الهند وتعزيز العلاقات مع أفريقيا
بقلم/ ذكر الرحمن
يسعى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية لبلاده مع دول القارة الأفريقية، بعد أن حققت الصين بعض النجاح في تحقيق هذا الهدف. ولقد رفعت الهند من سقف طموحاتها في إقامة تلك العلاقات على خلفية إعلان الصين عن مشروعها الطموح (حزام واحد، طريق واحد) لربط آسيا وأوروبا وأفريقيا بعضها ببعض.
وتتطلع الحكومة الصينية لتوظيف استثمارات بعشرات مليارات الدولارات في البنى التحتية في دول كثيرة، تتنوع بين تشييد الموانئ وشبكات السكك الحديدية تمهيداً لإعادة توثيق العلاقات التجارية عبر العالم. وخلال قمة انعقدت في بكين قبل أسبوعين، وضمّت 29 رئيس دولة ومسؤولين كباراً من الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، تعهد الرئيس الصيني «تشي جينبينج» برصد 124 مليار دولار لتنفيذ رؤيته لهذا المشروع الطموح. وأما الهند التي عبرت عن قلقها من الوجود الصيني المتزايد في الدول المجاورة لها، فلقد قاطعت الاجتماع لأن المشروع الصيني يشتمل على إنشاء «رواق اقتصادي صيني-باكستاني» يخترق مقاطعة كشمير المتنازع عليها بين باكستان والهند. وفيما يبدو من الواضح أن الهند لا تمتلك الصناديق المالية الكافية لإطلاق مشروع مماثل، إلا أنها تعمل بصمت على تعزيز علاقاتها مع الدول الأخرى بطرق مختلفة.
وخلال اجتماع مخصص لتدشين مجموعة «البنك الأفريقي للتنمية» ADB نظم هذا الأسبوع، وقع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي اتفاقية تأسيس «الرواق التنموي الآسيوي-الأفريقي» AAGC مع اليابان. وانعقد الاجتماع السنوي العمومي للبنك هذا العام في ولاية «جوجارات» الهندية التي ينحدر منها مودي، وبما يعبر عن مدى اهتمام الهند بتنفيذ هذا المشروع. وكانت فكرة إقامة هذا الرواق قد نوقشت للمرة الأولى بين مودي ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي العام الماضي. وبعد أن أعلن عن أنه وضع أفريقيا في قمة أولويات السياسة الخارجية والاقتصادية للهند، أشار مودي إلى أنه عازم على مناقشة موضوع «الرواق التنموي» بتفصيل أكبر مع الدول الأفريقية، حتى تشارك الهند واليابان بالعمل مع تلك الدول في مجالات مختلفة مثل تطوير المهارات في الحرف والصناعات المختلفة وتكنولوجيا المعلومات والصحة العمومية والاتصالات.
وكان هذا أول اجتماع من نوعه بين الهند ودول أفريقيا منذ القمة الهندية-الأفريقية التي نظمت عام 2015 التي شهدت مشاركة 50 دولة أفريقية. وما فتئت الهند تحاول منذ وقت طويل لعب دور موازٍ لذلك الذي تلعبه الصين في أفريقيا. وبالرغم من أن الهند لا يمكنها مضارعة الصين من حيث حجم تجارتها واستثماراتها في أفريقيا، فإنها تجد الفرصة السانحة لزيادة هذا الحجم بسبب نموها الاقتصادي الذي يبلغ 7 بالمئة مقابل بعض التباطؤ الذي يعاني منه الاقتصاد الصيني.
وفي عام 2015، بلغ حجم التجارة الهندية مع أفريقيا 72 مليار دولار أميركي، فيما بلغ حجم التجارة الصينية معها 300 مليار دولار. وتصدّر الهند لأفريقيا بالدرجة الأولى المواد الخام والمنتوجات الصناعية بما فيها السيارات.
ومن ثمّ، فإن استضافة الهند لاجتماع «بنك التنمية الأفريقي» يمثل مصلحة استراتيجية. وبما أن اقتصاد الهند هو الأسرع نمواً على المستوى العالمي، فإنها تحتاج لتطوير علاقاتها مع كل الدول الأفريقية من أجل دعم جهودها الدبلوماسية في المنتديات الدولية، مثل الأمم المتحدة التي تحاول أن تصبح فيها عضواً دائماً في مجلس الأمن. وفيما كانت الصين وباكستان في مقدمة الدول التي وقفت في وجه هذا الطموح الدبلوماسي الهندي، فإن الهند كانت تستدرج الدول الأفريقية لتأييد مواقفها. ويبدو من الواضح في المنتديات متعددة الأطراف أن الصوت الممثل لأي دولة مهم جداً، وهذا ما يدفع الهند إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية.
وصحيح أن الهند لم تسجّل أي نقطة دبلوماسية بمقاطعتها لاجتماع الصين، فلقد فهمت الدول الأفريقية من هذه المقاطعة أنها تندرج ضمن إطار مبادرة مهمة تتطلع من خلالها نيودلهي إلى توسيع القواعد التي يقوم عليها اقتصادها وتقوية موقفها السياسي على المستوى العالمي. وتتحرك الصين بطريقة محمومة لتنفيذ مشاريع تشييد البنى التحتية في أفريقيا. ولا يمكن للهند أن تنافس الصين في مثل هذه المشاريع التي تحتاج إلى جيوب عامرة بالأموال كالتي تحتكم إليها بكين. وطالما أن الهند تسعى إلى تطوير قدرة الدول النامية على تنفيذ برامج تطوير مصادرها البشرية، فإن من شأن مثل هذه المبادرات أن تلقى الترحيب في أوساط مواطني الدول الأفريقية وتسمح للهند بتوسيع مدى قوتها الناعمة.
وأحد أفضل المشاريع التي نفذتها الهند هو مشروع «سولار ماما» أو «ماما الشمسية» في ولاية «راجاستان» الهندية وفي دولة تنزانيا، ويهدف إلى تعليم النساء الريفيات المتعلمات والأميات على طرق تركيب واستخدام وصيانة «الفوانيس الشمسية» وأنظمة الإضاءة المنزلية بالطاقة الشمسية في القرى المنعزلة. ولا شك أن هذا النوع من المشاريع سوف ينعكس بشكل إيجابي على سمعة الهند في أفريقيا بأكثر مما ستفعل المشاريع ذات الأهداف التجارية الصرفة التي تنفذها الصين.
وبالرغم من أن الصين تنفذ مشاريع ضخمة لتشييد البنى التحتية في الدول النامية، فإنها تأتي بعمالها من الصين لتنفيذها وهم يحملون معهم موادهم الغذائية أيضاً. ولا توظف المشاريع الصينية العمالة الوطنية في البلدان التي تعمل فيها، لأن الصين لا تسعى من ورائها إلا إلى الحصول على المواد الخام التي تحتاجها من البلدان المضيفة.
مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي
نقلاً عن الاتحاد