الموقف الأفريقي من القضية الفلسطينية بعد حرب أكتوبر 1973
مقدمة
تمتعت القضية الفلسطينية، تحديداً إبان حرب أكتوبر 1973، بمكانة مهمة ومتميزة على الساحة الدولية، وذلك نتيجة للتحولات الإيجابية من جانب مواقف عدد كبير من دول العالم نحوها، وشهدت المواقف الأفريقية تجاه القضية الأفريقية تحولاً ملحوظاً، حيث بادرت معظم الدول الأفريقية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وإعلانها مساندتها للدول العربية والقضية الفلسطينية، على الرغم من أن معظم دول القارة تربطها بإسرائيل علاقات متميزة، وفي بعض الأحيان كانت تتخذ موقف الحياد تجاه قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، بل وصلت الدرجة إلى مساندة دول أفريقية لإسرائيل في المحافل والهيئات الدولية.
فالعلاقات العربية الأفريقية هي علاقات قديمة، ولها جذور تاريخية تضرب في أعماق التاريخ وتمتد إلى العصور القديمة، واستمرت هذه العلاقات حتى العصور الحديثة حيث لم تنقطع العلاقات بين الشعوب العربية والشعوب الأفريقية، بالرغم من وجود مراحل فترت فيها العلاقة خاصة في الفترات التي كانت القارة الأفريقية فيها تحت نير الاستعمار الغربي، وبالرغم من ذلك لم تستطع القوى الغربية أن تقضي على الروابط الحضارية والدينية التي تربط شعوب القارة الأفريقية بالوطن العربي، فوجود اللغة السواحلية في الشرق الأفريقي، ووجود الإسلام في الغرب ووسط القارة، يعد دليلاً واضحاً على عمق جذور العلاقات التي تربط الشعوب الأفريقية بالعالم العربي.
ومن ثم فقد جاءت أهمية تلك الدراسة لتحليل ودراسة الموقف الأفريقي تجاه القضية الفلسطينية، وأهم التطورات التي مر بها، خاصة في ظل أن تلك القضية قد بدأت تأخذ منحى ومنعطف جديد في مسيرتها على الساحة الدولية.
المنهج المستخدم
وقد اعتمد الباحث في دراسته على المنهج التاريخي، مستخدماً ثلاثة أساليب تمثلت في الأسلوب التحليلي، الأسلوب الإحصائي، والأسلوب المقارن.
وقد تناول الباحث دراسة تطورات الموقف الأفريقي منذ بداية مناقشة القضية الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947، وذلك في ضوء التطورات الإقليمية والدولية، والتطور التاريخي للعلاقات العربية الأفريقية. ومن ثم اعتمد على المصادر العلمية ذات الصلة بموضوع دراسته، وعلى الوثائق والقرارات والتقارير والنشرات التي أمكن الحصول عليها أو الاطلاع عليها، وبالرغم من ذلك فإن قلة المصادر كانت أبرز العقبات التي واجهته خلال دراسته.
وقام البحث بعرض دراسته من خلال فصل تمهيدي، إضافة إلى ثمانية فصول رئيسية. ففي الفصل التمهيدي تناول التطور التاريخي للعلاقات العربية الأفريقية منذ العصور القديمة حتى العصور الحديثة.
وفي الفصل الأول،عرض الباحث وجوه التعامل العربي الأفريقي حول القضية الفلسطينية في المؤتمرات الدولية والإقليمية وعلى المستوى الثنائي.
أما في الفصل الثاني، فتناول تطور علاقات إسرائيل بالقارة الأفريقية خلال تلك الفترة.
وفي الفصل الثالث، عرض الباحث تحليلاً لمواقف الدول الأفريقية في الأمم المتحدة.
وتناول الفصل الرابع، منظمة الوحدة الأفريقية قبل حرب أكتوبر.
أما في الفصل الخامس، تناول بالتحليل شرح آثار حرب أكتوبر على الموقف الأفريقي تجاه إسرائيل.
وتناول الفصل السادس، آثار حرب أكتوبر 1973 على العلاقات العربية الأفريقية والتطورات التي مر بها التضامن والتنسيق والتعاون العربي الأفريقي على مستوى العلاقات الجماعية والثنائية والمستوى الدولي.
وفي الفصل السابع، تناول الباحث دراسة وتحليل مواقف الدول الأفريقية في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي الفصل الأخير، تعرض بالتحليل لموقف منظمة الوحدة الأفريقية بعد حرب أكتوبر 1973.
وختاما،يتضح أن التعامل العربي الأفريقي حول القضية الفلسطينية قبل حرب أكتوبر 1973 قد تم في ظروف دولية متغيرة، من حيث التطورات في الحرب الباردة، فضلاً عن امتداد حركات التحرر الوطني في آسيا والقارة الأفريقية، علاوة على ظهور حركة عدم الانحياز، إضافة إلى بداية مرحلة الانفراج بين القوتين العظميين – الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي – مما كان له أثره على التطورات السياسية والاقتصادية التي مرت بالعالمين العربي والأفريقي وعلى مسيرة العلاقات بينهما. وجدير بالإشارة إلى أن ذلك التعامل بين العرب والأفارقة قد أدى إلى بلورة مواقف الدول الأفريقية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، ومن ثم تجاه جوهر هذا الصراع وهي القضية الفلسطينية.
واستنتج الباحث أن إسرائيل استطاعت تحقيق أهدافها السياسية في القارة الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بتحييد الدول الأفريقية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي لسنوات عديدة حتى حرب يونيو 1967 التي دفعت الدول الأفريقية للدخول تدريجياً لمناقشة هذا الصراع نظراً لما ترتب عليها من احتلال جزء من أراضِ دولة أفريقية كان لها دورها في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، الأمر الذي أدى في النهاية إلى تحول مواقف الدول الأفريقية لصالح الدول العربية.
وأضاف أن إسرائيل قد نجحت في إقامة علاقات اقتصادية مع الدول الأفريقية من خلال تقديم مساعدات فنية في مجالات عديدة ومتنوعة، كما أنها ربطت تنفيذ خططها الاقتصادية بالشركات الأوروبية والأمريكية العاملة في القارة الأفريقية، مما كان له تأثيره على مواقف الدول الأفريقية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، تحديداً القضية الفلسطينية.
وأشار الباحث إلى أن نجاح إسرائيل في القارة الأفريقية قد حققته بالاعتماد على الدول الاستعمارية التي مهدت للوجود الإسرائيلي قبل انسحابها من القارة. كما أن إسرائيل لم تستطع الاستمرار في إخفاء حقيقة علاقاتها مع نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا، بعد أن قدم النظام العنصري في الجنوب الأفريقي المساعدات لإسرائيل خلال حرب 1967، مما ساعد الدبلوماسية العربية على كشف حقيقة إسرائيل للدول الأفريقية، ودورها في دعم ومساندة الحركات الانفصالية في القارة كما تجلى في أحداث إقليم بيافرا.
وقد لاحظ الباحث أن بعض الدول الأفريقية تصوت بالموافقة على قرارات معينة تخص أزمة الشرق الأوسط، ثم تصوت بعد ذلك على قرارات أخرى مناقضة للقرارات الأولى، وهو ما تبين في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ناقشت خلالها العدوان الإسرائيلي عام 1967، حيث أيدت بعض الدول الأفريقية في البداية مشروع الدول غير المنحازة ثم تخلت بعد ذلك عن موقفها قبل التصويت وأيدت مشروع دول أمريكا الشمالية المنحاز لإسرائيل، كما أن بعض الدول أعلنت موقف الحياد أولا ثم أيدت مشروع دول أمريكا الشمالية، وقد فسر الكثير من المحللين التردد في مواقف الدول الأفريقية إلى تأثير الضغوط الاقتصادية والسياسية التي تمارسها الدول الغربية عليها.
وبالنسبة لمنظمة الوحدة الأفريقية تبين أن موقف المنظمة تجاه القضية الفلسطينية كان إيجابياً، وذلك نتيجة منطقية للتطورات التي طرأت على مواقف الدول الأفريقية تجاه مصر في حربها في البداية، ثم تعاطفها مع بقية الدول العربية، وقد كان هذا الموقف من منظمة الوحدة الأفريقية متسقاً مع تطورات القضية على الساحة الدولية.
ومن ثم، فإن حرب أكتوبر 1973 تعتبر هي السبب الأول في ظهور موقف أفريقي جماعي متعاطف ومتضامن مع الدول العربية والقضية الفلسطينية، الأمر الذي أدى إلى تطور العلاقات العربية الأفريقية، وقيام تضامن عربي أفريقي في كافة المستويات الثنائية والجماعية والدولية.
———————
ملخص رسالة ماجستير