المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

جدل الإنتخابات الرئاسية الأمريكية: تشكيك في النتائج

0

اثارت الإنتخابات الرئاسية الأمريكية ٢٠٢٠ الكثير من الجدل بخصوص طريقة تصويت الناخبين او المناظرات الرئاسية بين المرشحين لها او عن آلية فرز نتائج التصويت واخيراً بإعلان النتائج النهائية.
في البدء، لابد ان نذكر بإن في الإنتخابات الأمريكية، يتم حسم النتيجة النهائية وإعلان الرئيس عبر إقرار المرشح الخاسر بهزيمته وبالتالي يعلن الفائز في السباق الرئاسي ليتسلم مقاليد الحكم في البيت البيضاوي في شهر كانون الثاني ٢٠٢١ لولاية رئاسية لمدة اربع سنوات قادمة.
ويعتمد النظام الأمريكي آلية معقدة من نوعها لإختيار رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يتم إنتخاب الرئيس ونائبه لمدة اربع سنوات عبر هيئة إنتخابية يطلق عليها المجمع الإنتخابي ويتكون من ٥٣٨ مندوباً للولايات المتحدة، وهو مساوي لعدد اعضاء الكونكرس بمجلسيه الشيوخ والنواب، مع ثلاث اعضاء لمقاطعة كولومبيا، ويكون لكل ولاية من الولايات في المجمع الانتخابي عدد من الأصوات التي تتناسب مع عدد سكانها وعدد النواب الذين يمثلونها.
َويتم إجراء الإنتخابات في الولاية وفقاً لنظام الدائرة الإنتخابية الواحدة، إذ يعد المرشح الفائز هو من يحصل على اغلبية أصوات الناخبين فيها وبالتالي فهو يحصل على الاصوات التي تمثل الولاية في المجمع الانتخابي بصرف النظر عن عدد الأصوات التي حصل عليها في التصويت، ويحتاج المرشح ليكون رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية الى حصد أصوات ٢٧٠ من مجموع اصوات المجمع الإنتخابي.
وتعد الإنتخابات الأمريكية ٢٠٢٠ إستثنائية ومختلفة نوعاً ما عن مثيلاتها السابقة، فهي تجري في ظل إنتشار غير مسبوق لجائحة كورونا وتزايد اعداد المصابين به، مما حدا بالمسؤولين عن الإنتخابات الأمريكية للتفكير في إتباع طرق جديدة تتماشى مع الحدث الصحي في البلاد، ومراعاة قواعد التباعد الإجتماعي خوفاً من إنتقال العدوى والإصابة بالمرض، وهو ما اسهم بشكل كبير في تزايد المشاركة في التصويت سواء بصورة مبكرة او عن طريق التصويت الإلكتروني وذلك للتقليل من الزخم المتوقع عن المشاركة بيوم الإنتخابات المقررة في الثالث من شهر تشرين الثاني، فالتصويت المبكر بدء مع بدايات شهر ايلول وشهد مشاركة كبيرة غير مسبوقة من قبل الناخبين، إذ تجاوز عدد المصوتين في إنتخابات ٢٠١٦، حيث ادلى ما يقارب ١٠٠ مليون ناخب أمريكي من اصل ٢٤٠ مليون ناخب يحق لهم التصويت اما بشكل حضوري او عن طريق البطاقات البريدية.
ومن اجل ضمان مشاركة اكبر عدد ممكن من الناخبين في عملية إنتخاب الرئيس، عكفت بعض الولايات الى إبتكار وسائل جديدة تتلائم مع متطلبات الوضع الذي تعيشه البلاد نتيجةجائحة كورونا مع اخذ كل الإحتياطات اللازمة للوقاية من الأصابة بين صفوف الناخبين، فقامت بعض الولايات بإجراءات تسّهل من عملية الإدلاء باصواتهم، مثل وضع صناديق الإقتراع المسقطة، إذ لا يتوجب على الناخبين مراجعة المراكز المزدحمة، وعملت ولايات اخرى الى إرسال بطاقات الإقتراع الى الناخبين بشكل إستباقي دون تكليفهم عناء الذهاب الى المراكز الإنتخابية، وقامت بعض الولايات بتقديم موعد التصويت.
ومما يلاحظ على هذه الإنتخابات الرئاسية، تزايد تصويت الديمقراطيين بالمقارنة مع الجمهوربين، فضلاً عن تزايد نسبة الشباب في التصويت خلال هذه الإنتخابات، إذ تزايد نسبة الشباب المصوت الى ٦٣٪حسب إستطلاعات الرأي، على العكس من إنتخابات ٢٠١٦ التي فاز بها دونالد ترامب، ويلاحظ كذلك في الإنتخابات الرئاسية تركيز جهود الحزب الديمقراطي الى الإلتفات الى مشاركة ذوي الاصول الافريقية، إذ يعزى عدم فوز هيلاري كلنتون في وقتها الى عدم إهتمامهم بتلك الشريحة السكانية ومدى تأثيرها، وعلى الرغم من التصويت من قبل مناصرو الحزب الجمهوري ولمرشحهم ترامب في يوم الإقتراع ومع ما تزايد اعدادهم بشكل اوحى بفوز ترامب بولاية ثانية إعتماداً على نسب التصويت المرتفعة في يومها، إلا إن ذاك الأمر تلاشى مع بدايات فرز نتائج التصويت الإلكتروني والعادي، الذي اعطى افضلية مريحة لمرشح الحزب الديمقراطي جو بايدن وتصدر المشهد الإنتخابي، الأمر الذي دعا ترامب الى تشكيكه بالنتائج وماآلت اليه، ودفعه ذلك الى رفع شكوى ضد التزوير المحتمل في فرز الاصوات في عدد من الولايات الأمريكية، مما يعني عدم تسليمه بالهزيمة وإعلان فوز بايدن، وهذا ما يرشح إحتمالية إعلان النتائج الأخيرة بفوز اي من المرشحين الى القضاء، على غرار ما حدث في إنتخابات ٢٠٠٠ والتي اعلنت فوز جورج بوش الإبن بالرئاسة بعد الطعن المقدم من قبله حول نتائج الإنتخابات.
وبدأت مرحلة التشكيك بنتائج الإنتخابات بشكل مبكر مع تصريحات يطلقها هنا وهناك ترامب حول طريقة التصويت عبر البريد، إذ تؤدي تلك الطريقة الى إحتمالات كبيرة للتزوير في البطاقات المخصصة للتصويت، ومع بدء فرز الاصوات، اعلن ترامب فوزه بالإنتخابات لتصويت الجمهوريين له بكثافة في يوم الإقتراع للتشكيك بما ستؤول اليه نتائج فرز الأصوات البريدية، والتي تميل بشكل كبير جداِ لجو بايدن، مع قراره بالذهاب للمحكمة العليا للبت في تلك القضية، مع إشارات موجهة من ترامب لفرز بطاقات مفاجئة في ولايات كانت الغلبة فيها لترامب على حساب بايدن، ومع بداية اليوم التالي لعد الأصوات، قدمت حملة ترامب التماساً للمحكمة بإعادة فرز الاصواتزفي بعض الولايات مما مهد لبدايات التشكيك في النتائج مسبقاً وحصول تزوير من قبل الحزب الديمقراطي.
ان ما حصل في الإنتخابات الرئاسية ٢٠٢٠ وما حدث فيها من تداعيات على العملية الديمقراطية، قد اصابتها بنوع من التشكيك مما يفقد بعض مصداقيتها وتأثيراتها المستقبلية في قضية تشبث ترامب والحزب الجمهوري بالسلطة على الرغم من فوز بايدن باصوات المجمع الإنتخابي.
*مقال منشور في صحيفة الدستور ليوم الخميس ١٢١١٢٠٢٠

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.