المركز العراقي الافريقي للدراسات الاستراتيجية
الموقع الرسمي

مستقبل الصراع السياسي في العراق بين الأغلبية والتوافقية

0

مستقبل الصراع السياسي في العراق بين الأغلبية والتوافقية

د: هاشم العوادي

مدير المركز

لا يزال الانقسام السياسي سيد الموقف في العراق بعد خوض انتخابات مجلس النواب العراقي 2021 ، هذه الانتخابات المثيرة للجدل والتي أجريت بشكل مبكر عن موعدها ، كنتيجة للحراك الاحتجاجي الذى طال أنحاء البلاد، ضد النخب السياسية المسيطرة على المشهد السياسي منذ سنوات ، لتعيد رسم خارطة المكونات السياسية العراقية بين الاختفاء والظهور والتنامي والضمور ، وبالرغم من القراءات التحليلية الراصدة لهذا المشهد والذى يظهر فيه تحولا لفاعلية الناخب العراقي سواء من حيث المشاركة او المقاطعة . ففي النهاية يأتي الإقبال الضعيف على عكس التوقعات التي كانت تفيد بأن هذه الانتخابات ستكون وسيلة للخروج من الأزمة السياسية الناتجة عن الحركة الاحتجاجية الكبيرة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، والتي استمرت لحوالي عامين، بشكل متقطع.

الا ان تأخير الاستحقاقات السياسية لها ( تشكيل السلطة التنفيذية ) كشفت عن ضعف هذا التحول  وعجزه عن فرض قواعد جديدة للعبة السياسية العراقية خصوصا بعد محاولة البعض (سحب) عملية اخراج هذا الاستحقاق السياسي من التوافقية الى الاغلبية بدعوى الخروج من هيمنة المحاصصة المكوناتية ( القومية والطائفية ) على المشهد السياسي.

وبالرغم من الاستقرار النسبي الذي يشهده الشارع العراقي (سواء على الصعيد الامني او الحراك الشعبي)، و(تراجع) التأثير الاقليمي لبعض الفواعل الاقليمية والدولية في المشهد السياسي وتعافي الاقتصاد العراقي من التداعيات التي خلفها انتشار كوفيد 19 والتي ساهمت الحرب الروسية الاوكرانية بإحداث قفزة مالية لعائدات النفط العراقية. بالرغم من كل هذه التداعيات والمتغيرات المحلية والاقليمية والدولية فشلت القوى المتسيدة للمشهد السياسي الجديد عن فرض ارادتها في عملية الاخراج للمشهد السياسي، بل ان حالة الصراع والممانعة السياسية بين اطراف العملية السياسية شهدت تطورا خطيرا على صعيد التوافقات البينية، فبعد ان كانت الانتخابات السابقة تشهد صراع التوافق على مرشحي الرئاسات الثلاث على الصعيد المكوناتي، ويتم حسم هذا الصراع من خلال التوافقات المكوناتية، نجد في انتخابات 2021 ان صراع الحسم لمرشحي هذه الرئاسات اخذ بعدا بينيا لهذه المكونات، اي صراع بين الاطراف السياسية للمكون الواحد.

على السلطة التشريعية ربما يكون المكون السني هو الاسرع في حسم هذا النزاع اذ تمكن من اختطاف الاضواء في الجلسة الاولى وسارع الى تجديد الثقة لرئيس البرلمان السابق السيد محمد الحلبوسي ليستمر في منصبه لدورة نيابية ثانية، قافزا على الازمات السياسية بين اطراف المكون والتي بلغت ذروتها بإعفاء السيد خميس الخنجر عن رئاسة تحالف عزم

واما على مستوى السلطة التنفيذية تشهد الساحة الكردية صراعا محتدما على مستويين بين قطبي التمثيل الكردي في البرلمان الاتحادي ( الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني  الكردستانيين) الاول هو اصل المنصب اذ يعتبر الاول تفوقه على الثاني في عدد المقاعد التي كسبها في الانتخابات الاخيرة استحقاقا للمنصب، بينما يرى الثاني بان المنصب خاضع للتداولية بين الحزبين وعليه لابد من قبول مرشحه لمنصب الرئاسة.

 واما المستوى الثاني فهو الاختلاف على المرشحين لاسيما بعد دخول القضاء العراقي على خط الصراع وقبوله للمطالب التي قدمها عدد من اعضاء مجلس النواب العراقي بإلغاء ترشيح السيد هوشيار زيباري ( الذي شغل العديد من المناصب الحكومية مثل وزير الخارجية والمالية ) لعدم استيفائه لشروط الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية والتي منها ان يكون المرشح “حسن السمعة والاستقامة” استنادا الى وجود عدد من الدعاوى امام القضاء العراقي تتهم المرشح زيباري بالفساد. وما زال الصراع غير محسوم بين الاكراد على هذا المنصب حتى اعداد هذا المقال.

واما على مستوى رئاسة الوزراء فالصراع ربما يكون اكثر تعقيدا، وحدة وربما يهدد مستقبل المسار السياسي والديمقراطي في الدولة العراقية. اذ ما بين الاطار والتيار ( قطبي المكون الشيعي سياسيا ) تدور رحى هذا الصراع، اذ يتمسك تحالف الاطار بالتوافقية كأساس لحسم هذا المنصب، بينما يطالب التيار الصدري بانفراده في تشكيل الحكومة استنادا الى حقه الدستوري لكونه صاحب اعلى نسبة للمقاعد البرلمانية، والتي جعلت منه الكتلة النيابية الاكبر.

لقد اصبح هذا الصراع بين الاطار والتيار كالعصا في عجلة استكمال الاستحقاقات الهيكلية للمؤسسة الرئاسية التنفيذية، ولم تشفع المبادرات المتبادلة بين الطرفين لتجاوز هذه الازمة السياسية ، اذ يرى الاطار ان هناك محاولة لإقصاء كتلة شيعية لايمكن الاستهانة بها، وان انفراد التيار بالسلطة يمكن ان يقود الى تهديد الامن والسلم المجتمعي، خصوصا مع وجود جناح عسكري للتيار كبير وواسع لايمكن الاستهانة به، وقد خاض العديد من الصراعات المسلحة سواء مع قوات الاحتلال الامريكي، او مع فصائل مسلحة محلية او ارهابية ( داعش مثلا ).

اما بالنسبة الى التيار الصدري فانه يرى  بان بعض قوى تحالف الاطار تتحمل المسؤولية الكاملة عن تدهور الاوضاع السياسية والامنية والاقتصادية في العراق وبالتحديد السيد نوري المالكي الذي كان رئيسا لوزراء العراق لدورتين سابقتين، اضافة الى ان التيار يحمل حالة الاستعداد والرفض المطلق للمالكي لانه قاد حملة عسكرية خلال فترة رئاسته الاولى ضد التيار في محافظة البصرة والتي اطلق عليها عملية ( فرض القانون ) اذ كان التيار يرى بان هذه العملية استهدفت الجناح العسكري للتيار وكانت سببا في تراجع قوته ونشاطه العسكري في البلاد، فضلا عن تسببها في احداث انشقاقات داخل التيار. وقد سعى التيار الى كسر ائتلاف الاطار من خلال دعوته الى بعض اطرافه للحوار مشترطا عليهم عدم اشراك المالكي، ورفضه منحه اي مكاسب سياسية او حقائب وزارية في حال انتهت هذه الحوارات الى تفاهمات وتوافقات على تشكيل الحكومية القادمة.

وبناء على هذه المعطيات فانه ربما سيكون هنالك اتفاق بين الحزبين الحاكمين في اقليم كردستان على منصب رئيس الجمهورية من خلال ترشيح شخصية مقبولة من الجميع. واما ما يتعلق بمنصب رئيس الوزراء فان استشراف مستقبل الصراع بين جناحي المكون الشيعي السياسي ( تحالف الاطار والتيار الصدري ) يمكن ان تضعنا امام السيناريوهات التالية:

السيناريو الاول ( اتفاق الاطراف ) : من أجل الحفاظ على السلام السياسي لجميع الأطراف الفاعلة في العراق، يتوقع يتم إرضاء الجميع، والعودة إلى الدستور غير المكتوب لتقاسم السلطة

وعليه يتم تحويل الصراع الى تقاسم الحقائب الوزارية والذي يمكن له هو الاخر ان ينتهي من خلال ( المحاصصة الحزبية ).

السيناريو الثاني ( إنفراد طرف بالمشهد السياسي) : وهو ما سيعيد الوضع السياسي الى ازمة الاختيار والاتفاق على مرشح رئاسة الوزراء التي خلفتها استقالة السيد عادل عبد المهدي، اذ شهدت هذه المرحلة فشل اكثر من مرشح تم تكليفه بتشكيل الحكومة كالسيد محمد توفيق علاوي والسيد عدنان الزرفي. وهذا السيناريو يعتبر من السيناريوهات الخطرة التي يمكن ان تصيب المؤسسات الحكومية بشلل في توفيق أوضاع الدولة .

السيناريو الثالث (حكومة المستقليين ): وهو من اضعف السيناريوهات وهو تصدي جماعة المستقلين سواء المتحالفين مع طرفي الصراع أو غير المتحالقين  الى تشكيل الحكومة وبما ان تجربة المستقلين ماتزال في بدايتها فإنها يمكن ان تواجه العديد من التحديات التي قد تساهم في تكرار تجربة السيد عادل عبد المهدي ، لاسيما وان هذه الحكومة ستعجز عن مواجهة التحديات الاقليمية والدولية كاحتمالية انفجار الوضع بين ايران والولايات المتحدة الامريكية، والتداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الاوكرانية. أضافة إلى ازمة  المياه وأزمة الأمن الغذائي .

السيناريو الرابع ( إنفجار المشهد السياسي ) بناء على تشدد اطراف الصراع والذي ربما سيقود اطرافه الى الاحتكام للشارع مما ينذر بعودة الاوضاع السياسية الى نهايات العام 2019 وربما سيدخل العراق في صراعات محلية يرى فيها اقليم كوردستان فرصته في تحقيق اهدافه الاستقلالية خصوصا بعد اجراءه للاستفتاء الشعبي على ذلك عام 2017، فضلا عن نتائج الاحاطة التي قامت بها مندوبة الامم المتحدة في العراق في شهر ايار ـــ مايو الجاري والتي افضت الى اقرار التواصل مع سلطة الاقليم فيما يتعلق بالأزمة السياسية والذي يرى فيه البعض تدويل لأزمة الانسداد السياسي في العراق.  وهذا المشهد ربما سيعيد طرح مشروع اقلمة العراق او يسرع في تقسيمه ضمن وصاية دولية.

هذا السيناريو سيضع العراق امام احتمالات كبيرة وخطيرة تهدد مستقبل الدولة العراقية، فضلا عن العملية السياسية.

نقلا عن موقع المسار الاخباري

شاركنا رأيك

بريدك الإلكتروني مؤمن ولن يتم اظهاره للعلن.