلك فستكون الخسارة دائمة.

اتفاقية التجارة والقضايا المتعلقة بالتجارة

توصل الطرفان أيضا لاتفاقية التجارة والقضايا المتعلقة بالتجارة، وهي اتفاقية تكون لجنتان لجنة وزارية ولجنة فنية، وقد حددت الاتفاقية اسبقية للقضايا التالية:

أ‌-  التعاون الجمركي بما في ذلك الجوانب الإدارية، وتبادل المعلومات وبناء القدرات.

ب‌-  العلاقات البنكية وترتيبات المدفوعات المتعلقة بالتجارة (بالتنسيق مع لجنة البنوك المركزية المشتركة).

ت‌- مكافحة التهريب عبر الحدود.

ث‌- مكافحة المعاملات المالية غير الشرعية: وغسيل الأموا، وتمويل الإرهاب، وتجارة المخدرات والجرائم عابرة الحدود.

ج‌-  آليات فض المنازعات المتصلة بالتجارة.

ح‌- استخدام الموانئ وتسهيل عبور السلع غير النفطية؛ و

خ‌-  تسهيل الوارد والصادر بين الدولتين.

على أن تناقش اللجنة الفنية تحقيق التالي:

أ‌- التعاون الجمركي بما في ذلك الجوانب الإدارية، وتبادل المعلومات وبناء القدرات.

ب‌-العلاقات البنكية وترتيبات المدفوعات المتعلقة بالتجارة (بالتنسيق مع لجنة البنوك المركزية المشتركة).

ت‌- مكافحة التهريب عبر الحدود.

ث‌- مكافحة المعاملات المالية غير الشرعية: وغسيل الأموال، وتمويل الإرهاب، وتجارة المخدرات والجرائم عابرة الحدود.

ج‌- آليات فض المنازعات المتصلة بالتجارة.

ح‌- استخدام الموانئ وتسهيل عبور السلع غير النفطية؛ و

خ‌- تسهيل الوارد والصادر بين الدولتين.

إن هذه اتفاقية تؤسس لهياكل ومؤسسات يمكن فعلا أن تطور العلاقات التجارية خاصة إذا ما قراـ مع اتفاقية ” إطار للتعاون في مسائل البنك المركزي” والتي تنشئ أيضا أساسا للتعاون المصرفي الذي يسهل التبادل التجاري والتعاون في قضايا النقد والتحويل والتمويل المشتركة.

إن الاتفاقيات الاقتصادية الأخرى التي وقعت في نفس الوقت تعالج قضايا مهمة مثل الديون ومعاشات وحقوق مواطني كل دولة وغيرها من القضايا الاقتصادية العالقة. إن الأزمة الحقيقية تكمن في عدم توفر الإرادة السياسية ووجود قوى في البلدين تقف أمام تنفيذ الاتفاقيات الموقعة وتطبيع العلاقات بين البلدين.

الخلاصة 

إن الطريق أمام السودان واضح تماما وهو خلق مناخ سياسي جديد يمكن فعلا فيه تطبيع العلاقات وتنفيذ الاتفاقيات، وذلك يتم عن طريق خلق حركة جماهيرية واسعة تفرض تنفيذ الاتفاقيات أو تستبدل النظام في السودان بنظام جديد. وهذه قضية تتعدى مجال هذه الورقة.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.