المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

الخزان الجوفي النوبي ….. رؤية تحليلية ؟

0

ربما كان خزان الحجر الرملي النوبي أكبر خزان جوفي في العالم، حيث تقدر مساحته بحوالي 2.2 مليون كيلو متر مربع، تبدأ من سواحل مصر علي البحر الأحمر وتمتد لتغطي مساحات شاسعة في الصحراء الغربية في كل من شرق ليبيا وشمال شرق تشاد وشمال غرب السودان، وباستقراء توزيع تلك المياه نجد أن.
مصر: تستحوذ علي النصيب الاكبر من الحوض حيث تقدر وزارة الموارد المائية والري اجمالي مساحة الحوض بها، بنحو 850 الف كيلو متر مربع، موزعة بمعدل 50 الف كيلومتر في سيناء ونحو 130 الف كيلو في الصحراء الشرقية، اضافة الي 670 الف كيلو في الصحراء الغربية، تغطي الواحات البحرية – الفرافرة- دهلا – الخارجة – واحات سيوة -وشرق العوينات بمنطقة أسوان .
وتستهدف الحكومة المصرية الإستفادة من حوض الحجر الرملى النوبى فى تنمية وإستقرار المواطنين فى الصحراء الغربية , نظرا لبعد المنطقة عن وادي النيل وخلوها من السكان حيث تستحوذ محافظة الوادي الجديد علي 44% من مساحة مصر ولا يقطنها سوي 250 الف نسمة بمعدل فرد لكل كيلو متر مربع.
ومعني ذلك أنها قادرة علي استيعاب عدد كبير من السكان بصورة تساهم بفعالية في تخفيف العبء عن المناطق المكتظة بالسكان، التي وصلت الكثافة السكانية بها لاكثر من 2500 فرد للكيلو متر المربع، وتم بالفعل استصلاح وزراعة 220 الف فدان في منطقة شرق العوينات ، وتستهدف التوسع في زراعة 500 الف فدان اخري في الواحات علي أمل الوصول بمعدلات المياه المستخرجه من الآبار الي 3500 مليون متر مكعب سنويا، فيما يقدر معدل السحب الأمن من المخزون الجوفي لنحو 4.9 مليار متر مكعب.

ثانيا:السودان وتشارك في الحوض بمساحة 750 الف كيلومتر مربع ، تقع في ولايات شمال دارفور , وشمال كردفان , والولاية الشمالية على الحدود السودانية مع مصر، وتعد أشد مناطق السودان تعرضاً للجفاف وتحاول الحكومة زراعة أحزمة شجرية بها منذ عام 1985م، لتعميرها ووقف الزحف الصحراوى عليها .
وبالرغم من عدم دراسة الخزان الجوفى دراسة علمية تفصيلية لتحديد المخزون المائى ، وطريقة وكمية التغذية السنوية له في نطاق السودان ، إلا أن هناك دراسات متناثرة تشير إلى وجود مخزون كبير من المياه يمكن الإستفادة منه في قيام تنمية حقيقية مستدامة، في تلك المناطق خاصة وأن نوعية المياه المتوفرة صالحة للإستخدامات المختلفة، ويعتقد أن معظم التغذية السنوية له تأتى من رشح مياه النيل فى السودان ومن ترسيبات مياه الأمطار.
ثالثا: ليبيا وتشارك في الحوض بحوالي 400 الف كيلو متر مربع تقع جنوب شرق ليبيا فى منطقة “مرزوق – الكفرة – حوض سارير”حيث أثبتت الدراسات الأولية خلال الثلاثين عاما الماضية امكانية تحويل كميات من المياه المتوفره هناك والتى تبلغ حوالى مليونى متر مكعباً من الحوض الجوفى الواقع جنوب ليبيا يوميا إلى الشمال.  
من هنا ظهرت فكرة انشاء النهر الصناعي العظيم الذي بدأ العمل به عام1983 بهدف الإستفادة من مياهه الجوفية على خمسة مراحل إنتهت عام2000 وذلك للأغراض الزراعية والسكانية وتنمية منطقة الصحراء, حيث وصلت المساحات المروية فى ليبيا عام1990 بنحو 470 الف هكتار , تعادل 1.1 مليون فدان.
وبحسب المهندس عبد الله طاهر السني وزير الري في حكومة الوفاق الليبية فان اجمالي الاحتياجات المائية في ليبيا يتراوح بين 7و8 مليارات متر مكعب من المياه ، فيما تقدر اجمالي الموارد المتاحة بنحو 5مليارات متر فقط، تاتي من الآبار والأمطار ومعالجة مياه الصرف الزراعي والصحي وتحلية مياه البحر ، ومعني ذلك أن نسبة العجز بين الموارد والاحتياجات تتراوح بين 2و3 مليارات متر مكعب من المياه .
ويري وزير الري الليبي أن مشكلة التنمية في ليبيا هي تركز 80% من السكان شمالا علي شواطئ البحر المتوسط حيث المدن الحضارية وفرص العمل ، فيما تنعدم عوامل جذب السكان للجنوب مما يجعل التنمية هناك أمرا صعب لعدم رغبة المواطنين في الانتقال من الشمال الي الجنوب، الا أنه يري أن الواقع يتطلب الإهتمام بإنشاء مشروعات تنموية جنوبا تساعد علي جذب السكان اليها في ظل أزمة المياه التي تعانيها ليبيا وتمثل أكبر تحدي لها مما يكسب الدراسات العلمية في هذه المنطقة أهمية خاصة.
رابعا تشاد :ويغطي الحوض فيها حوالي 200 الف كيلو متر مربع شمال شرق تشاد، وهي مناطق شديدة الجفاف، انخفضت بها مستويات المياه الجوفية بشكل كبير بسبب زيادة التبخر عن معدل سقوط الامطار مما حولها الي مناطق قاحلة ، بصورة جعلت من الصعب على السكان الحصول علي الماء مما دفع الكثير منهم الي الهجرة لمناطق ذات موارد طبيعية أكثر استقرارا .
والحقيقة أن حجم المخزون الجوفي بشكل عام غير واضح لعدم وجود دراسات تفصيلية، غير ان الدولة تتبني إستراتيجية وطنية لتعظيم الاستفادة من موارد المياه بالمنطقة و تحاول إدخال تقنيات فنية حديثة تساعد في استخراج المياه الجوفية من طبقات المياه الجوفية غير السطحية.
وتخشي تشاد من توغل الكثبان الرملية المتحركة علي المنطقة وتعرضها للتلوث البيئ و من تزايد تدفقات الهجرة السكانية بسرعة تفوق قدرات المنطقة الاقتصادية، لذلك حددت المواقع التي تصلح لحفر الآبار فيها وتسعي لاقناع الجهات المانحة لتمويل تنفيذ مشروعاتها.

الهيئة الفنية المشتركة لإدارة الحوض
كان طبيعيا ان تسعي الدول المشتركة في الحوض الي انشاء هيئة مشتركة لادارة موارده المائية ، وبالفعل بدأ التفكير في انشاء هيئة مشتركة عام 1989 بين مصر وليبيا لادارة الحوض ، ثم انضمت السودان عام 1995 ، تلتها تشاد عام 1999 علي أن تتحمل الدول الاعضاء تمويل الهيئة بمعدل 35% مصر و35% ليبيا و20% السودان و10% تشاد.
واتخذت الهيئة من العاصمة الليبية طرابلس مقرا رئيسيا لها مع انشاء فرع بكل دولة من الدول الأخري، بهدف تنمية الحوض الذي لم يحظي بالدراسات العلمية الكافية لتحديد حجم المخزون المائي به ومعدلات السحب الآمن منه، خاصة وانه خزان جوفي غير متجدد او بطئ التجديد، ولابد من الحفاظ عليه للأجيال القادمة.
ويبقي التحدي الأساسي للدول الأربعة لتنمية الحوض الذي يمتلك اكثر من 200 مليار متر مكعب من المياه ، هو خلو مناطق الحوض الرئيسية في الدول الأربعة من السكان ، وصعوبة تكرار تجربة ليبيا بانشاء نهر صناعي جديد لنقل المياه من الخزان الي مناطق تجمعات السكان.
أضف الي ذلك انعدام الطرق اللازمة لربط جنوب غرب مصر بوادي النيل وشمال غرب السودان بالخرطوم وشمال شرق تشاد بالعاصمة انجامينا وجنوب شرق ليبيا بالبحر المتوسط، وعدم اقتصاديات المشروعات الزراعية المقامة في هذه المناطق لارتفاع تكلفة البنية الأساسية للمشروعات، والمهم أنها مناطق تعاني من زحف الرمال المتحركة حيث يحدها البحر الرمال الأعظم الواقع بين مصر وليبيا علي مساحة 300 الف كيلو متر مربع.
ولذلك تسعي الهيئة الي وضع برامج لإستغلال المياه بصورة مشتركة ومتكاملة علي المستويين المحلي والإقليمي تقوم على أسس علمية تراعي مصالح كل دولة، كما تهتم بتأهيل الكوادر اللازمة لادارة هذه المشروعات ودراسة كيفية مقاومة التصحر والجفاف وكيفية استبدال الطاقة التقليدية بالطاقة الجديدة والمتجددة بما يتناسب مع وعورة المنطقة وبعدها عن المناطق الآهلة بالسكان في الدول الأربعة.
غير ان المشكلة الحقيقية تكمن في أعتماد الهيئة في تمويل مشرعاتها البحثية علي الجهات ، المانحة مثل اليونسكو، وغيره، وكان الأفضل ان تتولي كل دولة تمويل مصاريف خبرائه، ولا يوجد تنسيق بين الدول في كيفية ادارة المشروعات المقامة علي هذه المياه المشتركة بما يحقق مصلحة البلاد الأربعة وانما تدير كل دولة مشروعاتها حسب رؤيتها دون النظر لرأي الآخرين، كما إن الخبراء لا يتبادلون المعلومات فيما بينهم بشفافية، ولابد أن تفصل الحكومات بين الخلافات السياسية والتعاون في مجال التنمية لتحقيق المصالح العليا للشعوب لأن المياه أساس حياة الانسان، فما بالنا اذا كانت غير متجددة.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.