حلايب وشلاتين.. وعودة الجدل وسط أزمة سد النهضة
شددت المفوضية القومية للحدود في السودان في مؤتمرا صحفيا عقد مؤخرا في الخرطوم على تبعية منطقة مثلث حلايب المتنازع عليها بين الخرطوم والقاهرة للسودان، مستشهدة بـ”حقائق التاريخ والجغرافيا”.
وصرح رئيس المفوضية القومية للحدود السودانية، معاذ أحمد تنقو، إن مثلث حلايب وشلاتين، المتنازع عليه مع مصر، منطقة سودانية 100% وليس هناك أي شك في ذلك، مضيفا أن “الادعاءات المصرية” حول تبعية مثلث حلايب للقاهرة هي “ادعاءات باطلة”.
نافيا وجود اتفاقية دولية تحدد حدود السودان في عام 1899، وإن وجدت فقد ألغاها البرلمان المصري عام 1947 وأعلن إلغاءها النحاس باشا والنقراشى باشا أمام مجلس الأمن عام 1947 و1948 وفق وثائق مجلس الأمن الدولي.
كما تطرق تنقو إلى الوضع عند الحدود بين السودان وإثيوبيا، نافيا وجود أي نزاع حدودي بين الدولتين، ولفت إلى أن موقف الحكومة الإثيوبية الرسمي يقضي بالاعتراف بالحدود منذ عهد الاستعمار، وأن سبب الخلافات بين الطرفين يكمن في استغلال أراض زراعية تابعة للسودان، مشيرا إلى وجود لجان مشتركة لترسيم الحدود بين الجانبين.
تصريحات تسميم العلاقات بين مصر والسودان:
من وجهة نظري هي تصريحات أشبه بـ “تسميم العلاقات” بين البلدين، حيث يعود تاريخ الشكوى إلى العام 1958 في عهد عبد الله خليل، حين أوشك البلدان على الدخول في مواجهة عسكرية في المثلث واتهمت الخرطوم وقتها الجيش المصري بمحاولة احتلال المنطقة.
وبالرغم من نزاع الجارتين على هذا المثلث الحدودي، منذ استقلال السودان عام 1956، فإنه كان مفتوحًا أمام حركة التجارة والأفراد من البلدين دون قيود حتى عام 1995، حين دخله الجيش المصري وأحكم سيطرته عليه، إثر محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق في أديس أبابا، حيث اتهمت القاهرة وقتها الخرطوم بالوقوف وراءها.
وقد عادت القضية للواجهة تحديدًا فى 1992 بعدما وقعت حكومة السودان مذكرة تفاهم مع شركة كندية بشأن التنقيب على البترول فى أغسطس 1991، وتم توقيع عقود التنقيب فى 17 ديسمبر 1991، وذلك ضمن امتياز للشركة الكندية للتنقيب على البترول فى منطقة تمتد من جنوب خط عرض 22 شمالًا لتضم منطقة امتياز مثلث حلايب بالكامل شمال خط عرض 22، وعلى ضوء ذلك كلفت وزارة الخارجية المصرية، السفير المصرى بالعاصمة الكندية، أوتاوا، بالتواصل مع الشركة الكندية.
وقدم احتجاجًا رسميًا للشركة على توقيع الاتفاق فى منطقة لم تسوء أوضاعها القانونية بعد، وكان الاحتجاج مصحوبًا بطلب مصرى بإلزام الشركة الكندية بسحب آلاتها ومعداتها من المنطقة، وقدمت للشركة وثائق وخرائط تثبت حق مصر فى منطقة حلايب.
الحجج القانونية لمصرية “حلايب وشلاتين”:
موقف مصر ثابت في التأكيد على أن منطقة حلايب مصرية، وصرحت بأن “حلايب وشلاتين أراض مصرية وتخضع للسيادة المصرية وليس لدى مصر تعليق إضافي على بيان الخارجية السودانية”، لذا ترفض طلبات السودان باللجوء للتحكيم الدولي وتصر على أن الأرض تابعة لها حتى وإن كانت إداريا تتبع السودان.
وتعتمد مصر على اتفاقية 1899 التي وضعت الحدود السيادية بين السودان ومصر وقام بمقتضاها الطرفان برسم خريطة للمنطقة أشير فيها إلى الحدود السياسية وفق دائرة عرض 22 شمالا (خط الحدود بين البلدين)، بما يشمل تبعية حلايب لمصر، جنبًا إلى جنب مع خط آخر اصطلح على تسميته بالحدود الإدارية، يضع حلايب تحت تبعية السودان.
وإنه حينما منح السودان حق تقرير المصير عام ١٩٥٣، نص البند الثاني للدستور السوداني المؤقت على”يشمل الدستور كل السودان الذي حدده أتفاقية ١٨٩٩”، وكما هو ثابت فإن البند الأول من وفاق ١٨٩٩ ينص على “تطلق لفظة السودان على جميع الاراضي الواقعة الى جنوب خط عرض ٢٢ بشكل موازي”.
ويعتمد الموقف المصري على فكرة أساسية، وهي أن السودان لم يكن يباشر إلا اختصاصات محددة في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط عرض 22 شمالا، وهي اختصاصات إدارية صدرت من ناظر الداخلية المصري آنذاك في السنوات 1904 و1906 اقتضتها الضرورات العملية لتنظيم شؤون السكان على جانبي الحدود، وهذه الاختصاصات لم تصل إلى الدرجة التي تستحق معها أن تكتسب صفة أعمال السيادة.
بينما يذكر السودان إنه على فرض أن التعديلات التي دخلت على خط الحدود كانت ذات صفة إدارية بحته، إلا أن قبول مصر لاستمرار السودان في إدارة هذه المناطق، وعدم الاعتراض على هذا الوضع طوال الفترة ما بين عامي 1899 (بداية الاحتلال الإنجليزي للسودان) و1958 يدل على أن مصر قد تنازلت عن حقوقها السيادية في هذه المناطق.
وهنا نوضح، القول بأن مصر تنازلت عن سيادتها على المناطق المتنازع عليها يفتقر إلى دليل مقنع؛ لأنها كانت خاضعة لسيادة الدولة العثمانية وقت اجراء التعديلات ولم تكن تستطيع التنازل عنها إلا بموافقة الباب العالي وهذا لم يحدث.
كما أن هناك نوع واحد من الاتفاقيات الدولية لا تتغير أبدًا إلا برضى الطرفين، وهو معاهدات الحدود، لأن الحدود تتميز بأنها تحدد ويسودها عدة مبادئ هى «مبدأ استقرار الحدود»، و«توثيق الحدود»، و«نهائية الحدود»، حتى تتمتع حدود كل دولة بالاستقرار والديمومية، فهذه هى حدودنا منذ 1899، ورغم أن هناك قرارين صادرين من وزير الداخلية «مصطفى باشا فهمى آنذاك»، بتحديد بعض النقاط ليصبح هناك نوع من الإدارة فى السودان، لوجود بعض القبائل السودانية التى تنتقل إلى شمال مصر، ومن الممكن أن تنتقل وتتعايش فى شمال الحدود المصرية، وأيضًا القبائل المصرية تعبر الحدود السودانية، وهذه عملية تنقل وتسهيلات إدارية لا تنال أبدًا مما نسميه فى القانون بالسيادة.
وأما القول بأن السكان ينتمون لقبائل سودانية فهذه مسألة تقع خارج السياق، لان السيادة على الأرض أمر منفصل، ومن يرغب فى البقاء فليوفق أوضاعه، أو ينضم الى قبيلته على الجانب الآخر من الحدود، علما بأنه يوجد لدى السودان ٢٦ قبيلة مشتركة على الحدود مع جيرانها، اشهرها حالة قبيلة الزغاوة فى السودان وامتدادها الحاكم فى تشاد.
وتجدر الإشارة أن مصر اتخذت في نهاية عام 2017، عدة إجراءات بخصوص المنطقة المتنازع عليها، من بينها الإعلان عن بناء مئة منزل بحلايب، وبث برنامج تلفزيوني وخطبة الجمعة من المنطقة المتنازع عليها، وإنشاء سد لتخزين مياه السيول، وميناء للصيد في منطقة شلاتين.
في المقابل، أعلن السودان، الذي اعتاد أن يقدم شكوى أممية سنويا حول مثلث حلايب وشلاتين، عدم الاعتراف باتفاقية ترسيم الحدود المصرية السعودية الموقعة في 2016، مرجعا ذلك لمساسها بحق السودان في المثلث الحدودي، كونها اعترفت بحلايب ضمن الحدود المصرية.
لماذا إثارة القضية الآن؟
ما بين الحين والآخر تعود قضية مثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين مصر والسودان، وبينما يرى مصريون أن هناك “تعنتاً من جانب الخرطوم حتى لا يتم حل تلك القضية منذ عقود، وأنها تريد الإبقاء عليها لإثارتها من وقت لآخر للتغطية على أزمات ومشاكل داخلية”، يرى سودانيون أنها “أراض سودانية يجب إعادتها”.
ومن وجهة نظري أن إثارة الأمر في هذا الوقت يرتبط بضغوط إقليمية وقوى خارجية لا تريد أن تتوصل مصر وإثيوبيا والسودان إلى الاتفاق النهائي حول سد النهضة، لأن هذا الأمر يمثل مصدر قلق بالنسبة لتلك القوى، علاوة على أن الموقف المصري معلن منذ فترة طويلة بأنها ليست على استعداد للتفاوض على الأراضي.
خاصة بعد وضوح الموقف المصري السوداني المشترك في الجولات الأخيرة في مفاوضات سد النهضة بالتوجه لمجلس الأمن ورفض التصرف الأحادى من اثيوبيا بشكل قطعى، بعدما كان الموقف السوداني من قضية سد النهضة متقاربًا مع إثيوبيا ومناقضًا للموقف المصري، وهو مختلف عن موقفه من اتفاقية عنتيبي والذي كان متطابقًا تقريبًا مع نظيره المصري في كل شيء، حيث أعلن السودان عدم التوقيع على اتفاقية عنتيبي لدول حوض النيل بشكلها الحالى ما لم يتم الاتفاق حول القضايا العالقة، وأعلنت مصر تمسكها بالاتفاقات السابقة لتنظيم مياه النيل.