قبائل الهيمبا..لوحة تراثية تفوح منها رائحة البدائية والقبلية
في القارة السمراء، مازالت حتى الآن تنتشر العديد من القبائل التي ظلت متمسكة بحياتها البسيطة وبنمطها البدائي وبعادات وتقاليد أجدادها الغريبة، وتعد قبائل الهيمبا واحدة من أكثر هذه القبائل بدائيةً، وإثارةً للغرابة، وجذباً للأنظار.
لمحة عن حياتهم
هي قبيلةٌ أفريقية ذو نمط بدائي قديم، فهم بدو متنقلون من مكان لمكان بحثاً عن ثروات الأرض من ماءٍ وخَضَار، يستوطنون في الشمال والشمال الغربي من دولة ناميبيا (التي تقع جنوب غرب قارة أفريقيا والتي تعد من أقل الدول كثافة بالسكان في العالم وكذلك من أكثر الدول الأفريقية التي تتمتع باستقرار سياسي واقتصادي واجتماعي عال) خاصةً في منطقة “كونين” منها.
وتعد الهيبما من أوائل القبائل والجماعات التي استوطنت تلك الأرض، ويتراوح أعدادهم بين 40 و50 ألف نسمة. ويُعتقد أنهم فروع منحدرة من شعوب الهيريرو الذين هاجروا منذ مئات من السنين من مناطق شرق أفريقيا.
وتعيش الهيبما خارج نطاق الحياة المعاصرة والحديثة التي نعيشها الآن، فقد استطاعوا أن يتمسكوا بتراثهم التقليدي القديم، ويحافظوا على عادات وتقاليد أجدادهم الأوائل، ويعيشوا وفقاً لها ويتبعوا طقوساً مميزةً خاصة بهم، دون أن يتأثروا بالمجتمع المتقدم الذي يحيط بهم ليشكلوا بذلك لوحة تراثية تفوح منها رائحة البدائية والقبلية.
تاريخ قبائل الهيبما
ذهبت أغلب أقوال المؤرخين إلى الاعتقاد بأن قبيلة الهيمبا هي إحدى القبائل التي انتقلت مع شعوب وجماعات الهيريرو الأخرى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي من بوتسوانا (وهي دولة تقع جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا الجنوبية) واستقرت في شمال ناميبيا، ليعيشوا هناك حياةَ الترحال معتمدين على الصيد وتربية المواشي.
ويتميز تاريخ هذه القبيلة بامتلائها بالكوارث والحوادث المهلكة، من جفافٍ وقحطٍ وصراعات وحروب، ولاسيما في فترة حرب الاستقلال الناميبية وكذلك الصراع الداخلي مع الجارة أنجولا (التي تحد ناميبيا شمالاً) ومن أمثلتها حملة الإبادة الجماعية التي تعرضوا لها مع باقي جيرانهم من جماعات الهيريرو من قِبل الألمان الذين كانوا مستعمرين لتلك الأرض بقيادة لوثير فون تروثا.
وكذلك حالة القحط التي سادت مناطق تواجدهم في عام 1980 والتي تسببت بمقتل ما لا يقل عن 90% من قطعانهم، ودفعهم للهجرة الجماعية إلى منطقة أوبو (Opuwo) ليعيشوا في المناطق الفقيرة والعشوائية هناك. هذه الحادثة كانت على وشك أن تؤدي إلى انقراض طبيعة وتراث هذه القبيلة واختفاء نمط حياتهم من الوجود.
ولكن في عام 1990 وما بعده بدأت قبيلة الهيمبا بالعودة إلى أرضهم التاريخية القديمة، والبدء بالعيش من جديد هناك وفقاً لطريقتهم وأسلوبهم الخاص بهم.
معتقدات قبائل الهيبما
تمكنت القبيلة من الحافظ على ديانة آبائها وأجدادها الأوائل، وهي ديانة توحيدية لا تخلو من تقديس أرواح الأجداد الميتين، فإلههم اسمه (موكورو Mukuru)، وفي معتقدهم أنه إله واحد خالقٌ لكل شيء في الوجود، ولكنه إله بعيد لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال أرواح الأجداد الذكور فقط التي بمجرد موتها تتحول إلى كائن مقدس تؤمن التواصل بين الأحياء والإله.
ويتم هذا عن طريق إبقاء النار المقدسة Okuruwo والتي تمثل حلقة الوصل بين الحياة الدنيا وأرواح الأجداد مشتعلة دائماً، ويتم الاهتمام بها من قبل زعيم القبيلة، والذي يقوم بالصلاة حول النار المقدسة وطلب البركة والرحمة والصحة من الأجداد، والتي تعد هذه من إحدى واجباته الأساسية.
حياة الرجل في القبيلة
نادرا ما تجد رجال هذه القبيلة داخل القرية إذ أنهم لا يهتمون بالمواشي وغيرها، فهم في غالب الأحيان يكونون في الحانات يشربون الخمر، أو يذهبون إلى المدن بحثاً عن عمل، ولُوحظ أن بعض الرجال قد بدأوا بارتداء بعض الملابس الغربية الحديثة. والنساء بالطبع لا يعجبهن هذا التقدم ولو كان قليلاً. وكذلك الرجل لا يكتفي أبداً بزوجة واحدة، وإنما له زوجات عدة وأطفال كثر في مساكن مختلفة.
حياة المرأة في الهيبما
المرأة في قبائل الهيبما لها دور كبير ومميز، فهي تلعب دوراً أكبر مما يلعبه الرجل، وأغلب الأعمال والأنشطة التي تتطلب جهداً تقوم بها نساء القبيلة.
ومن تلك الأعمال والأنشطة التي تقوم بها المرأة باقتدار هي تربية المواشي وحلبها وإحضار الماء من الأنهار للقرية، وكذلك جلب الحطب وعمل بعض المصنوعات اليدوية، وكذلك بناء المنازل وتربية الأطفال ورعايتهم، وتتعاون نساء القبيلة فيما بينهن لأداء هذه الأعمال وفي كثير من الأحيان قد تجد إحدى النساء تبرعت لتعتني وترعى أطفال نساء أخريات إلى جانب أطفالها.
والفتاة الصغيرة في هذه القبيلة حين تصل لسن البلوغ يتم الاحتفال بها وسط أجواء روحانية خاصة بهم، حيث تُؤخذ إلى المكان المقدس بالقبيلة والمخصص للشعائر الدينية التي يؤمنون بها، وتبقى هناك جالسة في حماية الأجداد حتى قدوم رفيقاتها وقريباتها إليها وهنَّ يحملن هدايا لها فرحاً ببلوغها ووصولها للسن الذي تستطيع أن تتزوج وتنجب فيه.
ولادة التوائم لعنة
ومن أغرب عادات وتقاليد هذه القبيلة ما يخص المرأة الحامل، فحينما يأتي موعد وضعها تقوم بمغادرة القرية برفقة امرأتين لتولد في الخارج ومن ثم تعود مع مولودها لتبدأ عندها الاحتفالات التطهيرية له. ويُعتبر ولادة التوائم أمراً منبوذاً عندهم، إذ ينظر لهذا الأمر على أنه غضب من الأجداد ولعنة على المرأة، والتي يُعتقد وفقاً لأفكارهم أنها قد حملت من رجلين في آن واحد.
ومن أحد الأمور التي تميز نساء هذه القبيلة عن غيرهن من النسوة هو استعمالهن لخليط يصنعنه بأنفسهن من دهن الماعز وأكسيد الرصاص وبعض أنواع النباتات مع خلطها ببعض الروائح الذكية، للاحتماء من أشعة الشمس المحرقة وكذلك لحماية أنفسهن من الحشرات.
وهذا المزيج يعطي لأجسادهن لوناً أحمراً والذي بدوره يرمز إلى بركة الأرض التاريخية التي يعيشون عليها، وإلى دم الإنسان والذي هو رمز الحياة واستمراريته.
الشَعر وتسريحته
للشعر عند قبيلة الهيمبا أهميته الخاصة، فلكل تسريحة ولكل خصلة دلالاته وكذلك لكل عمر ولكل فترة زمنية تسريحته، إذ أن النساء يقمن بجدل شعرهن على شكل ضفائر ومن ثم يقمن بصبغه بالمزيج الذي يصنعونه من دهن الماعز وأكسيد الرصاص وبعض النباتات ليأخذ بذلك لوناً أحمراً ينطبق مع لون أجسادهن الحمر المصبوغة بذلك النسيج أيضاً.
وعدد هذه الضفائر التي يجدلونها تختلف باختلاف الحالة الاجتماعية لكل منهن، فحيث إن الفتاة الصغيرة غير البالغة تمتلك ضفيرتين اثنين كبيرتين تنسكبان على جبينها، ومع التقدم في العمر والوصول لسن الرشد تزداد أعدادها وتصبح أصغر. وعندما تتزوج المرأة فإنها تضع على رأسها تاج صغير مصنوع من جلد الماعز دلالة على دخولها عرش الحياة الزوجية.
في حين أن الرجل يملك قبل البلوغ ضفيرة واحدة تنسدل على الجبين، وعند بلوغه يتم توجيها بشكل منحني نحو الخلف على شكل ذيل، وعند الزواج يضع الرجل على رأسه عمامة يخبئ تحتها شعره. والرجال لا يستعملون الصبغ الذي تستعمله النساء.
اللباس والزينة
وتعد طريقة لبسهم من أغرب العادات والتقاليد التي ورثوها عن أسلافهم، حيث إنهم لا يلبسون سوى القليل جداً من الثياب على أجسادهم، فالمنطقة العليا من الجسد تكون عارية تماماً عند الذكور والإناث معاً (البطن والصدر)، أما المنطقة السفلية فيتم تغطيتها فقط بتنورة قصيرة جداً مصنوعة من جلد الماعز. أي أنهم يعيشون ويتحركون وهم عراةٌ تقريباً.
وبالنسبة للزينة، تتزين النساء ببعض الإكسسوارات التي يصنعنها هم بأنفسهم سواءً من العظام أو النحاس أو جلود الحيوانات التي يربونها، إذ يضعونها في رقابهم وأيديهم. كما أنهن يضعن خلخالاً في أسفل قدمهن للحماية من لدغات الحشرات السامة وعندما تزوج الأم إحدى بناتها فإنها تزيل الخلخال الموضوع في القدم اليسرى لمدة عام.