الشرق الجديد وتأثيره على الوضع الاقتصادي والسياسي والأمني للعراق
للحديث عن موضوع الشرق الجديد او مايسميه البعض الشام الجديد وتأثيره على الوضع الاقتصادي والسياسي والامني للعراق وذلك باللإجابة عن السؤال الذي طرح علينا هو( هل الانفتاح الى دول الجوار العربي هو بوابة لخروج العراق من تحت العباءة الايرانية والبحث عن دور اقليمي حقيقي للعراق)؟.
حقيقة الامر ان هذا المشروع ليس بجديد لان هناك مشروع سابق كان بين مصر والعراق وسوريا في نيسان عام 1963 لم يكتب له النجاح ،وكانت هناك محاولات لانشاء المملكة العربية الهاشمية على غرار المملكة العربية السعودية بين العراق والاردن في اربعينيات و خمسينيات القرن الماضي ولم يكتب له النجاح ايضا…وفي عام 1990 تم انشاء مجلس التعاون العربي بين الاردن ومصر والعراق واليمن التي كانت مهمشة من مجلس التعاون الخليجي ولم يفلح هذا المجلس بالاستمرار و النجاح .
ان الخروج من العباءة الايرانية لاياتي من خلال الارتباط بمحور اخر.
مايقال في الكواليس انه بعد زيارة السيد مصطفى الكاظمي الى امريكا في 21/8/2020 ولقائه بترامب في واشنطن، دفعت الادرارة الامريكية مصطفى الكاظمي الى استكمال مشوار العلاقات مع الاردن ومصر وفتح محور جديد بدل المحورين المتصارعين الان والذين مركزهما العراق.
يوجد هنالك محور ليس بجديد هو محور (سراقيا ) بين العراق وسوريا ولبنان والمدعوم من ايران ويسمى خط المقاومة او محور المقاومة .وهناك محور اخر هو المحور الخليجي بين العراق ودول الخليج المدعوم من امريكا.
تدفع امريكا العراق الان الى محور اكثر اعتدالا مع الاردن ومصر تحت عباءة امريكية. ان الايرانيون في العراق ليسوا حديثي عهد بالوضع العراقي لانهم انشأوا بنى تحتية من العلاقات الاقتصادية والسياسة والتجارية والامنية، واخرجهم يأتي عندما تكون هناك ظروف مؤاتية ،وعندما يتحسن وضع العراق اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. يعيش كل من الاردن ومصر والعراق وضع اقتصادي صعب، لذا فأن امكانية التعاون قائمة لكن لا اعتقد ان يكون هناك تعاون استراتيجي يستمر الى عام 2030 .مشكلة المشروع قائمة على اساس جملة من النقاط:
اولها: ان العراق لا كما يدعي البعض ان هذا المشروع المطروح يجعل للعراق قاعدة مصالح اقتصادية وعبور البحر المتوسط للوصول الى الاسواق العالمية لكون العراق ليس من البلدان المصنعة و المنتجة والمصدرة لغير النفط ، كما ويصدر الانتاج النفطي ايضا الى دول جنوب شرق اسيا والهند والصين وقليل منه الى اوروبا عبر ميناء جيهان التركي.
بدأ العراق الان في التفكير بانشاء مشروع مد انبوب نفط من حقول الرميلة الى ميناء العقبة بسعة مليون برميل وبطول ثلاثمائة كيلومتر يمتد في الاردن بمسافة 12 كيلومتر من مدينة الريشة الى مدينة القائم بالعراق وقد يستغرق انجاز مد هذا الانبوب من ثلاثة الى خمسة اعوام وتعطل العمل به بسبب جائحة كورونا.
العامل الثاني: ان الوضع الاقتصادي العراقي هو وضع صعب حيث اقمنا مجموعة اتفاقات مع الاردن منها اتفاق بأعفاءات جمرجية ل371 سلعة اردنية .
يعتقد الكثير من العاملين في القطاع الاقتصادي والجمرجي ان 80 سلعة فقط من بين 371 سلعة تصنع في الاردن اما البقية فهي اعادة تغليف لبضائع مصرية وسعودية وتركية وصينية ويؤشر الكثير من الاقتصادين على هذا الموضوع بانه تلاعب اقتصادي يضر بالاقتصاد العراقي. اضافة الى هذا توجد هناك اتفاقية اقتصادية وقعت في عام 2019 بين العراق والاردن تتضمن تصدير نفط كركوك الى الاردن مقابل خصم مقداره 16 دولار للبرميل عن المعدل الشهري لخام برنت وهذا اثّر كثيرا اثناء فترة جائحة كورونا عندما تدنت اسعار النفط الى ما دون ال16 دولار، واصبح العراق يستحصل من الاردن سنتات مقابل براميل النفط المصدرة لها . هناك ايضا طلب مصري بشراء نفط عراقي بخصم ثلاث دولارات مقابل الدخول في استثمارات الطاقة.
العامل الثالث: المشكلة في العراق تكمن بأن ارتباطه اقتصاديا مع الاردن ومصر لا يقدم الحلول للواقع الاقتصادي لان العراق يدفع فعليا اكثر من 56 مليار دولار رواتب لاكثر من اربعة مليون موظف عراقي، وبالتالي فإن امكانية ان يوسع قاعدة السوق الاقتصادية العراقية للاردن ومصر لايمكن ان يكون مخرجا لاحد مشاكله او حلاّ من الحلول المطروحة. علما ان حجم التبادلات التجارية بين العراق ومصر وبين العرق والاردن تكون لصالح مصر والاردن فتبادلنا التجاري وصل في 2019 الى نصف مليار دينار اردني كانت صادرات العراق مليون دينار اردني .
يعني لو كان العراق من العامل الرابع :وجهة النظر الاقتصادية تنصح بان يتجه العراق خليجيا الى دول الخليج لان الناتج المحلي لدول الخليج يتجاوز الترليون وستمائة مليار دولار سنويا، بينما الناتج المحلي لمصر والعراق والاردن لايزيد كثيرا عن خمسمئة وثمانين مليار دينار سنويا لمصر 303 مليار دولار وللعراق 234 مليار دولار وللاردن مايقرب من 43الى 44 مليار دولار.
اذن من حيث الحل الاقتصادي فان مشروع الشام الجديد او الشرق الجديد لايعطي حلولا اقتصادية متكاملة خاصة وان اي بضائع اردنية او مصرية تدخل للسوق العراقية لايمكن ان تنافس البضائع الصينية والايرانية التي تحتل المرتبة الاولى لان البضائع الصينية رخيصة جدا والبضائع الايرانية ارخص بسبب سعر صرف العمله الايرانية مقابل العملات الاجنبية والدولار على وجه التحديد ،كما ان قرب المنافذ الحدودية الايرانية للعراق للمنتجات الزراعية وغيرها تجعل امكانية منافسة مصر والاردن في السوق العراقية صعبة ، خاصة وان امكانية ان يقدم العراق الان حزمة جديدة من الاعفاءات الجمرجية للاردن ومصر تكون صعبة جدا لان احد الموارد التي سيوكل اليها في دعم الموازنة العراقية هي الكمارك والمدفوعات الكمركية الناتجة من المنافذ الحدودية ..
نعتقد انه قد يكون هناك امكانية في الدخول
باستثمارات الطاقة الخاصة بالربط الكهربائي مع الاردن حيث جرى اتفاق مع شركة جنرال اليكترك بتخصيص مبلغ 727 مليون دولار لربط كهرباء العراق مع الاردن والتمويل ليس عن اقتراض خارجي… هذا التمويل كان من المفروض ان يتحمل العراق 15% من المبلغ وبعد زيارة مصطفى الكاظمي طلب العراق ان يتحمل 6% فقط من المبلغ المطلوب منه.
يتم الربط على مرحلتين :
الاولى: يتم الربط الكهربائي مع الاردن بواقع 150 ميكا واط ، وينتهي بالربط مع مصر بواقع 960 ميكا واط
قد يكون هذا الربط الكهربائي جيد كما ان بيع النفط العراقي الى الاردن ومصر بخصومات معقولة قد تكون جزء مهم من العلاقات اﻻقتصادية المستدامة.
اما تبادل الموارد البشرية فهو صعب ﻻن العراق ومصر والاردن يعانون من البطالة التي تشكل نسبة كبيرة في كل بلد من بلدانهم.
نعتقد ان بناء قاعدة مصالح اقتصادية بين البلدان يمكن ان تكون بدون الاضرار بالمصالح الاقتصادية إلا ان الرؤى التي تطرحها الدول مثل السعودية 2035 ودول الخليج 2030 ايران 2030 الصين2030 كلها تدفع باتجاه ان يكون العراق مركز من مراكز الاستثمارات المهمة لهذه الدول، و ايضا هو الخيار الرئيس لطريق الحرير الصيني.
الصين الان امام ثلاث خيارات : الكويت وبدأت معها تفاوض ومعاهدات، وايران وبدأت معها تفاوض
ومعاهدات وبقي العراق وهم يعولون على العراق كونه سوق اقتصادية كبيرة. خاصة وان ايران لديها اكتفاء ذاتي ، وان حجم السوق الكويتية ل اتعادل عشر حجم السوق العراقية كما ان الارتباط بايران او الكويت في طريق الحرير يجب ان يكون عبر ربط سككي مع العراق وهذا الربط السككي مع العراق عليه اعتراضات كبيرة.
نحن بحاجة الى ان نكون مع الاردن ومصر خاصة من الجانب الامني كونهم يتعرضون الى نفس الهجمة الارهابية من قبل داعش والتطرف، وبالتالي فان توحيد قواعد البيانات في العلاقات الامنية والسياسة والاقتصادية قد تؤدي هذه البلدان الى وضع اقتصادي افضل. حتى وان تم الاتفاق على طريق الحرير الذي يواجه باعتراض امريكي كبير .الا انه ممكن ان يكون للاردن ومصر دور في الاستثمارات الصينية التي تكون بالعراق عبر استثمارات ثانوية. خاصة وان العراق قد استقبل اكثر من خمسة مليون عامل مصري في فترة الثمانينات من القرن الماضي وله تجربة في التعامل الاجتماعي المتكامل مع الاشقاء المصريين.