السينما الأفريقية في مواجهة ما بعد الكولونيالية “سينما عثمان سيمبين نموذجًا”
إعداد/ د. محمد عبد الكريم أحمد
باحث مصري بمعهد الدراسات المستقبلية- بيروت
مقدمة
تحديات السينما الأفريقية
تعد السينما الأفريقية “الثورية” تعبير عن هوية ثقافية، وبحثًا عن أسلوب فريد خاص بها يمكنها من تجاوز تأثيرات من خارج أفريقيا، وإلى جانب هذا التيار توجد سينما ترفيهية بحتة تميل لتوظيف الأشكال التقليدية في السينما العالمية خاصة الأمريكية والهندية وهي السينما التي تحظى بالقدر الأكبر من الدعم والإقبال الجماهيري. وتلعب السينما الأفريقية التي تنتجها نخبة السينمائيين دورًا اجتماعيًا واقتصاديًا ولها تأثير على المجتمع المحلي (في سياقات التعليم والثقافة والتنمية الاقتصادية) بفضل ما تملكه هذه السينما الأفريقية من أصالة فنية يمكنها المساهمة بقوة في السينما العالمية. ومن أهم مجالات اهتمام صناع الأفلام الأفارقة تناول الواقع عبر عيون أفريقية ووصفه على نحو أصيل، رغم الانتقادات التي توجه لأغلب صناع هذه السينما بمغازلة المتفرج الغربي. وبالرغم من مشكلات فقر التمويل وبنية هذه الصناعة في أغلب الدول الأفريقية في فترة ما بعد الاستعمار فقد تطورت موضوعات الأفلام ذات التوجهات القائمة على النقد الاجتماعي بشكل كبير ولاقت رواجًا في مهرجانات سينمائية عديدة في واجادوجو وديربان وكيب تاون وإدنبرة وكان وتورنتو وبرلين ومؤخرًا في الأقصر([1]).
وقد أدت التطورات الأخيرة إلى توفر فرص جديدة أمام السينما الأفريقية بعد أن عانى صناع السينما طيلة عقود من تقديم وجهات نظرهم الخاصة للمشاهدين فيما يتجاوز وجهات النظر الأوروبية والأمريكية القاصرة والتي تحجم أفريقيا في دائرة المأساة والفوضى، وتحركت السينما الأفريقية نحو النظر في التنوع في القارة والصراعات الاجتماعية والسياسية الجارية فيها. وهكذا أصبحت سينما عثمان سيمبين ورفاقه تعد بحق مكون أصيل في السينما العالمية الحالية رغم أنها لعبت دورا هامشيا في وسائل الإعلام الدولية باستنثاء بعض بعض الأفلام التي لاقت رواجا نقديًا وجماهيريا كبيرا خارج أفريقيا مثل يو-كارمن U-Carmen (الذي نال جائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين الدولي في العام2005 وهو من إخراج الجنوب أفريقي مارك دورنفورد-ماي) ، وتسوتسي Tsotsi (حائز على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2005) وSkin وغيرها([2]). ويمكن القول أن السمة الغالبة على الأفلام الأفريقية (خارج هذه الحلقة التي تسعى لمواجهة تحديات ما بعد الاستعمار ومؤسساته) هي النزعة الشعبوية أو سينما الهيب هوب hip-hop cinema التي وفدت تأثيراتها من نيويورك ومن أحياء الأفارقة السود بها وبرز من بينهم المخرج الأمريكي سبايك لي Spike Lee بمشروعه السينمائي كمخرج (منذ العام 1979) ومنتج ومؤلف حتى الوقت الراهن والذي حظي بتقدير نقدي كبير (خاصة من قبل القائمين على صناعة السينما الأوروبية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا ونال منهم أعلى الجوائز والترشيحات السينمائية في مهرجانات فينيسيا وبرلين وكان) إلى جانب ذيوع أفلامه وسط الأمريكيون الأفارقة وخاصة الطبقة العاملة منهم([3]). ويبدو ذلك التأثير أكثر وضوحاً في السينما الجنوب أفريقية (بعد انتشار موسيقى الهيب هوب أيضا فيها) ثم النيجيرية التي تعد ثاني أكبر دولة في العالم في إنتاج الأفلام السينمائية بعد الهند (تنتج الهند حوالي ثلاثة آلاف فيلم سنويًا بينما تنتج نيجيريا حوالي ألفي فيلم سنويا تليهما الولايات المتحدة([4]).
وقد شهدت صناعة السينما الأفريقية تطورًا ملموساً في العام 2016-2017 تميز من جهة الجندر في بروز صانعات الأفلام اللائي حظين بحضور دولي مشهود، فقد حصلت الغانية بريسكيلا أناني Priscilla Anany مخرجة فيلم Children of the Mountain (إنتاج 2016) على جائزة أفضل إخراج فيلم روائي جديد من مهرجان تريبكا للفيلم (الذي يعقد في نيويورك) ويتناول الفيلم موضوعا حساسا متعلقا بتربية الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة ووالمشكلات التي تواجه الآباء في غانا، وهو أول فيلم طويل ينتج بالكامل من إنتاج محلي في غانا ويحظي بتقدير دولي هام. ويشير هذا التطور إلى اهتمام متزايد في غانا وعدة دول أفريقية (مثل كينيا ونيجيريا وأوغندا) على قضايا المرأة في السينما وعلى دور المرأة في هذه الصناعة نفسها. كما يلاحظ مؤشر آخر وهو الميل للتعاون بين دول أفريقية في صناعة أفلام سينمائية بلغات محلية، وهو الأمر الذي يتم حاليا بين غانا ونيجيريا([5]).ورغم ذلك تلا تزال السينما الأفريقية تعاني من مواجهة تحديات التمويل وتغيير الفكرة النمطية عن المجتمعات الأفريقية والتناول الواقعي لقضايا المجتمع الأفريقي وإن اتسمت هذه المحاولات بالبطء ومحدودية الانتشار.
وفي تطور لافت صادق وزراء الشباب والثقافة والرياضة في الاتحاد الأفريقي المجتمعون في كينيا في منتصف سبتمبر 2017 قرار للعمل على دعم مسودة القانون الأساسي للمفوضية الأفريقية للصوتيات والمرئيات والسينما African Audiovisual and Cinema Commission (AACC) (التي كونت في يونيو 2016) خلال الدورة غير العادية للجنة الفنية المتخصصة للشباب والثقافة والرياضة. ومن المقرر أن تكون المفوضية (مقرها أديس أبابا) مسئولة عن تعزيز تطوير السينما الأفريقية وتشجيع تكوين أبنية مناسبة لدعم السينما على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية؛ وتقوية التعاون بين الدول الأفريقية في مجالات الصوتيات والمرئيات والسينما؛ وتعزيز استخدام هذه الوسائط لتكون عوامل لخلق فرص العمل والتكامل والتماسك واحترام القيم والفهم المتبادل لتعزيز السلام وتقديم صورة إيجابية عن أفريقيا ومنع الصراعات([6]).ويشكل هذا التطور تحول في صناعة السينما الأفريقية التي ظلت (باستثناء صناعات قديمة في مصر وجنوب أفريقيا وبدرجة نسبية في نيجيريا) أسيرة التمويل الأجنبي وشروطه والتي لم ينجح في الفكاك منها سوى عدد قليل من صناع السينما لعل أهمهم في أفريقيا جنوب الصحراء المخرج السنغالي عثمان سيمبين. وبالاستناد إلى أفكار ودوافع صناع الأفلام الأفارقة الكبار مثل عثمان سيمبين وزولا ماسيكو وجان-بيير بيكولو وتسيتسي دانجارمبجا وبالوفو باكوبا-كاينيدا وجيهان الطاهري، والإعلانات القارية المتوالية لدعم الثقافة الأفريقية مثل إعلان تشواني Tshwane Declaration (2006) وإعلان الاتحاد الأفريقي-داكار وخطة داكار لدعم الثقافات والصناعات الثقافية الأفريقية (2003) وغيرها فإن السينما الأفريقية لم تحقق ما تصبو إليه بعد([7]). ويجمع صناع السينما الأفارقة على ضرورة دمج السينما في أجندة الاتحاد الأفريقي 2063 لتحقيق الاستقلالية في إنتاج الأفلام السينمائية لتقديم رسالة أفريقية تكرس القيم الأفريقية دون وصاية أجنبية. كما يرون أن السينما أداة فعالة للتواصل كما أنها فضاء إبداعي لمناقشة موضوعات حساسة، على حد قول صانع الأفلام الكيني ألبرت نياكوندي Albert Nyakundi([8]).
وفي نهاية سبتمبر 2017 عقد مهرجان مونتريال الدولي دورته الثالثة عشر للسينما السوداء وضم فعالياته 66 فيلمًا ركزت أغلبها (وفق المنظمين) على إعلاء صوت الذين رفضوا الصمت في جهد لتذكير المشاهدين بأن التاريخ المنسي يوفر فرصة هائلة لتكرار نفسه. وافتتح الفيلم بفيلم الجنوب أفريقي وولتر دوبي M. Walter Dube “كالوشي” Kalushi([9]).
وهكذا فإن السينما الأفريقية لا تزال تملك زخمًا كبيرًا رغم التحديات الجسيمة التي تقف عقبة أمام تطورها سواء في التمويل أو في جهد التميز في إنتاج سينما أفريقية تلائم ثقافة المجتمع الأفريقي وتعكس حقائقه.
ونعرض فيما يلي لتجربة عثمان سيمبين، أحد أبرز رواد السينما الأفريقية، وأكثرهم شهرة بقدرته على تناول بعض القضايا بقدر كبير من الحرية، وهو ما سيشكل محكًا رئيسًا لتقييم صناعة السينما الأفريقية مستقبلًا وقدرتها على التعبير عن المجتمع الأفريقي.
عثمان سيمبين: مرحلة التكوين
بدأ عثمان سيمبين Sembene Ousmane (1923- 2007) مشروعه الفكري كمؤلف قصصي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ونشر مجموعة من القصص القصيرة التي لخصت تجاربه الحياتية بشكل واقعي ولافت. وكان من أبرز أعماله الأدبية “Les Bouts de Bois de Dieu” (والتي ترجمت للإنجليزية بعنوان God’s Bits of Wood) والتي صدرت في باريس في العام 1960 واستوحت نضال عمال الموانئ في بلده السنغال، وجسدت هذه الرواية معاناة الأفارقة خاصة العمال وتجربتهم خلال الإضراب الكبير في العام 1947 بالسنغال، وما تلا ذلك من استمرار المعاناة جراء “الاستعمار الجديد”)، كما جسدت معظم الموضوعات التي صورها فيما بعد عثمان سيمبين في أفلامه وإدانته للعنصرية المؤسسية في بلاده([10]). وعد كثير من النقاد هذه الرواية أفضل منجزات عثمان الأدبية لتضمينها حقيقة تاريخية راسخة لدى سيمبين (على المستويين الشخصي والقومي) وهي الاستغلال المطلق من قبل جهات الاحتكار الاقتصادي الأجنبي لجموع الفلاحين السنغاليين([11]). واتجه سيمبين للعمل السينمائي في الستينيات من أجل الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الجمهور. وكان دخول سيمبين هذا المجال متزامنا مع ما شهدته السنغال على الصعيدين الاجتماعي والسياسي من استقلال عن فرنسا ودخولها مأزق ما بعد الكولونيالية ربما بشكل أكبر من بقية الدول الأفريقية بحكم ارتباطها الطويل سياسيا وعسكريا وثقافيا واجتماعيا مع الاستعمار الفرنسي الذي كان يعتبر السنغال جزءا من فرنسا، البلد الأم.
واستندت أفلام سيمبين إلى توظيف الثقافة الشعبية السنغالية، ومن مختلف القبائل السنغالية وأهمها الولوف، في توصيل رسالته الفكرية ونقده السياسي للفساد واستمرار تبعية الحكم للاستعمار الفرنسي كما تجسد في فيلمه “خالا” Xala الذي تناول قضية تعدد الزوجات متضمناً مستويات متباينة من نقد نظام سنجور، وإسقاط مباشر على الرئيس السابق بشخصية البطل (الحاجي عبد القادر بيه) التي تشبه سنجور تماماً جسمانيًا وأداءًا.
السياق الاجتماعي والتاريخي لسينما عثمان سيمبين.
ولد سيمبين عثمان في السنغال في العام 1923، وطرد من المدرسة وهو في عمر 14 عامًا وعمل في مواقع البناء في داكار، ثم عمل وهو شاب في الجيش الفرنسي خلال الحرب العالمية الثانية وعامل ميناء في مرسيليا حيث واصل تعليمه في المدارس الليلية التابعة للنقابات. ظهرت أولى رواياته في العام 1956، بينما شكلت روايته Les Bouts de Bois de Dieu (1960، واتضح فيه موقف سيمبين الناقد لدور النخبة في التعاون مع المستعمر لكسر إرادة العمال في إضراب السنغال الشهير في العام 1947، وأصبحت مقررًا في شهادة الثانوية السنغالية في الثمانينيات) عمله الأدبي الأبرز. والتحق بالحزب الشيوعي في العام 1950، وحضر دورة في صنع الأفلام في موسكو في العام 1962، وأخرج أول أفلامه الطويلة the Money Order في العام 1969 بشريطي صوت باللغتين الفرنسية وبلغة الولوف (وشكل استخدام سيمبين للغة الولوف -رغم منطقيته- في حد ذاته نوعًا من مقاومة الإمبريالية الثقافية المتمثلة في فرض الفرنسية لغة رسمية بالسنغال بدلاً من لغة الولوف)، وساهم في صناعة السينما الأفريقية في عهد الاستقلال إلى جانب سليمان سيسيه وإدريسا أودراجو. ونالت أفلامه الكثيرة جوائز دولية وترجمت للغات عدة من بينها الإنجليزية والعربية والروسية والصينية([12]).
وكان سيمبين من أبرز معارضي الاستعمار الفرنسي ثم نظام حكم الرئيس ليوبولد سنجور وحزبه الاشتراكي. وهاجم مرارًا فكرة الزنوجة التي دعا لها سنجور وفكرته عن الاشتراكية الأفريقية انطلاقًا من وجهة نظر سيمبين القائمة على أفكار ” الشيوعية الدولية”، ودعاية سنجور للفرانكفونية التي اعتبرها سيمبين استمرارًا للسياسة الثقافية الاستعمارية الفرنسية المعروفة “بالاستيعاب” في فترة ما بعد الاستعمار، وهي السياسة التي دفعت بقوة نحو تفكيك البناء الاجتماعي في السنغال، وعكست أفلامه في مجملها تصور سيمبين للصلة الوثيقة بين التغريب والتبعية الاقتصادية في أفريقيا. ولمح فيلمه “خالا” (1975) بنقد مرير للعجز الاقتصادي والاغتراب الثقافي للبورجوازية الكمبرادورية المحلية، بينما نقب في التاريخ السنغالي في فيلمه سيدو Ceddo (1977) لتصوير الصراع بين القيم المحلي والأديان السماوية، وهو الفيلم الذي حظرت عرضه الحكومة السنغالية([13]).
وفي مقابلة مع سيمبين (1972) أكد على مسألة تجهيل دور المرأة في النضال ضد الاستعمار وضد نظام سنجور نفسه، وضرب مثالاً بواقعة حدثت في العام 1963 عندما خرجت امرأة من حي للأهالي يطلق عليه “المدينة” لإسقاط سنجور، وانضم الرجال لمسيرتها، وقبل وصولهم للقصر قتل أكثر من مائة وخمسون فردًا. وتعمد الرجل الأبيض التجهيل بهذه الواقعة والحفاظ على صورة أن المرأة الأفريقية لم تشارك أبدًا في نضالنا ضد الاستعمار ([14]).
وكان سيمبين يدرك أن الاستعمار الجديد قائم في مجال السينما الأفريقية أيضًا، وفسر ذلك بأن هذه السينما تخضع لسيطرة باريس ولندن ولشبونة وروما وحتى أمريكا. وأن السينما عملت منذ البداية “على تدمير الثقافة الأفريقية وأساطير أبطالنا”. وأنه رغم صنع أفلام كثيرة عن أفريقيا فإنها تدور حول قصص للغزاة الأوروبيين والأمريكيين وتخدم أفريقيا كديكور لها([15]).
قضايا الثقافة الشعبية في أفلام سيمبين: (نماذج إميتاي 1971، خالا 1975، وسيدو 1977).
لعب تضمين عناصر الفن الشعبي دورًا هامًا في التعبير الفني الأفريقي ويبدو واضحًا تمامًا. وكانت حركة الزنوجة في أفريقيا الناطقة بالفرنسية قد أنتجت العديد من القراءات الأدبية للروايات الشعبية مثل مجموعات حكايات بيراجو ديوب Birago Diop عن أحمدو-كومبا (راوي قصص ومنشد سنغالي من الولوف)، وسلسلة أساطير أفريقية Legendes africaines التي وضعها برنارد دادي Bernard Dadie. وكانت مادة الفن الشعبي محل إشارات واضحة في الأغاني والأعمال التمثيلية التي لم تقدم كمجموعات فن شعبي صرف. وكانت الشخصيات في القصص الأفريقي وحتى على شاشة التليفزيون تستمد في أحيان كثيرة من الحكايات الشعبية لتصوير مسألة ما أو للتأكيد على وجهة نظر ما([16]).
وإجمالاً فقد وظف سيمبين في فيلميه إميتاي وسيدو التاريخ (حيث تدور أحداثهما في عهد الاستعمار في المناطق الريفية بالسنغال) للتعامل مع قضية عزلة الأفارقة في البيئة الاستعمارية، بينما عالج في “فتاة سوداء” مسألة اغتراب الأفراد الموجودون بين ثقافتين في أفريقيا المعاصرة. أما في “خالا” فإنه يصور رجلًا يبدو ناجحًا في العالمين وفي النظامين (الأفريقي والغربي) ورغم ذلك فإن وضعه هذا يتركه هشًا للغاية أمام مشكلة ضعفه الجوهري([17]).
-
إميتاي (1971)
يتناول فيلم إميتاي Emitai مقاومة شعب الديولا Diola للحكم الفرنسي في السنغال خلال الحرب العالمية الثانية ويلقي الضوء على الدور الكبير الذي قامت به المرأة (وهو دور كان متجاهلًا إلى حد كبير) في المجتمعات الأفريقية. وتدور القصة حول مطالبة قوة الاحتلال الفرنسي بالأرز الذي يزرعه الولوف للمساهمة في المجهود الحربي رغم فقدان الجنرال بيتان Petain لسلطاته في فرنسا نفسها. ويرفض أهل الولوف هذا الطلب بسبب الأهمية الإثنولوجية الكبيرة للأرز بين السكان، حيث كان المحصول سواء قبل الاستعمار الفرنسي أم خلاله أو بعده محددًا رئيسًا للانتماءات المجتمعية communal والاجتماعية القائمة على اختلاف القرابة أو النسب([18]).
وتظهر قضية الجندر واضحة في هذا الفيلم لإبرازه دور المرأة من خلال وسيلة تعبير قوية لدى سيمبين وهي الصمت. إذ يعمد الفيلم إلى الحكاية البسيطة لمحاولات الأهالي إخفاء الأرز وخاصة دور النساء اللاتي تحركن في هدوء. فالنساء اللواتي صورهن الفيلم جالسات ببؤس وبلا حيلة هن اللواتي كن يناورن الجنود الفرنسيون ويخفون الأرز بمهارة كبيرة. وبينما يستسلم الرجال في نهاية الفيلم للجنود الفرنسيين فإن النساء هن اللاتي يقمن في النهاية بتحديهم ويبادرن بمواصلة طقس الدفن الذي كان قد أوقفه الجنود الفرنسيون. ورأى نقاد أن قوة النساء في فيلم إميتاي اشتق من لزومهن للصمت، وما اعتبرته بربارا كالاوي B. Callaway (1984) غموض اجتماعي استقطابي لهذا النوع من التحالف (بين النساء والرجال)، مع ملاحظة أن نساء الديولا كن يحققن قبل الحرب العالمية الثانية مكانة رفيعة داخل أبنية السياسة في المجتمع وأن الوحدات السياسية في إقليم كازمانس الأدنى Lower Casamance في السنغال الحالية كانت أقل تعقيدًا وأكثر جنوحًا للمساواة بين الرجل والمرأة فإن مكانة المرأة كانت أعلى مما أصبحت عليه بعد الاستقلال، وشاركت النساء بحرية في الأمور المجتمعية. ومن ثم فقد كان من الملائم أن اختار سيمبين مجتمع الديولا ليكون سياق حكايته([19]).
-
خالا (1975)
جنح سيمبين في عمله “خالا” إلى التغطية على المادة الفلكلورية من خلال تناوله الذي اتخذ شكل شكل اختزال التفاصيل مع الحفاظ على القيم الجوهرية. ومن هنا كان سيمبين في “خالا” قادرًا على استخدام عناصر الفلكلور بطريقة تمنح العمل مضامين سياسية تتجاوز الحفاظ على تقاليد محلية ما أو مجرد بعثها. ومن ثم فإنه يمكن النظر للعناصر الفولكلورية في “خالا” على أنها أدوات للتعبير عن مواقف سياسية لسيمبين. كما أن هذا الاستخدام له مبرر أفريقي قوي عكس ما اعتبره الأديب النيجيري الكبير شينوا أتشيبي Chinua Achebe ميلاً من قبل الأدب الغربي للنظر لأعماله وأعمال الفنانين الأفارقة على أنها بيانات أنثروبولوجية وليس فنًا أفريقيًا يستخدم الفلكلور في بنائه([20]). وحاول سيمبين في “خالا” متعمدًا زعزعة استقرار قضايا الجندر والتقليد والحداثة معًا. وعمل على ذلك بطريقته الراديكالية المعتادة في إعادة تصوير الجندر والتقليد في أفريقيا بصورة سريالية ورومانسية. ففي خالا أثار معضلتين متقابلتين: بين الفساد وإنحطاط النفوذ الأجنبي من جهة، ونقاء وأخلاقية التقاليد الأفريقية من الجهة الأخرى. واعتبرت الأولى فاسدة والثانية تحريرية. والمقابلة الثانية بين نساء “ذكورية” ثورية وقوية مقابل رجال “نسويين” ضعفاء وأندال([21]).
وتقوم بنية فيلم خالا على حكاية الحاجي عبد القادر بيه الذي يملك ثروة ومكانة كبيرة في المجتمع عقب خروج الاستعمار الفرنسي، والذي حل عضوًا في غرفة التجارة بداكار محل الأعضاء الفرنسيين الذين غادروها. وفي نفس اليوم خطط الحاجي لزواجه للمرة الثالثة. وهكذا تتضح الرمزية السياسية تمامًا فبورجوازية الاستعمار الجديد ممثلة في شكل طبقة عاجزة وشيكة السقوط بسبب فقر وقمع مجتمعهم([22]).
ويواصل الفيلم السرد عقب شعور الحاجي بالدونية عندما تصيبه لعنة “خالا” Xala (يكون عاجزًا جنسيًا). وفي البداية يعتقد أن زوجته الأولى أو الثانية قد سببت له هذا العجز بتعويذة ما، ولا يدرك حقيقة أن الشحاذين الذين يصادفهم كل يوم (والذين أثري على حسابهم) هم السبب في هذه اللعنة، وعندما يظهر له أحدهم ويظهر له الحقيقة في منزل زوجته الأولى وأنه الوحيد الذي بيده تخليصه من هذه اللعنة يرفض الحاجي الإقرار بذلك ويعتبر الشحاذين مجموعة من اللصوص، ويرفض حقيقة أنه أصبح يعتمد على رحمة هؤلاء الفقراء حتى يستعيد ذكورته([23]). وبعد إفلاسه واستدانته في سعيه للعلاج يعود “للمرابط” الذي قام بعمل التعويذة ضده ويخبره الأخير أن عليه أن يخضع لطقس مألوف في السنغال وهو التعرض للإهانة من قبل من هم دونه وهم على وجه التحديد الشحاذون والمشردون في الشوارع وأن يسمح لهم بالبصق عليه وإهانته. ويصور الجزء الأخير من الفيلم هذا الطقس([24]).
ورأى نقاد أن الشحاذين في فيلم خالا هم المقابل للبورجوازية التي يمثلها الحاجي، ويقدم فقرهم نقيض سردي للنمط الاستهلاكي لدى الأثرياء الجدد في السنغال (والذي قدم سيمبين صورًا معبرة عنه مثل ارتداء رجال الأعمال بدل أوروبية دون النظر للمناخ الاستوائي بالغ الحرارة). وكما يمثل الشحاذون النقيض المتطرف للبورجوازية في استغلال الجماهير وسرقتهم. وتمثلت سلطتهم في زعيمهم الأعمى جورجوي Gorgui الذي أصاب الحاجي بلعنة العجز الجنسي، وأنه الوحيد الذي يمكنه نزعها عنه([25]).
والمثال البارز على توظيف الثقافة التقليدية هو المشاهد الختامية من الفيلم والتي تستعرض الطقوس التي يجب قيام بطل الفيلم الحاجي للخلاص من اللعنة التي حلت به، وأهمها طقس يقوم فيه مجموعة من الرجال بالبصق عليه (Xala) وضمن سيمبين المشهد وجود صفوف من الزجاجات الفارغة التي كانت تحتوي مشروبات غازية ومياه معدنية استخدمها الحاجي لعزل نفسه عن كل ما يخص البيئة الريفية النائية حتى مياه الشرب في هذه الأراضي. مع ملاحظة أن رجال هينا Hyena-men والقوى الشريرة الأخرى في الأسطورة المتعلقة بالطقس قد عوقبت بحرمانها من مياه الأنهار والأمطار لمحاصيلهم؛ ويتم طقس الخالا وسط موجة جفاف مدمرة. وعد نقاد هذا التصوير رمزًا لفقدان الحاجي التام “للقوة” وعوض ذلك باعتماده على المياه المعبأة في الزجاجات القادمة من أوروبا، وعندما اضطر الحاجي في النهاية لمشاركة مياهه مع الأهالي الريفيون فإن هذه المياه عادت له في صورة بصقهم عليه. ويتسق هذا الطقس مع الطقوس الأفريقية المشابهة التي تعمد إلى إهانة علية القوم لتذكيرهم بواجباتهم([26]).
وإجمالاً فإن فيلم “خالا” يشير بوضوح لطبيعة اهتمامات سيمبين السياسية، فالولع بالمال والسلطة يطفو كمشكلة أساسية ويرتبط البديل الواضح بالقضاء على الظروف التي أنتجتها الرأسمالية، وهي الظروف التي تكون تناقضات شديدة بين الأغنياء والفقراء، والرجال والنساء، والسود والبيض، وبين السود والسود في سياق وضع الاستعمار الجديد في السنغال. إن معالجة سيمبين للصراعات الطبقية والعرقية والجنسية تؤكد على ضرورة تغيير وسائل الإنتاج وعلاقات الإنتاج الاجتماعية. وأوضح سيمبين ذلك في “خالا” بتصوير المجال “العام” وهو عالم الأعمال-الحكومي، والمجال الخاص وهو الزيجات، ومن خلال ذلك صور دراميًا الاعتماد المتبادل بين جميع قطاعات الاقتصاد البورجوازي. وأكد الفيلم أن الاشتراكية الأفريقية لا تعني بالنسبة لسيمبين مجرد تغيير سيد بسيد آخر، لكنها تستلزم تغيرات أصولية في مفاهيم القوة، والسلطة وتقسيم العمل([27]).
-
سيدو (1977)
ثمة ملاحظة مبدئية على فيلم سيدو Ceddo وهي أنه الفيلم الوحيد لسيمبين الذي واجه حظرًا لعرضه من قبل الدولة السنغالية([28])، وفي هذا الفيلم تظهر الأميرة ديور Dior بشكل موجز وفي مشاهد قليلة للغاية، لكن مع مضي أحداث الفيلم يشكل غيابها حضورًا في بناء القصة. وبالرغم من أن المشاهد لا يلتفت لها كثيرًا في البداية فإن سيمبين يستخدم الكثير من الرمزية الفيلمية filmatic symbolism للرمز لوجودها (في شكل رأس المنسأة) وبناء قوتها. وقد خرجت ديور من عائلة ملكية ولجأت نتيجة مؤامرات للاختباء في السيدو. ومن خلال إخراجه للفيلم يحول سيمبين الأميرة ديور إلى متمردة ونظرا للصلتها الملكية فإنه يقدم إشارة مبكرة لثورة وشيكة وسلطة جديدة في المجتمع. وبهذا المعنى تصبح ديور ذات معنى أكبر لدينا ونبدأ في الربط بينها والرأس المنحوتة فوق المنسأة samp التي تشير أيضًا للسلطة. غير أن سيمبين يخفف من وطأة هذا الانطباع بخروجها من الماء رمزًا لتحولها. ويهيء مهاجمتها لمن أسرها المشاهد لمهمة أكبر ستقوم بها لاحقاً([29]).
وحمل فيلم سيدو موقفًا واضحًا تجاه الإسلام، ولم يقتصر فيه على إدانة تصرفات فردية بل تجاوز النقد إلى رفض الإسلام نفسه، كما يرى بعض النقاد، باعتباره عقبة في حد ذاته أمام التكامل الحقيقي للفرد والمجتمع في السنغال. وتصور اللقطة الأخيرة في فيلم سيدو امرأة تطلق بندقية رش باتجاه خصيتي إمام، وفي هذا المشهد يرصد سيمبين – في رأي عدد كبير من النقاد- موقفه تجاه الإسلام([30]).
قضية الجندر في فيلم “فتاة سوداء” Black Girl (1966).
حقق فيلم فتاة سوداء La Noire de تقديرًا دوليًا في مهرجانات في باريس وتونس وداكار. وهو ثالث أفلام سيمبين. وكان الفيلم أول معالجة مباشرة لسيمبين للعلاقات بين السود والبيض. وقامت قصة الفيلم على حادثة قرأها سيمبين في الصحافة الفرنسية وتصور العزلة المأساوية والانتحار المفاجئ لفتاة أفريقية نقلت لفرنسا لتعمل كخادمة. وعد الفيلم تصويرًا للاستغلال العنصري لفتاة سنغالية، وفي نطاق أوسع فإنه صور مواقف الاستعمار الجديد للنخبة البيروقراطية الأفريقية الجديدة التي تتغاضى عن مثل هذه العلاقة مقابل المعونات المالية والمساعدات الفنية الأوروبية. وفي تصوير هذه المأساة الفردية لفتاة كانت تحلم بالعمل كمديرة منزل وتدهور بها الحال في فرنسا للعمل كخادمة لدى العائلة الفرنسية (أي فرد عالق في وضع استعماري جديد) سعى سيمبين من وراء ذلك إلى إثارة التفكير حول الوضع الأوسع وإثارة أسئلة عن مضمون الاستقلال الأفريقي في حقيقته([31]).
وتمتع فيلم “فتاة سوداء” بأهمية كبيرة كونه أول فيلم من أفريقيا جنوب الصحراء يعرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي. وقدم الفيلم تصويرًا للغريزة الاستعمارية في العمل، وركز على العنصرية الموروثة من الاستعمار من خلال قصة ديوانا Diouana وهي امرأة سنغالية جميلة لا تتحدث الفرنسية (تروي الفيلم بلغة الولوف) تحصل على وظيفة لدى أسرة بورجوازية بيضاء في داكار لرعاية أطفالها. وعندما تعود هذه الأسرة لفرنسا ترافقهم وتجد نفسها في وضع أقرب للرق بدون اجازات من العمل ودون تواصل مع العالم الخارجي (واتضحت سوء المعاملة في تفسير الزوجة لصمت ديوانا لإحدى صديقاتها بأنها تفهم بالغريزة كالحيوان)([32]).
وناقش الفيلم قضية الجندر في سياقين، الأول السياق المحلي حيث تخرج المرأة للعمل تمامًا كالرجل في مجتمع حضري، وفي سياق الاغتراب في فرنسا. واعتبرت هذه المقاربة للجندر علامة مميزة في تاريخ السينما الأفريقية على مستوى العالم وأحد الوثائق المبكرة الهامة المعادية للاستعمار في أفريقيا إذ ترفض البطلة الاسترقاق الثقافي داخل بلادها لتواجه استرقاقًا متعدد المستويات في بلد المستعمر([33]).
الهوية السنغالية وأزمة ما بعد الكولونيالية: رؤية لأعمال سيمبين.
مثلت أعمال عثمان سيمبين رؤية متعمقة لمشكلات عديدة في الهوية السنغالية، خاصة أن السنغال لم تكن مستعمرة عادية كبقية المستعمرات الفرنسية في أفريقيا، بل إنها عدت امتدادًا لفرنسا في أفريقيا، ومركز إدارة المستعمرات الفرنسية. وفي الوقت نفسه دانت السنغال بالإسلام وشهدت علاقات وطيدة مع شمال أفريقيا المسلم. وظلت التقاليد الأفريقية راسخة في المجتمع السنغالي إلى جوار الطرق الصوفية الإسلامية. وانحازت رؤية سيمبين للتقاليد الأفريقية في مواجهة الهيمنة الكولونيالية وسلطة الإسلام في البلاد معًا.
وأثر استمرار الاستعمار الفرنسي في السنغال بعد استقلالها رسميًا في صورة الرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنجور وعلو تيار التحذير من الاستعمار الجديد في غرب أفريقيا والخبرة الشخصية لسيمبين وانتمائه للحزب الشيوعي على تصور سيمبين (نتحدث هنا من خلال أفلامه) لأزمة ما بعد الكولونيالية في السنغال واعتباره أن بلاده تعيش تحت وطأة الاستعمار الجديد بحذافيره، وأن البورجوازية السنغالية الصاعدة هي واجهة هذا الاستعمار الجديد.
واتضحت رؤيته المباشرة لدونية وضع البورجوازية السنغالية في فيلمه “فتاة سوداء” (1966) والذي صور فيه طموح فتاة أفريقية للسفر مع العائلة الفرنسية التي كانت تخدم لديها كمديرة منزل في السنغال إلى فرنسا والرغبة في الرقي والقفز فوق واقعها المحلي الضيق، وبعد سفرها تتراجع مهامها الوظيفية إلى درجة خادمة فقط، فيما اعتبر كشفًا صريحًا لنظرة فرنسا للطبقة البورجوازية السنغالية كأداة لتمرير التبعية المطلقة.
ولاحظ نقاد كثر أن شخصية الحاجي في فيلم “خالا” تتطابق كثيرًا جسمانيًا وسلوكيًا مع شخصية الرئيس المعاصر لظهور الفيلم وهو سنجور بشكل كبير للغاية، وأن سيمبين قصد من وراء أعضاء غرفة التجارة الإشارة إلى سياسة ما بعد الاستعمار وإظهار معادل لمجلس الرئاسة والرئيس سنجور نفسه الذي علقت صورة له على أحد جدران غرفة التجارة في الفيلم([34]).
ورأى آخرون أن مساواة سيمبين في “خالا” لزوجات الحاجي الثلاثة بأفريقيا في مراحل تطورها الثلاثة أمر واضح تمامًا ولا يمكن الجدال حوله، إذ ترمز أولى زوجات الحاجي وهي أوا أدجا Awa Adja إلى المرحلة الإسلامية التقليدية للتاريخ السنغالي، أو على حد تعبير فرانسوا باف F. Pfaff أن “أوا تبدو مستوعبة تماماً للتقاليد الأفريقية وإن لم تعد بيئتها تقليدية بشكل سليم، وعبرت عن موقفها –ربما إزاء تقليد رئيس مسيحي فرانكفوني- في أهم عبارة لها في الفيلم “لو كان الصبر يقتل لكنت مت من زمن طويل”. أما الزوجة الثانية وهي أومي Oumi فهي ترمز لمرحلة كسر التقاليد والنزوع للنمط الاستهلاكي الغربي في مرحلة ما بعد الاستقلال، وتقوم علاقة أومي مع الحاجي على تبادل المنافع المادية مما اعتبره نقاد نقدًا للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية في عهد الاستعمار والاستعمار الجديد. بينما قدم الزوجة الثالثة N’Gone على أنها نتيجة لمجتمع الاستعمار الجديد: جذابة دون هوية، ودون صوت ودون لغة (دور قصير صامت) أو باختصار رمز لنتائج العجز الثقافي([35]).
خاتمة
في رده على سؤال حول الدين في السينما أكد أن الكنيسة الكاثوليكية (كنيسة المستعمر الفرنسي) تقوم بأفرقة نفسها من خلال عناصر مستعارة من مصادر من خارجها، وهو ما اعتبره مؤشرًا على دينامية ثقافية معينة، ومثلًا عندما يقوم البابا بزيارة الكهنة المشعوذين فإننا نتخيل عندما كان يتم قتل هؤلاء الكهنة لأن جميع الأديان الأفريقية كانت تعتبر وحشية. لكن هذه الأديان لم تمت. ولم تختف دياناتنا القديمة، لإنها حاضرة وتتخذ أشكالًا مختلفة. أما الإسلام فإن له مشاكله الخاصة به؛ لكن المرء لا يستطيع أن يتعامل مع جميع هذه المسائل في نفس الفيلم([36]).
ويبدو هذا الرأي الموجز لسيمبين مفسرًا لمواقفه في أفلامه من التقاليد الأفريقية والدين المهيمن بحكم الاستعمار تارة، أو بحكم الوفود –من وجهة نظره- من خارج البلاد.
كما كانت مسألة الإمبريالية الثقافية حاضرة بقوة في أفلام سيمبين، واعتبرها تشجع على التطلعات الخاطئة في شكل الرأسمالية الاستهلاكية، واستمرار التفاوت بين المهنة والطبقة، والانقسامات العميقة بين المدينة والريف، والأغنياء والفقراء والثقافتين الأجنبية والمحلية. علاوة على ذلك فقد اعتبر سيمبين أن فرض نظام سنجور للغة الفرنسية لغة رسمية للبلاد بدلا من لغة الولوف يمثل تحديًا لأصالة استقلال البلاد فعليًا([37]).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
[1] African Cinema, what it is, what challenges it encounters and possible ways forward, African Film Festival Inc. http://www.africanfilmny.org/2014/african-cinema-what-it-is-what-challenges-it-encounters-and-possible-ways-forward-2/
[2] African Cinema, what it is, what challenges it encounters and possible ways forward, Op. Cit.
[3] Bradley, Regina N. Introduction: Hip-Hop Cinema as a Lens of Contemporary Black Realities, Black Camera, Vol. 8, No. 2 (Spring 2017), p. 141.
[4]John-Paul Iwuoha
, The booming African movie market – How to exploit opportunities in our continent’s next goldmine, http://www.smallstarter.com/browse-ideas/african-movie-business/
[5]Zach Vaughn
, African Cinema: A Growing Global Industry, Framing the Global, March 8, 2017 http://framing.indiana.edu/2017/03/08/african-cinema-a-growing-global-industry/
[6] African Union Endorses Draft Statute Of AACC To Boost African Cinema Industry, PM News Nigeria, September 19, 2017 https://www.pmnewsnigeria.com/2017/09/19/african-union-endorses-draft-statute-aacc-boost-african-cinema-industry/
[7] African Cinema, what it is, what challenges it encounters and possible ways forward, African Film Festival Inc. http://www.africanfilmny.org/2014/african-cinema-what-it-is-what-challenges-it-encounters-and-possible-ways-forward-2/
[8] Caro Roland, Filmmakers discuss ‘The Africa We Want’ AU Agenda, http://www.nation.co.ke/news/Filmmakers-AU-Agenda-2063/1056-4093678-13y9gkq/index.html
[9] Terry Haig, Montreal International Black Film Festival set for its 13th edition, Radio Canada International, September 25, 2017 http://www.rcinet.ca/en/2017/09/25/montreal-international-black-film-festival-set-for-its-13th-edition/
[10] Aire, Victor O., Didactic Realism in Ousmane Sembene’s Les Bouts de Bois de Dieu, Canadian Journal of African Studies / Revue Canadienne des Études Africaines,Vol. 11, No. 2 (1977), pp. 283-4.
[11] Madubuike, Ihechukwu, The Politics of Assimilation and the Evolution of the Novel in Senegal, African Studies Review, Vol. 18, No. 2 (Sep., 1975), p. 96.
[12] Chréacháin, Fírinne Ní, ‘If I Were a Woman, I’d Never Marry an African’, African Affairs, Vol. 91, No. 363 (Apr., 1992), p. 241.
[13] Ibid, pp. 241-2
[14] Harold Weaver and Ousmane Sembène, Interview with Ousmane Sembène, A Journal of Opinion, Vol. 2, No. 4 (Winter, 1972), pp. 58-9.
[15] G. M. Perry, Patrick McGilligan and Ousmane Sembene, Ousmane Sembene: An Interview, Film Quarterly, Vol. 26, No. 3 (Spring, 1973), pp. 37-8.
[16] Lyons, Harriet D. The Uses of Ritual in Sembene’s Xala, Canadian Journal of African Studies / Revue Canadienne des Études Africaines,Vol. 18, No. 2 (1984), pp. 319-20.
[17] Gabriel, Teshome H. « Xala » : A Cinema of Wax and Gold, Présence Africaine, Nouvelle série, No. 116 (4e TRIMESTRE 1980), pp. 202-3.
[18] Iyam, David Uru, The Silent Revolutionaries: Ousmane Sembene’s Emitai, Xala, and Ceddo, African Studies Review, Vol. 29, No. 4 (Dec., 1986), p. 82.
[19] Iyam, David Uru, The Silent Revolutionaries: Ousmane Sembene’s Emitai, Xala, and Ceddo, Op. Cit. pp.82-3.
[20] Lyons, Harriet D. The Uses of Ritual in Sembene’s Xala, Op. Cit. p. 320.
[21] Mushengyezi, Aaron, Reimaging Gender and African Tradition? Ousmane Sembène’s Xala Revisited, Africa Today, Vol. 51, No. 1 (Autumn, 2004), p. 47.
[22] Murphy, David, Africans Filming Africa: Questioning Theories of an Authentic African Cinema, Journal of African Cultural Studies, Vol. 13, No. 2 (Dec., 2000), p. 242.
[23] Iyam, David Uru, The Silent Revolutionaries: Ousmane Sembene’s Emitai, Xala, and Ceddo, African Studies Review, Vol. 29, No. 4 (Dec., 1986), pp. 81-82.
[24] Marcia Landy and Sembene, Political Allegory and “Engaged Cinema”: Sembene’s “Xala”, Cinema Journal, Vol. 23, No. 3 (Spring, 1984), p. 32.
[25] Gugler, Josef and Diop, Oumar Cherif, Ousmane Sembène’s “Xala:” The Novel, the Film, and Their Audiences, Research in African Literatures, Vol. 29, No. 2 (Summer, 1998), pp. 148-9.
[26] Lyons, Harriet D. The Uses of Ritual in Sembene’s Xala, Op. Cit.pp. 326-7.
[27] Marcia Landy and Sembene, Political Allegory and “Engaged Cinema”: Sembene’s “Xala”, Cinema Journal, Vol. 23, No. 3 (Spring, 1984), p. 32.
[28] Chréacháin, Fírinne Ní, ‘If I Were a Woman, I’d Never Marry an African’, African Affairs, Vol. 91, No. 363 (Apr., 1992), p. 242.
[29] Iyam, David Uru, The Silent Revolutionaries: Ousmane Sembene’s Emitai, Xala, and Ceddo, African Studies Review, Vol. 29, No. 4 (Dec., 1986), p. 83.
[30] Cham, Mbye B. Islam in Senegalese Literature and Film, Africa: Journal of the International African Institute, Vol. 55, No. 4, Popular Islam (1985), p. 458.
[31] Mortimer, Robert A. Ousmane Sembene and the Cinema of Decolonization, African Arts, Vol. 5, No. 3 (Spring, 1972), p. 68.
[32] Atkinson, Michael, Ousmane Sembène: ‘We are no longer in the era of prophets’ Film Comment, Vol. 29, No. 4 (JULY-AUGUST 1993), p. 66.
[33] Ciecko, Anne, African “first films”: gendered authorship, identity, and discursive resistance (in: Kristin Lené Hole, Dijana Jelača, E. Ann Kaplan, Patrice Petro, editors, the Routledge Companion to Cinema and Gender), Routledge, 2017, p. 240.
[34] Eid, Haidar and Ghazal, Khaled, Footprints of Fanon in Gillo Pontecorvo’s “The Battle of Algiers” and Sembene Ousamne’s Xala, English in Africa, Vol. 35, No. 2 (Oct., 2008), p. 156.
[35] Ibid. pp. 156-7.
[36] Sada Niang, Samba Gadjigo and Ousmane Sembène, Interview with Ousmane Sembène, Research in African Literatures, Vol. 26, No. 3, African Cinema (Autumn, 1995), pp. 175-6.
[37] Eid, Haidar and Ghazal, Khaled, Footprints of Fanon in Gillo Pontecorvo’s “The Battle of Algiers” and Sembene Ousamne’s Xala, Op. Cit. pp. 159-160.