المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

لِوُوبُولدْ سِدَارْ سِنْغُورْ” Léopold Sédar Senghor”

0

لِوُوبُولدْ سِدَارْ سِنْغُورْ” Léopold Sédar Senghor”

سيرة ومسيرة


مع انتمائه إلى أقلية إثنية؛ في بلاد السنغال وهي (السِّيرِيرْ)؛ وانتسابه إلى أقلية دينية؛ وهي: المسيحية [الكاثوليك]؛ فإن شاعر الزنوجة وعَرَّابها،… استطاع أن يشق طريقه نحو تحرير بلاده من الاستعمار الفرنسـي، والوصول بها إلى الاستقلال والسيادة الوطنية؛ كما نجح في اجتذات أغلب القيادات الدينية الإسلامية لدعمه، ومناصـرته، وهم من يمثلون 95% من الشعب. فاستطاع أن يحكم السِنِغَالَ مَا بَعْدَ الْاِسْتِقْلَالِ عشـرين عاما [1960م – 1980م]؛ استقال بعدها عن رئاسة البلاد والحكم طواعية ، بل تنازل بمحض إرادته عن الرئاسة مرشحاً “عبده ضيوف” المسلم خلفاً له

..

في السطور الآتية محاولةٌ لرسم المسار الحياتي للرجل، وكشفِ أصوله الاجتماعية وملابسات نشأته، وبيانِ مسيرته التعليمية، والفكرية والسياسية، وسعيٍ لتسليط الضوء على الحيثيات والملابسات التي جعلت من الممكن تبوأ منتمٍ إلى أقلية دينية وإثنية عرش السلطة العليا في بلد ذات أغلبية مسلمة يبلغ نسبة المسلمين فيها 95%، ووقوفٍ على نموذجية هذه الحالة ومثاليتها الـمشـرقة في زمن بلغت فيه أزمة التعددية الإثنية والدينية مستوى خطيرا؛ بات يُقوِّضُ أسس السلام العالمي، واستقرار البلاد.

• ظرفا الزمان والمكان:

عرف العصـر الذي شهد ولادة (سنغور) تحولات مفصلية في تاريخ بلاد السنغال. فالمستعمر الفرنسـي الذي بنى أولى منشأة له في أفريقيا الغربية بعد منتصف القرن السابع عشر سنة 1659 على يد (لويس غولييه) في إقليم (سانت لويس) شمال غربي السنغال؛ كان قد نجح بعد سلسلة من التوغلات المنتظمة؛ في فرض سيطرته على ربوع البلاد في أوائل القرن العشرين؛ وفي العديد من بلاد أفريقية الغربية .

وبذلك كانت بلاد السنغال قد تساقطت إماراتها واحدة تلو الأخرى، وخضعت لنفوذ المستعمر الفرنسـي بعد عدة مواقع ومعارك وحروب خاضتها شعوب المنطقة، وإماراتها وجماعاتها المسلمة و(الأرواحية) ضد قوات الاستعمار الفرنسـي. وكانت الإدارات الاستعمارية المتعاقبة على إدارة منشأتها التجارية بسانت لوي قد نجحت في إقامة جاليات تجارية غربية على طول سواحل شرقي المحيط الأطلنطي بامتداد طول البلاد، وعلى تمكين الإرساليات التبشيرية والتعليمية المسيحية من بناء منشآتها الدينية والتعليمية في البلاد طولا وعرضا. وقد سبق خضوع البلاد الكامل للاستعمار الفرنسي تطوار سياسيا خاصا؛ حين تم ضم أربعة أقاليم من البلاد كان للاستعمار الفرنسي نفوذ وحضور مطلق بها إلى الإمبراطورية الفرنسية.

وبذلك أصبحت تلك الأقاليم السنغالية؛ منذ عام 1848 ترسل نوابها إلى البرلمان الفرنسـي، لتصبح السنغال بذلك أول مستعمرة أفريقية تبني كيانها السياسي الخاص في إطار مؤسسات الدولة الفرنسية؛ بموجب اكتساب سكان هذه الأقاليم الأربعة الآتية للجنسية الفرنسية؛ وهي: جزيرة غُورِي، ومدينة رُوفِسكْ الساحِلية، وجزيرة سَانتْ لُوِيسْ، وشبه جزيرة دَكَارْ.

• الميلاد، والنشأة:

ولد لِوُوبُولدْ سِدَارْ سِنْغُورْ) {Léopold Sedar Senghor} (1906-1928م) في يوم 9 أكتوبر 1906م بجُوَالْ، [Joal]؛ وهي مدينة ساحلية صغيرة، تقع جنوب دَكَارْ، عاصمة السنغال الحالية. كان والده (بَاسِيلْ جُوغُويْ سِنْغُورْ) [Basile Diogoye Senghor] تاجرا؛ من علية الطبقة البورجوازية السيريرية، كاثوليكيَّ الديانة، سيريريَّ الإثنية. وبهذا اجتمع في سنغور خاصيتان متقاربتان في الوزن: الانتساب إلى أقلية دينية، وأخرى إثنية. أما والدته انْغِيلَانْ ندِيمِي بَاخُومْ [Ngilane Ndiémé Bakhoume]؛ فتنحدر من أصل سِيرِيرِيٍّ، مشوبة بجذور فُلَّانِيَّةٍ مَلَكِيَّةٍ تصلها بإقليم (فُوتَا تُورُو) شمال شـرقي البلاد ذات الأغلبية الإسلامية؛ وكانت الزوجة الثالثة لِـــ (بَاسِيلْ جُوغُويْ سِنغُورْ).

والوالدان كلاهما ينتسبان إلى طبقة (السِّيرِيرْ) النبيلة )غِيلْوَارْ) [Guèllwar]. أما الاسم الذي أطلق عليه بعد ولادته؛ [Léopold فهو ذو أصل كاثوليكي؛ سماه والده به تخليدا لاسم وذكرى التاجر الثري والخلاسـي، الذي كان صديقا وفيا له. وأما الإسم الآخر، (سِدَارْ) [Sedar]؛ فمن لغة (السِّيرِيرْ)؛ ومعناه: (Celui qu’on ne peut humilier): أي: (ذلك الذي لا يصَغَّر من شأنه قط). وأما (سِنغُورْ) [Senghor] ؛ فهو لقبه العائلي الذي كان يحمله أباه، ويحتم عليه الأصول الاجتماعية حمله هو أيضا.

وقد قضى سنغور الفترة الأولى من حياته عند أسـرة أمه؛ كما تقتضيه التقاليد الأفريقية أحيانا … وكان بدأ يتردد على البيت الكاثوليكي، بـ “جيلور” Djilor ، حيث تلقن الفتى (سِنغُورْ) أسس الكثلكة، ومبادي اللغة الفرنسية. و كان سنغور قد بدأ دراسته عند الآباء الروحيين بـ “انغازوبيل” Ngzobil ومكث عندهم تسع سنوات؛ انتقل بعدها إلى دكار حيث درس في المدرسة الإكليركية François Libermann، ثم في المعهد الثانوي الذي كان يقع في شارع Vinces بدكار، والذي سمي فيما بعد بمعهد Van – Vollenhoven ، وقد استهواه الأدب الفرنسي في هذه الفترة، وكان تلميذا مجتهدا، وعندما نال الشهادة الثانوية رشحه أساتذه لابتعاثه إلى فرنسا لمواصلة تعليمه هناك. فحصل على نصف منحة دراسية، من الإدارة الاستعمارية الفرنسية، ثم غادر السنغال لأول مرة موليا وجهه شطر فرنسا سنة 1928، وعمره 22 سنة.

  • التجربة الأدبية

وتزداد أهمية معرفتنا بوضعه الشخصي والأسـري عندما نرى هذا الرجل فيما بعد يشق طريقه بعيدا، فنجد جانب الشاعر، يعيد سنغور صوغ العالم في شعره. يفكك القارات ويخلق جغرافيا جديدة. هو رجل الثنائيات، الأبيض والأسود، القباحة والجمال، الغربي والافريقي، رجل الدولة، الأكاديمي والشعبي… يترصّع في عالم البيض، ويعيد تكوين أبجديتهم وخلق تعبيرهم من الكرسي الذي يشغله في الأكاديمية الفرنسية، على إيقاع الطنطن (الطبلة الافريقية) ، تأخذ كلماته معناها الأول في اعتباطية الإشارات فتستحيل أنغاماً وطبيعة تحبس أنفاسها في موسيقاها.

أنتَ أسود إذاً أنتَ جميل

دائما ما نجد في أبيات سنغور، تناغم “الأسود” مع “الجميل”، كما في “نشيد الأناشيد”، الذي أعاد كتابته في قالب رائع، فيقول لحبيبته بشكل تفسيري: “لأنك سوداء أنتِ جميلة”.

عرف الرئيس سنغور بعلاقته الوثيقة بالأديب والسياسي المارتنيكي الراحل إيميه سيزار، فقد عاشا سويا لفترة طويلة وجمعتهما ظروف الدراسة وكانا وراء إطلاق الميثاق السياسي والأدبي لحركة “الزنوجة”، التي أصبحت فيما بعد بطاقة هوية اجتماعية وأدبية للزنوج. وقد جسد سيزار هذه العلاقة بعبارته الشهيرة “ليس لون البشرة هو ما يوحدنا، لكن المثالية في الحياة والتعطش إلى التحرر هو ما يجمعنا”.

دافع هو وصديقه سيزار في فرنسا عن “الزنوجة” وتعني اعتراف المرء بواقع كونه أسودا، وقبوله بهذا الواقع وتقدير السود تاريخا وثقافة، واعتبر سنغور أن “الزنوجة” هي: “مجموعة القيم الاقتصادية والسياسية والفكرية والمعنوية والفنية والاجتماعية لدى شعوب أفريقيا والأقليات السوداء في أميركا وآسيا وأوقيانيا”.

  • التجربة السياسيةImage title

لعب سنغور دورا أساسيا في حركة التحرر الوطني السايق لعهد الاستقلال، ليصبح أول رئيس لجمهورية السنغال التي تعتبر المسيحية فيها ديانة أقلية، والسيرير فيها إثنية أقلية أيضا، لكنه رجل فكر وقد فهم أن شعبه لن يتقدم إلا من خلال الثقافة والتربية ، وكان الشغف اللغوي لدى سنغور جزء لا يتجزأ من التزامه السياسي.. عمل في سنوات حكمه العشرين من أجل الحداثة فأرسى نظاماً تربوياً استثنائياً،

  • المؤلفات
    ألف سنغور العديد من الكتب والدواوين الشعرية، ومن أكثرها شهرة: “أغنيات الظل” و”قرابين سوداء” و”ليليات”، و”قصائد متنوعة” و”إثيوبيات” و”رسائل البيات الشتوي”، و”مرثيات كبرى” و”قصائد ضائعة”.
    Image title

وقف وراء إطلاق أول نسخة من مهرجان الفنون الأفريقية نظمت سنة 1966 بدكار، وسعت فكرة المهرجان إلى إحياء الفنون الأفريقية وربط الأجيال الحالية بتراثها الثقافي.

امضى سنواته الأخيرة من حياته مع زوجته في فيرسون بنورماندي حيث وافته المنية في 20 ديسمبر 2001 وتم تشييع جنازته في 29 ديسمبر 2001 في داكار. حضرها كثير من المسؤولون الفرنسيون مثل رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية وشارل جوسلان وزير الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.