سد النهضة الإثيوبي.. ومأزق القمة الإفريقية المصغرة المرتقبة
يعقد الرئيس الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا الذي يترأس الاتحاد الإفريقي حاليا قمة إفريقية مصغرة غدا 21 يوليو 2020 تضم رؤساء دول وحكومات مكتب الاتحاد الإفريقي والدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا لتقييم تقارير الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة والنظر في الخطوة التالية من أجل اتفاق شامل يرضي تطلعات الدول الثلاثة.
حيث تم أستئناف الاجتماعات الوزارية الثلاثية لوزراء المياه في الدول الثلاث في 3 يوليو بخصوص اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة برعاية جنوب إفريقيا، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، بحضور مراقبين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وجنوب إفريقيا والخبراء القانونين من مكتب الاتحاد الإفريقى، وتم استعراض مواقف الدول الثلاث بخصوص مفاوضات سد النهضة.
والتي أظهرت أنه لاتزال القضايا الحاسمة المتمثلة في قواعد ملء وتشغيل السد والتخفيف من حدة الجفاف والجفاف الممتد والطابع الملزم للاتفاق وآلية فض المنازعات المستقبلية دون حل حيث تمسكت إثيوبيا بالتوصل إلى مجرد قواعد إرشادية يمكن لها تعديلها بشكل منفرد. كما رفضت التنسيق في إدارة سدي النهضة والسد العالي، طبقا لآلية إدارة السدود على الأنهار المشتركة. ولم تقم باستكمال “أمان السد” تنفيذا لتوصيات لجنة الخبراء الدولية المتعلقة بأمان السد وفقا لما جاء في البند (8) من أعلان المبادئ 2015.
فبعد نحو تسع سنوات من المفاوضات الثلاثية والتي شهدت تدخل أطراف دولية وإقليمية بما في ذلك الاتحاد الإفريقي لم يتم التوصل لاتفاق. بل أن إثيوبيا تضرب بالالتزامات الثنائية والإقليمية والدولية عرض الحائط وتمضي في خطط بناء السد حسب الجدول الزمني المقرر وذلك بمساعدة أطراف دولية مهمة مثل الصين وغيرها. بما يؤكد المنهج الإثيوبي لكسب الوقت وغياب مبدأ حسن النية باعتباره أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي التي تضمن عملية التفاوض بين الدول.
والمتوقع بسبب عدم وجود اتفاق بين الأطراف الثلاثة تقوم رئاسة الاتحاد الإفريقي بتشكيل لجنة وساطة مشتركة مع وجود مراقبين آخرين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهو الأمر الذي يتم التوافق عليه في القمة المصغرة.
القمة الإفريقية المصغرة.. وهواجس ملء السد الآحادي:
وفي الواقع، يأتي انعقاد القمة المصغرة المقبلة وسط هواجس بل تأكيدات من لجوء إثيوبيا باتخاذ إجراء أحادي بملء سد النهضة دون اتفاق، منذ إعلان التلفزيون الأثيوبي الرسمي في 15 يوليو الجاري، أن إثيوبيا بدأت الملء الأول للسد بإجراء منفرد، والذي لم يخرج عن نفس اتجاه التصريحات الأثيوبية بأن الملء الأول هو جزء من عملية بناء السد، عندما أعلن مكتب رئيس الوزراء الأثيوبي، بتاريخ 27 يونيو 2020، الموافق اليوم الثاني للقمة الإفريقية المصغرة الأولي، بأن إثيوبيا سوف تبدا الملء الاول للسد خلال أسبوعين.
والذي تزامن مع إعلان السودان انخفاض التدفقات اليومية من النيل الازرق بمقدار ٩٠ مليون م3 فى اليوم، وان هذا يعنى اغلاق بوابات السد الاثيوبى، حيث أكدت وزارة الري السودانية، انخفاض المنسوب في محطة الديم الحدودية ب 1,27 متر عن منسوب العام الماضي، وأيضا أعلان هيئة مياه ولاية الخرطوم اليوم عن خروج عدد من محطاتها النيلية عن الخدمة بسبب انحسار مفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل، حيث إن محطات الصالحة (أ) و(ب) وبيت المال وشمال بحري وام كتي والشجر، خرجت عن الخدمة جراء الانحسار المفاجئ للنيلين الأبيض والأزرق ونهر النيل.
وهو ما سيزيد من تصعيد الأزمة، ويدفع بالذهاب إلى خيارات لا ترضي أي طرف، لذا صرح الدكتور محمد عبدالعاطي، وزير الموارد المائية والري، “إن الدولة لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء قضية سد النهضة الإثيوبي ولدينا أدوات داخلية”.
فمن وجهة نظري، أن خطوة إثيوبيا بملء السد بإرادة منفردة أفشلت القمة الإفريقية المصغرة قبل أن تبدأ، حيث استغلت أثيوبيا موسم الأمطار لبدء ملء الخزان سواء بشكل طبيعي كما تزعم أو من خلال إغلاق البوابات وذلك دون اتفاق. والخوف هنا من أن العودة إلى جولة جديدة من المفاوضات يكسب الملء الأول وكل ملء وتشغيل لاحق مشروعية “ضمنية”.
فخطورة الملء الآحادي ليس بسبب كمية 4,9 مليار م3 التي تعادل 7% من التخرين الكلي لأنها محدودة الأثر، ولكن في فرض الأمر الواقع وأنها سشكل “سابقة” تدفع أديس أبابا، ودولا أخرى في حوض نهر النيل، بطريقة أكثر عدوانية، إلى بناء سدود إضافية، وتضرب مبدأ من مبادئ القانون الدولي للمياه وهو “عدم التسبب في الاضرار” و”الاخطار المسبق”. كما ستكون أداة لإنشاء وتقنين حق غير منظم في استغلال ثروات النيل الأزرق. فالملء لا يشكل انتهاكًا للقانون الدولي من قبل مالك السد والمشغل فحسب، بل هو أيضًا خرق لمسؤوليتنا الجماعية لحماية والحفاظ على نهر النيل ونظامه البيئي لصالح الأجيال القادمة.
مسار مجلس الأمن في ضوء إخفاق الاتحاد الإفريقي:
إن إخفاق الاتحاد الأفريقي سيفتح الباب أمام عودة الملف إلى مجلس الأمن والمجتمع الدولي واتخاذ مزيد من الاجراءات التصعيدية للنزاع، وهو أمر تسعى بعض الأطراف إلى تجنبه (على الأقل أثيوبيا وجنوب أفريقيا).
وهنا أقول أن هناك اجراء ينتظره مجلس الأمن وهو رفع الاتحاد الإفريقي تقريرة الي المجلس ليتخذ اجراءاته ومساراته لاتمام عملية التفاوض، حيث أن اللجوء الي الاتحاد الافريقي لم يلغي دور مجلس الأمن بموجب المادة (52) من الفصل (8) لميثاق الأمم المتحدة، بل سيلتزم الأتحاد الإفريقي على أحاطة ما تم من نقاش على مجلس الأمن.
وقد سبق وأن أعلن مجلس الأمن الدولي، أنه “سيراقب تطورات أزمة سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا خلال شهر يوليو تحت رئاسة ألمانيا وأن يعقد اجتماعا في حال دعت إليه الحاجة”.
وسوف يكون المجلس أمام قرارين محتملين: إما إصدار توصية بمنع ملء السد الآحادي مع تشكيل لجنة فنية لدراسة القضية بشكل دقيق ومتوازن لبحث الآثار المختلفة أو طلب فتوى من محكمة العدل الدولية عما إذا كانت إثيوبيا تجاوزت القانون الدولي أم لا، وكلا المسارين سواء الفني أو القانوني سيكون في صالح المفاوض المصري بشكل كبير.
وأعتقد أن دور مجلس الأمن يمكن أن يكون “حسن” إذا وضعت القضية تحت السلم والأمن الدوليين، وأهمية أعتبار أن أي إجراء منفرد سيهدد السلم والأمن الدوليين، بمعني يبقى الخطر بوجود تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين هو رهان مصر لشرعنة خياراتها اللاحقة في تلك الأزمة.
لذا، من المهم التأكيد بشكل قاطع على “حق المصريين في الحياة الذي لا يقبل مقايضة”. وأنها “مسألة وجودية”، والربط بين “مخاطر الملء الآحادي دون التوصل لأتفاق” وبين “حق مصر في اتخاذ مايلزم للحفاظ على وجودها”، وهذا التأكيد هو الذي يجعل الخلاف مهددا للأمن والسلم الدوليين، ويلزم مجلس الامن التدخل بقوة .
وختاما، يمكن القول بأن قضية السد لم تكن محصورة على دول الحوض الشرقي بل تدخل فيها أطراف أخرى (سواء دول أو منظمات دولية أو أقليمية) فلابد أن يكون هناك رؤية واضحة للتكامل بين الأطراف وتوافر الإرادة السياسية للوصول لحل “توافقي” يرضي جميع الاطراف.
فإثيوبيا ملزمة بتوقيع “اتفاق فني”، لأنها وقعت بمحض ارادتها على اتفاقية 2015، وهي اتفاقية إطارية عامة لابد وان يلحقها «اتفاق فني» يترجم كافة المبادئ التي وردت في الاتفاقية، فعليها للتفاوض على تصميم السد وعوامل الأمان فيه وسعته التخزينية وآثاره البيئية والاجتماعية، وتوقيع اتفاق ثلاثي بشأن آليات ملء وتشغيل السد.