دور الأمم المتحدة في أفريقيا
مقدمة
اختلفت الأدوار التي قامت بها الأمم المتحدة في أفريقيا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. الخ. والتي لاقى بعضها النجاح ولحق ببعضها الفشل للعديد من العوامل سواء المتعلقة بالواقع الأفريقي نفسه أو بالآليات التي استخدمتها الأمم المتحدة فى أداء هذه الأدوار، ونتناول فى النقاط التالية بشيء من التفصيل هذه الأدوار مع تقيم لأداء الأمم المتحدة لهذه الأدوار فى أفريقيا.
دور الأمم المتحدة فى أفريقيا
أولا: المستوى السياسي والأمني للأمم المتحدة فى أفريقيا: عقب نهاية الحرب العالمية الثانية وقيام الأمم المتحدة كانت هناك أربع دول أفريقية فقط تتمتع بالاستقلال وهي مصر، ليبريا إثيوبيا، جنوب أفريقيا، ومن ثم فقد واجهت الهيئة منذ قيامها المشكلات فى القارة الأفريقية، وفى مقدمتها مشكلة الاستعمار وحق الأفارقة فى التمتع بحريتهم وممارسة نظام الحكم الذي يرتضونه حسبما جاء فى ميثاق المنظمة الدولية. كذلك مشكلات التنمية والأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية والثقافية وغيرها من المشكلات المترسبة من عهد الاستعمار ـ وهو الأمر الذي بدا فى النقاط التالية:
أـ دور الأمم المتحدة فى مكافحة الاستعمار: سجل القرار رقم 1514 الذى اتخذته الجمعية العامة فى الدورة 15 بتاريخ 14 ديسمبر 1960 أهمية خاصة بالنسبة للدول الأفريقية، وقد أطلق على هذا القرار إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة وهو بجانب إعلان حقوق الإنسان من أهم الدوافع لمساندة الهيئة الدولية لحركات التحرر الوطني، كما كان من نتائجه تحرر عدد كبير من الدول الأفريقية عام 1960 فيما سمى بعام أفريقيا، من جانب آخر فقد اتخذت الهيئة الدولية لمساندة حركات التحرير قرارا آخر فى 1961 بإنشاء ما أطلق عليه اللجنة الخاصة لبحث أوضاع الأقاليم التي لم تتمتع بحريتها واستقلالها وتم تقديم تقرير بذلك للجمعية العامة فى ضوء القرار رقم (1541) وإعلان حقوق الإنسان، كما كان قيام منظمة الوحدة الأفريقية فى 25 مايو 1963 والتوافق بين مبادئها وأهدافها ومبادئ وأهداف المنظمة الدولية خطوة هامة أخرى من خطوات التنسيق بين المنظمتين لتحقيق استقلال وسيادة الدول الأفريقية وفى نفس السياق المتعلق بمكافحة الاستعمار.
لقد احتلت المسألة الاستعمارية حيزاً لا بأس به في ميثاق الأمم المتحدة حيث شغلت 3 فصول كاملة منه هي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، ومن خلال تلك الفصول يتضح أن الميثاق لم يتخذ موقفاً ثورياً من المسألة الاستعمارية منذ البداية فلم يكن نظام الوصاية والمجلس الذي أوكل إليه إدارة هذا النظام والإشراف عليه، سوى تطوير محدود النطاق لنظام الانتداب الذي كانت عصبة الأمم قد اسسته لتمييز الوضع القانوني لمستعمرات الدول المهزومة في الحرب العالمية الأولى عن بقية المستعمرات.
فعند قيام الأمم المتحدة قررت الدول المنتصرة أن يسري نظام الوصاية أيضاً على المستعمرات التي كانت خاضعة للدول المهزومة في الحرب العالمية الثانية، وعلى أي مستعمرات أخرى ترغب الدول المسؤولة عن إدارتها ووضعها طواعية تحت هذا النظام، وكان من المفترض أن يكون هذا النظام مؤقتاً وينتهي بحصول المستعمرات الخاضعة له على استقلالها بالكامل أو الحكم الذاتي.
لقد شكّل موقف ميثاق الأمم المتحدة خطوة متقدمة جداً إلى الأمام بالمقارنة بموقف عصبة الأمم من ناحيتين أساسيتين وهما:
– إن ميثاق الأمم المتحدة لم يميز بين المستعمرات التي يتعين عليها أن تخضع للوصاية واعتبر جميع الأقاليم التي تخضع لهذا النظام مرشحة لنيل الاستقلال أو الحكم الذاتي على الأقل خلال فترة معينة.
– إدراج إعلان الأقاليم التي لا تتمتع بالحكم الذاتي ضمن نصوص الميثاق أضفى عليها صفة وقيمة مبادئ القانون الدولي العام، وبالتالي منح المستعمرات الأخرى التي كانت تحت سيطرة الدول المنتصرة فى الحرب وضعا قانونيا دوليا للمرة الأولى..
لا شك أن توافر المناخ الدولي ساعد على أن يأتي موقف ميثاق الأمم المتحدة من المسألة الاستعمارية أكثر تقدماً، من موقف عصبة الأمم، ولكنه لم يكن كافياً لكي يصبح هذا الموقف مناهضاً، أو رافضاً بشكل صريح للاستعمار من حيث المبدأ.
إلا أن هذا الموقف سرعان ما تعرض للضغوط التي تطالب بالتغير المستمر، حتى أنه مع بداية الستينيات من القرن الماضي كان الموقف السائد في الأمم المتحدة من هذه المسألة مغايراً لما ورد بشأنها في الميثاق، وذلك ربما يكون لعدة أسباب أهمها:
– تصاعد حركات التحرر الوطني في المستعمرات، ولجوء العديد فيها إلى الكفاح المسلح، وإلى غيره من أشكال المقاومة السياسية العنيفة.
– موقف الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة خصوصا، والمعسكر الشرقي عموماً المناهض للاستعمار، والداعم لحركات التحرر الوطني سياسياً على المسرح الدولي، ومادياً على أرض الواقع. وباعتبار ان الولايات المتحدة نفسها عانت من الاستعمار، وخاضت حرباً للحصول على استقلالها.
التحدي الذى واجه الجمعية العامة: إن التحدي الحقيقي الذي واجهته الجمعية العامة منذ البداية، هو كيف تستطيع أن تحكم رقابتها على الدول الاستعمارية، وتمكن الشعوب المستعمرة من ممارسة حقها الطبيعي في تقرير مصيرها ، حيث لجأت إلى سلسلة متوالية من الإجراءات ، واستخدمت عدة آليات للوصول إلى تحقيق ذلك الهدف دون إجراء تعديل فى الميثاق وهو ما اعتبر انجازا حقيقيا. واعتبر عام 1960 هو عام “القارة الافريقية” وذلك ان الاتحاد السوفيتي تقدم بمشروع قرار إلى الجمعية العامة لتصفية الاستعمار تصفية كاملة ونهائية،. ، وقُوبل مشروع القرار بحماس بالغ ، وتبته الجمعية العامة بأغلبية ساحقة ، وصدر القرار في ديسمبر 1960 في صورة إعلان خاص بمنح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، حصلت فيه على الاستقلال ، وقُبلت كأعضاء في الأمم المتحدة 15 دولة أفريقية .
وقد قرر هذا الاعلان : أن إخضاع الشعوب للحكم والسيطرة الأجنبية هو إنكار لحقوق الإنسان ، ينطوي على خرق الميثاق. *انة يعوق تنمية العلاقات الودية بين الشعوب ، مما يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين على المدى الطويل. وفى العام التالي أنشات الجمعية العامة لجنة خاصة من 24 عضو عام 1963 أُطلق عليها”لجنة تصفية الاستعمار ” ، وذلك للبحث بصفة منتظمة تطبيق الاعلان ، ووضع التوصيات التي تساعد على التنفيذ ، وإزالة العقبات التي تعترض طريقه ، وكان من الطبيعي أن تثير الدول الاستعمارية كثيراً من العقبات للحيلولة دون تنفيذ القرار، خصوصاً أن الدول التسع التي امتنعت عن التصويت عليه كانت دول استعمارية ، أو تدير أقاليم مشمولة بالوصاية أو دولاً تابعة ، ولكن صدور القرار بأغلبية 89 صوت منحه قوة معنوية هائلة وعبر عن إرادة المجتمع الدولي. ثم الأخذ في الاعتبار التوزيع الجغرافي العادل عن تشكيل اللجنة ، وعليه أصبحت مكونة في أغلبيتها من الدول المناهضة للاستعمار .
ب ـ دور الأمم المتحدة فى تصفية النظام العنصرى بجنوب أفريقيا: قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1946 بتوجيه نداء لحكومة بريتوريا بأن تلتزم بما جاء فى ميثاق الأمم المتحدة من مبادئ خاصة بالمساواة العنصرية، والى إثارة القضية للمرة الأولى فى الدورة السابعة للجمعية العامة (ديسمبر 1952)، كما تمت الإشارة أيضا إلى قراري مجلس الأمن أول إبريل 1960، والجمعية العامة فى 13 إبريل 1961 فى أعقاب مذبحة شاربفيل فى 21 مارس عام 1960، الداعيان إلى تحقيق الوفاق العنصرى القائم على المساواة ونبذ سياسات الأبارتهيد وقد تبلور هذا العمل المحدد للأمم المتحدة فى القيام بثلاثة أعمال رئيسية:
ـ ممارسة الضغط على حكومة جنوب أفريقيا لإقناعها بإنهاء القمع والعدول عن سياسة الفصل العنصري.
ـ تقديم المساعدة المناسبة لضحايا الفصل العنصري ولأولئك الذين يكافحون لبناء مجتمع يتمتع فيه جميع السكان بفرص وحقوق متساوية.
ـ نشر المعلومات لتركيز الرأي العالم العالمي على لا إنسانية الفصل العنصري وتشجيع هذا الرأي على ممارسة تأثيره فى دعم جهود الأمم المتحدة من أجل التوصل إلى حل سلمى عادل.
وفى إطار هذه الخطوات الثلاث شهدت الفترة من 1967 إلى 1989 تكثيفا متزايدا لجهود الأمم المتحدة من أجل دعم وتطوير الحملة الدولية المناهضة للفصل العنصري، وهو الأمر الذي مهد للتحرك نحو الحل السلمي فى مطلع عام 1989 وإجراء أول انتخابات ديمقراطية لا عنصرية فى أبريل 1994 ونجاح المؤتمر الوطني الأفريقي فى تشكيل أول حكومة وطنية. استطاعت الجمعية العامة إحكام الحصار والعزلة السياسية حول الدول الاستعمارية التي رفضت التعاون معها مثل البرتغال، جنوب أفريقيا، واتخذت قرارات عديدة لمساعدة حركات التحرر الافريقي في المستعمرات البرتغالية، وبالفعل تمكن العديد من هذه الحركات في قيادة الكفاح المسلح نحو الاستقلال بمساعدة الأمم المتحدة، وأصبحت دولاً أعضاء فيها. كما وقفت الجمعية العامة بصلابة ضد سياسة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا، وضد استمرار احتلال هذه الدول لإقليم جنوب غرب أفريقيا ” ناميبيا “، وضد الحكم العنصري في روديسيا الجنوبية، ودفعت مجلس الأمن لاتخاذ عقوبات ضدها. وهكذا اسهمت الأمم المتحدة اسهاماً كبيراً وضخماً في القضاء على الظاهرة الاستعمارية تماما، فيما عدا بعض الحالات المهمة، وذات الدلالة الخاصة.
ج. دور الأمم المتحدة فى تسوية المشكلات فى أفريقيا: ظهر هذا الدور واضحا فى مرحلة ما بعد الحرب الباردة، وتدور فكرة هذا الدور الجديد للأمم المتحدة أنه فى ظل تطورات الوضع الدولي الجديد اكتسبت الصراعات الأفريقية أبعادا جديدة فازدادت تعقيدا أو تشابكا واتسمت فى كثير من الأحيان بطابع فوضوي أدى إلى انهيار سلطة الدولة المركزية ذاتها، وهو ما أسهم فى تزايد دور الأمم المتحدة فى أفريقيا وعملياتها فى حفظ السلم والأمن الدوليين فى أفريقيا، ومن بين هذه العمليات:
1- الدبلوماسية الوقائية: كما حدث فى إرسال مراقبين مدنيين للأمم المتحدة إلى جنوب أفريقيا، للحد من مستوى العنف هناك وذلك بناء على قرار مجلس الأمن رقم 772 (1992).
2- عمليات حفظ السلم: وذلك فى حالات عديدة، كما فى أنجولا وليبيا وليبريا وموزمبيق ورواندا والصحراء الغربية وزائير.
3- وعمليات الجهود الشاملة الرئيسية: كما حدث فى الصومال بالقيام بحفظ السلم وتقديم مساعدات إنسانية والتدخل العسكري، لأول مرة فى تاريخ الأمم المتحدة لأغراض إنسانية بحتة بهدف تأمين عمليات الإغاثة الإنسانية بالإضافة إلى استعادة السلم والنظام والاستقرار فى الصومال.
4- ثم عمليات بناء السلم بعد انتهاء الصراع: كما حدث فى أنجولا والصومال، الضرورات الإنسانية، بالعمل على رفع المعاناة عن اللاجئين والمشردين نتيجة كوارث طبيعية أو صراعات مسلحة، كما حدث فى مصر بعد زلزال 1992، وفى الجنوب الأفريقي إزاء مشكلة الجفاف هناك، وفى جنوب السودان فيما عرف بعملية شريان الحياة لتخفيف المعاناة الناجمة عن الصراع المسلح.
ظهر هذا الدور للأمم المتحدة ايضا فى تسوية مشكلة الصحراء الغربية وبشكل أوضح فى أواخر الثمانينات، حيث صدر قرار مجلس الأمن فى سبتمبر 1988 متضمنا العناصر الرئيسية للتسوية، داهمها وقف إطلاق النار والإجراءات المرتبطة بتطبيق الاستفتاء فى الإقليم، وهي الإجراءات التي اقترحها الأمين العلم وسبق أن وافق عليها الطرفان المتنازعان، ومنذ ذلك الحين تحدد أكثر من موعد لإجراء الاستفتاء، إلا أن الهدف لم يتحقق بعد، رغم الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة بالتعاون مع منظمة الوحدة الأفريقية.
كذلك دور الأمم المتحدة فى إنهاء الحرب الأهلية الأنجولية والتي تبلورت فى قيام مجلس الأمن بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للتحقيق فى أنجولا للإشراف على انسحاب القوات الكوبية من أنجولا وذلك فى الفترة من يناير 1989 إلى مايو 1991، ثم تم مد انتداب بعثة الأمم المتحدة فى أنجولا إلى 17 شهرا أخرى لحين إجراء الانتخابات فى خريف عام 1992 والتي تم أيضا مراقبتها إلا أن نتائجها لم تلق قبولا من جانب منظمة يونيتا المعارضة، ومن ثم تجدد القتال بين طرفي الصراع وقامت الأمم المتحدة بالوساطة بين الطرفين حتى تم التوصل إلى بروتوكول لوساكا للسلام فى أنجولا فى نوفمبر 1994، فضلا عن تقديمها المساعدات الإنسانية للمتضررين فى الحرب الأهلية وذلك بالتعاون مع برنامج الغذاء العالمي وبعض المنظمات غير الحكومية.
د. إضفاء الشرعية على الدول المستقلة حديثا : نص ميثاق الأمم المتحدة على عدة مبادئ تضمنت عدم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات بين الدول ، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لهذه الدول ، والمساواة في السيادة بينها ، وحق الشعوب في تقرير مصيرها واختيار نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحرية ، وواجب الدول في تنفيذ التزاماتها وفقا للميثاق بحسن نية ، وفي تسوية نزاعاتها بالطرق السلمية ، وكل هذه المبادئ تضمنها تفصيلا إعلان المبادئ الخاصة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا للقانون الدولي والمطابقة لميثاق الأمم المتحدة ثابتة. لقد اختلف دور الأمم المتحدة اختلافاً كبيراً في إدارة الأزمات الدولية خلال مرحلة الحرب الباردة ، حيث لم يتخذ مجلس الأمن أي نوع من العقوبات المنصوص عليها في الميثاق ، ضد أي دولة من الدول التي ارتكبت عدواناً أو انتهكت السلم والأمن الدوليين ، أو أخلت به طوال فترة الحرب الباردة باستثناء اللجوء إلى العقوبات الاقتصادية المحدودة التي فرضت على كلٍ من جنوب أفريقيا ، ، وروديسيا الجنوبية ” زيمبابوي ” بسبب سياستهما العنصرية ، وقد اضطر مجلس الأمن لفرض هذه العقوبات تحت إلحاح شديد من جانب الجمعية العامة ، والضغط المتواصل من المجتمع الدولي وخاصة من الدول الأفريقية…ومن نماذج فى دور الأمم المتحدة فى إسباغ الشرعية :
*جنوب أفريقيا : حيث أدانت الجمعية العامة منذ السنوات الأولى للأمم المتحدة ، سياسة الأبارتهيد التي كانت تمارسها حكومة جنوب أفريقيا باعتبارها جريمة ضد الإنسانية ، وتنطوي على خرق فاضح لميثاق الأمم المتحدة ، وكل مواثيق حقوق الأنسان ، لكن حكومة جنوب أفريقيا اعتبرت ذلك تدخلاً في شؤونها الداخلية ، ووجه مجلس الأمن في عام 1963 نداء إلى كافة الدول بحظر بيع الأسلحة والذخيرة والمركبات العسكرية أو نقلها إلى جنوب أفريقيا – ولم يشر القرار إلى الفصل السابع – وإنما صدر في صورة توصية أو دعوة موجهة للدول الأعضاء لذلك لم يكن له فاعلية تذكر ، وجددت الجمعية العامة النداء في عام 1965 ، وتحت الضغط المستمر للجمعية العامة اضطر مجلس الأمن إلى أن يتخذ قراراً عام 1970 يدين فيه كل انتهاك لحظر إرسال الأسلحة إلى جنوب أفريقيا ، ودعا جميع الدول إلى تدعيم هذا الحظر، ومع استمرار سياسة الفصل العنصري ، وإقدام جنوب أفريقيا على العدوان المسلح ضد أنجولا ثم ضد زامبيا عام 1976 ، ومع استمرار نداءات الجمعية العامة لمجلس الأمن لاتخاذ قرارات أقوى ضد الحكومة العنصرية فقد تعين الانتظار حتى عام 1977 لكي يفرض مجلس الأمن حظراً إجبارياً استنادا إلى الفصل السابع من الميثاق ، على الأسلحة ضد جنوب أفريقيا ، وكانت هذه أول مرة في تاريخ مجلس الأمن الذي يصدر القرار فيه بالإجماع ” قرار بحظر تصدير السلاح ” ، والذي يشير صراحة إلى الفصل السابع من الميثاق ، واتخذت الجمعية العامة قراراً مماثل بحظر تصدير النفط إلى جنوب أفريقيا ، لكنها فشلت في فرض حظر الزامي ، وإن كانت العقوبات العسكرية والاقتصادية لم يكن لها الدور الحاسم في إنهاء الفصل العنصري ، لكنها ساهمت بلا شك في إقناع قطاع متزايد من النخبة هناك بان استمرار هذه السياسات لن يجر عليها سوى الخراب.
و. حفظ السلام والأمن فى أفريقيا: لقد حظيت القارة الأفريقية بنصيب وافر من عمليات السلام التي أنشأتها الأمم المتحدة منذ انطلاقها عام 1948 حتى مارس 2009. فمن بين إجمالي 63 عملية سلام متنوعة أنشأتها المنظمة خلال تلك المدة، كان نصيب القارة الأفريقية منها 27 عملية. وهو ما يمثل زهاء 43% من إجمالي تلك العمليات، التي تنقسم إلى نوعين أساسيين هما:
*عمليات حفظ السلم التقليدية.
* العمليات المفوضة بمهام بناء السلم.
حيث أنشأت الأمم المتحدة سبع عمليات فى أفريقيا لحفظ السلم هي: قوة الطوارئ الأولى التابعة للأمم المتحدة (نوفمبر 1956- يونيو1967)، عملية الأمم المتحدة فى الكونغو عام 1960، قوة الطوارئ الثانية التابعة للأمم المتحدة (أكتوبر 1973- يوليو1979)، وبعثة الأمم المتحدة الأولى للتحقيق فى أنجولا عام 1989، وبعثة مراقبي الأمم المتحدة فى أوغندا ورواندا عام 1993، ومجموعة مراقبي الأمم المتحدة لقطاع أوزو عام 1994، وبعثة الأمم المتحدة فى إثيوبيا وإريتريا عام 2000.
ومع تدهور الأوضاع الأمنية فى إقليم دار فور في عام 2003، منح مجلس الأمن البعثة العاملة هناك صلاحية تقديم الدعم اللازم لقوات الاتحاد الأفريقي التي تقوم بمهمة حفظ السلم فى دارفور. كما ناقش المجلس إمكانية تحويل بعثة الاتحاد الأفريقي فى دار فور إلى بعثة دولية تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلم فى دارفور. ومن أهم نماذج عمليات حفظ السلام فى القارة نموذج عمليات الأمم المتحدة في الكونغو وذلك لأنها تعد أكبر قوات حفظ السلام التي أنشأتها الأمم المتحدة في تاريخها.
وقد عملت خلال العقد الماضي على إنهاء العنف، وتقديم مساعدات التنمية لهذه البلد التي مزقتها الحرب. حيث تدخلت الأمم المتحدة في الكونغو بعد استقلالها عن بلجيكا عام 1960 على إثر الصراع بين قبائل البحيرات العظمى من الحكومة الجديدة، ثم توقف تدخل الأمم المتحدة حتى التسعينيات حينما أثارت التصفية العرقية والمعارك الدائرة في رواندا اهتماما دوليا. بدأت هذه العملية حين استجاب مجلس الأمن لطلب مقدم من الحكومة الكونغولية للمساعدة على حفظ النظام والقانون، بعد اندلاع الاضطرابات هناك بعد الاستقلال وتدخل القوات البلجيكية بحجة حماية المواطنين ، وتم تكليف قوات الأمم المتحدة في البداية بموجب القرار الذي صدر عام 1960 بمساعدة الحكومة في تشكيل قوة بوليس وطنية ، بعد رحيل القوات البلجيكية ، للحفاظ على النظام وتطبيق أحكام القانون ، وحماية الأرواح والممتلكات في كل انحاء البلاد ، وأثناء الاضطرابات أعلن تشومي حاكم إقليم كاتنجا الغني باليورانيوم الانفصال كدولة مستقلة ، فاضطرت قوات الأمم المتحدة أن تخوض معه معارك محدودة لتعيد وحدة الأراضي الكونغولية طبقاً لما قضت به قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة ، حتى انتهت كل اشكال التمرد العسكري في عام 1964 وتم سحب بعثة الأمم المتحدة بعد ذلك .
وفى عام 1999 تدخلت الأمم المتحدة مرة اخرى لمراقبة تنفيذ اتفاق لوساكا بوقف إطلاق النار الذي وقع بين ست دول كانت مشتركة فى الصراع مع دولة الكونغو. وظلت البعثة متواجدة حتى عام 2001 ثم مددت وجودها وزادت من عددها حيث اعتبرت بعثة الأمم المتحدة في الكونغو هي أكبر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة؛ حيث يبلغ تعدادها حاليا 18,385 شخصا يعملون لصالح المنظمة.
إلا أن بعثة الأمم المتحدة فى الكونغو واجهت أزمات حقيقية منذ بدائتها أهمها:
أ. أزمة سياسية: نجمت من اعتراض الاتحاد السوفيتي، وعدد من الدول الأخرى على أسلوب إدارة الأمين العام لقوات الأمم المتحدة في الكونغو، حتى إن هذا الهجوم وصل إلى حد المطالبة بإقالة الأمين العام.
ب. أزمة مالية: فقد بلغت نفقات العملية ما يزيد عن 400 مليون دولار، حيث رفض الاتحاد السوفيتي ودول أخرى دفع حصتهم فيها، وكان ذلك هو البداية الحقيقية لأزمة مالية مزمنة واجهت الأمم المتحدة.
ج. أزمة اخلاقية: في 2005 واجهت البعثة نقدا شديدا بسبب 150 اتهاما لأفراد منها تورطوا في الاعتداء الجنسي على الأطفال، والدعارة، واغتصاب المواطنين والانتهاكات الجسدية.
مما آثار التساؤلات عن مدى جدوى مثل هذه البعثات فى الدول الأفريقية. 2. الدور الاقتصادي للأمم المتحدة فى أفريقيا: من أهم الأجهزة التابعة للأمم المتحدة المجلس الاقتصادي والاجتماعى والذى أنشأت اللجنة الاقتصادية الأفريقية عام 1958 كجهاز إقليمي متخصص يتبعه يقوم بمباشرة أنشطة اقتصادية موسعة للتشاور وتنسيق السياسات فى شتى مجالات التنمية الاقتصادية والتكنولوجية، وكذلك نشاطها فى مجال توفير المعلومات والبيانات، وتقديم المساعدات الفنية فى هذا المجال لصانعي القرار فى الدول الأعضاء، كما قدمت مساعدات فنية واستشارية فى العديد من مشروعات التنمية الاقتصادية والتكنولوجية وتطور وسائل النقل، والمواصلات والطاقة والتجارة والتمويل وغيرها طرحت اللجنة أيضا فى إطار نشاطها الرئيسي ما يسمى بالإطار الأفريقي البديل لبرامج التكيف الهيكلي وهو الإطار الذى وضعته اللجنة ليكون بديلا أفريقيا، يتماشى مع أولويات التنمية فى القارة للبرامج التي يطبقها صندوق النقد والبنك الدوليين فى الدول الأفريقية والتي عرفت ببرامج التكيف الهيكلي التقليدية.
وفى إطار الدور الجامع للأمم المتحدة فى تحقيق التنمية الاقتصادية فى أفريقيا نجد الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت فى ديسمبر 1961 قرارا باعتبار عقد الستينات هو عقد التنمية الأول، حيث دعت الدول الأعضاء لبذل جهد مشتركة لتحقيق معدل نمو سنوي فى الدول النامية لا يقل عن 5% فى نهاية العقد، والعمل على زيادة صادرات هذه الدول واستقرار أسعارها وتشجيع منحها لرؤوس الأموال بشروط ميسرة، وقد تحدد لذلك ضرورة تحويل نسبة 1% من إجمالي الناتج القومي من الدول المتقدمة إلى الدول النامية كما أن الجمعية العامة 1964 بأنشاء منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأنكتاد) الذى عقد أول مؤتمراته فى جنيف عام 1964 وحضره 120 دولة من بينها 77 دولة نامية، كونت بعد ذلك فيما بينها ما يعرف باسم مجموعة الـ77، وبصفة عامة فقد تمثلت الإنجازات الاقتصادية للأمم المتحدة على المستوى الأفريقي فى التجارة والمساعدات الإنمائية خاصة للدول الفقيرة والتي تحتاج بصورة أكبر إلى تحقيق التنمية الاقتصادية فى أفريقيا. رغم اهتمام ميثاق الأمم المتحدة اهتماما كبيراً بالتعاون الدولي في المسائل الاقتصادية، واعتباره أن للأمم المتحدة دوراً أساسياً يتعين أن تقوم به لدعم هذا التعاون، إلا أن هذا الدور لم يخرج عن كونه دوراً تنسيقياً وإرشادياً، ولم يرتب على الدول التزامات محددة واجبة التنفيذ لتحقيق الأهداف التي رسمها.
إن هذا التصور سرعان ما تعرض لنوعين من الضغوط، كانا لهما تأثيراً كبيراً على ممارسات الأمم المتحدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، فمن ناحية حاولت دول العالم الثالث طرح مشكلات التخلف والتنمية فيها باعتبارها مشكلة دولية يتعين أن تتصدر جدول أعمال الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي، ومن ناحية ثانية برزت مشكلات إلى حيز الوجود لا يمكن حلها إلا على أساس كوني أو عالمي شامل، مثل مشكلات الهجرة والبيئة والتحركات السكانية، وغيرها.
ثانيا: على المستوى الاقتصادي:
أهم الأجهزة التابعة للأمم المتحدة والتي كان لها دورا ملحوظا فى أفريقيا هما البنك والصندوق الدوليين والتي نوضح أدوارهما كالتالي:
دور البنك الدولي وصندوق النقد الدولي: – تغير دور البنك الدولي على مر السنين، فقد أنشئ فى الأساس للنهوض بمستويات التنمية الاقتصادية عن طريق القروض والدعم الفني. ثم تحول بعد ذلك إلى مؤسسة واسعة نطاق المساعدة فى إنشاء البنية الأساسية الاقتصادية فامتد نشاطها إلى مشروعات فى قطاع الصحة والتعليم إضافة إلى برامج أخرى تهدف إلى مكافحة الفقر فى الدول النامية. على الجانب الآخر، كان الهدف الأساسي من إنشاء صندوق النقد الدولي هو تزويد الدول التي تتعرض لعجز فى موازين المدفوعات بمساعدات مالية قصيرة الأمد. ثم تحول صندوق النقد الدولي إلى مؤسسة تدير الأزمات المالية فى الأسواق النامية، وتقدم قروضا طويلة المدى للكثير من الدول النامية، وتقدم الاستشارات والنصح إلى دول كثيرة، كما تجمع البيانات الاقتصادية وتنشرها. وتخضع القروض التي تقدمها المؤسسات المالية لدول العالم النامي إلى مجموعة معينة من الاشتراطات التي تهدف فى المقام الأول إلى ربط إتمام التحويلات المالية إلى الدولة المعنية بقيامها بتنفيذ سياسات أساسية، وتضمن للدولة المقترضة استمرار الحصول على التمويل إذا وضعت جميع السياسات موضع التنفيذ.
ومن العجيب أن هناك بعض الدول التي تستمر فى الحصول على القروض رغم عدم قدرتها على الوفاء بالشروط الأصلية التي تم الاقتراض بموجبها. من هذه النماذج نموذج نيجيريا: حيث لم تتمكن رغم العناية المتزايدة من البنك الدولي، من إدخال تحسين ملحوظ على أدائها الاقتصادي، بل ظلت أكثر اعتمادا على قروض البنك الدولي بينما أخذت المنح المقدمة من المانحين الدوليين تتضاءل مع مرور السنين. وظلت نيجيريا مرارا وتكرارا تطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي ومن البنك الدولي، ولكنها فى الغالب كانت تعلق المفاوضات على القرض بسبب كثرة الشروط المفروضة عليه. والتي كانت لا تخدم التنمية داخل الدول النامية وثبت أنه من المستحيل أن تتمكن هذه الدول الأفريقية من تلبية هذا العدد من الشروط وأن تنجح فى نفس الوقت فى تحسين مستوى معيشة شعوبها بكفاءة.
حيث على سبيل المثال كان لتنزانيا النصيب الأكبر من هذه الشروط حيث بلغ عددها 150 شرطا. وفى محاولة أخرى سعى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي خلال العقد المنصرم إلى تقوية التعاون فيما بينهما فى مجال الاشتراطات وبالتالي إلى تحسين تصميم برامج كل منهما. وركزت المؤسستان على زيادة ملكية الدولة فى برامج الإصلاح وفى توضيح الأدوار المؤسسية. ونتج عن ذلك صدور قرار يركز على وضع شروط ترتبط بنتائج البرنامج بدلا من ارتباطها بأعمال الحكومات. وتتلخص الفكرة فى فرض الحد الأدنى من الشروط مثل الشفافية فى إدارة الميزانية والحكومة، والسماح للحكومة بالسيطرة الكاملة على عملية وضع السياسات وتنفيذها، وهو ما يعتبر من الجوانب الأساسية للملكية ونجاح الإصلاح. وتعتبر اتفاقية الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (NEPAD): تعبيرا عن مجهودات القادة الأفارقة الهادفة إلى القضاء على الفقر وإلى وضع بلدانهم على طريق النمو والتنمية المستدامة.
وتعد نيباد الإطار القائم على المبادرات الداخلية للتفاعل بين دول أفريقيا وبقية دول العالم لتعزيز برامج التنمية فى القارة الأفريقية. ولذلك تسعى المبادرة إلى جذب استثمارات هائلة ببناء المؤسسات وتنمية القطاعات الرئيسية فى الدول الأفريقية، كما تركز بصفة خاصة على تطوير الديموقراطية، وأسلوب ممارسة السلطة السياسية، وتطوير البنية الأساسية وتخفيض حدة الفقر، وتحسين فرص النفاذ إلى السوق، وبناء برنامج بيئي قوى. إلا أن برامج البنك الدولي كانت غير ناجحة وغير فعالة فى بعض الأحيان، نتيجة للاشتراطات التي تقيد بها الدول المقترضة. لقد أوصت لجنة ميلتزر بالإجماع بشطب ديون “الدول الفقيرة المثقلة بالديون” والتي تلتزم “باستراتيجية فعالة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”. فكثيرا ما ينتهي المطاف بأمم فقيرة تحصل على قروض جديدة لمجرد استخدامها فى تسديد فوائد قروض سبق أن حصلت عليها قبل ذلك.
وفى هذا الموقف، يصبح من المستحيل الوفاء بالشروط التي يتم بموجبها الحصول على هذه القروض، لأن الديون الجديدة تستخدم فى الحقيقة لتسديد ديون قديمة، ولا تستخدم فى برامج إعادة الهيكلة. رغم هذه الجهود للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلا أنه هناك اتفاق عام فى الرأي على الحاجة إلى تعديل هذه الاشتراطات التي تكون ملازمة للقروض والتي ساهمت فى فقر الدول النامية أكثر من قبل. ومن الانتقادات التي وجهت لدور الأمم المتحدة الاقتصادي هو تأثير الجهات المانحة الدولية – البنك الدولي وصندوق النقد الدولي – في التحول الديمقراطي من القضايا الشائكة التي تؤثر في شرعية الكثير من النظم السياسية في دول العالم الثالث. وتم استخدام المؤسسات المالية الدولية كأداة ضغط لدفع هذه الدول لإجراء مجموعة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية، ومدي تأثير ذلك في استقلالية صنع القرار في أفريقيا منذ نهاية الحرب الباردة.
وفي هذا الصدد، ومع بداية عقد التسعينيات، تزامن تبني البنك الدولي لأجندة الحكم الرشيد مع ظهور سياسة التعددية الحزبية في عدد من الدول الأفريقية – مما يشير إلى وجود علاقة بين الظاهرتين -في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وهي المنطقة التي تعتمد بشكل كبير على المساعدات الأجنبية وبعد عقد من الزمان، كان هناك تزامن آخر في الاتجاه المعاكس، بمعني تراجع تدريجي بالنسبة للظاهرتين. وبالتالي ، فإن تخفيف لهجة التدخل لفرض الحكم الرشيد من جانب الجهات المانحة كان مرتبطا بمرحلة الركود الديمقراطي الموجودة في البلدان التي تمر بمرحلة انتقالية وتراجع في نشر الديمقراطية، والنكسات في بعض الديمقراطيات الجديدة، خاصة في دول أفريقيا جنوب الصحراء، وكيف أثرت سياسات التدخل التنموي للمانحين في السياسة الداخلية للدول ، وخصوصا من خلال استخدام العقوبات المرتبطة بقطع أو حجب المعونات، مما يؤثر في عملية صنع القرار في البلدان المتلقية للمساعدات ، وأجندة الحكم الرشيد في المؤسسات المالية الدولية والمشروطية السياسية، كما تطورت آليات المشروطية في التسعينيات، مع التركيز علي المساعدات التي تعتمد علي أفريقيا. وكذلك السياق الإقليمي في أفريقيا جنوب الصحراء في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، باعتبارها ملعبا أو ساحة رئيسية، مورست فيها المشروطية السياسية من قبل المؤسسات المالية الدولية، ويعالج تفاعل العوامل الخارجية والداخلية ودورها في تشكيل المشهد السياسي في المنطقة، وكيف أثرت هذه العوامل في عملية التحول الديمقراطي في المنطقة.
تعد كينيا ومالاوي نموذجا للدول الإفريقية التي تنافس الغرب من أجل الاستحواذ عليها خاصة بعد الحرب الباردة وانتشار موجة التحول الديمقراطي سواء كانت برغبة من هذه الدول أو مفروضة عليها. حيث إن المتغيرات الدولية الجديدة وقيادة النظام أحادي القطبية أدى إلى إعادة توجيه السياسة الأمريكية نحو أفريقيا، وإعادة ترتيب أولوياتها وأهدافها، وهيمنتها على صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. حيث بدأت في الضغط على نظم كالصومال وزائير وفرض شروطها الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان عليها، ففي كينيا، بدأت علاقة الولايات المتحدة معها تتراجع، وبدأت الولايات المتحدة في الضغط على الحكومة الكينية للسماح بالتعددية الحزبية وقامت بتجميد 52 مليون دولار من المساعدات العسكرية لكينيا، واتبعت نفس السياسة مع دول أخرى مثل مالاوي، الكاميرون، زائير، توجو، وغيرها.
ثالثا. على المستوى الاجتماعي :-(المجلس الاقتصادي والاجتماعي وبناء السلام) لقد لعب المجلس الاقتصادي والاجتماعي (ECOSOC) دورا “طليعيا” في استحداث آليات للتصدي للمشاكل التي تواجهها البلدان الخارجة من حالات نزاع والمساعدة بذلك على الحيلولة دون تدهور الأمن البشري. وفي عام 2002، أنشأ المجلس أفرقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي الاستشارية المخصصة للمساعدة على تحديد برامج طويلة الأجل لدعم البلدان الخارجة من حالات نزاع وأنشأ فريقين معنيين بغينيا بيساو 2002 وبوروندي 2003 وناقش المجلس مؤخرا أيضا دور الأمم المتحدة والمجتمع الدولي في دعم قدرة جنوب السودان حيث دعا المجلس بوجه خاص هيئات إدارة صناديق الأمم المتحدة وبرامجها إلى إيلاء اهتمام خاص للحالة في جنوب السودان وإلى تنسيق أنشطتها في البلد.
وفي هذا السياق، طلب المجلس الاقتصادي والاجتماعي إلى الأمين العام أن يقدم تقريرا إلى المجلس، في دورته الموضوعية لعام 2012، بشأن الكيفية التي ينفذ بها جهاز الأمم المتحدة الإنمائي تقديم دعم متكامل ومتسق ومنسق إلى جنوب السودان، على نحو يتسق مع الأولويات الوطنية.
وأكدت الجمعية العامة على أهمية التفاعل بين المجلس الاقتصادي والاجتماعي ولجنة بناء السلام وشددت على قيمة خبرة المجلس في مجال بناء السلام بعد انتهاء حالات النزاع. أ. دور الأمم المتحدة فى مكافحة الجوع: – من ناحية أخرى بالنسبة للمجاعات أوضح تقريرٌ للأمين العام للأمم المتحدة أن هناك 550 مليون نسمة في العالم يبيتون جياعًا كل ليلة، وأن 1.5 مليار نسمة لا يحصلون على مياه الشرب النقية، أو الصرف الصحي الملائم، كما أن أكثر من 1.5 مليار نسمة يعيشون في فقر مدقع، وطالب الحكوماتِ أن تعمل على خفض عدد هؤلاء الفقراء بمقدار النصف بحلول عام 2015م.
وكشف التقريرُ النقابَ عن أن سكان البلدان النامية – وعددهم 4.4 مليارات نسمة- يظل خُمسهم يتضور جوعًا في آخر النهار، ويفتقر ثُلُثهم إلى مياه الشرب، ورُبعهم إلى سكن ملائم، ولا يرتاد خُمس جميع الأطفال المدارسَ بعد السنة الخامسة من التعليم الابتدائي.
أ. دور الأمم المتحدة فى مكافحة البطالة: – وإذا نظرنا إلى البطالة نجدها تتفاقم يومًا بعد يوم على المستوى العالمي وخاصة في الدول الفقيرة والنامية، فقد كشف تقريرٌ حول العولمة والبطالة، أن هناك ما يزيد على مليار شخص متعطل عن العمل، في دول الجنوب مجتمعة.
وقال التقرير: إن الآثار السلبية الاجتماعية للعولمة تزيد زيادةً كبيرة من الصعوبات التي تواجهها شعوبُ الدول النامية، وتقلص من قدرة هذه الدول فى التغلب على النتائج الاجتماعية السلبية للتهميش والفقر. وأضاف التقرير أنه يتعين على منظمة العمل الدولية أن تضطلع بتحليل الآثار الاجتماعية والاقتصادية للأزمة المالية على اقتصاديات الدول التي تأثرت بالأزمة، بالإضافة إلى إعداد دراسات حول أثر الأزمة على الأسواق المالية، مع التركيز بصورة خاصة على تخفيف حدة الفقر والبطالة فى هذه الدول.
ب. دور الأمم المتحدة فى مسالة اللاجئين: توفر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الحماية والمساعدة للاجئين في العالم. وكانت المفوضية، التي تتخذ جنيف، سويسرا مقرا لها، قد أنشئت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة وبدأت أعمالها في عام 1951، وقدمت المساعدة إلى ما يزيد على مليون لاجئ أوروبي في أعقاب الحرب العالمية الثانية. ومنذ نشأتها، قدمت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المساعدة إلى حوالي 50 مليون لاجئ، وحصلت على جائزتين من جوائز نوبل للسلام أثناء قيامها بأعمالها. بيد أن مشكلة اللاجئين تستمر في التزايد، وتتمثل المسؤولية البالغة الأهمية للمفوضية، والتي تُعرف بـ ” الحماية الدولية “، فى ضمان احترام حقوق الإنسان الأساسية الخاصة باللاجئين، بما فى ذلك قدرتهم على التماس اللجوء، وضمان عدم إعادة أي فرد قسريا إلى بلد تتوافر لديه دواعي للخوف من التعرض للاضطهاد فيه. وتعمل المفوضية على ترويج الاتفاقات الدولية الخاصة باللاجئين، وتراقب امتثال الحكومات للقانون الدولي وتوفر المساعدات المادية من قبيل الأغذية، والمياه، والمأوى، والرعاية الطبية إلى المدنيين الفارين. وفى اتصال وثيق بدورها الذي تضطلع به فى الحماية الدولية، تلتمس المفوضية حلولا طويلة المدى من أجل اللاجئين فى ثلاثة مجالات رئيسية: العودة الطوعية إلى الوطن، أو الاندماج فى البلدان التي التمسوا فيها اللجوء فى بادئ الأمر، أو إعادة التوطين فى بلد ثالث. وتعتبر عودة اللاجئين طوعيا إلى بلدان منشئهم هي الحل الأفضل لمعظم اللاجئين فى العالم.
ج. دور الأمم المتحدة في مجال حقوق الانسان: فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق السلام الشامل بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، سعت بعثة الأمم المتحدة إلى استكمال تنفيذ التفويض الممنوح لها، بموجب القرار رقم1590، الصادر عن مجلس الأمن الدولي فى 24 مارس 2005، والذى بموجبه تقرر إنشاء بعثة الأمم المتحدة فى السودان، لدعم تطبيق اتفاق السلام الشامل الذى وقعته الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية لتحرير السودان فى التاسع من يناير 2005، وكذا بهدف القيام ببعض الوظائف التي تتعلق بتقديم المساعدة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان ، وسعت البعثة أيضاً إلى تحسين الأوضاع المعيشية للسكان، حيث شهدت منطقة الدمازين اجتماعاً فى 24 يونيو2007 ضم ممثلو البعثة والمسئولين فى وزارة الصحة والتعليم والشئون الاجتماعية من أجل بحث أنسب السبل لبناء القدرات فى تلك القطاعات. كما واصل الفريق الطبي المصري التابع للبعثة تنظيم القوافل الطبية فى المناطق المختلفة التي تنتشر فيها البعثة. وفى مارس 2005، أصدر مجلس الأمن القرار رقم 1593، الى نص على إحالة مجرمي الحرب فى دار فور إلى المحكمة الجنائية الدولية. وهو ما رفضته الحكومة السودانية، مؤكدة أن قرارات مجلس الأمن تستهدف إضعاف موقف الحكومة لصالح المتمردين. يشار إلى أنه في شهر مارس2011، تبنى مجلس الأمن قراراً دولياً بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، وخول الدول الأعضاء “اتخاذ ما يلزم من إجراءات لحماية المدنيين المعرضين لخطر الهجمات من قوات القذافي، مع استثناء التدخل العسكري الأجنبي المباشر على الأرض الليبية.” وأصبح هذا القرار، الذي حمل الرقم 1973 وأيدته 10 دول وامتنعت 5 عن التصويت دون معارضة، أساساً لعمليات حلف الناتو في ليبيا، وتحديداً عمليات القصف الجوي التي نفذها الحلف. كما قام مجلس الأمن باتخاذ العديد من القرارات في إطار الفصل السابع، لتوفير الحماية العسكرية لقوافل الإغاثة في الصومال والكونغو.
هـ. دور الأمم المتحدة فى الترويج للديمقراطية: لم يتضمن ميثاق الأمم المتحدة أي ذكر لكلمة ”الديمقراطية“، الا ان العبارة الافتتاحية في الميثاق ”نحن الشعوب“ تعكس ذلك المبدأ الأساسي المتعلق بالديمقراطية، الذي يقول بأن إرادة الشعب تمثل مصدر شرعية الدول ذات السيادة ، وشرعية الأمم المتحدة في مجموعها بناء على ذلك. والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الجمعية العامة في عام 1948، يصور بوضوح مفهوم الديمقراطية، حيث يقول” إن إرادة الشعب أساس لسلطة الحكومة“. ويبين الإعلان تلك الحقوق التي تعد ضرورية من أجل الاضطلاع بمشاركة سياسية فعالة. ومنذ اعتماد هذا الإعلان، يلاحظ أنه كان بمثابة إلهام لواضعي الدساتير بكافة أنحاء العالم، كما أنه قد أسهم بشكل كبير في تقبل الديمقراطية كقيمة عالمية على نحو شامل. وتضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966) ارساء القاعدة الأساسية لمبادئ الديمقراطية في إطار القانون الدولي، وهو يتضمن بصفة خاصة : حرية التعبير ، الحق في التجمع السلمي ، الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، الحق في المشاركة في إدارة الشؤون العامة، سواء بطريقة مباشرة أم من خلال ممثلين يختارون اختياراً حراً، وفي الحصول على فرصة مناسبة للقيام بذلك الحق في أن يقوم بالانتخاب وبأن يكون هدفاً للانتخاب في انتخابات نزيهة تجرى دولياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، مع تضمنها للتعبير الحر عن إرادة الناخبين . والعهد ملزم لتلك الدول التي قامت بالتصديق عليه، وفي 8 يوليه 2010، بلغ عدد الدول الأطراف في العهد 166، مما يناهز 85 في المائة من أعضاء الأمم المتحدة.
وتنص اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على الدول الأعضاء التي قامت بالتصديق عليها (186 في يوليه 2010)، تكفل المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الحق في التصويت والترشيح في الانتخابات، والمشاركة في الحياة العامة وصنع القرار.
د. دور الأمم المتحدة فى مجال الصحة والأمراض المستوطنة: لم تزل الأمم المتحدة منذ أنشئت نشطة في مجال تعزيز الصحة وحمايتها على مستوى العالم. ووكالة الأمم المتحدة التي تضطلع بالدور القيادي في هذا المجال هي منظمة الصحة العالمية، التي دخل دستورها حيز التنفيذ في 7 أبريل 1948. وإجمالا، قرر أن الأولويات العليا لمنظمة الصحة العالمية هي الملاريا، وصحة المرأة والطفل ، والسل ، والأمراض التناسلية، والتغذية والتصحيح البيئي . ولا تزال الكثير من تلك الأولويات على جدول أعمال منظمة الصحة العالمية إلى اليوم، بالإضافة إلى بعض الأمراض الحديثة نسبيا مثل فيروس نقص المناعة البشرية/متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز). ومنذ تدشين المنظمة مبادرتها العالمية للقضاء على شلل الأطفال في عام 1988، وحتى عام 2006، خفضت عدد الحالات بأكثر من 99 في المائة — من 350 ألف حالة إلى ألفي حالة سنويا.
يتواجد موظفي منظمة الصحة العالمية في الميدان في كل أنحاء العالم. ويقدم أولئك الموظفون مشوراتهم لوزارات الصحة في تلك البلدان في القضايا التقنية، كما يقدمون المساعدة في مجالات الوقاية والعلاج والرعاية على امتداد القطاع الصحي. وتنسق ستة مكاتب إقليمية تابعة لمنظمة الصحة العالمية تلك الجهود وتوفر لها الدعم — كما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي ينتشر فيها الوباء عن طريق الممارسات الجنسية الطبيعية، بالمقارنة مع شرق أوروبا، التي ينتقل فيها المرض بصورة أساسية عن طريق الحقن الدوائية. وباختصار، تغطي تدخلات منظمة الصحة العالمية كل مجالات النطاق العالمي للرعاية الصحية، بما في ذلك التدخل في حالة الأزمات والاستجابة لحالات الطوارئ الإنسانية؛ باعتماد اللوائح الصحية الدولية التي ينبغي على البلدان اتباعها عند تحديد انتشار الأمراض ووقفه ذلك الانتشار؛ والوقاية من الأمراض المزمنة؛ والعمل لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ذات الصلة. ولا يتركز عمل الأمم المتحدة فى مجال الصحة فى منظمة الصحة فقط، فكثير من أعضاء أسرة الأمم المتحدة منخرطون في هذا المهمة الحاسمة.
ه. دور الأمم المتحدة في مجال البيئة: لم تكن قضايا البيئة معروفة أو مثارة على الصعيد الدولي عند نشأة الأمم المتحدة عام 1945، لذلك لم يتضمن ميثاق الأمم المتحدة حرفاً واحداً عن البيئة أو حمايتها، ومع ذلك كان للأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة العاملة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية فضل السبق في لفت انتباه العالم إلى طبيعة الأخطار التي تهدد البيئة المحيطة بالإنسان والعمل على حمايتها.
وبدأ التحول بانعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول البيئة بمدينة استوكهولم عام 1972، ثم جاء انفجار مفاعل تشرنوبل بالاتحاد السوفيتي سابقاً عام 1986، وتسرب الغاز السام بالهند بمصنع ” بوهوبال ” عام 1985، لذا انعقد أكبر مؤتمر في تاريخ الأمم المتحدة تحت اسم ” قمة الأرض ” في عام 1992 وأعلن مجموعة من المبادئ الجديدة والتنمية المستدامة، سمي ” إعلان ريودي جانيرو ” حول البيئة والتنمية. قدمت الأمم المتحدة ” برنامج الأمم المتحدة للبيئة ” وفقاً لقرار الجمعية في 2003 وجري وضع مبادرة مشتركة مماثلة لإقليم أفريقيا للتنفيذ اعتباراً من 2005.
كما أجرت الأمم المتحدة دراسة في عام 2010 أظهرت خلالها تراجعاً حاداً في نصيب الفرد من المياه في قارة أفريقيا، مما يضع سكان القارة السمراء على حافة “مجاعة مائية”، في الوقت الذي ما زالت فيه العديد من دول القارة تكافح من أجل توفير خدمات الصرف الصحي لسكانها.
ثالثا: على المستوى الثقافي: دور اليونسكو في المجالات الثقافية والتعليمية والإنسانية: اليونسكو هي منظمة متخصصة من منظمات هيئة الأمم المتحدة اسمها بالكامل منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة. وقد اتفقت الدول التي تنتمي إليها على الإسهام في إقرار السلام والأمن عن طريق التعاون في مجالات التربية والعلوم والثقافة. تضم المنظمة حوالي 160 دولة، بما في ذلك معظم الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة. وتتولى الدول الأعضاء دفع معظم إيراداتها. تأسست منظمة اليونسكو عام 1946م. ومقرها الرئيسي باريس. وهي تسعى لتحقيق المزيد من العدل والتعاون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية لكل الأفراد. وتقوم اليونسكو بتنفيذ برامج لتطوير هذه الأهداف بناءً على طلب أي عضو فيها. ولا يتسنى تنفيذ معظم قراراتها إلا إذا قامت حكومات الدول الأعضاء باتخاذ بعض الإجراءات داخل دولها. وتسعى المنظمة لنشر أفكارها بين شعوب العالم. وهي تؤكد على ضرورة تطوير التعليم ونوعيته وتبادل الثقافات، وزيادة الاستخدام السلمي للمعرفة العلمية. وتشجع المنظمة الفنانين والعلماء والطلاب والمعلمين على السفر والدراسة والعمل في الأقطار الأخرى. وتركز اهتمامها على استخدام العلوم الاجتماعية للمساعدة في حل مشاكل مثل التمييز العنصري والعنف. وتُشجع أيضًا على البحث العلمي في مجال استخدام الطاقة وحماية البيئة. وتتعاون مع منظمات هيئة الأمم المتحدة الأخرى لمساعدة الأقطار النامية. وتتشاور حوالي 500 جمعية دولية خاصة تسمى المنظمات غير الحكومية مع اليونسكو، كما تساعدها على وضع الخطط وتنفيذ البرامج التي تهمها.
خاتمة
يطرح السؤال التالي نفسه بعد أن تم استعراض الأدوار التي تؤديها الأمم المتحدة والإخفاقات التي مرت بها في أداء هذه الأدوار ويتمثل السؤال في هل هناك ضرورة لإصلاح الأمم المتحدة؟
لقد اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإخفاق في اداء بعض ادوارها ومواجهة بعض المشكلات مثل الفقر والبطالة، وعدم الأمن والاستقرار، وتحقيق العدالة أو التخفيف من حدة هذه المشكلات، وقالت في تقرير لها: إن هذه القضايا لا تزال مثارًا للقلق بنفس القدر، وإن ما يبعث على الانزعاج أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة من الفقر ازداد بالفعل خلال السنوات الخمس الأخيرة، وبلغت معدلاتُ البطالة مستوياتٍ مرتفعةً ارتفاعًا غير مقبول، كما أن عدد الصراعات الداخلية المتأججة في مختلف أرجاء العالم لا يزال مرتفعًا، مما يحولُ دون تحقيق أهداف الاندماج الاجتماعي.
كذلك ورغم الدور الذي حاولت الأمم المتحدة أن تؤديه لحفظ السلم والامن فى أفريقيا الا ان الوضع لم يستقر ابدا. وبالرغم من هذه الاخفاقات فى أداء دورها الا اننا يجب ان نعترف بأن هناك جهد مبذول ويكفي انها نجحت حتى الان فى منع قيام حرب عالمية ثالثة. إلا أن هناك ضرورة لإجراء إصلاح داخل الأمم المتحدة حتى تتمكن من أداء دورها. ففي ضوء التوجه الأميركي والذي يعد الموجه الأساسي لحركة السياسة الدولية والنظام العالمي، نجد أن هناك من دعا إلى ضرورة إصلاح المنظمة الدولية لكيلا تحدث ظاهرة الانفراد مرة أخرى، خاصة وأن ثلاثة عشر عاما من الانفراد القطبي أفرزت أكثر من حرب وبعثرت النظام الدولي الذي كان سائدا. إن إصلاح الأمم المتحدة يأتي في المرتبة الأولى وفق أولويات النظام العالمي الذي يريد له الأوراسيون (أوروبا-آسيا) أن يكون مختلفا عن النظام الأميركي العولمي، على أساس ان المنظمة الدولية يجب أن تبقى كمؤشر ومقياس للتحرك السياسي والقانوني والدولي.
جدير بالإشارة أن عملية إصلاح الأمم المتحدة ليست عملية حديثة لكنها عملية تعود إلى بداية الأمم المتحدة فهناك لجان منذ الستينيات والسبعينيات والثمانينيات تقدم دراسات وابحاثا عديدة لعملية اصلاح هذا الجهاز الدولي الذي يضم من 50 الى 60 ألف موظف وينفق سنويا حوالي 10 مليارات دولار. وبالتالي يحتاج الى آليات داخلية تؤمن عدم تكرار البرامج والتناقض بين الوكالات المتخصصة. أما بالنسبة للبعد السياسي وقصور اداء الأمم المتحدة في حل المنازعات الدولية وحفظ السلام على نحو يحقق مصالح أعضائها بصورة متكاملة فهناك ثلاثة أمور أساسية ترى الدول الأعضاء خاصة من بلدان العالم الثالث التي تعرضت لآثار هزات الأمم المتحدة أخذها في الاعتبار وهي:
1ـ أهمية توسيع عضوية مجلس الأمن وذلك في ضوء زيادة أعضاء الأمم المتحدة بشكل كبير أوصلت العضوية حتى الآن إلى 185 دولة.
2 ـ تقليص حق استخدام الفيتو وترشيد استخداماته.
3ـ ترشيد أداء المجلس وتحقيق قدر أكبر من الشفافية في عملياته بحيث لا يكون بمثابة ناد خاص ذي عمليات سرية.
ويشار هنا إلى أن فكرة السباق لعضوية مجلس الأمن تعود بشكل مباشر إلى رغبة كل من اليابان وألمانيا للانضمام لنادي أصحاب العضوية الدائمة حيث تريان أنهما تحملان نسبة كبيرة في ميزانية المنظمة تصل إلى 17% في حالة اليابان على سبيل المثال مشيرا إلى تقديره أن اليابان وألمانيا سيصعب عليهما أن تحصلا على هذه العضوية الدائمة بالمجلس دون التوصل إلى اتفاق على صفقة متكاملة عريضة تسمح بتحقيق مصالح أطراف دولية عديدة ويتحقق في نهاية المطاف فكرة التوسع وهي في رأيه كما يقول معادلة صعبة تحتاج لعمل مكثف حيث تتضارب رؤى الدول في هذا الشأن.
تفعيل دور المنظمة الدولية وهي مهمة يجب ان تتم على محوريين متوازيين:
-إعادة التوازن لهيئاتها ومنظماتها وكسر حدة التفرد الأميركي في لعبة الضغوط على الدول الصغرى وحتى بعض الدول العظمى، وتوسيع العضوية الدائمة في مجلس الأمن بدول من المجموعات الدولية ذات الحضور (المجموعة العربية، أفريقيا، جنوب شرق آسيا، وأميركا اللاتينية اضافة الى اليابان والمانيا والهند).
– تطوير الأنظمة والبرامج والمهام والهيئات التابعة للأمم المتحدة، مع تزايد الحاجات البشرية واتساع رقعة الصراعات والأوبئة والفقر وسوء التغذية.
الخلاصة:
إن المنظمة الدولية على حافة شديدة الانحدار خاصة بعد أن فقدت دورها في حفظ السلم والأمن العالميين وبعد أن أصبحت أداة للسياسة الأميركية والحقبة القادمة ستضعها أمام أحد مصيرين، فإما أن تتحول إلى منظمة أميركية وإما أن تفرز تعددية قطبية تستطيع إعادة الحيادية إليها وتلك لحظة غامضة في مستقبل الصراعات الدولية التي تحولت طاولة الأمم المتحدة إلى ساحة لها.
————————————
ملحوظة: تم جمع المادة العلمية من محاضرات ألقيت على طلبة ماجستير قسم السياسة في معهد البحوث والدراسات الأفريقية وبعض المواقع الالكترونية *