المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

الموقف العربي تجاه قضية خاشقجي..استحقاق أم مصالح

0

في مشهد يلفه الضباب بين أنقرة والرياض وواشنطن؛ تغيرت وتبدلت فيه صورة اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية بالعاصمة اسطنبول، فقد دفعت ضبابية المشهد والصورة إلى حرب إعلامية باردة ، وفق ما تم تسربيه حتى الأن من معلومات غير مؤكدة تناقلتها كبرى وسائل الإعلام العالمية إلى اتخاذ أغلب دول المجتمع الدولي قضية اختفاء خاشقجي كحجة للهجوم على المملكة العربية السعودية والضغط عليها ،اذ بدا الموقف الغربي وكانه كرة ثلج مازالت تتدحرج متأثرة بالإعلان التدريجي لتركيا في كشفها للأدلة التي تمتلكها، اضافة الى انه يمثل انعكاسا للموقف الامريكي الذي وان كان ظاهره اخف من الموقف الغربي لتأثره بالمصالح الامريكية في السعودية الا ان تصريحات عدد من السياسيين الأمريكيين يكشف خلاف ذلك اذ دعا بعض اعضاء الكونغرس الامريكي الى فرض عقوبات اقتصادية على السعودية يتعلق البعض منها بإيقاف مبيعات الاسلحة، هذا الموقف يشير بوضوح الى ان الولايات المتحدة تتطابق في موقفها مع جمع التوجهات الغربية المتجهة صوب تدويل القضية ومعاقبة المتورطين من الأسرة المالكة والشخصيات الرسمية السعودية في هذه القضية ، بل يتكهن مجموعة من المحللين بفرض عقوبات قاسية على السعودية ، حتى ان البعض تساءل هل باتت المملكة العربية السعودية تسير في اتجاه الدولة الفاشلة أم اتجاه الدولة المارقة؟
وفي نظرة بانوراميه لتصنيف الموقف الغربي تجاه السعودية نجده تراوح بين المتشدد والمعاقب والمدافع عن حقوق الانسان على مستوى الدول ، في حين على مستوى المنظمات الدولية جاء موقف منظمة العفو الدولية على شكل تقرير يتضمن عشرة نقاط تدين السعودية ويتضمن اتهامها بانتهاكات حقوق الانسان في الحرب التي تقودها ضد اليمن، وانتهاكها لحقوق التعبير، والمرأة ، اضافة الى اتهامها بممارسة سياسة التعذيب والحكم بالإعدام على عدد من المعارضين.
صور أخرى تجسدت على شكل مواقف عالمية وخصوصا الغربية منها حول اختفاء خاشقجي نجد على مستوى الصورة السياسية: موقف البرلمان الاوربي الذي اتخذ قرارا بأغلبية ساحقة يدعو الى تدويل قضية خاشقجي وفرض عقوبات على كل من تثبت ادانته فيها، اضافة الى دعوة العديد من دول اوربا الى تعليق عضوية السعودية في منظمة حقوق الانسان لعدم اهليتها لهذه العضوية.في حين تجسدت الصورة العسكرية في دعوة بعض اعضاء الكونغرس الامريكي الى ايقاف مبيعات الاسلحة الى السعودية، وقد انضمت اليها المانيا بعد اعلانها ايقاف برنامج تدريب حرس الحدود السعوديين
وتبلورت الصور الثقافية في دعوة بعض الدول الاوربية لإغلاق مركز الملك عبد الله لحوار الاديان في فينا وتدعو الامم المتحدة لكشف الحقيقة.
في اطار هذا المشهد المضطرب وبدخول دول على خط المواجهة مع السعودية علنا عبر التصعيد الإعلامي واتهام شخصيات سعودية رسمية بالضلوع في القضية ومطالبتها بتقديم الحقيقة عن هوية من أعطي الأوامر بقتل خاشقجي؛ كل هذا جعل الكثير من الدول العربية ترى ما يحدث في إطار هذه القضية ماهو إلا تصفية للحسابات مما دفع أغلب الدول العربية لتبني الموقف المتضامن مع المملكة العربية السعودية، مثل مصر والاردن والامارات والبحرين وفلسطين وسلطنة عمان والسودان وجيبوتي، واختلفت درجات التضامن فيما بينها ففي الوقت الذي تشدد فيه الامارات على مواجهة الازمة بكل قوة معلنة وقوفها وراء السعودية داعمة لموقفها ومؤكدة على ان استهداف السعودية يعتبر استهدافا لتوازن القوى الاقليمية في المنطقة.
في حين على الصعيد المصري الذي وان اعلن دعمه للموقف السعودي الا ان البيان المصري تضمن ضرورة الكشف عن الحقيقة وطالبت بعدم التسرع في توجيه الاتهام لأي طرف قبل استكمال التحقيق وهو تصريح ينسجم مع التوجهات الغربية.
وعلى صعيد الجامعة العربية والتي يفترض ان تكون المبادرة في متابعة تداعيات القضية باعتبار ان السعودية أحد أهم اعضاء هذه المنظمة؛ إلا أن موقفها جاء لا يتناسب مع تداعيات الازمة فبالرغم من لغة التهديد التي تضمنه بيان الجامعة العربية بإعلانه عن رفضه لأي عقوبات إقتصادية يمكن ان يفرضها المجتمع الدولي على المملكة السعودية أو أية قرارت تستهدف الإضرار بمكانتها الاقليمية والدولية، و مطالبته للغرب بانتظار نتائج التحقيق . الا اننا لم نجده قد تعامل مع القضية بمستوى تعامل البرلمان الاوربي الذي دعى اعضائه الى الاجتماع لمناقشة الازمة وتحديد الاجراءات التي يمكن ان يتخذها الأوربيون تجاه السعودية.
ان تقييم الموقف العربي بصورة عامة، والجامعة العربية بصورة خاصة يكشف عن ضعف الموقف العربي في الصمود بوجه الازمات الطارئة ، خصوصا وان هنالك جملة من الملفات المشابهة لازمة خاشقجي لدى بعض الدول والتي تخشى من انسياقها خلف السعودية ان يكون سببا في اثارت مثل هذه القضايا عليها وتوسيع دائرة الازمة لتشملها، ومن ثم تسعى الى النأي بنفسها عن الازمة والابتعاد عن مسار كرة الثلج التي مازالت تتدحرج ويزداد حجمها بفضل المواقف الغربية من جهة والاعلان التدريجي للأتراك عن تفاصيل القضية والذي يبدو انه مايزال في جعبتها الكثير من هذه التفاصيل من جهة اخرى.
في إطار الموقف العربي أيضا نجد موقفا لبعض الدول التي التزمت الصمت تجاه القضية من دون ان يكون لها اي موقف يذكر وهو موقف العديد من دول القارة الافريقية والتي ترتبط مع السعودية بعلاقات جيدة.
ان موقف الجامعة العربية الضعيف وبعض الدول العربية والافريقية ــــ التي التزمت الصمت ــــ ربما سيكون له تداعياته على موقف المملكة من اطراف هذا الموقف في المستقبل. لان السياسة الخارجية السعودية بقيادة المندفع محمد بن سلمان توحي بان هذا الصمت لن يكون بلا ثمن، فاذا ما تمكنت السعودية من الخروج بأزمتها ربما ستجعلها تعيد النظر في علاقتها مع الجامعة العربية والدول الافريقية على حد سواء ومن ثم ستعمل على اصدار لائحة من المواقف والتي يمكن اعتبارها عقوبات قد تصل الى افراغ البنوك العربية والافريقية من المنح والقروض السعودية، وايقاف صندوق المساعدات للدول الافريقية، بل ربما لا نستبعد ان تتخذ السعودية قرارا بتقليد قطر ومن ثم التوجه الى ايران كدولة يمكنها ان تجعل السعودية تشعر بالاستقرار والهدوء من الصداع الخاشقجي.
#خاشقجي

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.