شهر رمضان في موريتانيا.. نكهات إيمانية خالصة وعادات راسخة
لكل شعب طابعه الخاص وانفراده بالاحتفاء بقدومه، والموريتانيون شأنهم شأن باقي الدول الإسلامية لهم طقوس وعادات ينفردون بها ويعبرون من خلالها عن سعادتهم واحتفائهم بقدوم شهر رمضان الكريم.
ويمتزج في شهر رمضان العمل الروحاني بالعمل الخيري الاجتماعي الذي يجعل من شهر الصيام لحظة يتذكر فيها الغني الفقير؛ ففي شهر رمضان يتردد الموريتانيون على المساجد وعلى حلق العلم، ومن عادتهم في مجال العبادة المثابرة على قراءة التفسير في المساجد، كما ينظِّم غالبيتهم حلقا لتدارس كتب الحديث في البيوت، وينشط العلماء والوعاظ في المجالس العامة والخاصة.
كما يحرص كثيرون على تحفيظ القرآن الكريم للنشء في هذا الشهر الكريم، وغالبا ما تجد طفلا لم يتجاوز العاشرة وقد حفظ كتاب الله. ومن عادات الموريتانيين في ليلة السابع والعشرين من رمضان ختم القرآن الكريم في المساجد، ثم إنشاد بعض المدائح النبوية.
كما يقوم الموريتانيون بتزويج أبنائهم في شهر رمضان تيمنًا به وتفاؤلًا باستمرار المعاشرة الزوجية لهذه الأسرة الجديدة.
زغب رمضان
من العادات والطقوس التي يتبعها الموريتانيون قبل الشهر الفضيل وهو ما يعرف محليا “بزغب رمضان” وهي عبارة عن حلاقة شعر رأس الصبيان وأحيانا الكبار، لكي يبدأ الشعر بالنمو مع بداية شهر رمضان الفضيل.
ونتيجة لتمازج المجتمعات العربية والإفريقية المجاورة للمجتمع الموريتاني، تشكلت لديه عادات وتقاليد ليس لها من تفسير إلا أنها ناجمة عن هذا التمازج، فحلق الشعر مثلا ارتبط لديهم بـ” الفرح و الغبطة و السرور والابتهاج، وكانت حلاقة الرأس في المجتمع الموريتاني القديم بمثابة يوم عظيم يعم فيه السرور”.
وارتبطت ظاهرة حلق الشعر أو تخفيفه لدى العرب والمسلمين تحديدا، بشعائر دينية وخصوصا شعيرة الحج التي تعني القرب من الله، وقضاء الحاجات وإصلاح الحال، فيما ارتبطت هذه العادة في المجتمعات الإفريقية بزوال الهم والسعة في الرزق وبسط الأمن، فكانت العادة عند الموريتانيين مزيجًا بين الاثنين.
ولا تزال عادة زغب رمضان ممارسة بشكل كبير في المجتمع الموريتاني، رغم انحسارها شيئا ما بسبب طبيعة الحياة العصرية التي أودت ببعض أجزاء طرق إقامتهاـ حيث اقتضت العادة أن يقوم الأب بحلاقة شعر ابنه بنفسه، بطريقة تقليدية، كما يقوم الرجال بحلاقة رؤوس بعضهم البعض، أما اليوم فقد أصبح الآباء يوكلون المهمة للحلاق العصري.
وعلى الرغم من ذلك، تشهد محلات الحلاقة إقبالا كبيرة في بداية شهر رمضان، وكثيرا ما يكون الطلب على الحلاقة للأطفال تطبيقا لعادة “زغب رمضان””.
وشرعيا، يقر معظم الفقهاء هذه الممارسة، معتبرين أن العادات التي دأب المجتمع عليها وتحظى بمكانة كبيرة في نفوس الشعب، إذ ا لم تكن مخالفة للشريعة فهي مباحة شرعا، انطلاقا من المقولة الشهيرة” العادة كالشرع ما لم تخالفه”، ويقول بعض الفقهاء “إن النية من ممارسة هذه العادة والهدف من ممارستها، هو لب الموضوع، وهو وجه التحليل أو التحريم، وبالنظر إلى طول العهد على ممارسة هذه الظاهرة ولأن معظم علماء البلد مارسوها أو أقروها ولم يرجح قول يناقض ذلك فالراجح هو جوازها”.
شراء الاحتياجات
ينزل غالبية الموريتانيين إلى السوق يومين أو ثلاثة قبل حلول الشهر المبارك من أجل شراء احتياجات شهر كامل من المواد الغذائية كاللحوم والخضراوات لكن القدرة الشرائية للأسرة هي الفيصل في انتقاء ما يمكن من السوق وهي أيضا الفارق بين الفقراء والأغنياء.
وعلى الرغم من التطور الذي شهدته المائدة الرمضانية الموريتانية بسبب الاحتكاك بالثقافات الأخرى، إلا أن الموريتانيين يركزون في رمضان على الوجبتين الشائعتين عند المسلمين: الفطور والسحور، فضلاً عن الشاي الأخضر المعد وقت الفطور.
ويتكون الفطور عند الموريتانيين من التمر والنشاء المعد من حبوب متعددة، (القمح، والفارين، والذرة، أو الشعير والفول السوداني). أما وجبة السحور فتتكون غالبا من الأرز والحليب، أو الكسكس واللحم. كما يعد شراب «البصام» المعد محليا مشروبا مفضلا لدى الموريتانيين في رمضان ويشكل بديلا مثاليا بالنسبة لهم عن المشروبات الغازية.
قارعي الدفوف
ومع اقتراب وقت السحور نشاهد عددا من الفتية يطوفون الشوارع قارعين الدفوف، لإيقاظ المتسحرين قبل موعد الإمساك، ولوحظ خلال الفترة الأخيرة أن جيلا جديدا من “المسحراتي” بدأ في الظهور حيث يتطوع مجهولون، بالاتصال بعشرات الهواتف المنزلية كل ليلة بشكل عشوائي؛ للتذكير بوقت السحور، ويتسم هؤلاء المتطوعون بالسلوك الطيب والرزانة في القول والفعل.
العادات الغذائية
وتتشابه العادات الغذائية لدى المجتمع الموريتاني في شهر رمضان، وتشكل روتينا شبه ثابت منذ فترة طويلة. ورغم أن بعض الوصفات الوافدة بدأت تتسلل خلال الأعوام الأخيرة إلى المطابخ الموريتانية إلا أن تأثيرها يبدو طفيفا، حيث لا يزال التمر أول ثوابت الإفطار امتثالا للسنة النبوية الشريفة.
ويظل “اطاجين” الوجبة الرئيسة التي لا تخلو مائدة إفطار موريتانية منها، وهو عبارة عن طبخة معدة من البطاطس باللحم، كما يمثل “الزريق” المشروب الأساسي، وهو خليط من الماء والحليب واللبن الرائب، إضافة إلى “الشوربة” المعدة من الخضار أو الطحين. كما أن الشاي الأخضر أساس في وجبة الافطار وجلسته تكون جماعية حيث يجتمع أكبر عدد ممكن من الأفراد، ويعد على نار هادئة.
وبعد صلاة العشاء والتراويح يكون طبق اللحم المشوي قد استوى على الفحم ليقدم مع السلطة الخضراء. ويختلف توقيت تناول هذه الوجبة؛ فمنهم من يتناولها مباشرة بعد الفراغ من صلاة المغرب، ومنهم من يؤخرها إلى ما بعد صلاتي العشاء والتراويح، أما وجبة السحور فغالبا ما تكون من الأرز أو الكسكسي.
طقوس ما بعد التراويح
وبعد أداء صلاة التراويح يبدأ الناس التزاور، وتبادل أحاديث السمر، وتتسلى النساء بلعبة شهيرة تدعى “السيك” فيما يلهو الرجال بلعبة الشطرنج التقليدية المسماة “ضاما”. كما يعشق كثير من الموريتانيين ندوات الشعر التي تقام بالخيام الليلية، والتي يرافقها الطرب الحساني.
مراسيم خاصة
وفي ليلة 27 من رمضان تكون صلاة التراويح الأخيرة والتي عادة ما تصحب ببعض العادات كأن يحضر المصلون أواني لينفث الإمام فيها التماسا للبركة ويمضي الكثيرون الليل وهم يصلون التماسا لفضل ليلة القدر.
بعض الشباب في أحياء الضواحي يحاولون تقليد المسحراتي من خلال الإعلام بوقت السحور حيث يجوبون الطرق وهم يحملون في أياديهم أوعية معدنية لنقر عليها من أجل إيقاظ الناس على السحور.
ولا يعرف الأطفال في موريتانيا فانوس رمضان، لكنهم يخرجون إلى الحدائق والشوارع بعد الإفطار، ويمارسون ألعابهم المختلفة، وقد يصحبون والديهم إلى صلاة التراويح.
وتزدهر مجالس العلم والشعر في شهر رمضان بموريتانيا، وينظم المثقفون أمسيات ثقافية وفنية تشمل مختلف أشكال الإبداع. ولايزال الموريتانيون يحرصون على ممارسة عاداتهم وتقاليدهم الأصيلة في الشهر الكريم، لاسيما من جانبها الديني كالحرص على صلاة التراويح جماعة في كل بيت وزيارة الأهل والتكافل الاجتماعي والقيام بالأعمال الصالحة.
وسمح تزامن رمضان والعطلة الصيفية باجتماع أفراد الأسرة ولمّ شمل العوائل بعد عودة المغتربين في الدول الإفريقية لقضاء شهر رمضان مع أسرهم، والتحاق الموظفين العاملين في القرى والمدن البعيدة بأسرهم، وباتت موائد الإفطار والسحور ملتقى العائلات والأقارب الذين لم يجتمعوا منذ زمن.