“عمر بونغو”.. عميد عمداء حكام أفريقيا.. ومؤسس نهضة الغابون
ما بين سندان الحكم ومطرقة المستعمر، جسد بامتياز نمطا من علاقة اتسمت بالانصهار والاضطراب في آن واحد، وبرحيله انتهت سياسة فرنسا التقليدية المدعوة (فرانسأفريك) في أفريقيا. إنه مؤسس نهضة الغابون عمر بونغو.
مولده ونشأته:
ولد ألبرت برنارد بونغو أصغر إخوته الاثنا عشر عام 1935 بقرية لواي بمقاطعة هاوت-أوغو جنوب شرقي الغابون بالقرب من حدود جمهورية الكونغو، وهو من العرقية الباتيك القليلة العدد في الغابون
وقد ولد لأسرة ريفية تعمل في الزراعة، ولأب مسيحي ينتمي إلى أقلية “باتيكي” في بلدة ليواي بجنوب شرق الغابون (تغير اسمها لاحقا إلى “بونغوفيلي” احتراما لعمر بونغو الذين عمل على تطوير البلدة.
لديه أكثر من ثلاثين طفلا بينهم ابنته الكبرى باسكالين مفيري من زوجته الأولى التي تولت منصب وزيرة الخارجية وتتولى حاليا منصب رئيسة موظفي القصر الرئاسي.
حياته التعليمية:
أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في عاصمة الكونغو برازفيل، والتحق بعدها بالقوات الجوية الفرنسية إبان الاستعمار الفرنسي لبلاده وكان أول رجل أسود يخدم في القوات الفرنسية بتشاد حتى استقلال الغابون عام 1958، حيث عاد إلى البلاد وانضم للعمل في وزارة الخارجية.
وقد تم تغيير اسم القرية التي ولد فيها من لواي إلى بونغوفيل تكريما لبونغو الذي عمل على تطوير المدينة. وبعد إنهاء دراسته الابتدائية والمتوسطة في برازافيل (عاصمة أفريقيا الاستوائية الفرنسية) وجد بونغو وظيفة في مركز البريد والاتصالات، ثم التحق بالعسكرية، فتخرج منها ضابط برتبة ملازم بسلاح الجو في برازافيل
حياته السياسية:
وقد ارتقى بالمناصب السياسية بسرعة في عهد الرئيس ليون امبا نظراً لكفاءته وإعطائه المسئوليات حتى غدا نائباً للرئيس عام 1966، واستلم الحكم بعد وفاة الرئيس عام 67 وظل في الحكم حتى وفاته في 8 يونيو 2009. كان مسيحي ولكنه اعتنق الإسلام في عام 1973 وغير اسمه الأول إلى عمر.
خطا خطواته الأولى نحو الرئاسة عندما حصل على ثقة أول رئيس للجابون بعد الاستقلال ليون مبا الذي عينه مديرا لمكتب الرئيس في عام 1962 عندما كان عمره 27 عاما فقط.
عقب هذا الحادث عينه الرئيس مبا في سبتمبر 1965 ممثلا خاصا للرئيس لشؤون الدفاع والتنسيق، ثم أصبح وزيرا للإعلام والسياحة.
وصوله إلى سدة الحكم
عينه الرئيس نائبا له في 12 نوفمبر الثاني 1966، مكافأة على ولائه عقب المحاولة الانقلابية التي تعرض لها، وبعد الانتخابات في مارس 1967 استمر في منصب نائب الرئيس الذي ساءت صحته فجأة وتوفي ليخلفه بونغو في الرئاسة ويصبح رابع أصغر رئيس أفريقي يتولى سدة الحكم.
نال بونغو لقب أقدم زعيم فى الحكم في العالم حيث ظل يحكم بلاده لمدة ٤١ عاما، وكان بونغو تولى الرئاسة عام ١٩٦٧ بعد ٧ سنوات من استقلال بلاده عن فرنسا التي تجمعهما علاقات وطيدة.
تعرض بونغو للاعتقال على يد جنود متمردين انقلبوا على الرئيس ليون مبا وخطفوه في المحاولة الانقلابية الوحيدة في تاريخ البلاد، التي لم تدم سوى يومين، وأنقذت قوات مظلية فرنسية الرئيس المختطف ومدير مكتبه بونغو وأعادتهما إلى السلطة.
وطوال فترة حكمه الممتدة لـ 41 عاما، لم تحصل مشاكل عرقية، وكانت الغابون مستقرة وبوضع آمن بشكل عام. وقد استفادت الغابون من الثروة النفطية، بالرغم من أن معظم السكان لا يزالون فقراء، وقد تعرض بونغو ورفاقه بشكل مستمر للاتهام بعمليات احتيال وفساد خطيرة.
اعتنق بونغو الإسلام عام 1973 في بلد يشكل المسلمون فيه أقلية تبلغ 12% وغير اسمه من ألبرت بيرنارد بونغو ليصبح الحاج عمر بونغو، ثم أضاف إليه لقب أونديمبا عام 2003.
أنهى بونغو في التسعينيات نظام الحزب الواحد الحاكم، حيث عقد بضغط من المعارضة انتخابات متعددة الأحزاب عامي 1993 و1998 وفاز فيهما.
وغيّر الدستور عام 2003 ليسمح لنفسه بالترشح لمنصب الرئاسة مرات عدة، وعقدت آخر انتخابات رئاسية في عهده في نوفمبر/تشرين الثاني 2005، حيث أدى اليمين الدستورية لولاية جديدة من سبع سنوات في 19 يناير/كانون الثاني 2006.
وفي خطوة غير متوقعة علّق بونغو في مايو 2009 مهامه الرئاسية للمرة الأولى مرة بحجة حزنه على زوجته إيدث لويسي ابنة رئيس الكونغو دينس ساسو نغيوسو التي توفيت في مارس من نفس العام.
علاقته مع فرنسا
كان عمر بونغو يتأرجح دائما بين التبعية والتمرد. ويعبر عن هذا التوازن الذي أقامه في مقابلة مع صحيفة ليبراسيون عام 1996 بقوله: «أفريقيا من دون فرنسا، هي مثل سيارة من دون سائق، وفرنسا من دون أفريقيا، هي مثل سيارة من دون وقود».
كان النفط هو القيمة الحاضرة في العلاقات الغابونية- الفرنسية من خلال شركة «ألفاكيتان» التي أنشئت عام 1967، وحظيت بوضع ضريبي مميز، وأسهمت في إثراء الرئيس وعائلته وحلفائه. وبفضل الريع النفطي استطاع بونغو أن يشكل زبائنية سياسية على الصعيد الداخلي من خلال شراء معارضيه السياسيين، وخلق بطانة منتفعة حول حكمه.
وفاته
ونقل عمر بونغو فجأة للعلاج في عيادة خاصة في مدينة برشلونة الإسبانية، حيث ذكرت تقارير أنه يعاني من سرطان متقدم، قبل أن تعلَن وفاته في 8 يونيو/حزيران 2009.وتوفي عمر عن عمر يناهز الـ 74 عاما وكان قد تولى رئاسة البلاد وهو في الثانية والثلاثين من عمره.
نبذة عن دولة الغابون
الغابون إحدى دول وسط أفريقيا، يمر خط الاستواء من منتصفها تقريبا، وتحدها غينيا الاستوائية والكاميرون من الشمال، الكونغو من الشرق والجنوب، وتطل من الغرب على المحيط الأطلسي، وتبلغ مساحتها ما يقارب نصف مساحة فرنسا، ورغم هذا، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 1.5 مليون نسمة.
وكانت الغابون مستعمرة فرنسية، نالت استقلالها عام 1960، ورغم غناها بالموارد الطبيعية التي كان يمكن أن تجعل منها «كويت إفريقيا»، ولا سيما في مجال النفط، إضافة إلى وجود ثروات باطنية أخرى في أرضها (مثل الحديد والمنغنيز)، وثروة خشبية هائلة نظرا لكثافة غاباتها، فإن الأرقام تؤشر على الهوة السحيقة التي تفصلها عن الواقع المعاش للشعب الغابوني. إذ إن الناتج المحلي الإجمالي للفرد يبلغ 12000 دولار سنويا (ما يقارب 8500 يورو)، أما على صعيد مرتبتها في سلم التنمية الإنسانية فهي تأتي في المرتبة 144 من أصل 178، ويبلغ متوسط الحياة للفرد فيها 53 سنة، وهناك امرأة من أصل اثنتين لا تذهب إلى المدرسة، وخمس السكان الذين هم في سن العمل يعانون البطالة.