المرأة المحاربة في سيراليون
$10.00 $8.00
المرأة المحاربة في سيراليون
الوصف
الكاتب: مهاب صبحي منتصر
واحدة من المعاناه التى تقع على كاهل المرأة فى القارة الإفريقية خاصة جنوب الصحراء هى التعرض للحروب الأهلية والعنف الحضرى urban Violence فى الصراعات المتعاقبة فى القارة الإفريقية. ينتج عن تلك المعاناه “عواقب معقدة” تتمثل بالأساس فى تهديد الأمن الجسدى والصدمات البدنية التى تتعرض لها المرأة بسبب إنخراطها قسرياً فى مساحات العنف المتصادمة. بالإضافة إلى إنهيار أمن الاقتصادى للمرأة وافتقارها لوجود الإحتياجات الأساسية Basic Needs لبقائها كجسد حى flash body وعضو منافس فى المجتمع السياسى ومجتمع السوق والمجتمع المدنى القائم على ممارسات منشأة اجتماعياً وثقافياً.
تٌعد ظاهرة التجنيد القسرى للمرأة فى الصراعات المسلحة واحدة من أبرز الأمثلة التى من الممكن أن تسمح بفهم دلالاتها على المرأة بين المجتمع أثناء الصراع وبعد الإنتهاء من الصراع. فالمرأة المحارب أصبحت من ضمن أنماط متعددة الهادفة فى تكوينها كظاهرة إلى تعقيد الصراعات وخلخلة توازنات القوى بين المليشيات المسلحة من دون الدولة سواء فى مواجهة الدولة ذاتها أو مليشيات مناظرة أخرى، وذلك فى أغلب الحروب الأهلية التى شهدتها البلدان الأفريقية بدأ من مراحل المناداه بالاستقلال ومناهضة القوة الاحتلالية مروراً بالحروب (حروب الوكالة) ذات الخلفيات الاقتصادية والنفوذية أثناء الحرب الباردة إنتهاءً بصراعات القرن الحادى والعشرين فى ظل مفاهيم العولمة الحديثة والحقب ما بعد الكولونيالية التى فرضت مفاهيم وأنماط جديدة من الصراعات الأهلية.
تٌعد سيراليون واحدة من الدول التى عانت من ظاهرة المرأة المحارب فى الحروب الأهلية التى استمرت قرابة العقدين بدأ من 1992 حتى 2005 بتداعياتها وتبعاتها ما بعد الصراعية حتى الأن. فرغم ضخامة المعاناه التى وقعت على المرأة أثناء وبعد الحرب الأهلية، ولكن معظم التوثيق الرسمى والأكاديمى وضّح “الأسباب وتداعيات الحرب الأهلية” سواء كانت ذلك التوثيق يتمثل فى أبحاث العلمية، أو وسائل الأتصال الوطنية والعالمية، أو المنظمات غير الحكومية الوطنية منها والعالمية. فأغلب تلك السجال التوثيقية ركزت على “الرجل المحارب فى المليشيات غير النظامية Man-warrior in irregular militias ” وكيفية تهيأته للعودة إلى الوضع الطبيعى حيث النظام والاستقرار، وذلك من خلال التدخل المباشر من الهيئات المعنية سواء كانت محلية أو عالمية بالتنمية بمساعدة من الحكومة لإعادة مأسسة كياناتها الداعمة للاستقرار والتنمية.
لقد وضح واقع الحرب الأهلية فى سيراليون أثر ظاهرة المرأة المحارب فى الصراع وكيف تم استغلالها للتعميق من أمد وكثافة الصراع. فى نفس الوقت كان هناك تحفظ حول الإعلان عن مثل هذه المشاركات النسائية فى الحرب الأهلية السيراليونية، وهذا ما يطرح تساؤل وهو: لماذا تَجَاهل –أو كان حذر فى التناول-جزء من التيار الأكاديمى دور المرأة فى الصراع؟ وما هى أنماط هذا التجاهل؟ ولماذا؟ وكيف تم التعامل مع المرأة المحارب فى مرحلة ما بعد الصراع للتعمير والتنميةPost-Conflict Reconstruction and Development فى ظل هذه التجاهلات والإقصاء العمدى للمرأة من المجال العام بعد فترة الصراع خاصة من الهيئات المحلية الرسمية الداخلية؟ كما أن تلك الظاهرة وضعت بأبعادها على الأمن الشخصى Personal Security للمرأة بإعتباره من أهم أشكال الأمن الإنسانى سواء خلال فترة الصراع أو ما بعد الصراع.
ولقد أوضحت “المرحلة الإنتقالية” من الصراع للوصول إلى مرحلة السلام التعايشى بين أفراد المجتمع أن القيم أنصهرت فى عملية إضفاء الطابع البطريركي ولكنها مٌتحد مع أو مُغلف بالنظام الاجتماعى الليبرالى من منظور غربى للظهور بالمظهر الذى ينم عن الخطوات الأولية للتحول نحو الديمقراطية والتنمية وفقا للمفاهيم الغربية بدلا من التعبير عن احتياجات المواطنين المحليين والنظام الاجتماعى المٌساوى اللامميز لنوع على أخر والمٌعزز من الهوية السيراليونية المحلية.
بمعنى أخر فإن مرحلة التسوية جاءت مفروضة من أعلى –أو بمعنى أدق من الخارج- تجاه المجتمع السيراليونى من أجل ترسيخ نظام اجتماعى-اقتصادى رأسمالى من واقع الخبرة الغربية مع السماح فى نفس الوقت لهيمنة القيم السائدة التقليدية فى المجتمع السيراليونى التى تقوم على التحيز للعنصر الذكورى سواء على المستوى الرسمى أو غير الرسمى. فأصبحت المرأة السيراليونية تعانى من معضلات متباينة ومختلفة، فتارة يقع عليها من قِبل القيم المٌرسخة لصالح نوع الذكورى، وتارة أخرى من القيم المفروضة عليها من قِبل القائمين على تطبيق التسوية بمرجعياتهم الليبرالية الغربية والرغبة فى تسكين مراحل الإنتقال وفقا لما يخدم المصالح الغربية خاصة الولايات المتحدة والقوة الاستعمارية البريطانية سابقا فى سيراليون على وجه الخصوص ومنطقة غرب إفريقيا على وجه العموم.
كما أثرت ظاهرة المرأة المحارب بأعمارها المختلفة على أوضاع الأمن الشخصى/الجسدى سواء فى سياقات صراعية أو السياقات التى تسعى إلى الإنتقال المباشر والسريع نحو إنهاء النزاع و الدخول فى مرحلة التنمية؛ بهدف النزع الطابع الراديكالى عن المجال العام المٌستحدث الذى ظهر بعد إنخراط المرأة فى الحرب الأهلية ومساحات العنف خاصة فيما يتعلق بحتمية إعادة النظر فى مفاهيم المساواة النوعية والمساواة الاقتصادية والتشارك فى السلطة وفتح قنوات النفوذ والقوة لمشاركة الجميع.
وبناء على ماسبق يتبلور محور الدراسة فى محاولة فهم دلالات وسياقات وأسباب وتداعيات وأنماط ظاهرة المرأة المحارب فى مراحل الصراع وما بعد الصراع السيراليونى على مضامين الأمن الجسدى/الشخصى للمرأة السيراليونية، وذلك من خلال استخدام منظورات نسوية الموجه الثالثة النقدية المهتمة بمعاناه النساء فى مساحات العنف والصراع، وفى نفس الوقت تعطى إعتباراً لخصوصية وهوية تلك المساحة والفواعل القائمين بداخلها.
وهذا ما يهدف إلى الوصول لمعرفة نسبية حول أوضاع المرأة فى القارة الإفريقية وتشابكاتها مع الطرق التى ربما تسمح للعقل والحدس الإفريقى الأخر الناطق باللغة العربية أن يتفكر فى أمور قارته تلك المساحة المُنتهكة على نحو مستدام ومٌنظم سواء من أنظمة الحكم المحلية ومنظومات السلطة الفاسدة أو بنية النفوذ العالمى السياسى والاقتصادى وكيفية تعاطيها مع تلك المساحة.
ثانياً: المشكلة البحثية:
تسعى تلك الدراسة للبحث فى ظاهرة المرأة المحارب أثناء الصراعات المسلحة الأهلية فى محاولة توضيحية لتفكيك الدور المباشر للمرأة فى مثل هذه الصراعات للولوج إلى ما بعد الصراع، وبالتالى فإن السؤال الأساسى للدراسة هو : كيف أثرت ظاهرة التجنيد القسرى للمرأة – المحارب على الأمن الشخصى خلال مرحلة الصراع وتسويات ما بعد الصراع؟
ويتفرع عن ذلك التساؤل الأساسى عدة أسئلة فرعية وهى:
كيف بدأت ظاهرة “التجنيد القسرى” للمرأة فى الحرب الأهلية فى سيراليون؟ وما هى أنماط الظاهرة؟
إلى أى مدى وضع التجنيد القسرى بتداعياته على الأمن الشخصى للمرأة المحارب أثناء الصراع وبعد الصراع؟
إلى أى مدى ساهمت “عسكرة المرأةmilitarization for female ” فى تعميق الصراع؟
كيف تعامل المجتمع مع الظاهرة المرأة-المحارب أثناء الصراع وبعد إنهاء الصراع؟
كيف أثر الإقصاء الاجتماعى للمرأة-المحارب كنتيجة “للوصمة العار المرتبطة بالمتمردة Rebel Stigma” بعد إنتهاء الصراع على إعادة أندماج المرأة فى المجتمع وعلى معالجة الأمن الشحصى للمرأة المحارب سابقاً؟
ثالثاً: أهمية الدراسة العملية والعلمية:
تنطلق الدراسة عملياً من منهج يستند على الاهتمام بسياق المجتمع السيراليونى كمحاولة فهم أوضاع المرأة فى سيراليون كواحدة من دول جنوب الصحراء، حيث شهدت القارة الإفريقية العديد من القضايا التى أضحت من الأمور الأمنية؛ كقضايا مٌهددِة للأمن بجميع أشكاله سواء كان سياسى، أو اقتصادى، أو اجتماعى، أو إنسانى. فتلك القضايا تتطلب قرأتها من منظور الهويات والخصوصيات الإفريقية وكيف يتفاعل معها المجتمع وإلى أى مدى يتأثر بها؟ ويعود أهمية ذلك فى استخلاص أنماط المعاناه التى تقع من مجتمعات العالم الثالث على المرأة بإعتبارها من الفئات المٌهمشة خارج الدوائر المركزية لممارسات القوة فى أى مجتمع يتشكل على إنعدام المعايير.
كما تتمثل أهمية الدراسة فى وجود نقص نسبى فى الأوراق البحثية الأكاديمية مُقدمَة حول ظاهرة المرأة-المحارب على وجه التحديد لاسيما باللغة العربية، فلم يكن هناك الكثير منِ منَ تناول الظاهرة “عسكرة النساء خارج حدود الجيوش النظامية للدولة” بالتفسير.
أما فيما يتعلق بالنظريات التى تعالج الحروب الأهلية فى غرب إفريقيا على وجه التحديد أغلبها تم صياغتها من “منظور غربى “، حيث تناولت الظاهرة بالتحليل الأمبريقى والوصفى للسلوك السياسى والاجتماعى والاقتصادى للمواطن المدنى المتحول إلى العسكرى “عسكرة المدنيين فى الحروب الأهلية the militarization of civilians or militarization of non-militarized” ” دون إعطاء أى مساحة أهتمام إلى السياق والخصوصية الإفريقية خاصة بداخل النظام الاقتصادى العالمى الجديد القائم على رأسمالية الممارسات. فربما من أحدى شروط استمرار وترسيخ ذلك النظام هو أستدامة الفتَقَ داخل المجتمعات الإفريقية وتصعيد الصراعات مثلاً لضمان وجود أسواق لتصريف الأسلحة والأدوات المٌستخدمة فى تلك الصراعات.
ناهيك عن أن أغلب تلك الأدبيات وضعت تفسيرات متحيزة عن تلك الحروب الأهلية معتبرين أن الأفارقة الأكثر ميلاً إلى طبائع العنف والحرب والاستبداد والجهل؛ لأسباب معظمها تٌعزَو إلى أسباب داخلية، وهذا ما نتج عنه خطأ التحيز والتعميم. وبالتالى تسعى الدراسة نحو معالجة “عسكرة النساء فى الحروب الأهلية” فى السياق الإفريقى كمحاولة لوضع أدبيات جديدة حول ظاهرة المرأة-المحارب باللغة العربية بشكل يسعى نحو مراعاه الخصوصية والهوية الإفريقية على قدر المستطاع.
كما جاءت أهمية المنهاجية النسوية النقدية أساس للدراسة للنظر إلى ظاهرة المرأة المحارب؛ لأسباب تتراوح ما بين قدرة تلك المنهاجية على قراءة التقاطع بين ترميزات المجتمع الإنضباطى الذكورى وبين خلق أدوات تمرد ومقامة من العناصر النسائية التى شهدت سيطرة وقمع ورقابة تلك الترميزات عليها سواء فى مساحات العنف والصراع أو المساحات المٌدعية قدرتها على الإنتقال نحو تسوية الصراعات.
رابعاً: تحديد نطاق الدراسة الزمانى والمكانى:
تتحدد الدراسة وفقا للحرب الأهلية التى وقعت فى سيراليون، حيث أمتدت عمليات الصراع حوالى أحدى عشر سنة من 1991 حتى2002، ثم مرحلة ما بعد الصراع إنتهاءً بالمراحل الإنتقالية القائمة على طرح برامج متعددة وفقاً لمنسقى ومنفذى تلك البرامج فى مراحلها المتباينة.
كما أن هناك بعض التبعات التى أنتهت بالسعى نحو إنهاء الصراع والتحرك نحو التنمية والتعمير. وعليه تقع الدراسة فى منطقة غرب إفريقيا حيث الحروب الأهلية فى العقد الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادى والعشرين المتزامن مع حقبة ما بعد الحرب الباردة بتداعياتها المتباينة على مناطق الصراع.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.