المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

جوموكينياتا.. رمز أفريقي لقب بـ”رمح كينيا الملتهب”

0

 يعتبر المناضل الأفريقي البارز جوموكينياتا أحد رموز ورواد الكفاح الأفريقي البطولي ضد الاحتلال الاستعماري للقارة ، وواحداً من بين أكثر المنادين بالوحدة الأفريقية والداعين لها والمحرضين عليها داخل أفريقيا وخارجها، فلم يتوقف عطاؤه وجهده ونضاله على مختلف الجبهات، لخدمة قضايا شعوب أفريقيا ولو للحظة واحدة.

مولده ونشأته

 ولد جوموكينياتا بمنطقة نجندا الواقعة بالقرب من نيروبي بكينيا في العشرين من شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1891 م ، لأسرة تنحدر من قبيلة كيكايو المعروفة بعراقتها الأفريقية واسمه الحقيقي هو كامو جوناتون كينياتا إلا أنه لقب بجومو كينياتا ، ومعناه رمح كينيا الملتهب، ولم يتبن هو هذا اللقب إلا في الثلاثينيات من القرن الماضي.

 تلقى جوموكينياتا تعليمه الابتدائي بمدرسة داجوريتي ، وبعد انتهائه من الدراسة التحق للعمل ببلدية نيروبي على وظيفة كاتب، وظل فيها من عام 1921 إلى 1926م، وخلال هذه الفترة بدأت ميوله ونشاطاته السياسية تظهر وتتضح للعيان، وأفصح عنها علانية عام 1924 بانضمامه إلى عضوية رابطة كيكويو المركزية ، التي كانت تدعو المستعمرين البريطانيين إلى التوقف عن انحيازهم المطلق للأقلية البيضاء في البلاد ، ومنعها من الاستيلاء والاستحواذ على أفضل وأخصب الأراضي الزراعية هناك ، وقد عمل جوموكينياتا داخل هذه الرابطة مترجماً فمحررا ،ً ثم أصبح رئيس تحرير الصحيفة ، التي تصدر عن تلك الرابطة .

رحلته في بريطانيا

 في عام 1929 م شد الرحال إلى بريطانيا في أول زيارة لها ، من أجل دعوة حكومتها للاعتراف بالحقوق الطبيعية والمشروعة للمواطنين الكينيي ، وتمكينهم من استرجاع أراضيهم ، وإنشاء المدارس الخاصة بهم، وقد كانت له في تلك الأثناء اتصالات وتنسيق مع ما كان يعرف بعصبة مكافحة الإمبربالية آنذاك ، وهو ما أثار غضب وحنق السلطات البريطانية عليه .

 بعد عام تقريباً أي في عام 1930 م عاد جوموكينياتا إلى بلاده كينيا ، وهو أكثر تحمساً لإبراز شخصيتها وهويتها المستقلة ، فأسس مدرسة كينية لترسيخ العادات والتقاليد الأفريقية الأصيلة بين أبناء شعبه ، واصطدم في ذلك بمعارضة ورفض المبشرين الميسحيين، لكنه تمسك بمواقفه، ولم يتنازل عنها، وضمنها في أطروحته لنيل الدكتوراه، التي كان عنوانها “في مواجهة جبل كينيا “.

 في عام 1931 م عاد جوموكينياتا مرة أخرى إلى بريطانيا، مبعوثا عن رابطة كيكويو المركزية، وبقي فيها خمسة عشر عاماً، كثف خلالها كل وقته وجهده للدراسة في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية ، والنضال والمطالبة بمزيد من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية المنصفة لأبناء وطنه.

 ولم يحصر جوموكينياتا دوره النضالي في الدفاع عن قضايا وحقوق شعبه، خلال وجوده في بريطانيا فقط، بل كانت له أيضاً نشاطات بارزة في مجال الدفاع عن قضايا القارة الأفريقية، والدعوة لتحررها ووحدتها، وقد شارك في شهر أكتوبر/ تشرين الأول عام 1945م في أعمال المؤتمر الخامس للوحدة الأفريقية، الذي عقد في ما نشستر، وكان حضوره فيه مميزاً وفعالاً .

كفاحه ضد الاستعمار

 في عام 1946 م عاد جوموكينياتا إلى بلاده متسلحاً بالمعارف والعلوم السياسية الواسعة ، ووزع نشاطاته الفاعلة بين حقلي التعليم والعمل السياسي ، وكان ناجحاً ولامعا في كليهما ، وفي عام 1947 م تم انتخابه رئيساً للاتحاد الكيني الأفريقي ، الذي تغير اسمه فيما بعد إلى إتحاد كينيا الوطني الأفريقي ، الذي تولي بقيادة جوموكينياتا حركة النضال التحرري الواسع والمؤثر ضد الوجود البريطاني ، لتحقيق الاستقلال ، وهي الحركة التي أخذت رقعتها تتسع ، ونفوذها يزداد رسوخاً وتعاظماً في جميع أنحاء كينيا ، حتى ضيقت الخناق على سلطات الاحتلال ، وأثارت قلقها ، وزعزعت استقرارها ، فما كان من تلك السلطات إلا أن أعلنت حالة الطوارئ عام 1952 م ، واعتقلت قائدها وزعميها جوموكينياتا ، وحكمت عليه بالسجن مع الأعمال الشاقة لمدة عشر سنوات ، ولكنه خرج من السجن عام 1959 م قبل انقضاء تلك المدة ، وأبقي عليه تحت الإقامة الجبرية حتى عام 1961 م .

فوزه برئاسة كينيا

 في شهر مايو/ أيار عام 1963 م فاز حزب كانو الذي يترأسه جوموكينيا في الانتخابات ، التي جرت آنذاك بنتيجة كاسحة ، فعين كينياتا رئيساً للوزراء ، ثم انتخب عقب الإعلان عن استقلال كينيا في الثاني عشر من ديسمبر/ كانون الأول عام 1963 م رئيساً للجمهورية ، فشرع في إعادة بناء بلاده على نمط جديد ، يكرس للانتماء الوطني والأفريقي ، حيث ألغى كل ما يرمز لحقبة الاستعمار البريطاني من شعارات وملصقات وتعاملات، واستبدلها بشعارات وملصقات ومعاملات معبرة عن الهوية الكينية والأفريقية ، ومن بين ما قام به في هذا المجال إصدار عملة وطنية باسم الهارومبي ، التي أصبحت عنواناً للمقاومة الشجاعة والباسلة ضد الاحتلال.

 كما حلت صور جوموكينياتا محل صور الملكة اليزبيت في المرافق العامة والمحلات التجارية ، وغيرت أسماء الشوارع بأسماء أفريقية ، ومضى جوموكينياتا في مسيرة البناء والتعمير الداخلي لبلاده ولقارته الأفريقية ، فكان أحد مؤسسي منظمة الوحدة الأفريقية في أديس أبابا عام 1963 م ، وأحد حكماء وقادة أفريقيا ، الذين كانت لهم رؤية ثاقبة لمستقبل القارة ، ولم يتوقف عطاؤه وجهده ونضاله على مختلف الجبهات ، التي تخدم قضايا شعوب أفريقيا ولو للحظة واحدة ، حتى توفي عام 1978 م ، ليترك من بعده صفحة مليئة ومتوجة بمواقف الصمود والتصدي للغزاة والمحتلين ، والكفاح في سبيل وحدة القارة وعزتها وحريتها واستقلالها الحقيقي .

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.