المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

مستقبل مرجعية التيار الصدري بعد اعتزال الحائري

0

د: هاشم سرحان العوادي

مدير المركز

بالرغم من تصدي السيد كاظم الحائري للمرجعية الدينية منذ اكثر من خمسين عاما، الا انه لم تسلط عليه الاضواء الا بعد خلافته للمرجعية السياسية لحزب الدعوة بعد اعدام السيد محمد باقر الصدر من قبل النظام السياسي السابق وهي الخلافة التي لم تستمر اكثر من سنتين فقط اذ سرعان مع اعلن اعتزاله عن المرجعية السياسية لهذا الحزب. اليوم وفي خطوة مماثلة الا انها اوسع من سابقتها اعلن السيد كاظم الحائري انسحابه عن التصدي للمرجعية مطلقا، سواء ( الدينية او السياسية ). 

جاءت مرجعية السيد كاظم الحائري لاتباع التيار الصدري بناء على الوصية التي تركها مرجعهم السابق السيد محمد صادق الصدر ( والد مقتدى ) والتي خيرهم فيها بين الرجوع الى السيد الحائري او الشيخ محمد اسحاق الفياض، وقد تم استبعاد الشيخ الفياض نتيجة لقناعاتهم بان الشيخ الفياض يمثل امتدادا لمرجعية السيد السيستاني. اما السيد الحائري فقد وجد اتباع التيار فيه جملة من ( المميزات ) التي تنسجم مع ميولاتهم كتتلمذه على يد احد فقهاء ال الصدر (السيد محمد باقر الصدر)، وتصديه للعمل السياسي في بداية ثمانينات القرن الماضي، واصداره للعديد من الفتاوى التي جاءت متناغمة مع توجهات التيار سواء ما يتعلق منها بمقاومة الاحتلال الامريكي، او ابعاد البعثيين عن المؤسسات السياسية والحكومة، وقد استمر التيار في ممارسة انشطته السياسية و( الدينية ) بإجازة من السيد كاظم الحائري.

لقد شكل اعلان السيد كاظم الحائري يوم 28 اغسطس / اب اعتزاله عن المرجعية الدينية في الوقت الذي كان فيه التيار يسعى الى معالجة تداعيات قرار انسحاب كتلته البرلمانية، وانفراد خصومه ( الاطار التنسيقي ) بمجريات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وقد تضمن بيان الاعتزال مجموعة من النقاط التي جعلت البعض وخصوصا اتباع التيار الصدري ترى بان قرار الاعتزال جاء متأثرا بالضغوط الايرانية لاحتواء الازمة السياسية في العراق بين التيار الصدري وغريمه الاطار التنسيقي. كما ان بعض هذه النقاط تتعارض مع متبنيات التيار الصدري وتوجهاته الاخيرة سواء فيما يتعلق بموقفه السلبي من ايران او الحشد الشعبي أو موقفه من تصدي السيد مقتدى الصدر لقيادة التيار الصدري سياسيا، وهي النقطة الاساسية التي كانت محورا لرد السيد مقتدى على بيان الاعتزال والذي اكد من خلاله على ان قيادته للتيار الصدري انما جاءت بناء على النهج السياسي الذي خطه والده السيد محمد صادق الصدر قبل اغتياله من قبل سلطة البعث في العراق عام 1999.

وبالرغم من الكلفة الباهظة لهذا القرار على السيد الحائري، الا انه جاء في توقيت مهم وخطير جدا، حيث وصل الانسداد السياسي داخل البيت الشيعي الى قمته، اذ وصلت الازمة الى مستوى المواجهات المسلحة بينهما بعد لجوء كل من الطرفين الى قواعده الشعبية، وتعطيل المؤسسات الحكومية، وخصوصا بعد الخطوة الاخيرة التي اتخذها التيار بتوسيع دائرة اعتصامه وصولا الى بناية مجلس القضاء الاعلى، وهي الخطوة التي لاقت رفضا اقليميا ودوليا حيث اعتبرت ممارسة ارهابية ضد السلطة القضائية العراقية خصوصا بعد الاحتكام اليها في قضية حل البرلمان.

ان قرار اعتزال السيد الحائري يعني ان التيار الصدري بات مكشوفا من الناحية الشرعية وبالتالي فانه لايمتلك اي غطاء شرعي لما يقوم به من افعال سياسية أو عسكرية، وربما هذا ما ادركه السيد الصدر وعبر عنه في مؤتمره بعد المواجهات المسلحة في الخضراء بان القاتل والمقتول في النار. وهي الجملة التي يعتقد الكاتب بانها تركت اثرا كبيرا في اوساط تابعيه.

وعليه باتت عملية الاعتزال المرجعي وما تبعه من رفع للغطاء الشرعي عن التيار الصدري تضعه امام جملة من الخيارات التي بلاشك ان لكل واحد منها اثره وانعكاسه المختلف على الموقف السياسي للتيار، بل والازمة السياسية العراقية برمتها. واولى هذه الخيارات. التمسك بمنهج السيد محمد صادق الصدر الذي اسسه قبيل اغتياله، وهو (الالتزام بوصيته) فكما ان السيد الصدر اوصى برجوع مقلديه واتباعه الى السيد كاظم الحائري، فان السيد الحائري ايضا اوصى اتباعه بالرجوع الى السيد الخامنئي، وهذا الخيار ربما سيكون من اصعب الخيارات وابعدها عن التطبيق لان جزءا من المقبولية الاقليمية للسيد مقتدى كانت على حساب موقفه من ايران، وتكراره لمصطلح لاشرقية ولاغربية والتي يقصد بان تياره او الحكومة التي يسعى الى تشكيلها ليست ايرانية او امريكية. لذا فان العمل بوصية السيد الحائري سيجعله فاقدا لهذا الامتداد الاقليمي ( العربي ) والدولي.

وايضا عمله بهذا الخيار يعني انه سيكون مع الاطار التنسيقي في ساحة واحدة، اذ ان التيار الصدري يرى بان الاطار التنسيقي بما يتضمنه من فصائل للحشد الشعبي يمثل امتدادا ايرانيا في الساحة العراقية.

اما الخيار الثاني فهو ان يتحول التيار الصدري الى احدى مرجعيات النجف الاشرف وتحديدا السيد السيستاني او الشيخ الفياض، وهذا الخيار ايضا من الخيارات المستبعدة وان اعلن بعض اتباع التيار رجوعهم اليهم، الا انه على مستوى القيادة العليا للتيار والاغلبية من اتباعه يشكل هذا الخيار انحرافا كبيرا في مسارهم السياسي، اذ ان للسيد السيستاني والشيخ الفياض الذي يعتبر امتدادا للنهج السيستاني مسارا مختلفا جدا خصوصا في مسالة استمرار اولاد المرجع بأنشطة المرجعية بعد رحيل والدهم، وتصديهم لشؤونها، اذ ان منهج السيد السيستاني يقتضي التوقف واغلاق جميع المكاتب وكما حصل مع مرجعية السيد محمد سعيد الحكيم التي قامت بالإعلان عن اغلاق جميع مكاتبها بعد وفاته.

اما الخيار الثالث وهو حصول عملية انشطار جديدة في التيار الصدري، حيث ظهرت بعد عام 2003 العديد من التيارات والفصائل والحركات السياسية التي كانت جزءا من التيار الصدري مثل عصائب اهل الحق والنجباء وغيرهم، وستسعى هذه المكونات الجديدة الى البحث عن غطاء يمنحها ( الشرعية ) وهو الامر الذي ربما يشكل فرصة للعديد من الكيانات السياسية التابعة للاطار التنسيقي لكسب هذه الكيانات الجديدة من خلال التلويح بدعمها، ومنحها بعض المكاسب السياسية مقابل انضمامها، ان هذا الخيار فيما لو كتب له النجاح فانه سيكون ارتدادا لمشروع التفتيت الذي كان يمارسه التيار الصدري ضد بعض اطراف الاطار التنسيقي، اذ كثيرا ما كان التيار الصدري يعلن من خلال بياناته وتغريداته المنقولة عن وزير القائد بانه يدعو علنا بعض اطراف الاطار الى التخلي عن ( معسكر المالكي ) والانضمام الى معسكره وخصوصا دعوته الاخيرة الى السيد هادي العامري الامين العام لمنظمة بدر.

وبعد هذه الخيارات الثلاثة الصعبة والمستحيلة احيانا فهل سيتم الاعلان عن مرجعية السيد مقتدى الصدر واستقلاليته في قيادة التيار الصدري دينيا وسياسيا سؤال نترك اجابته الى تطورات الازمة وما يرشح عنها خصوصا بعد بصيص الامل الذي بات يلوح في افقها.  

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.