المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

الأهداف الاقتصادية وأدوات السياسة النقدية “رواندا” نموذجا – (1/2)

0

جمهورية رواندا وتعني أرض الألف تل هي دولة في شرق أفريقيا بمنطقة البحيرات العظمى الأفريقية لشرق وسط أفريقيا، تحدها (تنزانيا شرقا أوغندا شمالاً الكونغو الديموقراطية غربًا بوروندي جنوبًا)، وهي تعد بالإضافة إلى بوروندي من أقاليم الكونغو الكبير. وتعد رواندا أحد منابع نهر النيل، وتقع رواندا في شرق وسط أفريقيا. وقد جذبت تلك الدولة الاهتمام الدولي نتيجة الإبادة الجماعية، حيث تم قتل ما يقارب 800,000 شخص[1]. ومنذ ذلك الحين بدأ البلد بالمعافاة واستعادة وضعه الطبيعي، حتى اعتبرت رواندا الآن نموذجا للبلدان النامية. وقد نشرت محطة سي إن إن تقريرا أظهرت فيه قصة نجاح رواندا العظيم[2]، حيث حققت الاستقرار والنمو الاقتصادي (متوسط الدخل قد تضاعف ثلاث مرات في السنوات العشر الأخيرة) والاندماج الدولي. وتوصف الحكومة الرواندية على نطاق واسع كواحدة من أكثر الحكومات كفاءة ونزاهة في أفريقيا، حسب وصف صحيفة فورجن في مقال نشرته مؤخرا بعنوان: “لماذا يحب المدراء الكبار رواندا؟[3]“.

اما العاصمة كيجالي هي أول مدينة في أفريقيا تتشرف بأن يمنح لها جائزة زخرفة المساكن مع جائزة شرف لاهتمامها بالنظافة والأمن والمحافظة على نظام المدينة النموذجية[4]. وفي سنة 2008 دخلت رواندا التاريخ بوجود أول مجلس تشريعي منتخب تمثل فيه الأغلبية للنساء[5]. وفي نوفمبر 2009 أصبحت رواندا عضوا في دول الكومنولث، حيث أنها واحدة من دولتين في الرابطة لم تكن يوما مستعمرة بريطانية سابقة[6]. ويعدّ التقسيم الإداري للبلد جزءاً من عملية الانتقال إلى اللاّمركزية التي بدأت في عام 2000. ويُراد من عملية الانتقال إلى اللاّمركزية ضمان امتلاك السّكان المحليّين للسّلطات السّياسية والاقتصاديّة والاجتماعيّة والتّنظيمية والإداريّة والتّقنية.

وقد اعتمدت رواندا سياسة الانتقال إلى اللامركزية لأول مرة في أيار/مايو 2000، وصيغت هذه السياسة على إثر إجراء سلسلة من المشاورات على مستوى الرئاسة في قرية أوروغويرو في الفترة الممتدة من أيار/مايو 1998 إلى آذار/مارس 1999 وعدد من جلسات الحوار مع المواطنين والمشاورات مع الخبراء، وأضحت اللامركزية منذ عام 2000 سياسة أساسية لحكومة رواندا للترويج للحوكمة الرشيدة، وتقديم الخدمات، وتحقيق التنمية الوطنيّة،وقد تطوّر الإطار القانوني المتعلّق بعملية الانتقال إلى اللاّمركزية بصورة تدريجية من أجل تمكين الحكومات المحليّة وينصّ الدستور على مبادئ واضحة تتعلق باللاّمركزية، وتحدّد قوانين إداريّة وقطاعيّة معيّنة معايير التفاصيل المؤسسية بما في ذلك الهياكل الأساسية والإجراءات وجوانب المساءلة وسبل الانتصاف فضلاً عن سلسلة من النظم والمبادئ التوجيهية وغيرها من الأدوات العملية لتوجيه عملية إعمال اللاّمركزية على جميع المستويات[7].

الأداء الاقتصادي لدولة رواندا

ظلّت إمكانية الحصول على التمويل الأولوية الأساسية لدولة رواندا من أجل بناء سوق مالية فعالة ومستقرة وفي متناول الجميع. وقد أظهرت نتائج الدراسة الاستقصائية فينسكوب رواندا لعام [8]2012، أن بإمكان 7 في المائة من الروانديين البالغين الحصول على الخدمات المالية وأن 42 في المائة منهم انتفعوا بخدمات رسمية (23 في المائة تحصلوا على الخدمات من بنوك تجارية و33 في المائة من مؤسسات رسمية غير بنكية) وأن 58 في المائة منهم انتفعوا بآليات مالية غير رسمية. ويعيش أكثر من 90 في المائة من الروانديين في أماكن تبعد مسافة لا تزيد عن خمسة كيلومترات من أي مؤسسة مصرفية. وبفضل إنشاء 416 تعاونية للائتمان والادخار على مستوى القطاعات في عام 2008، وقد حدث تطوّر في إمكانية الوصول إلى المؤسسات المالية الرسمية في رواندا مما غير المشهد بشكل ملحوظ.

ونجح هذا التدخل في إتاحة الخدمات المالية الرسمية لفائدة الروانديين الذين ما كانوا لينتفعوا لولا ذلك التدخل بالخدمات المالية الرسمية. وارتفع عدد حسابات الحرفيين في البنوك التجارية في عام 2013 من 287 548 2 في نهاية شهر ديسمبر 2012 إلى 493 701 2 في نهاية شهر ديسمبر 2013 بما يمثل نسبة 6.1 في المائة. وفيما يتعلق بمؤسسات التمويل الأصغر، ارتفع عدد الحسابات المفتوحة بنسبة 18.7 في المائة بين شهر ديسمبر 2012 وشهر  ديسمبر 2013، علماً أن 38.9 في المائة من الحسابات ملكا للنساء. وارتفع عدد القروض في نفس الفترة بنسبة 7.5 في المائة ومنح 29.7 في المائة منها إلى نساء. وبالمثل، يسّر استخدام التّكنولوجيات الجديدة مثل الخدمات النقدية بالأدوات المحمولة والخدمات المصرفية عبر الإنترنت وأجهزة الصرف الآلي، إمكانية الوصول إلى الخدمات المالية[9].

طبيعة السياسة النقدية في دولة رواندا

يقصد بالسياسة النقدية هو القيام بسياسات واستخدام أدوات بهدف التأثير على العرض النقدي في الأسواق المالية وبالتالي الأداء الاقتصادي، وهي مجموعة الأعمال والتدابير التي يقوم بها المصرف المركزي من خلال الرقابة على النقد لتحقيق أهداف السياسة الاقتصادية. وقد تطورت السياسة النقدية لتصبح أكثر التفافاً حول هدف مركزي أساسي هو الاستقرار النقدي، المتمثل بتخفيض معدلات التضخم أو إلغاءه إن أمكن للحفاظ على القوة الشرائية للنقد.

والبنك الوطني ل رواندا قد حدد الخطة الإستراتيجية للسنوات السبع القادمة (2017/1820-2023/2420)  في ستة مجالات تركيز إستراتيجية يجب أن يتفوق فيها البنك لتحقيق رسالته ورؤيته، وتم تصميم الاستراتيجية على أساس تطلعات رواندا للتحول الاقتصادي بما يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية للتحول (NST1).

مجالات التركيز الأساسية الإستراتيجية في سياسة رواندا الاقتصادية

  1. صياغة وتنفيذ السياسة النقدية
  2. إدارة الاحتياطيات
  3. التميز في الأعمال
  4. تنمية وإدماج القطاع المالي
  5. إدارة العملات والمصرفية
  6. استقرار النظام المالي

ومن الملاحظ أن البنك الوطني (المركزي) لدولة رواندا تتبع سياسة توسعية حيث إزدادت قوة القطاع المصرفي وكذلك معدلات النمو ولا يزال أداء الاقتصاد الكلي لدولة رواندا قويا في إطار برنامج صندوق النقد. ويركز البرنامج المدعوم من أداة تنسيق السياسات التابع ل صندوق النقد الدولي على توفير مساحة للميزانية لتنفيذ استراتيجية رواندا الوطنية للتحول، ويدعو البرنامج أيضًا إلى تحسين الشفافية المالية العامة، وزيادة الإيرادات، ودعم تنفيذ إطار السياسة النقدية الجديد القائم على سعر الفائدة[10].

وللتخفيف من تأثير COVID-19 على الاقتصاد ، اتخذ NBR العديد من التدابير بما في ذلك ؛ الحفاظ على موقف السياسة النقدية أكثر ملاءمة من قبل ؛ خفض سعر البنك المركزي من 5 في المائة إلى 4.5 في المائة في أبريل 2020 ، وخفض معدل متطلبات الاحتياطي من 5 في المائة إلى 4 في المائة ، وإدخال تسهيلات إقراض بقيمة 50 مليار جنيه إسترليني للبنوك بسعر البنك المركزي (CBR) ، ومراجعة الخزانة آلية نافذة إعادة خصم السندات. كما قدم البنك مساعدة تنظيمية للمؤسسات المالية لتمكينها من مواصلة دعم الاقتصاد. تم تنفيذ إجراءات البنك المركزي هذه جنبًا إلى جنب مع العديد من الإجراءات الأخرى من قبل الحكومة ، بما في ذلك إنشاء صندوق الانتعاش الاقتصادي (ERF) لدعم الأعمال التجارية المتضررة من COVID-19.

في مجال تطوير القطاع المالي وإدماجه ، كان المجال الحيوي للتركيز BNR خلال العام هو الترويج لقنوات الدفع الرقمية. أتاح تفشي مرض كوفيد -19 فرصة لتسريع اعتماد الدفع الرقمي. لتشجيع اعتماد الدفع الرقمي ، عملت NBR مع مزودي الخدمات المالية لإزالة الرسوم على بعض المدفوعات الرقمية. وقد أدى هذا إلى زيادة مستوى الدفع الإلكتروني للأفراد إلى الناتج المحلي الإجمالي من 34.6٪ في نهاية يونيو 2019 إلى 54٪ بنهاية يونيو 2020.

تظل إدارة الاحتياطيات الأجنبية للحفاظ على حاجز كافٍ لتلبية احتياجات رواندا الحيوية أمرًا محوريًا لعملنا. أدارت NBR احتياطياتها وسط تقلبات عالية في السوق الدولية بسبب عدم اليقين الناجم عن جائحة COVID-19. وحققت المحفظة 3.992 في المائة أعلى من العائد القياسي البالغ 3.822 في المائة ، ويرجع ذلك أساسًا إلى تحسن قدرة موظفي البنك في إدارة احتياطيات النقد الأجنبي. في نهاية يونيو 2020 ، زادت الاحتياطيات الأجنبية للبنك إلى 1652.38 مليون دولار أمريكي من 1249.48 مليون دولار أمريكي المسجلة في يونيو 2019 ؛ تغطي 6.0 أشهر من الواردات.

واصل البنك تعزيز تعاونه مع الشركاء المحليين والإقليميين والدوليين في القطاعات المالية والاقتصادية. خلال السنة المالية 2019-20 ، استضاف NBR بنجاح مؤتمرات دولية مثل لجنة الشؤون النقدية لجماعة شرق إفريقيا (MAC) ورابطة البنوك المركزية الأفريقية (AACB) والتحالف من أجل الشمول المالي (AFI) خلال الاجتماع ، وافق أعضاء AFI بشأن إجراءات محددة لتسريع الإدماج المالي للفئات المحرومة. بالإضافة إلى تنسيق NBR شؤون اتحاد البنوك المركزية الأفريقية مع مداولات تركز على الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد الرواندي ، لضمان المرونة في مواجهة الصدمات الخارجية.

وفيما يتعلق بالأداء المالي ، استمر البنك في تحقيق أداء مالي إيجابي على الرغم من انخفاض أسعار الفائدة في السوق الدولية. خلال السنة المالية 2019-20 ، سجل BNR فائضًا قدره 25 مليار فرنك مقابل 13.6 مليار فرنك خلال السنة المالية 2018-19. ويعزى هذا الإنجاز إلى الأداء الجيد في محفظة الاستثمار BNR وتدابير مراقبة التكاليف التي نفذها البنك. بالإضافة إلى ذلك ، قام المدققون الخارجيون لشركة PwC بتدقيق البيانات المالية 2019-20 ، وأصدروا تقرير تدقيق نظيف[11].

وبقراءة تحليلية في النموذج الرواندي نجد أن اتباع البنك المركزي لسياسة توسعية، قد أفاد الاقتصاد  الرواندي لتحقيق الاهداف الاقتصادية المأمولة. سوف نلقي الضوء في المقال القادم عن أدوات السياسة النقدية للبنك المركزي في دولة رواندا وكيفية تطبيقاتها لتحقيق النمو الاقتصادي.


[1] https://www.bbc.com/news/world-africa-13431486

[2] http://edition.cnn.com/2009/WORLD/africa/07/17/zakaria.rwanda/index.html

[3] https://money.cnn.com/2007/03/28/news/companies/pluggedin_Gunther_Rwanda.fortune/index.htm

[4] https://web.archive.org/web/20140314030310/http://www.unhabitat.org/content.asp?typeid=19&catid=564&cid=6586

[5] https://web.archive.org/web/20180205181455/http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2008/10/26/AR2008102602197.html

[6] http://news.bbc.co.uk/2/hi/africa/8384930.stm

[7] Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights; http://docstore.ohchr.org/SelfServices/FilesHandler.ashx?enc=FhOD6sgqgzAhFXD9F%2FeKaFMm83LbFY75RhkIFGrig%2B566z2CZBvgiXEleDePefE6DkHTNLubFYgDkXruZlLe5iym4WHKgiFwQoCv4KFFBE81fzuHB0wLenMWhqHa3UTI

[8] Moïse, B., & Hongyi, X. (2017). Financial Inclusion in Rwanda: an Overview. Journal on Innovation and Sustainability, 8(3), 75-84. https://revistas.pucsp.br/risus/article/view/34687

[9] Triki, T., & Faye, I. (2013). Financial inclusion in Africa. African Development Bank.; https://www.mfw4a.org/sites/default/files/resources/Financial_Inclusion_in_Africa.pdf

[10]International Monetary Fund. African Dept. Rwanda : First Review Under the Policy Coordination Instrument and Monetary Policy Consultation-Press Release; and Staff Report: https://www.imf.org/en/Publications/CR/Issues/2020/01/17/Rwanda-First-Review-Under-the-Policy-Coordination-Instrument-and-Monetary-Policy-48956

[11] https://www.bnr.rw/news-publications/publications/annual-reports/

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.