حركة “منتقمو دلتا النيجر” المسلحة شوكة في ظهر نيجيريا
تحتوى منطقة دلتا نهر النيجر، في الجنوب النيجيري، على أكبر احتياطات الغاز الطبيعي في نيجيريا، على الرغم من أن مساحتها الكلية لا تتعدى 8% من مساحة نيجيريا الكلية، وتشتهر باحتوائها على أكبر المستنقعات في القارة الأفريقية، مما يعنيه هذا من «تربة رطبة».
لم تتسم المنطقة بالهدوء أبدًا، فهي منطقة غنية بمجموعات عرقية متنوعة، وتسيطر على ثرواتها الرئيسية، النفط والغاز، شركة شِل، عملاق النفط والغاز العالمي، بقيمة سوقية تقترب من الـ265 مليار دولار، والعاملة في لاغوس منذ عام 1936، لتصبح الآن القوة النفطية الأكبر في نيجيريا.
منتقمو الدلتا، أو «Niger Delta Avengers»، هي حركة مسلحة ادعت على موقعها في الإنترنت أنها تتكون من الشباب المتعلمين والمثقفين، مشيرة إلى أنهم أفضل تسلّحا وأكثر تحضرا من مسلحي المنطقة السابقين.
يعتقد أغلب السكان المحليين أن منتقمي الدلتا ينتمون إلى حركات سابقة، مثل ميند وأيضًا جبهة إنقاذ دلتا النيجر الشعبية، المعروفة اختصارًا بـ«NDPSF»، وآخرون يقولون إن مقاتلي الدلتا هم صنيعة «جوفرمنت إكميبيوبولو»، أمير الحرب النيجيري الشهير، وقائد ميند السابق، والهارب الحالي من إدارة مكافحة الفساد النيجيرية، منذ فبراير/شباط الماضي، بسبب دعاوى فقد أموال حكومية تقدر بـ231 مليون دولار تقريبًا، بينما يعتقد طرف ثالث أنهم «مجرد مجرمين» موالون للرئيس السابق جودلاك، ولم يعجبهم خروجه من السلطة، خاصةً مع الامتيازات التي كان يمنحها لهم.
والشيء المؤكد والذي لا يستهان به أن وجودهم تسبب في خسائر غير مسبوقة للشركات العالمية، إذ إن شركتي آجيب الإيطالية، وآتيو النيجيرية، يخسران بشكل يومي 6.72 مليون دولار، قيمة ما كانت تنقله بعض الخطوط النفطية التابعة للشركتين، خطوط كانت تنقل 140 ألف برميل نفط خام يوميًّا، دمرها منتقمو الدلتا بالكامل.
أسباب وجودهم
كانت الأمور تسير بشكل طبيعي بعدما منح الرئيس النيجيري الأسبق، عمر موسى، -في اتفاق- الحصانة لمسلحي الدلتا بالكامل، مقابل إلقاء أسلحتهم، والتخلي عن الأنشطة العنيفة، في عام 2009، ولمدة سبع سنوات، يتلقى فيها المسلحون تدريبات ورواتب شهرية، وتتكفل الدولة بمنح تعليمية خارجية، وحذا حذوه من بعده الرئيس السابق، جودلاك جوناثان، حتى أتى الجنرال محمدو بخاري على رأس السلطة، ليقلص مخصصات اتفاق العفو بنسبة 70%، أي تقليص مخصصات ما يقارب الـ30 ألف مسلح وعسكري سابق ويمده عامين فقط، إلى 2018، تمهيدًا لإلغائه، وهو ما أدى إلى ظهور منتقمو الدلتا كأول جماعة مسلحة في دلتا النيجر منذ سبع سنوات.
من يقف وراء الحركة؟
تعددت الآراء والمعلومات المتداولة حول من يقف وراء حركة منتقمو دلتا النيجر، فمن جهته، يرى خبير مكافحة الإرهاب “ديفيد أوتو” أن حركة (NDA) – أي حركة منتقمي دلتا النيجر – قررت التحالف مع حركة المؤيدين لبيافرا (IPOB) نظرا لـ”سخط” كلا الفريقين و “شعورهما” السلبية تجاه الحكومة النيجيرية.
ومن جانب آخر، اتفق معظم الخبراء المحليين والمحللين النيجيريين على أن حركة “منتقمي دلتا النيجر” هي صنيعة السياسيين الفاسدين الماثلين أمام القضاء وبالأخص السياسيين من منطقة دلتا النيجر الذين اختلسوا أموال شعوبهم واستفادوا من صفقات غامضة في حكومة غودلاك جوناثان.
أما “جبهة دلتا النيجر الوطني” (NDPF) ، فقد كشفت في 19 يونيو عن أن جماعة “منتقمي دلتا النيجر” وادعاءاتها ليست لهما أي علاقة بالحقوق الأساسية لشعوب منطقة دلتا النيجر. وزعمت (NDPF) أن هذه الحركة المسلحة يموّلها ويرعاها أحد زعماء دلتا النيجر وهو معروف باسم “ زعيم الحكومة إيمو-أوكبولو” (Chief Government Emuokpolo)، الشهير باسم “تومبولو Tompolo ” ، وهو القائد العام لحركة “تحرير دلتا النيجر” (Mend).
وذكر الخبير “ديفيد أوتو” لـ”أي بي تايمز” : أن هناك تهديد من “ قادة (MEND) السابقين أمثال “تومبولو” و “أساري دوكوبو” بشكل مباشر وغير مباشر، أن نيجيريا لن تكون في سلام إذا خسر الرئيس السابق غودلاك جوناثان في الانتخابات لصالح الرئيس محمد بخاري”.
وتابع أوتو: يؤمن دوكوبو أن جماعة بوكو حرام تم تأسيسها من طرف النخب السياسية الشمالية مما جعل نيجيريا غير قابلة للقيادة من قبل أي رئيس مسيحي جنوبي، بما في ذلك غودلاك جوناثان. ودائما ما يقول دوكوبو بأنه يحمل منطقة دلتا النيجر في يديه. وينبغي ألا يكون من المستغرب أنه هو وجماعته هم من يقفون وراء أنشطة “المنتقمون”، على الرغم من أنه هو وتومبولو ينأون بأنفسهم عن “المنتقمون” لكنهم يدعمون شكاواهم.
تأثيرهم على الاقتصاد
كشف وزير النفط النيجيري إيمانويل إبي كاشيكوو عن أن إنتاج النفط في البلاد انخفض بنسبة 800 ألف برميل يوميا – من 2.2 إلى 1.4 مليون برميل يوميا – بسبب الهجمات على البنية التحتية في المنطقة، وذكرت الأخبار المحلية أن الكثير أو ربما جل هذه البنية التحتية في أيدي “المنتقمون”.
وقد ذكر محلل شؤون الطاقة والتكنولوجيا في شركة الأبحاث الجيوسياسية ستراتفور, ماثيو بك في تصريحه لشبكة سي إن بي سي”.نحن لا نرى هؤلاء الأشخاص كمجموعة كبيرة، ولكن في الوقت نفسه، يبدون كمجموعة فعالة للغاية”.
تعامل حكومة بخاري مع الحركة
لقد هددت الحكومة النيجيرية حركة “منتقمي دلتا النيجر” عدة مرات، وفي وقت سابق من هذا العام، اتهمها الرئيس بخاري بالتخريب وحذرها من أن الحكومة ستتعامل معها بنفس الطريقة التي يتم التعامل بها مع بوكو حرام في شمال شرق البلاد.
لكن أغلب الآراء ترى بأن الحل النهائي للأزمة مع هذه الحركة يتطلب من الرئيس محمد بخاري أن يبدأ حوارا شاملا مع شعوب منطقة الدلتا لمعالجة الأسباب الجذرية للاضطرابات هناك.
وعلى ذلك، فأول خطوة للحل هو أن تظهر الحكومة التزامها الشامل لتنمية المنطقة وأن تقلل من التهميش، إضافة إلى ضرورة إثبات أن حربها وحملتها ضدّ الفساد لا تستهدف فقط الأحزاب المعارضة بل تشمل الجميع.
وفي بداية شهر يونيو من العام الجاري أعلنت الحكومة أنها ستقلص وجودها العسكري في منطقة دلتا النيجر من أجل تعزيز الحوار مع المسلحين. وقد رفضت الحركة في البداية أي حوار، لكنها فيما بعد وافقت على اقتراح لبدء المحادثات، على الرغم من إصرارها على ضرورة استجابة الحكومة لمطالبها قبل حدوث أي حوار “حقيقي”.
مناطق عمليات الحركة
توالت هجمات المنتقمين المنظمة والدقيقة، على شركات النفط العالمية، العاملة في دلتا النيجر، واضطروا العملاق العالمي شِلّ، للمرة الأولى، بعد هجوم آخر على خط أنابيب أرضي، لاستخدام بند القانون الدولي «القوة القاهرة»، متيحًا لها التنصل من التزاماتها التجارية، وتصدير النفط لشركائها في الخارج، بدون الخوف من الشروط الجزائية، تبعًا لوجود قوة قاهرة مؤثرة في نشاط الشركة، ولا تستطيع المجموعة التحكم فيها.
كما تم الهجوم على منصة بترولية مملوكة لشيفرون، العملاق النفطي الأمريكي، بسبب إعلان الجنرال بخاري عن زيارته الأولى للمنطقة، مطلع يونيو/حزيران الحالي، فيرسل له المنتقمون هدية استقبال فورية، ويفجرون محطتي تصدير نفطي تابعتين لشيفرون أيضًا، وهذه العمليات أثرت بشكل بالغ السلبية في الإنتاج النفطي النيجيري، أو بتعبير وزير المالية النيجيري، كيمي أدويسون، فإن عملياتهم “تؤثر بشكل خطير في إنتاج النفط لدينا”.
في بداية الأسبوع الثاني من مايو (أيار) الماضي، أصدر منتقمو الدلتا قائمة بمطالبهم الأولى، موجهة للحكومة النيجيرية الفيدرالية، ولرأس السلطة الجنرال محمدو بخاري، مطالب هي ربما تبدو غير منطقية، أو عصية التنفيذ، إلا أنها «شعبية» بامتياز، منها :
1- إعادة تقسيم النفط بالكامل .
2- توجيه 60% من أرباحه لشعب دلتا النيجر. 40% لمنتجي النفط والحكومة.
3- إعادة مشروع «الجامعة البحرية»، كيان تعليمي قُرر إقامته في الدلتا، قبل أن يلغي القرار وزير النقل، روتيمي أمايكي .
4- تنفيذ بنود اتفاق مؤتمر نيجيريا الوطني، في 2014.
حتى هذه اللحظة لا يستطيع أحد معرفة بوصلة اتجاه سير الأمور خلال الفترة المقبلة، فعلى الجانب المخابراتي النيجيري، هناك حالة من الغضب المستشري، في أروقة مخابرات العاصمة، وأجهزتها الأمنية، لعدم تمكنهم من معرفة معلومات عن المنتقمين، تساعد في تعقبهم، أو على الأقل منع هجماتهم.
وعلى الجانب الآخر فإن المجموعة تحظى بدعم شعبي، لا يستهان به من قبل سكان الدلتا المحليين.
ومن الناحية الثالثة فإن بخاري يبدو حتى الآن مصرًا على المضي قدمًا في خطته، القاضية بوقف تنفيذ اتفاق العفو، في عام 2018، ويبدو عمالقة النفط، ونظمهم الأمنية، عاجزين عن حماية كل شبر من بناهم التحتية، بينما تتضخم قبضة المنتقمين أكثر فأكثر.