مشكلة الاندماج الوطني في زامبيا
صدر مؤخرا عن المركز العراقي – الأفريقي للدراسات الاستراتيجية، كتاب مشكلة الاندماج الوطني في زامبيا ، تأليف محمد مصطفي حسين، وهذا الكتاب ضمن سلسلة عبد الملك عودة الأفريقية.
نبذة عن الكتاب
لا شك أن تحقيقَ الاندماجِ الوطنى، هو أحدُ أهم إشكاليات بناء الدولة الوطنية فى أفريقيا منذ الاستقلال، وقد تعمقت أزمة الاندماج الوطنى تحت وطأة عدة أسباب يرتبط بعضها بالسياسات الاستعمارية التى كانت تتبع سياسة فرَّق تَسُدْ، هذا علاوة على أن الاستعمار كان قد قضى على كل الكيانات الإفريقية التى يمكن أن تكون نواة لدول وطنية متماسكة جغرافيا وديموجرافيا، ومن ثم ظهرت حدود الدول الإفريقية على شكلها الحالى، ولم تراعِ هذه الحدود المصطنعة العوامل البشرية والسكانية والواقع على الأرض، ومن ثم ضمت هذه الكيانات الجديدة سكانا على درجة كبيرة من الخلافات والانقسامات الإثنية واللغوية والدينية.
وعندما قَامت الدول الوطنية لتنهض بمسئولياتها، فإنها قد عجزت عن تبنى مشروعات وطنية يمكن من خلالها أن تحل الاختلافات بين هذه المكونات المتعددة، ليس هذا فحسب بل تبنت الأنظمة المتعاقبة سياسات تمييزية ضد الجماعات الأضعف وحرمتها من نصيب عادل من الثروة والسلطة، وهو ما أدى إلى الحديث بعد ذلك عن ظاهرة التهميش، ومن ثم لم تجد هذه الجماعات ملجأ سوى العودة إلى الولاءات الأولية الضيقة والانتماءات، وذلك بالخصم من رصيد الدولة الوطنية.
وعلى الرغم من هذا، إلا أنه دائما تبقى هناك إشكالية تواجه مساعى الدولة فى تحقيق الاندماج الوطنى، ففى حالة زامبيا يلاحظ ان هناك إشكالية تتعلق بالأدوات والأساليب التى تعاملت بها الحكومة والقيادات المتعاقبة على السلطة مع إقليم باروتسى لاند – أو ما يسمى بالإقليم الغربى- وما نتج عن بروز إشكالية تتعلق بدور الدولة تجاه هذا الإقليم.
ويُمكن للمتتبع للحركات الانفصالية فى القارة انتقاد ممارسات تلك الحركات والتى يمكن القول إنها كانت مصدر تهديد وفقا للمعايير الدولية لسلامة أراضى الدولة، ولا سيما ما هو متعلق بسيادة الدولة. ففي واقع الأمر، شهدت القارة منذ مطلع الستينيات العديد من أوجه الصراعات والحروب، منها: حرب بيافرا في نيجيريا وكاتانجا في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وامتدت الصراعات الانفصالية لأجزاء أخرى من القارة مثل جنوب السودان وإثيوبيا ومالى والصومال، بما فى ذلك الحركات الانفصالية الأخيرة بمنطقة دارفور بالسودان.
وفى ذات السياق، فإن اختيار الدراسة لم يكن لدراسة وتحليل مسألة الصراعات الانفصالية في القارة الأفريقية، وإنما سيتم التركيز على مشكلة باروتسى لاند فى زامبيا فيما ما بعد الاستعمار، على الرغم مما رُوَّجَ من هتافات قومية والشعار الذى رفع آنذاك ” زامبيا واحدة أمة واحدة” فى عام 1964، خاصة أنها تركت أثرا تاريخيا حتى الآن على مشروع الاندماج الوطني فى زامبيا وعلى مجمل سيادة الدولة. من ثم كان بديهيا، أن تكون مشكلة باروتسى لاند معبرة عن حالة شعب رأى تآكلاً فى الهيمنة السياسية التى طالما حظى بها كأمة منذ فترة ما قبل الاستعمار، لذا تظل هذه المشكلة تُثير جدلا أمام سبل تحقيق مشروع بناء الدولة الوطنية.
وفى هذا الإطار، جاء اختيار نموذج زامبيا كإحدى الحالات الدراسية داخل القارة الذى تحاول من خلاله الدولةُ معالجةَ أزمةِ التعايش السلمى وبناءَ الدولة القومية فى أفريقيا، إلا أن زامبيا وعلى الرغم من أنها دولة تتكون من إثنيات متعددة وبها اختلافات إثنية ولغوية ودينية مختلفة، إلا أنها تمتعت بقدر كبير من الاستقرار السياسى، وسعت للحفاظ على وحدتها وكيان الدولة منذ الاستقلال عام 1964.