المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

التاج البريطاني وتجارة العبيد في الكاريبي

0

الكاتب: كريسبو ديالو

أسهمت تجارة العبيد في منطقة الكاريبي في التراكم الرأسمالي الأولي للامبراطوريات الأوروبية ثم أصبحت نقطة الانطلاق لاستعمار الأمريكتين وإبادة السكان الأصليين…كان النظام الملكي البريطاني يسعي لتأسيس وتوسيع الإمبراطورية من خلال تجارة العبيد من أفريقيا عبر المحيط الأطلسي وصولا إلي الكاريبي. وصل المستوطنون البريطانيون الأوائل برعاية التاج الانجليزي إلى الكاريبي في عام 1625. كانت جزر غير مأهولة إلى حد كبير نتيجة مواجهات قاتلة سابقة بين مستكشفين إسبان وهولنديين وتحت تأثير الأوبئة. لكنها كانت صالحة للزراعة ، في بداية الاستيطان استخدم التاج البريطاني الخدم أو السجناء بعقود للعمل في المزارع ،ولكن هذا النوع من العمالة لم يلبي حاجة المستعمرات المتنامية، فالمزارعون الصغار أزاحهم الزحف الجشع لنظام (plantation system). منذ ثمانينات القرن ال15 وما بعدها،

أصبح العبيد الأفارقة المصدر الرئيس للعمالة الرخيصة في هذه المزارع. أمر التاج البريطاني تشكيل حملات صيد لشعوب غرب إفريقيا عام 1630 ونقلهم إلى جزر الكاريبي، كانت ظروف أسر الأفارقة قاسية بداية من احتجازهم في الأبراج المحصنة الذي مات فيها العشرات. وصولاً الي سفن العبيد ، حيث تم تقييد الرجال والنساء والأطفال معاً خلال الرحلة التي استمرت 200 يوم وسط قيئهم وبرازهم ، مع إلقاء من يمرض في البحر. وحين وصلوا إلى الكاريبي، أصدر المسؤولون البريطانيون تشريعاً أعلن أن جميع الأفارقة باختلاف أعمارهم سيظلون عبيداً مدى الحياة. تم تبني هذه القوانين لاحقاً من قبل بقية المستعمرات البريطانية الأخرى المالكة للعبيد. كان يموت يوميا عدد من الرجال والنساء والأطفال بسبب عملهم لمدة 18 ساعة في اليوم في الحقول، تحت سوط جنود المستعمرات.

حين أصبحت زراعة التبغ غير مربحة، تم تخصيص الجزيرة لإنتاج السكر. كانت صناعة فريدة من نوعها جمعت بين كل من القوى العاملة الكبيرة والإنتاج الصناعي في شكل مصانع السكر ، وقد تطلب ذلك إزالة الغابات في الكاريبي بشكل شبه كامل. و تطلبت هذه الصناعة أعداد هائلة من العمالة، لهذا زاد طلب شحنات العبيد لتجديد قوة العمل مع مرور الوقت أصبح السكر السلعة الأكثر قيمة في التجارة الأوروبية ، حيث شكل خمس الواردات الأوروبية إذ امتد الإنتاج في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي خلال القرنين ال 18وال19، و تم شحن حوالي ثلاثة أرباعه إلى لندن ، وأصبحت مستعمرات التاج البريطاني أغنى من جميع المستعمرات الأوروبية في الكاريبي. ظروف العمل القاسية في مستمعرات التاج البريطاني بالكاريبي أشعلت ثلاث تمردات رئيسية للعبيد (1649 و 1675 و 1692) ، وتم قمعها كلها بهمجية بالغة. ففي جامايكا، غواينا وترينداد وتوباغو. صمد العبيد الهاربون ، المعروفون باسم المارون ، لعقود في الجبال ضد البريطانيين ، كانت هناك تمردات متكررة على المعابر وفي موانئ العبيد في أفريقيا وكذلك في الموانئ التي نزلوا فيها. وانتشرت هذه الثورات على نطاق واسع ، وزعزعت استقرار المجتمع الاستعماري.

مع ازدهار العوائد المالية من تجارة العبيد أصدر الملك الانجليزي “جيمس الثاني” قرار بتأسيس شركة Royal Adventurers ،وجمعية غامبيا الملكية ولاحقاً الشركة الملكية الأفريقية (RAC) – وهي من الشركات التي كان للعائلة المالكة حصص كبيرة فيها. كانت سبب في أن تستأثر الإمبراطورية البريطانية بأكثر من نصف العبيد الذين تم نقلهم عبر المحيط الأطلسي. وأشارت التقديرات إلى أن الارباح قاربت 12 مليون جنيه إسترليني من شراء وبيع الأفارقة بين عامي 1630 و 1807 ، وربما 20 مليار جنيه إسترليني مقدرة بقيمة تلك الأموال اليوم. ذهب حوالي 20 % من مجموع العبيد إلى جزر الكاريبي ، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي ذهب إلى مستعمرات أمريكا الشمالية. غير أن هذه الشركات منحتهم احتكاراً لمعظم تجارة غرب إفريقيا ، والتي شملت الذهب المستولي عليه من أفريقيا وليس العبيد فقط، واستفادت خزينة النظام الملكي الانجليزي مباشرة.

كما لعبت تجارة العبيد دوراً هاماً في تطوير الاقتصاد الأوسع لبريطانيا ، من خلال تزويد مصانعها وورشها بإمكانية الوصول إلى المواد الخام. و ظهرت المؤسسات المالية والتجارية والقانونية والتأمينية لدعم التجارة ، بما في ذلك Lloyds Insurance و Barclays Bank و Barings ، حيث أصبح بعض التجار مصرفيين وخدمت أرباح تمويل تجارة الرقيق تطوير أعمال وصناعات جديدة ، مما أتاح فرصة التوسع الهائل في المنتجات المصنعة والبضائع التي جعلت من بريطانيا ‘ورشة العالم’ في القرن ال19.

كما لعبت تجارة العبيد دوراً هاماً في تطوير الاقتصاد الأوسع لبريطانيا ، من خلال تزويد مصانعها وورشها بإمكانية الوصول إلى المواد الخام. و ظهرت المؤسسات المالية والتجارية والقانونية والتأمينية لدعم التجارة

عندما صدر تشريعاً في عام 1833 ألغى العبودية في جميع الأراضي الواقعة تحت الحكم البريطاني في الكاريبي ، فقد تضمن قانون إلغاء الرق تدابير مصممة لإبقاء العبيد ملتزمين بالمزارع ، مما حد من حقهم في ملكية الأرض ووفر في الواقع شكلاً من أشكال العمل بالسخرة لمدة ست سنوات كشكل من أشكال ‘التدريب المهني’. كما استخدمت الطبقة الحاكمة البريطانية ، قانون الإلغاء لتتظاهر بأنها هيئة رقابة على مكافحة الرق ، وراقبت ساحل غرب إفريقيا ، وحاصرت موانئها ، وحمت المصالح التجارية لبريطانيا كمقدمة لاستعمار أفريقيا في وقت لاحق.

في الستينيات والسبعينات القرن العشرين عند بزوغ حركة استقلال في الكاريبي قوضت بريطانيا هذه الجزر بمنظمة الكومنولث التي كانت تتكون من 52 دولة عضوة “مستقلة ومتساوية”، وعلى الرغم من ادعاء “الاستقلالية” هذا فإن للكومنولث أصولا إمبراطورية حيث إن العديد من الدول الأعضاء في المنظمة هي مستعمرات سابقة للإمبراطورية البريطانية. من كان يعارض دخول المنظمة يتم اغتياله او دعم انقلاب عسكري ضده، بريطانيا كانت تدعم قمع الدولة في هذه الجزر للحفاظ على ثروة وامتيازات نخبة صغيرة خادمة لهم ولصندوق النقد والبنك الدولي.

يظهر هذا الاستعراض الموجز كيف أن بريطانيا كانت لاعباً رئيسياً في تجارة الرقيق ونظام مزارع ملكية العبيد في الكاريبي واستفادت منه إقتصاديا. ذلك كان سبب مقنع لقمع كل الجهود التي بذلها العبيد أنفسهم للتخلص من أغلالهم بأقصى درجات الهمجية، اليوم تقضي شعوب هذه الجزر التي تقاوم 400 عاماً من الولاء للتاج البريطاني إرث طويل من التخلف والتبعية وفوق كل ذلك الصعوبات الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية.



كانت ظروف أسر الأفارقة قاسية بداية من احتجازهم في الأبراج المحصنة الذي مات فيها العشرات. وصولاً الي سفن العبيد ، حيث تم تقييد الرجال والنساء والأطفال معاً خلال الرحلة التي استمرت 200 يوم وسط قيئهم وبرازهم ، مع إلقاء من يمرض في البحر.

كانت هناك تمردات متكررة على المعابر وفي موانئ العبيد في أفريقيا وكذلك في الموانئ التي نزلوا فيها. وانتشرت هذه الثورات على نطاق واسع ، وزعزعت استقرار المجتمع الاستعماري.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.