كتب/ محمد ماهر
سوق النخاسة يعود من جديد عبر بوابة قارة إفريقيا، في ظل الدعوات المطالبة بالتحرر من العبودية، مع تعالي أصوات البعض الآخر بتحسين شروط العبودية، فمنذ عام 1926 وبعد توقيع عصبة الأمم المتحدة لإتفاقية قمع تجاربة الرقيق ودخولها حيز التنفيذ في 9 مارس 1927 لتأكيد ودفع قمع الرق وتجارة العبودية، و بعد ما يقارب من مئة عام علي توقيع الإتفاقية، وتجريم هذة التجارة دوليًا، لا تزال بعض الأنظمة القمعية في آفريقيا تشجع هذة التجارة وتعمل علي تأصيلها داخل المجتمعات التي تصنف علي أنها دول عالم ثالث نظرًا للفقر المضطجع التي تقع فيه هذة البلاد.
وتنتشر هذه التجارة في القرن الواحد والعشرين في مثلث الشمال الغربي لآفريقيا وأبرز هذة الدول هي موريتانيا وتشاد والسودان.
موريتانيا.. لؤلؤة آفريقيا لتوريد العبيد
تعتبر هذة الظاهرة غير مرئية للعيان أو جمعيات حقوق الأنسان الدولية ، ولكنها متوغلة داخل المجتمع الموريتاني وبشدة.
ويري “براهيم ولد بلال” رئيس هيئة الساحل وهي هيئة معنية بمناهضة العبودية بموريتانيا ، أن تجاهل المنظمات الدولية لهذة التجارة لا ينفي وجودها.
وقال “ولد بلال”: “كل ما يتعلق بالعبودية عندنا مخفي و في الأصل بيع العبيد لا يكون علنيا لانه بيع مسروق وغير شرعي”، مضيفًا أنه في عام 2015 كشفت تحقيقات أجرتها هيئة ” الساحل” عن تورط كل من الشيخ “محمد الحافظ ولد النحوي”، أحد أكبر علماء موريتانيا ، ومحمد ولد سيد المختار وهو من أبرز المحاميين الناشطيين في موريتانيا، في إرسال بعض الموريتانيين كهدايا لأمراء وأميرات خليجين في مقابل هدايا نقدية وهبات و تسهيل الإقامة داخل هذة الدولة الخليجية لهم ولذويهم.
وأوضح “ولد بلال” في تصريحات خاصة لـ”الفجر”، أن التحقيقات كشفت عن عملية تجارة بشرية بشعة بعد طلب وزارة العمل بأحد الدول الخليجية، وذلك عندما وصل إلى هذة الدولة حوالي 900 إمرأة من موريتانيا بهدف العمل ممرضات في المستشفيات ومدرسات في المدارس الحكومية والذي من خلاله توفر وظائف لمواطني دولة موريتانيا للعمل كسائقين وعمالًا ونادلين للذكور، والإناث للعمل في المستشفيات ومدرسات في المدارس .
وبالفعل استغلت الكثير من مكاتب التوظيف الوهمية في موريتانيا هذا الإعلان وبدأوا بالتسويق لأنفسهم على أنهم وسطاء يتعاملون بشكل مباشر مع حكومة هذه الدولة من أجل شغل وظائف شاغرة في المملكة، وسارع إلى هذه المكاتب الآلاف من الموريتانيين وذلك بسبب ارتفاع نسبة البطالة في موريتانيا التي تصل إلى أكثر من 40%، وكنهاية مأساوية معتادة لمثل هذه القصص؛ تم توظيف من استطاع من النساء الموريتانيات الوصول إلى هذة البلد في مجال الخدمات المنزلية وعاملات النظافة، مقابل أجر قليل وساعات عمل كثيرة وظروف مهينة من ضرب وتحرش جنسي.
وعن دور رجال الدين في موريتانيا تحدث المعلوم أوبك لـ”الفجر”، -والذي رفض ذكر اسمه-، أوضح أن العبودية القائمة حاليًا تتجسد في تجارة البشر القائمة على حالات الاستعباد البشري متمثلة في استغلال البشر في توظيفهم في أعمال تشبه أعمال السخرة، أو استغلال الأطفال غير البالغين للعمل في أعمال شاقة، مضيفًا أن رجال الدين في موريتانيا دورهم لا يمكن لهم المجاهرة، بعضهم يتواطئ بالصمت عن ما يجري، بل في مرحلة معينة، تجد من يشرعن هذه الممارسات ويلبسها لبوسا دينيًا، هنالك تابعين وغير تابعين، البعض عاجز عن المجاهرة برأيه خوفًا من النظام ، وآخر خوفًا من ما يسمونه تهديد المجتمع .
وأضاف “أوبك”، أن العديد من الفقهاء شرعنوا ممارسة العبودية وألبسوها جلبابًا دينيًا، ولكن في السنوات الأخيرة أصدر العديد من الفقهاء فتاوي تؤكد عدم شرعية العبودية كممارسة .
ولفت إلى أن العبودية في موريتانيا، لا تزال موجودة في معناها التقليدي لكن بمستوى ضعيف في الأرياف والمناطق النائية بالمدينة فضلاً عن الاستغلال والاستخدام المفرط للبشر، مشيرًا إلى أن معضلة العبودية بموريتانيا تتم في إلباسها لباسًا دينيًا البعض، كتفسير بعض الآيات كما يحلو لهم وتقديم فهمها خطئًا.
وشدد على أن موقف العلماء وفقهاء في موريتانيا من شرعية العبودية موقف محتشم يلفه الغموض وعدم وضوح الرؤية بسبب جهل الأحكام الدينية المتعلقة بشرعية الموضوع وليس للكثير منهم حول ولا قوة في الأمر لأن تراث الديني والمنهل تديني مرجعه الوحيد في الاستقاء والمعارف والأحكام الغير شرعية مثل الكتب الفقهية الصفراء (مختصر خليل وشرائحه الدسوقي الحطاب ابن عاشر والأخضري) مما جعل ذاكرة العالم والفقيه موريتاني ذاكرة حفظ فقط لا أقل ولا أكثر محاباة وليست ذاكرة علم وتفقه في الدين لتظل السلطات في البلد مغلوبة على أمرها من حيث تعامل مع نوازل الإفتاء في قضايا اجتماعية وإنسانية جوهرية، وقد تكون عواقبها التاريخية والاجتماعية على المدى الطويل أكثر ضرها من نفعها فقد حاولت الدولة أن تخلق هيئة أو رابطة دينية من اجل الإفتاء في جواز قضية العبودية من الناحية الدينية لكن المعضلة الكبرى تكمن في أن المرجعيات الدينية من فقهاء وعلماء المعنيين بفك اللغز في قضية العبودية والاسترقاق مقسمين إلى عدة تيارات فكرية ودينية إحداهما رجعية متعصبة في الدين متزلفة في التدين مقدمة أراء المخلوق علي حكم الخالق في ما جاء في محكم التنزيل الكتاب والسنة بسبب عمي البصيرة ويري التيار الأول بأسبقية الرأي علي النقل واستباحة استعباد المسلم واستراقائه من طرف آخيه المسلم سواء كان في الأصل الأول أي السبي والبيع كافرا أو مسلما علي حد سواء.
وتابع: “أما التيار الثاني فيري انه لا يجوز استراق المسلم إلا إذا كان مسترقا قبل إسلامه عن طريق الأسر أو البيع وما إن يدخل في الإسلام وجب عتقه من طرف السيد أو السلطان أو الحاكم أو ولي الأمر بإعطاء الفدية لسيده”، مستطردًا: “وأما التيار الثالث فهو الأكثر إبراكماتية في الدين إذ يري أن المسلم لا يجوز استعباده حتى وان ارتد عن دينه وقاتل من جديد واسر في حرب جهادية مبررة شرعا لان فتنة بين مسلمين لا تبيح استعباد الغالب للمغلوب لقوله تعالي “وَإنْ طَائفَتَانٍ منَ الْمُؤمنينَ اقْتَلَوْا” .
ونوه إلى أن الفقهاء في موريتانيا، أجمعوا أن العبيد المسترقين لم يتم استرقاقهم عن طريق حرب جهادية دخلت ساكنتها في الإسلام عن بكرة أبيها بسبب الدعوة والإرشاد، ولم يشهد التاريخ علي حرب فيها بين ملة الكفر والإسلام بالرغم من تاريخها المكذوب فكل المؤرخين يجمعون علي خلوها من حرب جهادية حتى يتم فيها تبرير أسر جماعة من الكفار ثم استعبادهم.
وعن المنظمات المناهضة للعبودية قال: “منها ما هو جاد وفعال مثل نجدة العبيد و أخرى حديثة النشأة ومنها ما يصنع الكثير من الضجيج دون نتيجة تذكر مثل إيرا فقد أصبحت حركة سياسية يسير بها رئيسها لتحقيق طموحه الشخصي ولم تعد تطرح مشاكل العبودية على ارض الواقع منذ ٢٠١٢”.
وأوضح “أوبك”، أن النظام الحاكم يواجه ضغوطات محلية تتجلى في تحرر العبيد، فضلاً عن الضغط الخارجي الذي يعرفه النظام الموريتاني من قبل شركائه الدوليين، مشددًا على أن أمريكا ليس لها ثقل كبير داخل بلاده، فهي غير جادة في فرض حقوق الإنسان داخل دولة موريتانيا، مؤكدًا أن هناك تعاون مفضوح بين بلاده وواشنطن ينعكس من خلال غياب أي خطوات عملية من طرف أمريكا على النظام الموريتاني، لفرض ضرورة الالتزام التام بصيانة واحترام حقوق الإنسان، حيث اعتبر أن تمويل بلاد “العم سام” الموجه لصالح العبيد والعبيد السابقين يتجه إلى جيوب المنتفعين المرتبطين بالسلطة
وأشار إلى أن رفض الحكومة الموريتانية الاعتراف بوجود العبودية كممارسة ما زالت موجودة، لكنها تُقر بها في الوقت ذاته، ويصطدم هذا الموقف بإصرار مع المدافعين عن حقوق أبناء الأرقاء السابقين، وذلك يؤكد على وجود حالات من العبودية تمارس ضد العرب السود (لحراطين)، وتقول إنها تتركز أساسًا في المناطق القروية حيث يغيب نشاط الجمعيات والحركات الحقوقية.
تشاد أكثر الأنظمة الأفريقية استبدادية
تعتبر دولة التشاد من أكبر الدول الأفريقية المهمشة، وذلك نظرًا لانتشار الفقر والجماعات الارهابية، وفي الوقت ذاته لا تفكر المنظمات الدولية العالمية في مساعدة “تشاد”، إلا بعد حدوث الكارثة، وذلك حسبما أوضحت خبيرة الشئون الإفريقية شريهان أشرف.
وأوضحت أن النظام التشادي، هو أكثر الأنظمة الآفريقية استبدادية، ورغم ذلك يعتبر موقف المنظمات الدولية والعالمية غير مفهوم نظرًا لانغلاق النظام التشادي، وحاول العديد من القادة الأفارقة خلال القمة الأفريقية بمناقشة هذة القضية داخل التشاد ، بالإضافة إلى فرض الإتحاد الأوروبي العديد من العقوبات عليها.
وعن أماكن تمركز وانتشار هذه التجارة قالت “أشرف”، إن القبائل الليبية التي تقع في الجنوب تعمل على شراء العبيد من التشاد وتوريدهم لدعم النظام الليبي السابق نظام معمر القذافي واستعانته بهؤلاء الأفراد في القتال إلى جانبه بعد إعلان ولائهم الكامل لمعمر القذافي، مؤكدةً أن انتشار هذه التجارة في منطقة تدعى “موسورو” في إقليم “انجمينا”، وهذه المنطقة مقسمة إلى قبيلتين الأولى تُسمى “الكررا” و جميع أبناءها من العبيد ورثًا عن آبائهم وأجدادهم، والثانية قبيلة الكريدا، ولا يجوز لها أن تتزوج من العبيد، وتعتبر منطقة كاريدا تابعة لتلك القبيلة، ويُقام فيها كل 6 أشهر سوق الكريدا لتجارة العبيد، و حتى عام 2001 كانت تمارس هذه التجارة بشكل موسع ومع زيادة الضغط الدولي على النظام التشادي صدر مرسوم بموافقة دولية بتجريم النظام الحاكم و تم إصدار قانون في التشاد يجرم هذة التجارة و لكنه قانون صوري لا يعمل به .
وأضافت أن نظام العبودية في “تشاد”، قائم على رعي الجمال والماعز وخدمة كل ما هو تابع للنظام العسكري، وفي المقابل ظهر عام 2013 في منطقة انجمينا جماعات مسلحة كانت تعمل علي مواجهة العسكريين، وتقتل كل ما يمتلك عبيد، وتسعى لتحرير أكبر قدر من العبيد، و ظهرت هذة الجماعة بعد قيادة “بشير اكورمي” قائد تنظيم “انقذوا العبيد” لمواجهة كل من يمتلك عبيد، و يسعى “اكورمي” من خلال تواجده في أوروبا إلى توصيل قضية العبودية في “تشاد”، والضغط على النظام الحاكم، و بناءًا على ذلك وجه الاتحاد الأوروبي دعوة إلى نظام “إدريس ديبو إنتو” للسماح لهم بالتحقيق و البحث عن قضايا حقوق الإنسان، ولكن النظام الحاكم رفض هذه الزيارة.
وعن عدم ملاحقة المنظمات الدولية لنظام “ديبو”، فيرجع إلى عدم تواجد أجانب داخل “تشاد”، و فض التدخل في الشئون الدولية رغم فرض عقوبات اقتصادية هائلة.
الرق في السودان
وهنا، أوضح مصدر معارض لنظام الخرطوم والذي رفض ذكر اسمه، أنه تم رصد مؤسسة “امشى حراً” العالمية الأسبوع الماضى، لتغطية 167 بلداً بناء على مصادر المعلومات الرئيسية والثانوية والتقارير الدولية ودراسة العينات .
وأضاف في تصريحات خاصة لـ”الفجر”، أن مؤشر العبودية، يتم تعريفه بامتلاك شخص أو السيطرة عليه بطريقة تحرم هذا الشخص من حرياته الفردية بصورة كبيرة، وذلك بقصد إستغلاله عن طريق إستخدامه أو إدارته أو نقله أو التصرف فيه، وغالباً ما يتحقق ذلك بوسائل الإكراه وبإستخدام العنف أو التهديد به .
وتابع: “تشمل العبودية الحديثة في السودان، الاسترقاق والإتجار بالبشر والعمل القسري وبيع واستغلال الأطفال والزواج القسري”، لافتًا إلى أن أعداد الذين يعانون من العبودية الحديثة فى السودان بـ(454.700) ، بنسبة (1.13%) من جملة السكان.
وأشار المصدر، إلى أن نظام البشير متورط مع العديد من رجال الدين في تبرير وشرعنة العبودية وتجارة الرق، وتعمد إصدار فتاوي تدعوا العبيد إلى طاعة ملاكهم وعدم الخروج عليهم، مضيفًا أنه في نهاية التسعينات استعان معمر القذافي بالتعاون مع نظام البشير لنقل أكثر من 3 آلاف سوداني إلى باب العزيزية مسقط رأس رئيس ليبيا الراحل لحمايته وتأمين عائلتة .
المصدر/ صحيفة الفجر