بسبب بوكو حرام..سوء التغذية كارثة إنسانية يدفع ثمنها أطفال نيجيريا
لم تكتف جماعة ” بوكو حرام” النيجيرية بإزهاق الأرواح وتشريد الأسر في شمال شرق نيجيريا منذ أكثر من سبع سنوات، بل دفع ثمن تمردهم أطفال أبرياء لا حول لهم ولا قوة سوى أنهم من سكان تلك المنطقة ليصابوا بأمراض سوء التغذية بالإضافة إلى عدم وصول الغذاء والدواء لهم ليلقوا حتفهم في النهاية على مرأى ومسمع من الجميع دون رحمة.
مأساة أم فقدت 5 من أبنائها
وتروي والدة تدعى يوغانا قادمة من قرية “ديري” في منطقة “مافا” في ولاية “بورنو” مأساتها، إذ أنها أم لستة أطفال، خمسة منهم لقوا حتفهم جراء إصابتهم بأمراض مختلفة بينها الحصبة والدفتيريا وبقيت حليمة الناجية الوحيدة.
فتحمل يوغانا ابنتها المتبقية حليمة التي لا يتعدى عمرها العام الواحد لأخذ وزنها، وتظهر هذه الطفلة انتفاخا غير طبيعي في البطن مع ركبتين نحيلتين للغاية.
ولدى وصولها في 22 حزيران/يونيو الى منطقة “مايدوغوري” في شمال شرق نيجيريا لتلقي العلاج جراء إصابتها بسوء تغذية حاد، لم يكن وزنها يتخطى 4.5 كيلوغرامات. وازداد وزن الطفلة 700 غرام بفضل اعتماد نظام غذائي غني بمصادر الطاقة، غير أن وزنها الجديد بالكاد يوازي ذلك العائد لطفل حديث الولادة بصحة جيدة.
ويلتهم الذباب وجه الطفلة التي تحملها أمها في حضنها داخل المستشفى حيث تواصل علاجها.
وتعرضت منطقة “مافا “على غرار مناطق أخرى شمال شرق نيجيريا الى دمار كبير جراء أعمال العنف التي قام بها تنظيم “بوكو حرام” مما أدى الى مقتل نحو 20 ألف شخص وتشريد أكثر من 2.6 مليون آخرين منذ سنة 2009.
ونجح الجيش في نهاية المطاف في استعادة السيطرة على قسم كبير من الأراضي التي كانت تحت قبضة المتمردين.
وتروي يوغانا أن الجنود طلبوا منهم المغادرة لتفادي التعرض لهجمات، وقد مرضت حليمة ولم يكن لدى العائلة أي طعام.
وسمحت استعادة الجيش سيطرته على الأراضي لوكالات الإغاثة الانسانية بالوصول إلى المناطق المتضررة والاطلاع على الأضرار التي خلفها النزاع.
اليونيسيف تحذر من تفاقم الأوضاع
فمن جهتها، وجدت منظمة اليونيسيف للطفولة التابعة للأمم المتحدة في مناطق تسيطر عليها حركة “بوكو حرام” المتشددة في نيجيريا، الآلاف من الأطفال دون ماء أو غذاء.
وكانت منظمة خيرية قالت الشهر الماضي إن كثيرا من الفارين بسبب القتال أو الخوف من بوكو حرام قتلوا بسبب الجوع.
وقد خلفت الحرب التي تشنها جماعة بوكو حرام على الحكومة في نيجيريا ما لا يقل عن 20 ألف قتيل، وأكثر من مليوني مهاجر ونازح. كما يشن الجيش النيجيري عمليات عسكرية واسعة النطاق تهدف إلى القضاء على بوكوحرام.
وقالت اليونيسيف إن إمكانية وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق الشمالية الشرقية من البلاد، جعل أزمة سوء التغذية التي تمس الأطفال أكثر وضوحا للعالم الخارجي مما كانت عليه من قبل.
وأضافت اليونيسيف أن طفلا من بين كل خمسة معرض للوفاة بسبب سوء التغذية في ولاية بورنو شمال شرق البلاد، حيث وجدت أن 244 ألف طفل في سكان تلك المنطقة يعانون من أزمة غذاء حادة.
كارثة إنسانية في بورنو
وتقدر اليونيسيف هذا الخطر بقولها إن الجوع، أو الأمراض المتعلقة بنقص الغذاء، قد تفتك بنحو 134 طفلا يوميا، إذا لم تستجب الجهات المعنية بشكل سريع لإيجاد حل لهذه الأزمة، بحسب مانويل فاونتين المدير الإقليمي لليونيسيف في غرب ووسط إفريقيا.
ويقول فاونتين: “نحن بحاجة إلى تبرعات المانحين من أجل الحيلولة دون موت الأطفال بسبب الجوع وسوء التغذية، فلا يمكن لأي شخص أو جهة تحمل هذه الأزمة الكبيرة بشكل منفرد.”
ويضيف المتحدت أن هذه الأزمة تمس قرابة مليوني شخص في نيجيريا، خاصة في بورنو، وأن المنظمة غير قادرة حتى الآن على الوصول إلى كل المتضررين، وأن حجم الكارثة لم يتضح بعد بشكل جلي.
“أطباء بلا حدود” في نيجيريا
وفي السياق نفسه، أفادت منظمة أطباء بلا حدود، بأن أزمة طوارئ إنسانية كارثية تتكشف حاليا في مخيم للنازحين يقع في ولاية بورنو في نيجيريا، ونجح فريق تابع للمنظمة في 21 يونيو/حزيران بالوصول إلى مدينة “باما”، الواقعة في الشمال الغربي من البلاد حيث يلتجئ 24 ألف شخص بينهم 15 ألف طفل، 4 آلاف و500 منهم دون سن الخامسة في مخيم يقع ضمن حرم إحدى المستشفيات.
واكتشف الفريق الطبي، خلال تلك الساعات القليلة التي قضاها هناك وجود أزمة صحية حيث أحيل 16 طفلا يعانون من سوء تغذية شديد، وكانوا يواجهون خطرا وشيكًا بالوفاة إلى مركز التغذية العلاجية التابع لمنظمة أطباء بلا حدود في ميدوجوري، في حين كشف مسح سريع للحالة التغذوية شمل أكثر من 800 طفل بأن 19% منهم يعانون من سوء تغذية حاد وشديد، وهو الشكل الأكثر فتكاً.
وإزاء هذا، قالت رئيسة بعثة “أطباء بلا حدود”، في نيجيريا غادة حاتم: إن “هذه هي أول مرة تنجح فيها منظمة أطباء بلا حدود في دخول باما، لكننا على علم مسبق بأن احتياجات الناس قد تعدت كونها حرجة فقط. نقدم العلاج للأطفال المصابين بسوء التغذية في المرافق الطبية في ميدوجوري، ونرى الصدمة على وجوه مرضانا الذي عاشوا ونجوا من أهوال عدة.
وأحصى فريق أطباء بلا حدود خلال التقييم 1233 قبرا تقع على مقربة من المخيم كانت قد حفرت خلال العام الفائت، علماً أن 480 منها كانت لأطفال.
وأضافت حاتم: “باما مغلقة إلى حد كبير وقد أخبرونا بأن أناساً بينهم أطفال قد قضوا جوعا، وحسب شهادات النازحين في باما التي سمعتها منظمة أطباء بلا حدود فإن قبوراً جديدة تحفر كل يوم، وقد قالوا لنا أن أكثر من 30 شخصاً يموتون كل يوم جوعاً”، فقد توفي منذ يوم 23 مايو/أيار ما لا يقل عن 188 شخصاً في المخيم، أي بمعدل 6 أشخاص يومياً، بسبب الإسهال وسوء التغذية.
أكثر من 9 ملايين شخص متضررين
وحسب تقديرات الأمم المتحدة، يعاني 9.2 ملايين شخص نقصا في التغذية في المنطقة المتضررة جراء أعمال العنف التي يقوم بها تنظيم “بوكو حرام” في بحيرة تشاد على تخوم نيجيريا والنيجر وكاميرون وتشاد.
ولا تزال المخيمات بؤرة للبؤس ومنها مخيم “مونا” في ضواحي “مايدوغوري”، حيث يعيش ما يقرب من 16 ألف لاجئ في أكواخ من الخشب والقش. ويتوافد النازحون إلى هذا المخيم بشكل يومي ويعيشون في ظروف صحية صعبة جداً وسط الأبقار والحمير والخيول، كما أن الوصول إلى مياه الشفة يبقى محدودا وثمة تراجع في مخزون حصص الفيتامينات والأدوية.
ويبقى الغذاء المشكلة الأكبر، فالمكملات الغذائية توزع على الأطفال الذين يعانون أكثر الأوضاع الصحية دقة، وتتشكل طوابير طويلة من النساء والأطفال على الأغلب خارج العيادة لساعات قبل توزيع أكياس المكملات الغذائية.
كذلك تسجل حالات وفيات كثيرة في مخيم “مونا” حيث تتفشى الأوبئة، وقد قضى سبعة أطفال شهر حزيران – يونيو الماضي بسبب ازدياد في حالات الحصبة.
ويقول أحد المسؤولين عن المخيم: “هم يموتون في حال عدم تدخلنا، ليس لديهم ما يأكلونه، لقد تركوا كل شيء وراءهم، قاموا فقط بإنقاذ حياتهم”، محذرا من أنه “في حال لم نحصل على الأغذية في أقرب المهل، ستحصل مضاعفات جمة… هذا ما أخشاه”.