المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

الموقف السودانى من سد النهضة بين الماضى والحاضر

0

في فبراير 2011 أعلنت إثيوبيا عزمها إنشاء سد بودر على النيل الأزرق والذي يعرف أيضا بسد حداسة على بعد 20 – 40 كم من الحدود السودانية بسعة تخزينية تقدر بحوالي 16.5 مليار متر مكعب والذي تغير اسمه ليصبح “سد النهضة” الإثيوبي الكبير.

وفي الثاني من أبريل 2011، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي البدء رسميا البدء في بناء السد وجرى وضع حجر الأساس، وفي مايو من العام ذاته أعلنت إثيوبيا أنّها ستطلع مصر على مخططات السد لدراسة مدى تأثيره على دولتي المصب مصر والسودان.

تفاقمت الأوضاع إلى أن اتفقت السلطات المصرية والإثيوبية على تشكيل لجنة دولية تدرس آثار بناء سد النهضة، وعادت المفاوضات من جديد عقب تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي الحكم في يونيو 2014، وفي مارس 2015 وقَّع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ميريام ديسيلين، في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة إعلان مبادئ “سد النهضة”، وتضمَّنت 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، و المفاوضات في هذا الشأن ما زالت مستمرة .

وعند دراسة الوضع عن كثب لا يمكننا التوصل في الوقت الحالي الى اى خطوره من بناء السد ، لكنه في حالة انهياره سيتجه نحو السودان وليس إثيوبيا، نظرا لكون أديس أبابا واحدة من أكبر الصدوع بالمنطقة، لذلك ستنهمر المياه لأسفل، ما يسبب مخاطر بالغة على جنوب السودان والخرطوم. كما أنّه لا توجد خطورة له حتى الآن على الإطلاق بالنسبة لمصر، فهو مجرد بناء لم يكتمل، لكن الخطورة ستظهر لاحقا، ومن المحتمل الإضرار بأديس أبابا ذاتها، فضلا عن كونه سيضر بحصة مصر من مياه نهر النيل والتي تبلغ 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وفقا لاتفاقية تقسيم مياه النيل لعام 1959.

والمتابع لملف سد النهضة لا بد أن يلفت نظره تذبذبات الموقف السوداني من هذا السد وذلك على مدى تسع سنوات، فهناك من يراه قد تحوّل في الفترة الأخيرة، وهناك من يراه يتسم بالغموض، أما الفريق الثالث وهو من السودانيين، فربما يتهمه بأنه يهمل قضايا سلامة السد على حساب الأمن الإنساني للشعب السوداني، وينخرط فقط في قضايا تخزين المياه وتشغيل السد، التي هي هموم مصرية أكثر منها سودانية.

ولعل ما يبرر التركيز على موقف الخرطوم من سد النهضة هو أنه كان ملفاً مسكوتاً عنه تماماً على المستوى الداخلي وقت حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، بينما يشهد حالياً جدلاً واسعاً في النقاش العام السوداني، وأوساط الرأي العام، وذلك في وقت تتداخل في هذا الملف فواعل إقليمية رسمية وغير رسمية تؤثر في هذا الجدل السوداني المتصاعد بشأن سد النهضة، منها من يبحث عن مصالحه كإثيوبيا ومنها من يصفي حساباته مع مصر على الجسر السوداني.

ففي زمن ولاية الرئيس المخلوع عمر البشير تم تعطيل أية دراسات سودانية فنية عن هذا السد في أروقة الجامعات السودانية مثلاً أو حتى في وزارة الري التي تبنت خطاباً يمجد في السد ويعدّد الفوائد العائدة على السودان منه وهي المتمثلة في التحكم في فيضان النيل الأزرق والحصول على كهرباء بأسعار تفضيلية كما وعد الإثيوبيون، فراهنت إثيوبيا على انحياز سوداني كامل لها، وأسست هذا الموقف على أدوارها النشطة في دعم الثورة السودانية، خصوصاً في أروقة الاتحاد الأفريقي الذي انخرط في مطالبة المجلس العسكري بتسليم السلطة للمدنيين بالكامل طبقاً لوثيقة “لومي” عام 2002 التي توافقت فيها الدول الأفريقية على منع الاعتراف بالانقلابات العسكرية ومواجهة صعود النخب العسكرية للسلطة .

ولكن تغير موقف إثيوبيا نوعاً من ملف الخلافات الحدودية مع السودان، وذلك في منطقة “الفشقة”، وذلك بتقديم إسناد عسكري لعصابات إثيوبية متفلته لها وجود تاريخي في المنطقة، حيث أقدم الجيش الإثيوبي الفيدرالي على التغول في الأراضي السودانية لمسافة تزيد على 15 كيلومتراً ، وهو ما أُثار بالضرورة الشعور الوطني السوداني ضدها نسبياً بشكل عام.

وقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك في تصريحات للتلفزيون الرسمي، إن سد النهضة الإثيوبي يحمل مخاطر حقيقية إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن الملء والتشغيل، وشدد على أن المخاطر على السودان أكبر من إثيوبيا، التي يقع السد على حدودها، ومن مصر التي تبعد عنه آلاف الأميال.

ومن جانبه قال وزير الري السوداني ياسر عباس في مؤتمر صحفي في الخرطوم “السودان الخيارات أمامه مفتوحة، كل الخيارات مفتوحة بما فيها العودة لمجلس الأمن والاستعانة بكل الأصدقاء في الإقليم وخارج الإقليم”، وهو ما يتضمن في باطنه على تهديد للجانب الاثيوبى.

ومن هنا جاء رد الخرطوم على ما آلت إليه هذه المفاوضات الاخيره بين الدول الثلاث والتي عقدت بتاريخ 6 ابريل عبر بيان لوزارة الري والموارد المائية السودانية، قالت فيه إن “هذا التعنت الإثيوبي يحتم على السودان التفكير في كل الخيارات الممكنة لحماية أمنه ومواطنيه بما يكفله له القانون الدولي”.

ويبدو أن هناك تحولا كبيرا في الموقف السوداني، يتماشى مع الرؤية المصرية تجاه أزمة السد وتجاه مراوغة أديس أبابا، وظهر ذلك منذ أيام بإعلان وزارة الري والموارد المائية السودانية، أن السودان رفض مقترحا إثيوبيا بتوقيع اتفاق جزئي حول ملء بحيرة سد النهضة، وقالت وزارة الري والموارد المائية السودانية، إن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أبلغ رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بذلك، وأكد حمدوك في رسالته على موقفه بشأن التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين السودان ومصر وإثيوبيا، مشددا على أن “الطريق للوصول إلى اتفاقية شاملة هو الاستئناف الفوري للمفاوضات”.

أكد المحلل السوداني ” لدكتور ربيع عبد العاطي ” : أن تذبذب المواقف السودانية في الظروف الأخيرة له علاقة بالواقع السياسي في البلاد، والذي يشهد قدرا من الاضطراب السياسي الداخلي، بجانب التدهور الاقتصادي الواضع وعدم التنسيق بين المكونات أو الحاضنة السياسية التي تحكم البلاد.

واستمر قائلا “بجانب الوضع السياسي والاقتصادي والأمني الذي لا يبعث على الاطمئنان، وهذا هو الذي أدى إلى تذبذب المواقف، علاوة على أنه كان هناك رأي منذ الحكومة السابقة كان يرى أن هناك فوائد من سد النهضة سوف تجنيها البلاد، وواضح جدا أن تلك الفوائد قد تأثرت كثيرا نتيجة مواقف الحواضن السياسية للحكومة الحالية”.

وأكد المحلل السياسي أنه لا يستبعد استمرار هذا التذبذب في المواقف السودانية إذا استمر الوضع السياسي والاقتصادي الراهن، لذلك “أجد نفسي غير مطمئن تجاه ثبات المواقف السودانية، وبالتالي النخبة الحاكمة تتحمل المسؤولية فيما لو اتخذوا أي مواقف لها تداعيات سالبة على الأوضاع في البلاد”.

ختاما: لا بد وأن يكون هناك توحيد للمواقف والرؤى، حتى وإن كانت الأصوات السوادنية الوطنية تدعو إلى ضرروة تبني موقف سوداني مدفوع بمصلحة سودانية، وليس انحيازًا لطرف على آخر، إلا أنه يجب في نهاية المطاف التعامل من منطلق واحد، وهو أننا شركاء في مصلحة يجب الاتحاد من أجل إعلائها والدفاع عنها.

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.