المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

المعونات العربية للدول الأفريقية

0

تحتل العلاقات العربية الأفريقية موقعاً متميزاً في العلاقات الدولية، وتربطها قواعد ثابتة مستندة إلى روابط التاريخ، الحضارة، القيم المشتركة، والنضال الطويل المشترك ضد الاستعمار والتخلف والتبعية والاستغلال الغربي، والتطلع لمستقبل أفضل، فجدير بالإشارة إلى أن القارة الأفريقية تمثل العمق الجغرافي والاستراتيجي والمجال الحيوي للوطن العربي.

وقد برزت العلاقات بين الطرفين في مرحلة النضال الأفريقي لنيل الاستقلال، على الرغم من التعرض العربي للضغوط الدولية، والتصادم بين العمل العربي والاتجاه الإسرائيلي الذي كان يسعى للتغلغل في أفريقيا لاكتساب النفوذ في القارة، حيث لعبت الدول العربية دوراً ملحوظاً في تأييد حركات التحرر الأفريقي ومقاومة التمييز العنصري فيها.

ويعد التعاون في حرب أكتوبر 1973 كان من أبرز الخطوات المادية في التعاون والتنسيق بين الدول العربية والأفريقية، ومن ثم التنسيق لعقد مؤتمر القمة العربي الأفريقي في مارس 1977 والذي استضافته العاصمة المصرية القاهرة، ليكون باكورة التعاون والتنسيق العربي الأفريقي.

وبالرغم من أن دخول الدول العربية في مجال التعاون مع الدول الأفريقية قد جاء متأخراً، إلا أنه يمكن القول بأن الظروف المادية كانت واحدة بالنسبة للطرفين، ولعبت دور كبير في ذلك التأخر، كما لعبت الحرب العالمية الثانية دوراً ملحوظاً في تغيير الكثير من القيم التي سادت العالم بعد تغيير موازين القوى الدولية من ناحية، وموازين العلاقات الاجتماعية بين دول العالم من ناحية أخرى، فما أن انتهت الحرب العالمية الثانية حتى ثار الجدل حول مشكلة التخلف الاقتصادي والاجتماعي التي تحكم الأوضاع في قطاع كبير من العالم، وظهرت الحاجة إلى العمل على حلها.

وقد كان للاستعمار الغربي سواء في الدول العربية أو الأفريقية دوره في فرض التخلف على المجتمعات العربية والأفريقية، والذي نتج من فقدان المجتمعات التابعة لجزء كبير من فائضها الاجتماعي من خلال تحويله إلى الدول الاستعمارية.

وفي هذا السياق، قدم الباحث دراسته حول المعونات العربية للدول الأفريقية، في محاولة للتعرف على مشاكل التنمية في القارة الأفريقية، ومدى مساهمة الدول العربية في المساهمة للتوصل إلى حلول للمشكلات المزمنة التي تعاني منها القارة الأفريقية، بتبيان طبيعة العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية، وأهمية تلك المعونات العربية لدول القارة الأفريقية التي تعاني اقتصاداتها منذ فترة الاستعمار الغربي، وما بعد الاستعمار.

وتكونت هذه الدراسة من ستة أبواب رئيسية وخاتمة. تناول الباب الأول مشاكل التنمية في أفريقيا، من خلال ثلاثة فصول، ففي الفصل الأول تناول الباحث المشاكل الاقتصادية للتنمية والعلاقات الخارجية، وتعرض الفصل الثاني للمشاكل الاقتصادية للتنمية والأوضاع المحلية، فيما عرض الفصل الثالث المشاكل الاجتماعية والسياسية.

وناقش الباب الثانياتجاهات المعونة العربية للدول الأفريقية منذ الاستقلال، من خلال خمسة فصول، ففي الفصل الأول تناول الباحث اتجاه المعونة الغربية، وتناول الفصل الثاني اتجاه معونة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما تعرض الفصل الثالث إلى اتجاه معونة الأجهزة الدولية، وفي الفصل الرابع تناول اتجاه المعونة الإسرائيلية، فيما ناقش الفصل الخامس اتجاه معونة الدول الاشتراكية.

وفي الباب الثالث،تناول الباحث بيان العلاقات الاقتصادية العربية الأفريقية وأهمية المعونات، من خلال تقسيمه إلى أربعة فصول، حيث تناول الفصل الأول التعاون في المجال التجاري، وتناول الفصل الثاني التعاون في المجال المالي، وتناول الفصل الثالث التعاون في المجالات الأخرى، فيما تعرض الفصل الرابع إلى أهمية المعونات.

وتناول الباب الرابع مصادر المعونات العربية، من خلال تقسيمه إلى ثلاثة فصول، ففي الفصل الأول تناول الباحث المصادر الثنائية للمعونات، وتناول الفصل الثاني المصادر الجماعية للمعونات، فيما تعرض الفصل الثالث إلى المصادر الدولية للمعونات التي يعد المال العربي مساهماً بجزء كبير من رأسمالها.

وبالنسبة للباب الخامس فقد تناول تحليل للمعونات العربية، وقد قسمه الباحث إلى ثلاثة فصول، حيث تناول الفصل الأول كمية المعونات العربية، فيما تناول الفصل الثاني نوعية هذه المعونات، وتعرض الفصل الثالث إلى التقسيم الجغرافي للمعونات العربية.

وعرض الباب السادس الآثار الاقتصادية للمعونات العربية، حيث تكون من ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول الآثار الاقتصادية للمعونات العربية على القطاعات الأفريقية، في حين تناول الفصل الثاني المعوقات التي تحد من فاعلية هذه المعونات، وتعرض الفصل الثالث إلى تساؤل مفاده كيف تكون المعونات العربية للقارة الأفريقية أكثر فاعلية.

وختاما، قدم الباحث تقييماً للمعونات العربية الأفريقية، مع الأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة بتلك المعونات وقصر المدة التي مرت بها تجربة التعاون العربي الأفريقي، وحداثة الأجهزة والتنظيمات المنشأة، إضافة إلى الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم العربي في تلك الفترة محل الدراسة.

رأى الباحث أن هناك اتجاه نحو التعاون الثنائي على التعاون الجماعي، كما أن هناك حرص من الجانب العربي على معالجة موضوع التعاون العربي الأفريقي بعيداً عن مبدأ المقايضة والمصلحية والصفقات، حيث يؤكد على إيمانه بأن جوهره هو الالتزام المشترك بقضايا التحرر من الاستعمار ومحاربته، كما أن أساسه يتمثل في العلاقات المتكافئة والمصالح المتبادلة.

كما لاحظ الباحث أن هناك نقص وإهمال للجانب الإعلامي في التعاون العربي الأفريقي، وأن هناك تركيز أكبر على الجانب المالي، وكأن التعاون العربي الأفريقي له جانب اقتصادي فقط. ويلعب غياب استراتيجية متفق عليها بين الدول العربية والأفريقية، دوراً في إضعاف أثر المعونات على الرغم من ضخامتها، فلو أن هذه المعونات قد قدمت في إطار واضح واستراتيجية معينة وواضحة لكانت ذات آثار واضحة في تدعيم وتقوية التعاون العربي الأفريقي.

فقد بلغت قيمة القروض والمنح والمساهمات والمساعدات الفنية للدول الأفريقية حوالي 4.50 مليار دولار في الفترة من 1973 حتى عام 1978، وتزايدت أهمية المساعدات العربية بشكل مطرد حيث أن 95% من المساعدات الإجمالية العربية كانت بشروط ميسرة في عام 1978. وجدير بالذكر أن قطاع الإنتاج قد استحوذ على نصف هذه المعونات مباشرة، فيما كان نصيب تمويل الواردات الأفريقية من المعونات العربية حوالي 29.9% من مجموعه، وقد كانت الأولوية المطلقة في المعونات العربية إلى الدول الأفريقية الأكثر فقراً وحاجة.

وجدير بالإشارة إلى أن المعونات العربية للدول الأفريقية كانت تخلو من أي ضغوط أو شروط سياسية أو اقتصادية، فضلاً عن التزايد المضطرد للمساعدات المالية العربية بشكل مستمر من خلال القنوات الثنائية والجماعية العربية والدولية.

وأشار الباحث إلى بعض الخصائص الاستثنائية الخاصة بالمعونات العربية للدول الأفريقية، والتي تشكل على أثرها نموذجاً مثالياً للتعاون والتكامل العربي الأفريقي، يمكن أن يكون أرضية مناسبة لنظام اقتصاد دولي جديد، وتمثلت أبرز تلك الخصائص في أن تلك المعونات مقدمة من دول نامية – الدول العربية – إلى دول نامية أخرى – الدول الأفريقية – كما أن الجهة المانحة نفسها في حاجة إلى هذه الموارد لتطوير اقتصادياتها وتوسيع قاعدتها الانتاجية الضيقة وهياكلها الأساسية المحدودة، إضافة إلى أن الموارد المالية العربية المقدمة كمعونات للأفارقة ليست ناجمة عن دخل متجدد وإنما هي استنزاف لثروات محدودة وناضبة، علاوة على أن المسئولية التاريخية والرئيسية عن تطوير اقتصاديات الدول الأفريقية تقع بالأساس على الدول المتقدمة التي استنزفت موارد القارة الأفريقية بحكم دورها الاستعماري والاستغلالي لموارد تلك الدول لفترات زمنية طويلة، الأمر الذي أدى إلى إعاقتها ومن ثم تبعيتها، ولعل نسبة ما قدمته الدول العربية للدول الأفريقية إذا ما تم قياسه بالناتج القومي الإجمالي يبلغ عشرة أضعاف ما قدمته الدول الصناعية المتقدمة.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.