دلالات الموقف الجزائري من قمة دول الساحل الأفريقي
تقرير : دينا العشري
حمل الرفض الجزائري لطلب كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا بمشاركة الجزائر في قمة باماكو لدول الساحل التي عقدت الأحد 2يوليو 2017م، في العاصمة المالية باماكو كضيف شرف أو عضو ملاحظ بمعية الرئيس الفرنسي، العديد من الدلالات حول موقف الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تجاه دول الساحل الأفريقي الخمس (موريتانيا، تشاد، مالي، بوركينافاسو، النيجر)، وكذلك تجاه فرنسا.
مبرر رفض الجزائر لحضور قمة باماكو
رفض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإيفاد رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون أو وزير الشؤون الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل أو تحديد ممثل خاص وشخصي له لتمثيل الجزائر في قمة دول الساحل في العاصمة المالية باماكو ، حسب ما ذكره مصدر ديبلوماسي جزائري رفيع المستوى.
حيث برر بوتفليقة هذا الرفض تجاه هذا التجمع الإقليمي الأفريقي والذي عندما تأسس منذ سنتين بـأنه لم يتم دعوة الجزائر للانضمام إليه أو حتى مشاورتها في إنشائه. وقد جاء هذا الرفض الجزائري للطلب الفرنسي أثناء المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء 28 يونيو 2017، كذلك رفض طلب الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا مشاركة الجزائر في القمة التي احتضنتها بلاده لدول الساحل كضيف شرف أو عضو ملاحظ بمعية الرئيس الفرنسي، وقد رفض بوتفليقة حتى مشاركة السفير الجزائري في باماكو لحضور جانب من أشغال هذه القمة، حيث اعتبر مجموعة دول الساحل تنكرت لمساعي الجزائر الحثيثة في مكافحة الإرهاب والتهريب بمنطقة الساحل الأفريقي، والتي قد بدأت في مارس 2010 حيث عقدت الجزائر قمة انشأت على أثارها لجنة مشتركة لمكافحة الإرهاب بقيادة الأركان ، لتضم كل من مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينافاسو والجزائر، واتخذت مقرا لها في تمنراست في جنوب الجزائر مع مركز استخباراتي في الجزائر العاصمة، وذلك بغرض التعاون الأمني فيما بينها ومحاربة تنظيم “القاعدة” دون أي تدخل غربي.
فكانت هذه المبادرة التي أرادت بها الجزائر إقناع هذه الدول بضرورة التوحد في “حلف أفريقي” يحل مشاكله الأمنية بمفرده مع استبعاد أي تدخل أجنبي بالمنطقة، مركزة على دعم عدة جوانب كانت ترى فيها نجاح مشروعها، منها تخصيص 50 ألف جندي مع إمكان توفير الأسلحة والتدريب والمعلومة الاستخباراتية، التي تعتبر أهم عنصر في صناعة أي قرار عسكري، مع استبعاد ضغط الطرف الآخر كالفدية التي باتت لغة الجماعات الإرهابية لابتزاز أموال الغرب.
ونتيجة لعدم قيام هذه اللجنة بأي عمليات عسكرية مشتركة، أعلن قادة الدول الخمس الأفارقة، من دون الجزائر تشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي في فبراير 2016م، وبرعاية ودعم من الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته الجزائر ضربة موجعة لاتفاق الدول الستة التي أبرمت في الجزائر في 2010، حيث سارعت دول الساحل الأفريقي إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لدعمها في مكافحة الإرهاب، متجاهلة اتفاق الجزائر التي تجمعها منذ 7 سنوات، ليتأكد سقوط مبادرة الجزائر، متجاهلة الجهود الكبيرة التي بذلتها الجزائر لمكافحة الإرهاب وزرع الأمان في المنطقة.
حيث أعلن الرئيس التشادي، إدريس ديبي، إن الدول الأعضاء في المجموعة (مالي، تشاد، النيجر، بوركينافاسو وموريتانيا) تقع على “خط المواجهة ضد الخطر الإرهابي”، وأن هذه الدول ستسعى للحصول على تمويل لقوتها المشتركة من الاتحاد الأوروبي، بحجة أنها ستوفر على أوروبا الزج بجنودها في عمليات داخل أفريقيا في وقت “يتنامى فيه خطر الإرهاب”.
وتطرح السياسة الجديدة التي تنتهجها دول الساحل، بلجوئها إلى الاتحاد الأوروبي، لمكافحة إرهابها، عدم جدوى الاتفاق المبرم في 2010 في الجزائر، بين دول الساحل الأفريقي والذي ينص على أهمية التعاون على المستوى الإقليمي، مع العمل بصورة جماعية لمحاربة “القاعدة” في صحراء الساحل التي تمتد لآلاف الكيلومترات، من دون أي تدخل أجنبي للدول الغربية مهما كان شكله وأهدافه ومسمياته.
تأسيس مجموعة دول الساحل من دون الجزائر
تم تأسيس مجموعة دول الساحل الخمس والتي تقدر مجموع مساحتهم بأكثر من خمسة ملايين كلم مربع، بمبادرة موريتانية، من أجل مواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي. وتضم مجموعة دول الساحل النيجر وبوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، بالإضافة إلى موريتانيا، في ديسمبر 2015 في نواكشوط، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد التمويلات واستقطاب الاستثمار الأجنبي لتحقيق التنمية في المنطقة، خاصة للدول الأعضاء.
حيث جاء إعلان هذه المجموعة الجديدة في بيان صدر في ختام قمة مصغرة ضمت الرئيس الموريتاني والرئيس الدوري الجديد للاتحاد الأفريقي محمد ولد عبدالعزيز، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس النيجر محمد ايسوفو، ورئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، والرئيس التشادي إدريس ديبي.
وأسندت رئاسة المجموعة إلى الرئيس الموريتاني، كما تقرر أن تستقبل موريتانيا مقر الأمانة الدائمة لهذه المجموعة التي ستتولاها النيجر، على أن تستضيف تشاد القمة المقبلة للمجموعة التي جرت سنة 2016، وفيها تم الاتفاق على انشاء قوة مشتركة والتي عرفت بالميدان.
ووضع رؤساء هذه الدول في الاجتماع التأسيسي للمجموعة برنامجاً طموحاً لإخراج المنطقة من كابوس الفقر والجهل والجوع، والتنسيق للتصدي للإرهاب، والتعاون في مجال الأمن وواجهة تجارة المخدرات والتهريب. كما تعول دول الساحل على التعاون الدولي لبدء برنامج استثماري بقيمة 15 مليار دولار، من عام 2015 حتى 2017 يخصص لتعزيز الأمن، واستتباب الاستقرار، وترقية التنمية، وإرساء فضاء ساحلي صحراوي آمن يضمن لجميع شعوبه تحقيق الازدهار والعيش الكريم. كما انتخبوا النيجيري ناجم الحاج محمد، أمين دائم لمجموعة “الخمس في الساحل” التي سيكون مقره في نواكشوط.
وفي ختام القمة التأسيسية والأولى في نواكشوط ، دعا رؤساء تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو الأمم المتحدة إلى تشكيل قوة دولية للتدخل عسكرياً والقضاء على المسلحين في ليبيا. وفي هذا السياق أعلن الرئيس الموريتاني، ولد عبد العزيز أن دول المجموعة طلبت رسمياً من مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي تشكيل قوة دولية للتدخل العسكري السريع في ليبيا. وأضاف قائلاً “الأمر يعود الى الشعب الليبي فهو من يحدد طريقة الخروج من الأزمة وأعتقد أنهم باتوا مقتنعين الآن بأهمية التدخل الدولي لحماية المؤسسات وإيجاد قوة على الأرض لحماية خيار الشعب الليبي”.
ووجه قادة بلدان المجموعة نداء إلى المنظومة الدولية لدعم جهودها في الساحل في حربها من أجل تعزيز الأمن والاستقرار وترقية التنمية. وشارك في القمة التي نظمت مباشرة بعد قمة “مسار نواكشوط” كل من الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، والتشادي إدريس ديبي، ورئيس النيجر محمد ايسوفو، والرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو ميشال كافاندو، إضافة الى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
وقد اعتبر الرئيس الموريتاني في ختام القمة أن هذه المجموعة الجديدة “لا تتناقض مع مجموعة دول الساحل والصحراء ولا مع اللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل”.
ويذكر أن شهدت مالي نشاطاً مكثفاً لتنظيمات تابعة للقاعدة خلال العامين 2012 و2013، وتمكنت تنظيمات إسلامية متطرفة من السيطرة على شمال مالي لفترة قبل تدخل فرنسي أفريقي طردها من هذه المنطقة، ولكن قبل أزمة مالي وخلال العامين 2010 و2011 شنت موريتانيا حملات عسكرية استهدفت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الأراضي المالية وصفتها بأنها “وقائية”.
ابعاد الاتصال الفرنسي بالرئيس الجزائري
رأى مراقبون أن اتصال الرئيس الفرنسي بنظيره الجزائري عشية توجهه إلى باماكو، لم يكن هباءً حيث توقعوا طلب الرئيس الفرنسي الدعم المالي من الجزائر، خاصة وأن ماكرون أبدى نواياه لطرح مسألة التمويل على دول أوروبية على غرار ألمانيا وهولندا وبلجيكا وحتى الولايات المتحدة الأميركية في إطار الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
بالإضافة إلى تأكيد الرئيس الفرنسي على تفعيل مشاريع التعاون والشراكة المشتركة بينهم خاصة قبل الزيارة التي سيقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر خلال الأسابيع المقبلة.
كما أكد ماكرون خلال محادثته حول السبل والوسائل الكفيلة بالمساهمة في تسريع عملية تجسيد اتفاق الجزائر 2015 من أجل السلم والمصالحة الوطنية في شمال مالي الذي كلفت الجزائر بمتابعة تطبيقه بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين لمالي من بينهم فرنسا.
وتعتبر المكالمة الهاتفية الأخيرة الثالثة من نوعها بين الرئيسين الجزائري والفرنسي منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا لفرنسا في مايو الماضي.
ومن هنا يتضح أنه نتيجة إمتلاك الجزائر الخبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، فإن ماكرون يريد مشاركة الجزائر بإحياء اتفاق السلام، مع مشاركة دول الساحل الأخرى في متابعة تطبيقه، ومحاولة نشر دوريات مختلطة في كيدال” شمال مالي، حتى تستطيع القوات طرد الجماعات الجهادية وفرض السيطرة على كامل المناطق التى ما تزال خارج السيطرة.
قمة باماكو 2017بداية لمرحلة جديدة لإطلاق القوة الأفريقية
عقدت بالعاصمة المالية باماكو الاحد 2 يوليو 2017، قمة دول الساحل الأفريقي والتي ضمت كل موريتانيا، ومالي، وتشاد، والنيجر وبوركينافاسو، وبحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ، والتي جاءت لتطرح الشكل النهائي للقوة الإقليمية المكلفة بمحاربة الإرهابيين في المنطقة. ونصّبت القمة، قائداً جديداً للقوة المشتركة، وهو الجنرال المالي ديدييه داكو، والذي سبق وأن كان رئيس أركان الجيش المالي، وأقيل من منصبه خصيصاً للقيام بهذه المهمة.
وقد توصلت القمة إلى تخصيص ميزانية للقوة الإقليمية بقيمة 423 مليون يورو، وقد وعد ماكرون بتسهيل التمويل لعمليات القوة بمساعدة شركاء أوروبيين. وقد جاء عقد القمة غداة نشر مجموعة مرتبطة بـ”القاعدة” فيديو يظهر 6 رهائن أجانب اختطفوا في مالي وبوركينا فاسو بين 2011 و2017، وهم من فرنسا وكولومبيا وأستراليا وجنوب أفريقيا ورومانيا وسويسرا. لذلك توعد ماكرون خلال القمة، أن تبذل بلاده كل طاقاتها من أجل القضاء على هؤلاء الخاطفين، ومحاربة المتشددين ومكافحة الأنشطة غير المشروعة في منطقة الساحل.
وقال الرئيس الفرنسي في كلمته أمام رؤساء دول الساحل إنه في «كل يوم يتعين علينا قتال الإرهابيين والمجرمين والقتلة،.. لذلز يجب علينا بحسم وقوة أن نقضي عليهم جميعا”،وأكد ماكرون بذلك عزمه على مواصلة الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي التي بدأها سلفه فرنسوا هولاند، عندما شن الحرب على تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي سيطر على شمال مالي عام 2012. وكانت فرنسا قد نجحت في عملية «سرفال» العسكرية بشمال مالي (2013) من طرد مقاتلي تنظيم القاعدة، وبعض الجماعات المرتبطة به، من مدن شمال مالي، ولكن هؤلاء المقاتلين تجمعوا في مناطق نائية وأصبحوا يشنون هجمات سريعة وخاطفة ضد القوات الأممية والفرنسية والمالية، لتطلق فرنسا عام 2014 عملية «برخان» العسكرية لمحاربة الإرهاب في الساحل بالتعاون مع الجيوش المحلية.
وفي كلمته أمام القمة، وعد الرئيس الفرنسي بتقديم مساعدة مالية وعسكرية لقوة مجموعة دول الساحل الخمس، لكنه حضها على إظهار مزيد من الفاعلية في التصدي للمتطرفين الإسلاميين، وأوضح أن باريس ستقدم 70 عربة، فضلا عن دعم عملياتي، قائلا: “في المستوى العسكري نقدم جهدا تفوق قيمته ثمانية ملايين يورو حتى نهاية العام” للمشروع الذي أطلق عليه “التحالف من أجل الساحل”. كما عبر عن الأمل في أن يتم إثر اجتماعه بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في 13 يوليو الحالي من “الإعلان عن تعهدات مشتركة حيال هذا التحالف”
وفي النهاية وبحسب ما اتفق عليه قادة دول الساحل الأفريقي، فإن هذه القوة العسكرية ستكون في المرحلة الأولى متكونة من 5 آلاف جندي، وسوف تبدأ مهامها قبل نهاية العام الحالي، على أن تتمتع بحرية وقدرة على التحرك عبر الحدود بين دول الساحل لمطاردة الإرهابيين والمهربين. وستنتشر هذه القوة في البداية على حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر لتنضم في وقت لاحق إلى قوة برخان الفرنسية التي تطارد الجهاديين في دول الساحل، وبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
1- الرئيس بوتفليقة يرفض طلب ماكرون للاشتراك في قمة دول الساحل
http://kabootar.biz/news/
2ـ الجزائرتقاطع قمة دول الساحل بباماكو بحضور الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون
http://www.cawalisse.com/politique/9862.html
3- الفجر، قمة دول الساحل الخمس خارج رهانات الجزائر،
قمة دول الساحل الخمس خارج رهانات الجزائر
4- السوسنة، بوتفليقة يوضح لماكرون سرّ رفض الاشتراك في قمة دول الساحل
https://www.assawsana.com/portal/pages.php?
5ـ صابر بليدي، قمة حكومات الساحل وفرنسا تهدد بسحب الملف المالي من الجزائر.
http://www.alarab.co.uk/article
6 – الشيخ محمد، «قمة باماكو» تحدد شكل القوة الإقليمية ضد الإرهاب
http://elaphjournal.com/Web/NewsPapers/2017/7/1156033.html