تعزيز موقع السلطة التشريعية و تفعيل دور البرلمان بالجزائر
نص مداخلة النائب أحمد صادوق ، في ندوة المركز العراقي الأفريقي بعنوان التعديلات الدستورية في الحزائر 2020 بين التأييد و الرفض، التي اقيمت يوم السبت 31 أكتوبر 2020، عبر المنصة الالكترونية للمركز zoom.
وقد بدأ سعادة النائب مداخلته بعنوان : تعزيز موقع السلطة التشريعية و تفعيل دور البرلمان
مقدمـــــــة :
سياق التعديل الدستوري : بعد ثورة
السلطات الثلاث و التوازن بينها : مونتيسكيو و الرقابة المتبادلة
السؤال :
• هل فعلا تم تعزيز موقع السلطة التشريعية في هذا التعديل الدستوري ؟
• و اين يتجلى هذا التعزيز ؟
• ام ان التعديلات كانت شكلية و عززت اكثر تغول السلطة التنفيذية ؟
في تقديرنا ان هذا التعديل لم يكن في مستوى تطلعات النخبة السياسية في الجزائر و لم يعزز موقع السلطة التشريعية ، و لم يفعل دور البرلمان بالمستوى المطلوب الا في بعض المسائل الشكلية البسيطة و الوقت لا يتسع لاسرد لكم كل الامثلة والمواد التي تدلل على ما اقول و ساكتفي بأهمها :
اولا :حذف تسمية السلط ومنها السلطة التشريعية التي كانت في السابق و استبدالها بتسمية البرلمان و القضاء و غيرها في الفصل الثالث و الرابع :
حيث كانت تسمى السلطات الثلاث بشكل صريح : السلطة التنفيذية و يدخل ضمنها رئيس الجمهورية و الحكومة و السلطة التشريعية و تضم المجلسين و السلطة القضائية بمختلف مكوناتها .
هذا ـ و ان كان يبدو شكليا ـ لكنه يعتبر تراجعا ينم عن ذهنية استعلائية على كل ما له علاقة بالبعد الانتخابي و الشعبي و يوحي ان هناك سلطة وحيدة متحكمة في كل شيء هي رئيس الجمهورية الذي اصبحت له صلاحيات امبراطورية في التعديل الحالي .
ثانيا : وجود برلمان بغرفتين في الجزائر لا جدوى منه خاصة ان البلد في مرحلة التحول الديقراطي اين نحتاج للتوافق و الشراكة و اعلاء سلطة و سيادة الشعب على اي سلطة أخرى تخضع للتعيين :
فمجلس الامة يتشكل من ثلثين منتخبين بطريقة غير مباشرة و ثلث معين من طرف رئيس الجمهورية و هو يسمى عندنا الثلث المعطل و التصويت يكون ب ( 3/4 ) اعضائه ( 144= 48+96)
نحن طالبنا بالغاء مجلس الامة و الابقاء فقط على المجلس الشعبي الوطني كما هو معتمد في كثير من الدول خاصة في مراحل التحول الدقراطي كما ذكرت سابقا
او على الاقل الغاء التعيين و اعتماد الانتخاب لكل اعضائه
ثالثا : الاصل ان الوظيفة الاساسية للبرلمان هي التشريع و هي اختصاصه الاصيل اضافة الى الرقابة على عمل الحكومة بمختلف الادوات :
لكن في التعديل الدستوري الحالي مازال فيه هيمنة مطلقة للسلطة التنفيذية في التشريع
ففي المادة 119 : التي تنص على انه : يمكن للحكومة ان تطلب من البرلمان المصادقة على مشاريع القوانين حسب اجراء الاستعجال
هنا وجب التنبيه ان كلمة الاستعجال مطلقة و غير محددة و تسمح بالتعسف كما هو الحال الان حيث ان الحكومة تمرر اغلب القوانين بهذه الطريقة دون اتاحة الفرصة و الوقت للنقاش المعمق و الاثراء وخاصة للمعارضة ( و حتى هذا المشروع الدستور مرر بنفس الطريقة )
المادة 148 ( 142 ) : ايضا وسعت لرئيس الجمهورية ان يشرع بالاوامر في مسائل مستعجلة في حالة شغور المجلس الشعبي الوطني أو خلال العهدة البرلمانية و هذا الامر كان و لا يزال محل انتقاد كبير على اعتبار ان المسائل المستعجلة غير محددة
اضافة الى التشريع بالاوامر في الحالة الاستثنائية التي تحددها 102 ) المادة
لفتة : في علمي انه منذ اول برلمان تعددي في الجزائر سنة 1997 لم تكن هناك اي مبادرة تشريعية من طرف النواب و كل القوانين التي صدرت كانت بمبادرة من السلطة التنفيذية ( الحكومة )
رابعا : المادة 157 ( 151 ) المتعلقة بحل البرلمان :حيث ان سلطة الردع لدى رئيس الجمهورية فقط دون وجود تدافع و سلطة مضادة ( contre pouvoir) فحينما يكون البرلمان تحت طائلة الحل في اي وقت لا يمكنه ان يكون مستقلا و يمثل فعلا سلطة رقابية على الجهاز التنفيذي
حيث يمكن لرئيس الجمهورية ان يقرر حل البرلمان او اجراء انتخابات تشريعية قبل اوانها بعد استشارة رئيس مجلس الامة و رئيس المجلس الشعبي الوطني و رئيس المحكمة الدستورية و رئيس الحكومة
هكذا دون تعليل او تبرير : اي حسب مزاج الرئيس و حتى الاستشارة ليست ملزمة و لما نطلع على ما ورد فيما يسمى بالاغلبية الرئاسية نفهم الامر
اي اذا كانت هناك اغلبية برلمانية على غير توجه رئيس الجمهورية يمكن ان يحل هذا البرلمان للحصول على اغلبية رئاسية و يشكل من خلالها الحكومة
و هنا كان ينبغي التقييد على الاقل
مثلا لا يمكن حل البرلمان خلال الاشهر العشرة الاولى من عهدته التي تلي الموافقة على برنامج الحكومة
كان يمكن ايضا التنصيص على اجراء الانتخابات الرئاسية مع التشريعية بشكل متزامن وجوبا حتى لا يتاثر مزاج الناخب و القوى السياسية بموقع الرئاسة في نظام يمتلك فيه الرئيس كل الصلاحيات و يتمركز عنده كل القرار
كان يمكن ايضا اضافة مادة او بند يتعلق باستقالة الرئيس وجوبا في حالة اعادة انتخاب نفس الاغلبية البرلمانية حتى تتوازن السلطات و يتوازن الردع بينها
خامسا : المادة 137 ( المادة 130 ) المتعلقة برفع الحصانة البرلمانية :
في السابق كان رفع الحصانة يتم باحدى الطريقتين :اما تنازل صريح من النائب المعني أو تصويت من طرف الزملاء النواب في المجلس الشعبي الوطني
الان يمكن رفع الحصانة عن اي عضو بمجرد اخطار من وزير العدل للمحكمة الدستورية لاصدار قرار برفع الحصانة عن النائب
الاعتراض هنا هو في امكانية استعمال هذه المادة بطريقة تعسفية من طرف الحكومة و قد ترفع الحصانة لاسباب سياسية و هذا في حد ذاته يشكل ضغطا و ترهيبا و تخويف الاعضاء البرلمان و من شأنه ان يحد من حريتهم في ابداء ارائهم و مواقفهم
و هنا يفقد ايضا البرلمان ميزان القوة لصالح الجهاز التنفيذي و يتحول الى برلمان يستجيب للاوامر و التعليمات كما يحدث الان
في الاخير :
اعتقد ان الجزائر قد فرصة أخرى رائعة لاجراء اصلاحات دستورية معمقة تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري الذي قاد حراكا حضاريا راقيا ،
و فوتنا فرصة مناسبة و مهمة لترميم اللحمة الوطنية بين الجزائريين الذين انقسموا انقساما حادا قبيل و اثناء الانتخابات الرئاسية السابقة
و كان يمكن الاستدراك من خلال هذه الاصلاحات لصناعة دستور توافقي حقيقي على الاقل يكون في مستوى تعهدات رئيس الجمهورية الذي تعهد بتغيير عميق للنظام السياسي لكن يبدو ان هذا بقي مجرد امنيات
و لا يمكن للمناسبات الوطنية العظيمة كاول نوفمبر ان ترمم هذا الاخفاق ابدا .