المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

مشروع الإصلاح وصراع الهويات في العراق

0

يشهد عام 2003 بالنسبة للعراق ومنطقة الشرق الاوسط بل والعالم نقطة تحول كبيرة، وواضحة يؤكدها صراع المصالح والإرادات المحلية والإقليمية والعالمية والذي بات يأخذ أشكالا متعددة، سياسية، واقتصادية، وعسكرية، وثقافية. وهو الصراع الذي ألقى بظلاله على شكل السلطة في العراق، سواء من حيث التشكيل أو التمثيل لمكونات المجتمع العراقي. فبعد أن كانت الأغلبية تعيش في حالة من الإقصاء والتهميش وتقييد للحريات، كان الأكراد يواجهون حربا تقودها الدولة بكل إمكانياتها المادية والعسكرية، بينما يتحمل المكون الثالث (السنة) ضريبة ما يقوم به النظام البائد وتمظهره بمظهر الخليفة و(أمير المؤمنين) خاصة بعد إطلاقه للحملة الإيمانية المبرمجة والموجهة [1]. هذه الصورة النمطية التي اعتاد عليها العراق لعقود من الزمن تغيرت وتبدلت بعد عام 2003.


إلا أن هذه الصورة الجديدة وبرغم (الانتعاش الاقتصادي) الناتج عن ارتفاع نسبة المدخول العراقي من عائدات النفط لم يصل إلى مستوى بناء الدولة المدنية بالمستوى التي يتجاوز من خلالها العراق تبعات النظام البائد من جهة، وردود أفعال المحيطين الإقليمي والعالمي تجاه الوضع الجديد. بل إن غياب فاعلية السلطات الرقابية، والقانونية ساهم بشكل كبير في انتشار الفساد السياسي والاقتصادي والإداري وعجز السلطة وفشلها في توفير الخدمات المناسبة.

وبعد ظهور “داعش” في المنطقة واحتلالها للموصل وحصول اختلال في توازن القوى بين الدولة والإرهاب، بالمستوى الذي بات يهدد وجود الدولة العراقية. بدأ الشارع العراقي يستوعب خطورة الانزلاق الذي تتعرض اليه الدولة العراقي، وهو انزلاق لن يقف عند حدود السلطة السياسية لها، وإنما ستكون آثاره كبيرة وخطيرة على العراق والمنطقة بل والعالم، إذا جاء القرار بضرورة نزول الرأي العام إلى ساحة المواجهة، وعدم الاكتفاء (بالجهد) الذي تبذله السلطة خصوصا بعد فشل المواجهة الأولى مع تنظيم “داعش” الإرهابي.

تنظيم داعش في العراق


كان القرار الأول للرأي العام هو الاستجابة إلى الفتوى المرجعية الدينية التي جاءت مطابقة ومنسجمة مع منطق العقل الذي مثلته الارادة الدولية والاممية في مواجهة خطر الإرهاب فانعكس هذا القرار على شكل رأي عام عسكري تمثل بتشكيل قوات الحشد الشعبي التي أخذت طابعا الرسمي من خلال اندراجها تحت تشكيلات وزارة الدفاع العراقية ، وبالرغم من اختلاف المواقف ( المحلية والاقليمية والعالمية ) حول هذا التشكيل ، تمكن العراق من خلال هذا التشكيل من مواجهة الخطر الداعشي وتحجيمه ومن ثم الانتقال من مرحلة التحجيم الى مرحلة التحرير التي كانت من ثمراتها تحرير مساحات كبيرة وواسعة من الأراضي العراقية في محافظات ديالى وصلاح الدين والأنبار .

وبعد مرور عام تقريبا على هذا القرار، جاء القرار الثاني بضرورة الإصلاح السياسي لأنه يشكل الضمانة الأساسية لحماية المكتسبات التي حققها القرار الاول من جهة، وتصحيح مسار بناء الدولة العراقية من جهة أخرى. لذا بدأت عملية تأسيس الرأي العام المطالب بضرورة القضاء على الفساد السياسي والاقتصادي والاداري في الدولة العراقية.

جانب من جلسات البرلمان العراقي


بالرغم من توافق الكتل السياسية بأجمعها على ضرورة الإصلاح، وتأييدها لهذا المشروع الشعبي الذي جاء ايضا بدعم وتأييد من المرجعية الدينية في النجف الأشرف، الا انه لم يسلم من وقوع الاختلاف فيه كما وقع في الموقف من الحشد الشعبي. فقد تنازعت الكتل والمكونات السياسية حول تفسير الإصلاح، وحدوده. فبرز تفسيران أو موقفان رئيسيان وكما يلي:

الموقف الأول: الموقف الموضوعي

وهو الموقف الذي يرى بان المشكلة تكمن في عملية بناء النظام السياسي في الدولة العراقية، فالديمقراطية التوافقية جعلت بوصلة بناء هذا النظام تتجه نحو المحاصصة التي جعلت من مؤسسات الدولة العراقية مؤسسات قومية، وطائفية، وحزبية أكثر مما هي مؤسسات وطنية. لذا كان أصحاب هذا الموقف يدعون إلى عمومية، وشمولية عملية الإصلاح يتم من خلالها تغليب البعد الوطني على البعد الفئوي، وتغليب الكفاءة على المحاصصة. وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الفئوية.

الموقف الثاني: الموقف البراغماتي

 في هذا الموقف نجد اتجاهين:

الاتجاه الأول:

يرى أن عملية الإصلاح هي عملية تستهدف استبعاده، أو اقصائه، وبالتالي فإنه يحاول تصوير عملية الإصلاح بأنها عملية تستهدف الاتجاه الذي ينتمي إليه، وبالتالي فإنه وإن كان داعما لهذا المشروع إعلاميا، إلا أنه في واقع الأمر يفرض جملة من الشروط التي يعتبرها حجر الزاوية في تعاطيه مع الإجراءات الإصلاحية، والمراجعة الأولية لشروط هذا الاتجاه تشير إلى أنه يعمل على تفريغ محتوى النظام الديمقراطي لتداول السلطة في الدولة العراقية الجديدة والرجوع به إلى الحالة السابقة على عملية التغيير.

الاتجاه الثاني:

وهو الاتجاه الذي حصل على مكاسب وامتيازات ــــ في ظل النظام الدكتاتوري السابق ـــ وبدعم أممي جعلت منه دولة في ضمن دولة، وبعد انهيار النظام الدكتاتوري حصل على مكاسب وامتيازات أكثر، لذا فإنه يرى أن عملية الإصلاح في السلطة لابد أن تكون بلحاظ حصوله على مكاسب وامتيازات إضافية ترسخ عملية الاستقلال الحكومي والإداري لديه.

إن هذا التجاذب والاختلاف والمزايدات بين الأطراف السياسية حول شكل ومضمون عملية الإصلاح لا شك في أنه سيجعل من العملية الإصلاحية أزمة أخرى تضاف إلى الأزمات التي تعاني منها الدولة العراقية، والخاسر الوحيد في هذه العملية هو المواطن العراقي.

لذا ينبغي على جميع الجهات المسؤولة عن عملية الإصلاح أن تعمل على تبني خارطة إصلاح تضمن العدالة والمساواة لجميع مكونات المجتمع العراقي، وتبتعد به عن الحلول التوافقية القائمة على اساس المحاصصة. لاسيما مع الأزمات الأمنية، والاقتصادية، والسياسية التي يعاني منها العراق سواء ما يتعلق منها بالوضع الداخلي، أو التي تكون نتيجة لما تعيشه المنطقة الإقليمية من أحداث وصراعات. ولعل من أبرز ما يمكن ان تكون عليه ملامح هذه الخارطة ما يلي:

  • توسيع دائرة المشاركة السياسية في العملية الانتخابية للخروج من هيمنة أحزاب السلطة.

  • وضع سياسة خارجية عراقية تسعى إلى بناء شراكات اقليمية وعالمية في المجالات الاقتصادية وبالتالي توسيع وتنويع موارد الدخل القومي واجتناب التأثر بصدمات أسعار النفط.

  • تفعيل دور الحكومات المحلية بالمستوى الذي يسمح لها بالعمل وفق ما تقتضيه طبيعة الإقليم أو المحافظة.

  • تفعيل دور الجهاز الرقابي من خلال القضاء على شبكات الفساد المتواجدة في هذا الجهاز من جهة، ودعمه بالخبرات المحلية والعالمية من جهة أخرى.

  • بناء القوات المسلحة العراقية على أسس وطنية ومهنية تجعل منها جهازا مسؤولا عن حماية الدولة ومواطنيها من جميع أشكال الإرهاب والجريمة والاعتداء الخارجي.

  • تفعيل دور الجامعات العراقية، ومراكز البحث العلمي في الجانب الاستشاري من خلال تقديم البحوث والدراسات الميدانية والوصفية التي تساهم في إيضاح الرؤية لدى المسؤولين في المجالات التنفيذية والتشريعية.

وأخيرا العمل على تأسيس مراكز تطوير العمل الإداري بالمستوى الذي يساهم في إعداد وبناء الكوادر المتخصصة في إدارة المناصب العليا في الدولة (من درجة مدير عام فما فوق) لأن التشكيلة الوزارية ومنذ عام 2003 تتصف بأنها عبارة عن رقعة شطرنجية لا تشهد تغيير الأشخاص بمقدار ما تتغير فيها المناصب.

———————————

[1] – يوجد في العراق مكونات اخرى لم نتعرض الى ذكرها باعتبار انها تعيش حالة التأثر بالوضع السياسي في العراق، ولا تشكل ثقلا سياسيا مؤثرا، وبالتالي فان عدم ذكرها ليس إهمالا أو إلغاء لوجودها.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.