السياسة الإسرائيلية في أفريقيا وتأثيرها على الأمن القومي العربي (1990 – 2000)
ارتبطت إسرائيل بعلاقات مع دول القارة الأفريقية منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث تتعدد محاور العلاقات الإسرائيلية الأفريقية في كثير من المجالات، كالعلاقات السياسية، الاقتصادية، الثقافية، وكذلك الدينية، وترجع نمو العلاقات الإسرائيلية الأفريقية منذ بدايات الخمسينيات وشهدت فترات من التصاعد والهبوط، وقد سعت إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية في القارة الأفريقية، والمتمثلة في الأمن، الشرعية، والهيمنة، ففي الفترة اللاحقة على قيام الكيان الصهيوني حتى منتصف الستينيات كان التركيز على هدف الأمن، وفي الفترة الممتدة من منتصف الستينيات إلى مطلع السبعينيات فقد ركزت إسرائيل على عامل الشرعية، ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، استطاعت إسرائيل تدريجياً أن تتغلغل في القارة الأفريقية وتسعى إلى الهيمنة وتوطيد علاقاتها مع دول القارة وتوسيع دائرة نفوذها وعلاقاتها مع الأفارقة.
وتنعكس هذه السياسة الإسرائيلية في أفريقيا على الأمن القومي العربي، بما يمثل ذلك من تهديد للدول العربية خاصة الدول العربية الأفريقية، كما يهدد مصالح الدول العربية في القارة، كما هو الحال بالنسبة لمصر، التي تعتمد على نهر النيل في كافة المجالات المختلفة، والذي يأتي أكثر من 85% من موارده من دولة إثيوبيا التي تدخل في علاقات طيبة وشراكات مع إسرائيل، وبالتالي فإن الأمن القومي العربي مهدد في ظل استمرار السياسة الإسرائيلية في القارة الأفريقية وتمددها وترسيخها.
وفي هذا السياق، تناول الباحث هذه الدراسة لمعرفة طبيعة السياسة الإسرائيلية في القارة الأفريقية، وتأثيرها على الأمن القومي العربي.
وتأتي أهمية الإطار الزماني للدراسة التي تمتد من عام 1990 حتى عام 2000، حيث بدأت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانهيار حلف وارسو، وما كان له من تأثير سلبي على دول العالم الثالث، ولا يغفل الدور الإسرائيلي المتنامي والمتزايد في القارة الأفريقية، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة، وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على النظام الدولي، ما جعلها تتدخل في الشئون الداخلية لدول عديدة ضعيفة، خاصة في أفريقيا مثل الصومال.
وخلال فترة الدراسة نجد محاولات عديدة لدول كبرى مثل الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي للصعود إلى المشهد الدولي والسعي لعودة القطبية التعددية، وعدم السماح للولايات المتحدة بالانفراد بصنع القرار العالمي واتخاذه دون الاهتمام بالتحالفات والتكتلات الأخرى.
المنهج المستخدموقد اعتمد الباحث في دراسته على المنهج التاريخي، والمنهج المقارن، علاوة على منهج دراسة الحالة. كما اعتمد في مصادره على الكتابات العلمية والوثائق العلمية المتاحة في المكتبات الخاصة بالمؤسسات العلمية والمكتبات العامة.
وقد قسم الباحث دراسته إلى ستة فصول. ففي الفصل الأول وهو تمهيدي، تناول الباحث المفاهيم الأساسية في الدراسة وتحليلها، مثل الأمن القومي، الأمن الإقليمي، الأمن الجماعي، الأمن العسكري، الأمن الاقتصادي، الأمن القومي العربي، الأمن الأفريقي، نظرية الأمن الإسرائيلي، المصلحة القومية الاستراتيجية القومية، والهدف القومي.
وفي الفصل الثاني، تطرق الباحث إلى السياسة الإسرائيلية في أفريقيا وأهدافها، من خلال تناول أهداف السياسة الإسرائيلية في أفريقيا في المبحث الأول، وفي المبحث الثاني، تناول أدوات وأساليب السياسة الإسرائيلية في أفريقيا.
وفيالفصل الثالث، تناول الباحث مظاهر النشاط الإسرائيلي في أفريقيا، حيث تناول في المبحث الأول التعاون العسكري والأمني، وتطرق المبحث الثاني إلى التعاون الاقتصادي والفني، وعرض المبحث الثالث، الوجود الإسرائيلي في دول حوض النيل والمناطق الأخرى في القارة الأفريقية.
وفيالفصل الرابع، تناول الباحث تأثير السياسة الإسرائيلية في أفريقيا على الأمن القومي العربي، ففي المبحث الأول تعرض إلى أبعاد الوجود الإسرائيلي في أفريقيا في الأمن القومي العربي، وتناول المبحث الثاني أزمة المياه وتأثيرها على الأمن القومي العربي، وفي المبحث الثالث تعرض الباحث إلى أفريقيا من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي.
وفي الفصل الخامس، تناول الباحث استراتيجية المواجهة العربية للسياسة الإسرائيلية في أفريقيا، من خلال التعرض في المبحث الأول للتقارب العربي الأفريقي، وتناوله في المبحث الثاني لآليات التعاون العربي الأفريقي.
وفي الفصل السادس تطرق الباحث إلى السياسة الأفريقية تجاه مصر والأمن القومي المصري.
وعن مستقبل العلاقات الأفرو- إسرائيلية، رأى الباحث أنه قد تشهد العلاقات الأفرو-إسرائيلية نقطة انطلاق في المستقبل المنظور في ظل نجاح إسرائيل في التغلغل داخل القارة الأفريقية وعلاقاتها المتنامية مع الأنظمة والحكومات الأفريقية، ففي فترة 1990 شهدت تزايداً ملحوظاً في اعتراف الدول الأفريقية بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية معها، وفي الوقت نفسه شهدت العلاقات العربية الإٍسرائيلية تقارباً بين بعض الدول العربية مع إسرائيل، الأمر الذي أدى إلى تواجد مكثف لإسرائيل، كما أن بعض المحللين يرون أن هناك جانباً من العلاقات الأفرو-إسرائيلية يتم في الخفاء ولا يتم الإعلان عنه نظراً للتخوف من قبل الأفارقة من الإضرار بعلاقاتهم مع الدول العربية، ولا سيما أن الشمال الأفريقي دول عربية، كما أن الدول الخليجية تتمتع بسلاح النفط الذي من الممكن أن يكون سلاحاً وعاملاً للضغط على بعض الدول الأفريقية.
وختاماً، توصل الباحث إلى أن السياسة الإسرائيلية وتغلغلها داخل القارة الأفريقية يشكل خطورة كبيرة لزم الانتباه لها، وتتبع أهدافها وأساليبها ونشاطها، في ظل أن الأمن الإسرائيلي يأتي على حساب تهديد الأمن القومي العربي، خاصة وأنها تسعى بكل طريقة إلى امتلاك الأسلحة التي يصل مداها براً وبحراً وجواً لجميع الدول العربية، وتحاول أن تصل إلى المواقع الاستراتيجية التي تعد بمنزلة عمق استراتيجي للأمن القومي العربي، لا سيما قارة أفريقيا. فالتهديد الإسرائيلي يتسم بالديمومة والاستمرارية في ظل التواجد والتغلغل في القارة الأفريقية، مما يقوض أسس ومقومات أمننا العربي، وتتبع إسرائيل عدد من الوسائل التقليدية وغير التقليدية لكي تستقطب العديد من الأفارقة والحكومات الأفريقية إلى إقامة علاقات متنامية ومتطورة معها.
وشدد الباحث على ضرورة التقارب العربي الأفريقي في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، والحرص الدائم على متابعة النفوذ الإسرائيلي في القارة ومقاومته حفاظاً على الأمن القومي العربي.
وبالرغم من تطور العلاقات الأفرو-إسرائيلية، يجب ألا نعطي صورة قاتمة للعلاقات العربية الأفريقية، فالدول العربية تمتلك مقومات كثيرة من شأنها المضي قدما بالعلاقات العربية الأفريقية نحو مزيد من التعاون والتنسيق في كافة القضايا والمجالات ذات الاهتمام المشترك، خاصة وأن هناك عدد كبير من الأفارقة يدينون بالإسلام، ومن ثم رأى الباحث السعي لتحقيق تكامل عربي أفريقي وفق أدوات وأساليب حديثة مع استمرارية سلاح النفط، في كافة المجالات كالتبادل التجاري، والاستثمارات والتعاون الفني، والتعاون المائي، والأنشطة الثقافية وتبادل البعثات العلمية.
وجدير بالإشارة إلى ضرورة التعاون العربي والتنسيق مع التجمعات الإقليمية الأفريقية، لإضفاء مزيد من التقارب بين الدول العربية والأفريقية، للتصدي لتغلغل القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى تهديد الأمن القومي العربي.
ومن ثم خلص الباحث إلى أهمية البعد الأفريقي في توجهات السياسة الإسرائيلية، فقد تمكنت إسرائيل من توطيد أقدامها في القارة الأفريقية بغية التوصل إلى الالتفاف حول الأمة العربية، وتهديد الأمن القومي لها، من خلال تشكيل حزام يمتد من أثيوبيا وأريتريا مرورا بكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية، الأمر الذي يهدد منابع النيل كهدف استراتيجي مهم، لا سيما للدولة المصرية، ثم الالتفات إلى السودان من خلال جمهورية أفريقيا الوسطى مع تطويق المغرب العربي عبر تشاد والنيجر ومالي والسنغال، فضلاً عن التغلغل في الجنوب الأفريقي، لذا لزم تتبع ومواجهة هذه السياسة الاستراتيجية من خلال وضع معايير وأدوات وآليات قادرة على التواصل مع الدول الأفريقية وتكوين شراكات استراتيجية مع دول القارة، بما يحمي الأمن القومي العربي بشكل عام، والأمن القومي المصري بشكل خاص.
————–
رسالة دكتوراه غير منشورة